مرضٌ أسبابه غير واضحة، يبدأ مع الأطفال، ولا ينتهي، يصيب الجهاز العصبي المركزي في الدماغ، إما أثناء الحمل أو بعد الولادة، أو خلال السنتين الأولى من عمر الطفل.
الجينات، والتسمم بالمعادن الثقيلة ( الزئبق، الرصاص) وتأثير المطاعيم، نفاذية الأمعاء وتأثير الجلوتين والكازئين..تلك أحوال الطفل المصاب بالتوحد.
التوحد، مرضٌ غير وراثي، واحتمالية الإصابة به تزداد عند الأسر التي لديها إصابة بمرض التوحد، هو اضطراب نمائي يصيب الطفل خلال السنوات الثلاث الأولى من حياته، أول ما يتأثر فيه، اللغة، ما يجعله منسحب اجتماعيا ويفقد اللغة التي اكتسبها وتظهر لديه خصائص في السلوك، متنوعة وشاذة.
والدة سيف، دخلت في فصول من المعاناة مع ابنها سيف الذي يبلغ من العمر 6 سنوات، حيث تعرفت على حالته عندما تخطى عامه الثاني، كان حينها بدأ بفقد تركيزه وتحديد نظره على الناس ومنعزل عن الوسط المحيط به.. "أصبح بعد ذلك، نشيطا بشكل غير طبيعي. راجعنا أطباء كثيرين إلى أن عرفنا فيما بعد بأنه متوحد".
أسامة 34 عاما، لم يدرك ما أصاب أبنه صهيب في السنوات الأولى من عمره الذي يبلغ حاليا 9 سنوات، الأعراض بدأت تظهر عليه تدريجيا ما دفع عائلته إلى السؤال المستمر "لماذا صهيب منطوي على نفسه لا يتدخل بأحد متأخرا في الحديث لديه حركات لا إرادية بيديه"..مقررا أسامة وزوجته أخذه إلى مديرية كشف الإعاقات المبكرة لعله يخبأ ما كان في حسبانهم يوما.
"لم نعرف ما المرض، لكن بعد ان قالت إحدى الطبيبات العاملات في المركز بالصدفة إنه يشتبه بإصابته بالتوحد دخلنا في فصول من المعاناة لمساعدته".
فيما أصيب الطفل عمر بالتوحد في السنة الثانية من عمره، حيث دخلت والدته في جولات بين الأطباء والمستشفيات، باحثة عن من يساعدها "عمر ليس كباقي أقرانه من الأطفال، بدأ يفقد قدرته على النطق، ما اضطرني لأخذه إلى عدة أطباء ولم يشخصوا حالته". بلغ من العمر حاليا 9 سنوات ولديه صعوبة على التأقلم مع الوسط المجاور له.
الدكتورة سهام الخفش، رئيسة جمعية مساندة ودعم الأفراد التوحديين وأسرهم الخيرية، لا ترى في التوحد بالمرض، "هو اضطراب نمائي"، وتعتقد أن المشكلة تكمن من عدم معرفة المرض "وهذا ينعكس على الطفل، ما تظهر خصائص غريبة، فالأهالي يجهلون التوحد ما يجعل حالة الطفل تتطور من مرحلة بسيطة إلى مرحلة متقدمة".
تسجل حالات التوحد لدى الذكور أعلى من الإناث بنسبة 1\4 ..وتعزو ذلك الدكتورة الخفش إلى "علاقة الكروموسمات بشكل مباشر ما يجعل الذكور أكثر من الإناث". فيما تشير بعض الدراسات الى احتمالية ارتباط مرض التوحد مع مجموعة من الجينات حيث لها تأثير مشترك، وارتباطها بالكروموسوم 16.
مدير قسم الأمراض غير السارية في وزارة الصحة، الدكتور محمد الطراونة، يقول أنه لا توجد إحصائيات لدى الوزارة حول التوحد كما لا يوجد تشخيص أو بيانات عن حجم المشكلة.
رئيس قسم الأطفال في مستشفى البشير، سمير الفاعوري، يقول: نحن نستقبل الحالات المرضية التي تستدعي دخول المستشفى، ونستقبل الأطفال الذين يعانون من التهاب رئوي، كلى، هبوط قلب، تسمم والتهاب دم، وحالة التوحد لا تنطبق على ما ذكرناه سابقا، فهو لا يعاني من نزيف دم أو من أوجاع.
