#1  
قديم 03-06-2010, 10:33 AM
الصورة الرمزية معلم متقاعد
معلم متقاعد معلم متقاعد غير متواجد حالياً
عضو ذهبي
 
تاريخ التسجيل: Mar 2008
المشاركات: 1,190
افتراضي "خلاطة" الانفعالات الطازجة

 

"خلاطة" الانفعالات الطازجة

الدكتور موفق العيثان استشاري علم النفس العيادي


عندما تتحدث السيدة وجيهة عن بنتها رباب، كأنها تتكلم عن بنت أخرى، كأنها كائن نفسي لا يمت بصلة إلى البنت التي بجنبها إطلاقا. رباب بلا شك عندها من الذكاء ما يجعلها قادرة على تقديم أفكارها متناسقة- عندما تريد ذلك فقط. هذا ما لاحظه الأب كذلك، حين يجدها أحيانا ذات أفكار غير متناسقة.......! هذه الحيرة لا علاقة لها بقدراتها الذهنية أو ذكائها، بل بانفعالاتها، غير المتوقعة أحيانا.
رباب بنهاية المرحلة الابتدائية ولم تصل الثالثة عشرة بعد لكنها بدأت بالنضج مبكرا جدا. في فصلها متعاونة مع المدرسة والبنات جدا وعلاقاتها الاجتماعية ممتازة، لكن أحيانا تنعزل عن الآخرين لساعات من غير سبب. تقلق الأم كثيرا على هذا التذبذب الانفعالي عند بنتها.
أحيانا بينما رباب تشاهد التلفزيون وإذا بها تصدر أصواتاً غريبة، معبر عن فرحة كبيرة لا يمكن تبريرها بالمشهد الحالي!! بينما في أحيانا أخرى تميل للبكاء أو الحزن وتعبر عن ذلك ببعض الألفاظ التي تبدو أكبر من عمرها :عن الحياة أو الزواج أو الأطفال. الأغرب من هذا أنها تضحك أحيانا بلا سبب وسط الأسرة وهي تتحدث عن موضوع لا ضحك فيه أبدا. رباب الهادئة جدا تبدأ عليها مشاعر الغضب، ومع الغضب تأتي بعض الأفكار الغريبة والتي توحي بأنها غير مرغوب فيها بالبيت وأنها البنت الغريبة بين أهلها. وأكثر من هذا فإنها تردد في هذه النوبات أفكارا عن الموت وأنها أفضل لها أن تموت من أن تعيش مع هذه الأسرة!!
من الطبيعي أن هذه التقلبات الانفعالية غير المتوقعة من البنت المعروفة بين كل أفراد الأسرة بأنها هادئة وعاقلة جدا
تقلق الأهل جدا، مما جعل طريقتهم بالتصرف معها غير متزنة ولا متناسبة مع الانفعالات. لسبب كبير جدا هو عدم مراعاة نمو الطفلة رباب.
ليس كل المراهقات يتشابهن بنموهن النفسي، طبعا ولا كل المراهقين كذلك. كثير من الأمهات مثلا يرعبهن انفعالات بناتهن في مرحلة المراهقة، ويتفاعلن معهن بطريقة غير متناسبة أو مبالغ فيها إلى الحد الذي يضر بهن وبالأسرة أجمع.
لنفهم الوضع جيدا من الناحية النفسية، يجب أن نتطرق لأمور غاية في الأهمية في مرحلة المراهقة:
أولا يجب أن نبدأ الحديث بأن المراهقة ليست حدا زمنيا يبدأ بيوم محدد وينتهي بآخر. بل إن المرحلة تبكر عند بعض المراهقين ( ذكورا أو إناثا)، وقد تتأخر عند آخرين إلى الدرجة التي يصعب تحديدها عند الفرد، لكن هناك صورة نمطية قد تنطبق على البعض في فترة ما وقد لا تنطبق على آخرين حتى مرحلة عمرية أخرى. ثم إن المراهقة بها أنماط غير متجانسة في سرعة النمو- فقد تنمو الحالة الجسدية بأسرع من الحالة النفسية والانفعالية. تبدأ علامات الرجولة أو الأنوثة قبل نمو الانفعالات المضطربة أو المتزنة عند المراهقين- بلغة مبسطة فإن مسارات النمو غير متوازية.
من الناحية الأخرى-والمهمة جدا- هي ردة فعل الآخرين وتعاونهم وتفهمهم للمراهق والمراهقة. من الشائع في ثقافتنا العربية أن نرمي ألقاباً غير طيبة وسيئة جدا على المراهق (وعلى غيرهم- رغم حث الدين الإسلامي على عدم التنابز بالألقاب!!) وهذه في هذه الفترة لها تأثير سيئ على نفسية المراهق يبقى إلى آخر عمره.
إضافة إلى أنه يجب أن نفهم بأن المراهق والمراهقة في هذا العمر يكونان في حالة من التمركز حول الذات- تجعل ردة فعلهما لأي شيء يقال عنهما أو حتى عن آخرين، ردة فعل مبالغاً فيها جدا. هذه المبالغة تزيد من حيرة الأهل والأقارب. الغريب في الأمر أن الوالدين لا يتذكرون خبراتهم الشخصية في ذلك العمر من نموهم. إن التمركز على الذات بدرجة عالية جدا يجعلهم يشعرون بأنهم مركز العالم- وكان الناس ينظرون إليهم دائما، لذلك يبالغون في اهتمامهم باللبس والمشي وربما العطور..... إلخ، ويغالون بمراعاة ما يقوله الناس عنهم- الغرباء والأقارب سواء-أو يفكرون بأن الآخرين يقولون عنهم..... حتى لو كان الواقع يوحي بعدم اهتمام الآخرين بهم. النقطة الأخرى المهمة جدا هي أنهم يبالغون في مجاراة الآخرين ويقلدونهم بما يبعدهم عن الأهل كثيرا. الكلام هذا لا ينطبق بالضرورة على كل مراهق أو كل مكان وزمان.
