يكتب بقدميه ويلعب كرة القدم - عبد الرحيم يتغلب بالتعليم على إعاقته
ميرفت ابو جامع من غزة :
عندما يولد الأطفال، تولد معهم الفرحة والبهجة، ويتبادل الأهل التهاني والتبريكات إلا أن الوضع كان مختلفا بالنسبة للشاب عبد الرحيم خشان 20عاما من جنوب قطاع غزة، عندما وضعته أمه بلا أطراف علوية" يدين " وأخذ المحيطون بها من أقارب يستبدلون دعوات الصحة والبقاء بأخرى بالموت للمولود القادم ، و وصل الأمر إلى أن بعض النسوة اقترحت على والدته أن تمتنع عن إرضاعه وتتركه ليموت ونعتو مجيئه للدنيا بالمصيبة !
هذه الكلمات كانت قاسية على قلب الأم التي انتظرت تسعة أشهر كي تضع مولودها ولطالما اشتاقت لخروجه للحياة ، ولكن أم أحمد والدة عبد الرحيم الذي ولد بلا يدين رفضت توصيات النساء بحرمانه من الحياة ،وتقول لايلاف :" احتضنت طفلي و صممت على أن يكون إنسان طبيعي يمارس حقوقه جميعا دون أي انتقاص ، كباقي الناس الطبيعيين .
وتشير ام احمد انها عانت كثيرا ولازالت لكي تراه إنسانا كاملا قادرا على الاعتماد على نفسه ، وكانت حريصة على إدخاله المدرسة لكي يتعلم ، وينهي تعليمه لقناعتها بأنه لا مجال له إلا الدراسة، لكي يصبح قادرا على إعالة نفسه ، وعند أول مواجهة لابنها مع المجتمع خاصة أنه كان أول حالة من هذا النوع في قطاع غزة في الثمانينات من القرن الماضي ،حيث عندما رفضت المدارس الرسمية استقبال حالة عبد الرحيم ، لولا تعاطف مديرة إحدى المدارس مع حالته ووافقت على التحاقه في المدرسة الابتدائية ليضع قدمه على أول تحد في مشوار مليء بالعثرات :" يقول عبد الرحيم :" في طريقي للمدرسة كنت أتعثر كثيرا بالشوارع غير المرصوفة بسبب عدم توازن جسمي، مما سبب لي كثيرا من الإصابات، كنت دوما بحاجة احد الى جانبي لحمل حقيبتي المدرسية، وكرسيي الصغير وهو مخصص للكتابة بقدمي ،واستدرك قائلا :" مع دخولي الصف السادس الابتدائي إذ أصبحت أكثر قدرة على الاحتفاظ بتوازني ، وأضاف وابتسامة تعلو شفتيه "كان الجميع يستغربون إصرار أمي على إرسالي للمدرسة، وتحملها لما كنت أعانيه وتعانيه معي ، فقد كنت اكتب بقدمي وكان المدرسين يساعدونني في إخراج كتبي وجمعها آخر اليوم من جديد ، بينما يحمل إخوتي لي حقيبتي المدرسية في رحلة الذهاب والإياب .
ولا يخفي عبد الرحيم ذو البشرة السمراء كراهيته لنظرات الاستغراب والشفقة التي يراها في عيون المحيطين به وقال " أنا إنسان طبيعي لا ينقصني شيء ولم تكن يوما إعاقتي عائقا أمامي ، مشيدا بدور والدته في رعايته والاهتمام به، وأضاف "لا يمكن أن أنسى أنني في طفولتي كنت أتساءل لماذا أنا مختلف عن الآخرين ولا املك يدين؟ ، فقالت لي يومها هذا قدر الله وان تلك الأيدي قد تكون سببا في كسب الإثم ، فاليد قد تسرق و تقتل ، وتدريجيا بدأت أتقبل الأمر".
ويكمل عبد الرحيم دراسته الجامعية في كلية التربية بجامعة الأقصى قسم الدراسات الإسلامية وهو التخصص الذي لا يجد فيه صعوبة في الحصول على وظيفة بعد تخرجه ،وعن كيفية ممارسته لحياته رغم استغراب الكثيرين من حوله قال "أمارس حياتي بشكل طبيعي جدا ، فاستخدم قدمي كبديل عن اليدين ،فأنا اكتب واكل واشرب مستخدما أصابع قدمي، ويضيف "كثيرا من الأوقات أقوم بصناعة طعامي بنفسي كما لا ادخر جهدا في أن اصنع الشاي أو القهوة لنفسي ، ويلفت عبد الرحيم إلى أن الفضل في ذلك يعود لأمه التي اعتادت منذ ولادته تدليك جسمه بالزيوت لكي تصبح قدميه أكثر ليونة ومرونة، الأمر الذي سهل عليه استخدامها فيما بعد في الكتابة وممارسة كل شي ، إلا ان الرياح لا تأتي دوما بما تشتهيه السفن فان عبد الرحيم الذي احب لعبة كرة الطائرة وتمنى ان يمارسها فانه لا يستطيع لفقدانه يديه، ويستدرك يالقول :" لقد كنت اشعر بالألم عندما أرى أقراني يلعبون كرة الطائرة ، كنت مدركا استحالة أن أقوم بذلك ،ولذا استعضت عنها بكرة القدم التي أحببتها كثيرا .
ولا يتوقع عبد الرحيم أن يجد مشاكل في اختيار شريكة حياته بل انه يفضل ان تكون ذات دين وأخلاق وتفهمه، ووجه عبد الرحيم رسالة لأي إنسان مختلف أو فاقد لأي جزء من جسمه أو حاسة من حواسه بألا يستسلم للواقع ، وألا ينتظر المساعدة من احد ، مشيرا إلى أن المجتمع لن يقدم له شيء ولن يمد له يد العون وقال:" أن المجتمع كثيرا ما يشكل عائقا ومعوقا محبطا لذوي الاحتياجات الخاصة مشددا على أن ذوي الاحتياجات الخاصة يناضلون من أجل تحقيق ذاتهم ،وعن المعيقات التي تواجه قال عبد الرحيم الذي يعيش في أسرة مكونة من ثمانية أفراد دون وجود أي مصدر للرزق بعد وفاة والده ، انه بحاجة إلى عمل يكفيه شر السؤال .