وتستقبل المستشفيات الحكومية أطفال التوحد في إطار مراجعة للعيادات الخاصة لمرة واحدة يتم الكشف عنه، "هو يحتاج إلى متابعة سريرية وتشخيص لتحديد حالته".
على الأهل دور كبيرة في مراقبة أطفالهم التوحديين - وفق الطبيب الفاعوري- فالتوحد لا يظهر من المراجعة الأولى ويحتاج إلى متابعة وجلسات مع أطباء نفسيين وأعصاب وأطفال.
استفاد الطفل صهيب من الجمعيات الخيرية "نسبيا" وانعكس إيجابا بالتصرف والاختلاط، لكن، "لم يستمر طويلا لأن الجمعيات غير مؤهلة لكون الوسط المجاور لطفلي صهيب أطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة ما ينعكس سلبا عليه، عندها فكرنا نرعاه في البيت والجمعيات المتخصصة بالتوحد مكلفة جدا".
أما والدة عمر، فجالت بين العديد من المراكز، تقول: "المراكز المتخصصة بالتوحد غالية جدا ولا نملك مالا مضاعفا لوضعه فيها".
فيما حاولت والدة سيف الاطلاع على المراكز التي ترعى أطفال التوحد لكنها اصطدمت بمستوى الأسعار "الأول يأخذ في السنة 6 آلاف دينار والثاني 5 آلاف دينار" أثناء ذلك، تأثر سيف سلبا من المراكز التي تؤهل جميع ذوي الاحتياجات الخاصة مع بعضهم البعض، ويتلقى سيف حاليا العناية الحثيثة من أمه داخل جدران المنزل.
وتنشط 4 مراكز متخصصة بالتوحد غير أنها باهظة الثمن، ليضحى طفل التوحد ضحية الأوضاع الاقتصادية وأهل لا يقون على إدخاله في المراكز وحكومة لا تعترف بالتوحد بعد.
الدكتورة سهام الخفش، ترى أن كلفة مراكز التوحد المرتفعة تزيد من معاناة الأهالي، فيما لا تقدم المراكز الأخرى الخدمة الجيدة أو الرعاية بطرق علمية "يتم دمج طفل التوحد مع طفل معاق عقليا ما سيتأثر أكثر، فيما الأصل يجب وضعه في مكان فيه نموذج سوي ليتعلم".
لا بد من وجود دور للجمعيات التطوعية لتنشر الوعي بين الناس، هذا ما يراه الدكتور الفاعوري قائلا: مثل مرض التلاسيميا قامت المؤسسات بالتوعية منه وبعد ذلك قامت الوزارة بتأمين الخدمة ثم أصبحت هناك قاعدة بيانات لهذا المرض هو ليس من أولوياتنا.
ويتفق الدكتور الطراونة مع الفاعوري، ويقول: وجود جمعيات أو مراكز خاصة بالتوحد كافية، وإذا كان هناك من برامج فستكون ضمن الدوائر الخاصة بالأطفال داخل المستشفيات الحكومية.
فيما ترى الخفش أن الجمعيات "لا تستطيع العمل لوحدها ولابد ان تقوم مع الحكومة للنهوض معا، كما أن وزارة الصحة لها دور كبير في تشخيص المرض ولم تقم حتى الآن بتشخيصه".
تطالب والدة سيف بإيجاد مراكز متخصصة تضم أطفال التوحد "على أن لا تكون مرتفعة الثمن". وسبق أن طلب أحد الأطباء منها بإخضاع ابنها لفحص الحساسية، لكنها تفاجئت من رسم الفحص الذي وصل إلى 300 دينار ما اضطرها إلى العودة إلى البيت وعدم فحصه.
تسعى الجمعية لتأسيس قاعدة بيانات حول حجم التوحد في الأردن ومعرفة التوزيع الجغرافي وفئاتهم العمرية، لكنها لا تستطيع في الوقت الحالي لسبب تعزوه الدكتورة الخفش إلى عدم وجود دعم من وزارة الصحة التي لم تتحرك بعد لمتابعة الحالات ودراستها.
لكن أولويات قبول الحالات بالنسبة لمستشفيات الحكومة متفاوتة والتوحد ليس الأولوية، ويتساءل الفاعوري "عندما يكون لدينا طفلين؛ الأول لديه هبوط في القلب وآخر توحد..من نستقبل؟ مصنفا التوحد كواحد من أمراض الدماغ الخفيفة.