كيفية التعامل مع المراهق مهمة جدا لملايين الأسر وليس من باب الترف. بالذات في عصرنا حيث إن النمو النفسي لم يعد بالسهولة التي اعتادها ملايين من الأمهات والآباء. إن الهوية النفسية المعاصرة لم تعد محددة المعالم للمجتمعات كما كانت من عقود من الزمن، فكيف ستكون للمراهق الأضعف نفسيا والأسرع تقلبا في سنين قلائل؟؟!!
لقد اعترفت السيدة وجيهة بأنها نعتت ابنتها رباب مرات بالمجنونة أو " يا المرجوجة" وهي من الكلمات العادية عند البعض، لكن وقعها عميق مما يشكل أخدودا نفسيا في ذات البنت وتقديرها لنفسها. وهذه من الأخطاء الشائعة التي اعتادها مجتمعنا وربما كانت أقل إيلاما في الماضي- حيث كانت هي النمط السائد ولا نعرف بديلا للعقليات ولا حقوق الإنسان ولا احترام الرأي ولا الرأي الآخر.
من الأساليب النفسية التي دائما أنصح بها الوالدين خلق أرضية صلبة من الانفعالات والعواطف الإيجابية طول الخط بلا انقطاع مع حفظ التوازن بين تربيتهم وحبهم- أعني بذلك أن يمتدح الأهل أجمع أعمال وسلوك المراهق باستمرار كلما سارت نحو الشيء المرغوب، كان يقال له دوما بأنه مرغوب به باللغة المناسبة للبيت وللمراهق- منها تعبير بأن الوالدين يحبانه/ يحبانها. كلمة الحب والحنان هذه مع التشجيع غير المفرط به يبنيان أرضية من تقبل الأهل للمراهق كما هو وتقللان من انفعالاته وتذبذهم الانفعالي. المراهق يريد دوما أن يعرف أنه محبوب- عطشى للحب- وأحسن للأسرة أن تروي هذا العطش، ولا تترك التربية والتهذيب في نفس الوقت.
وكذلك من الأساليب النفسية المهمة جدا أن يتعلم الأهل ترك السلوكيات الغريبة أحيانا- كما بدت على رباب – وعدم التعليق عليها. إن هذا من شأنه أن يقلل من تركيزها على نفسها، ويبعد شبح الصفات السلبية المذكورة أعلاه "المرجوجة" لكيلا تبقى صفة متلازمة لها طول العمر مثلا. لكن السبب النفسي الأكبر هو أن ترك هذا السلوك (عندما يكون غير خطر على البنت أو الولد لا نفسيا ولا جسديا ولا يتعارض جدا مع المجتمع)، إن تركه من شأنه أن يقلل تكرار حدوثه بالمستقبل القريب. إن السلوكيات في هذه المرحلة عادة ما تكون عابرة ليست دائمة فليقلل الأهل من قلقهم ويتكيفوا مع المرحلة.
إن الجلوس والتحدث مع رباب لم يوح بوجود أي اضطراب نفسي أو انفعالي يهدد شخصيتها أو نموها النفسي، بل هذه مرحلة نفسية تمر بها البنت مصاحبة للتغيرات الجسدية السريعة جدا والتي تمر بها لأول مرة بحياتها. أحيانا تسرح رباب في خيال وتخلط بين الواقع والخيال وتكون ردة فعلها وكأن فكرتها بالواقع، لكن الأهل لا يعرفون بخيال اليقظة- فقط يرون ردة فعل غير مناسبة. إن تفهم الأم والأهل عموما لهذه الخلفية النموية- النفسية يساعدهم على تفهم البنت ويقلل من التصادم اليومي بينها وبينهم، وهذا من شأنه- بإذنه تعالى- إن يسهل نموها النفسي الصحيح لتصبح امرأة بصحة نفسية جيدة.

 

رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 المكتبة العلمية | المنتدى | دليل المواقع المقالات | ندوات ومؤتمرات | المجلات | دليل الخدمات | الصلب المشقوق وعيوب العمود الفقري | التوحد وطيف التوحد  | متلازمة داون | العوق الفكري | الشلل الدماغي | الصرع والتشنج | السمع والتخاطب | الاستشارات | صحة الوليد | صحة الطفل | أمراض الأطفال | سلوكيات الطفل | مشاكل النوم | الـربـو | الحساسية | أمراض الدم | التدخل المبكر | الشفة الارنبية وشق الحنك | السكري لدى الأطفال | فرط الحركة وقلة النشاط | التبول الليلي اللاإرادي | صعوبات التعلم | العوق الحركي | العوق البصري | الدمج التربوي | المتلازمات | الإرشاد الأسري | امراض الروماتيزم | الصلب المشقوق | القدم السكرية



الساعة الآن 12:39 AM.