هنا، تتمنى والدة عمر أن تبادر وزارة التربية والتعليم "وتساعدنا نحن أسر ذوي المتوحدين على مساعدتنا..الأطفال ضحايا التوحد، والأهالي لا يعرفون، والأطباء لا يدركون".. تقول والدة عمر معتبرة ان ابنها ضحية الجهل وعدم المعرفة الأولية لحالته لدى إصابته بمرض التوحد.
وتشكل الأمراض غير السارية ما نسبته 40% من أمراض العصر في العالم، وفق الدكتور الطراونة.
مرشدة الأطفال ندى حماد، مشرفة على عدد من أطفال التوحد، تقسم أعراض التوحد وفق الحالات التي تتعامل معها، إلى ثلاثة مراحل: (حالة بسيطة، حالة متوسطة حالة شديدة)، تقول: "المرحلتين الأولى والثانية يمكن التعامل معها، حيث يخضع الطفل للرعاية ليتحسن ويستطيع التعامل اجتماعيا مع محيطه من الأطفال، ويكون كما الآخرين، فالاهتمام يؤثر إيجابا عليه".
ويعاني أطفال التوحد من تحسس من بعض المواد الغذائية لاسيما المنتجات الحيوانية منها، "هذا التحسس إذا ازداد في جسم الطفل يصبح سموما ما يدفع الطفل إلى التصرف بشكل جنوني كون المواد زائدة ما تصبح كمادة أفيون المخدرة في جسمه"..وفق الدكتورة سهام الخفش.
بعد أن بلغ عمر السادسة، بدأت والدة عمر بتطبيق نظام حمية له، "من خلال الفحص تبين ان في بول الطفل مادة أفيون وهذا ناتج من مشتقات الحليب، ويعاني من إمساك أو إسهال".
ويتدخل أخصائيو التغذية بالنظام الغذائي لطفل التوحد، ذلك للسيطرة على العديد من المشاكل التي تحدث معه، ويكون سببها الغذاء، وتوضح أخصائية التغذية أماني الحديدي، علاقة التوحد بالتغذية، "التوحد يؤثر على مستويات الغذاء من حيث هضمه وامتصاصه".
يتم إخضاع الطفل لنظام حمية من خلال مكملات غذائية معينة أو معالجات تغذوية سلوكية..وتسرد الحديدي بعضا من أشهر الحميات، "حمية عن مواد الكلودين والكازئين، وحمية عن الخمائر لكون أجساد الأطفال تحتوي على كمية كبيرة من الخمائر التي تؤدي إلى ظهور سمات توحودية وتعتمد الحمية على إزالة السكريات، وهناك حمية أخرى تتمثل بربط المعادن الثقيلة وتعمل على إزالة السمية من الجسم وبخاصة من المواد التي تحوي على النسبة العالية في أجسامهم من الزئبق والرصاص".
من أشهر أنواع الحميات؛ حمية إزالة المواد الصناعية والحافظة والملونة وصناعية مختلفة والاعتماد على نظرية أن الأجسام لا تستطيع من إخراجها.
من أشهر المكملات الغذائية المستخدمة في التوحد بعض الفيتامينات مثل B6 والمغنيسيوم وb12 والأحماض الدهنية نوع MEG3 ومضادات الأكسدة وتبقى نسبية من طفل لآخر.
بضوء عملها مع أطفال توحد، ترى ندى أن هناك أهالي ينكرون أطفالهم ويرفضون فكرة أنه مصاب بالتوحد.. "في المحصلة يتراجع الطفل إلى الوراء، ويبقى على عمره" وإذ ما أعلن الأهالي رفضهم ما يعانيه ابنهم "سيكونوا قادرين على جعله شخصا منتجا وفاعلا في مجتمعه".
وتروي حالة طفل متوحد بدرجة شديدة "لا يتفاعل مع أحد لا ينظر إلى العيون ومع تدريبنا له خفت الأعراض، إمكانية جعله متواصل مع الناس سهلة فالمهم الرعاية".
تتمنى رئيسة جمعية مساندة ودعم الأفراد التوحديين وأسرهم الخيرية أن تبدأ مبادرات من قبل وزارة التربية والتعليم "نريد من المدارس ان تتهيأ لاستقبال الطلاب المتوحدين". كما على وزارة التنمية الاجتماعية "تأمين صفوف من خلال المراكز المنتشرة لها وتهيئتها أو تدعمنا لفتح مركز وطني متخصص".
http://ammannet.net/look/naswanas/article.tpl?IdLanguage=18&IdPublication=3&NrArticl e=20603&NrIssue=5&NrSection=42