طارق صالح الريس: أنصح بابتعاث كوادر قطرية لإكمال الدراسات العليا في تعليم الصم
حاوره: إسماعيل طلاي
دعا الدكتور طارق صالح الريس إلى ضرورة مبادرة دولة قطر بتأسيس جمعية علمية للصم، تكفل لهم حقوقهم، وليس مجرد جمعيات نفعية اجتماعية خيرية.
وأثنى الريس في حوار مع «العرب» على مبادرة قطر لإصدار أول كتاب سينشر شهر مارس المقبل حول قواعد قطرية - عربية للغة الإشارة للصم.
وأوصى الريس -الحاصل على شهادة الدكتوراة من الولايات المتحدة الأميركية في مجال التربية والتعليم والصم- بضرورة ابتعاث كوادر قطرية إلى الخارج لإكمال مسارهم التعليمي في مجال تعليم الصم، وفي مجال لغة الإشارة.
حضرتم ورشة حول لغة الإشارة للصم، حيث أعلن عن قرب طبع أول كتاب لقواعد الإشارة القطرية- العربية، من تأليف قطري، فما هي أهم التعديلات التي طرحها الصم على مضمون الكتاب؟
- بداية أشكر الجهود المبذولة من قطر للاهتمام بالصم، وهذا أمر ليس غريباً، فقد كان هناك قاموس إشاري من قبل في قطر، واليوم جاء هذا الكتاب الذي يشكل نقلة نوعية في تعليم وتربية الصم، والاهتمام بلغة الإشارة. أما بالنسبة للتعديلات التي اقترحت على الكتاب، فتشمل في مجملها ترتيب الصياغات وتعديل بعض المفاهيم وتصحيحها، كأبرز ما تم التطرق إليه خلال الورشة. وطبعا كانت هناك مقترحات لإضافة الإشارات المرتبطة بأبجدية الأصابع، بحيث تم استحداث بعض الإشارات، وتأثير أبجدية الأصابع على الإشارات، بحيث تأخذ الإشارة الحرف الأول، وهذا لم يكن موجودا منذ فترة طويلة، وظهر في الآونة الأخيرة، وكان هناك مقترح بأن يتم وضع نماذج على الأقل لمثل هذه الإشارات التي ظهرت حديثا.
الكتاب دسم في معلوماته، مما جعل البعض يطالب بتقسيمه إلى أجزاء، ما رأيكم؟
- في حقيقة الأمر، الكتاب دسم جدا، لأنه يتطرق لأمور لم يتم التطرق لها في كتابات عربية سابقة، وإن تم ذلك، فبشكل بسيط. ولكن هذا الكتاب حاول التطرق لمواضيع مهمة جدا مثل قواعد لغة الإشارة، وأثر تعبيرات الوجه، ولغة الجسد، وكيفية إعطائها الاشتقاق الإشاري. فهناك الكثير من الأمور التي تم التطرق إليها في هذا الكتاب في دفة واحدة، وهو ما بإمكانه أن ينشر في 10 كتب، بدلا من كتاب واحد في الحقيقة، ولكن هذا يتطلب جهدا مضاعفا للمؤلفين، ودعما مضاعفا من قبل الدولة، والمجلس الأعلى لشؤون الأسرة للمؤلفين، لأنه في تصوري: لو أتيحت الفرصة للمؤلفين بزيارة مراكز دولية تهتم بلغة الإشارة، ودراسة قواعدها في أوروبا وأميركا، نعتقد أن هذا سيكون رائعا جدا، إضافة إلى الخبرات المتوفرة لدى المؤلفين قبلا.
المؤلفان أبرزا إشكالية غياب مراجع عربية، والاعتماد بنسبة شبه كلية على مراجع غربية، مع ما يصاحبه من صعوبات في ترجمة دقيقة للمصطلحات، فهل هناك تفكير من قبلكم كمتخصصين لإيجاد مراجع أو فتح مدرسة خاصة توفر مراجع عربية خاصة بلغة الصم والإشارة؟
- قلة المراجع هي التي تعكس أهمية الكتاب الذي سينجز في قطر، لأنه يسد نقصا رهيبا في ما يخص التعامل مع لغة الإشارة في العالم العربي، وهذا ما جعل المؤلفين يعانيان كثيرا في قضية الرجوع إلى مؤلفات. وكان جزء من هذا الكتاب قد دون اعتمادا على الخبرة الطويلة والثرية للمترجمين واختلاطهم بالصم. إن قلة المتخصصين في العالم العربي فيما يتعلق بتعليم الصم ولغة الإشارة هو السبب وراء قلة هذه المؤلفات. ومن ثم فالكتاب فعلا يحسب للمؤلفين وللمجلس الأعلى لشؤون الأسرة ولدولة قطر، ونحن نتمنى أن تكون هناك استمرارية في هذا الاتجاه، بأن يكون هناك مركز إقليمي، أو هيئة تهتم بلغة الإشارة، يكون مقرها في قطر، أعتقد أنها ستكون خطوة مهمة جدا في تطوير لغة الصم والإشارة في العالم العربي ككل.
من خلال خبرتكم المهنية والأكاديمية، ما النقائص التي سجلتموها على الكتاب قبل طبعه؟
- ربما النقائص المسجلة تعود أساساً لقلة المراجع الموجودة باللغة العربية والحاجة للترجمة، ولكن هي نواقص كما تفضلت سابقاً يمكن تغطيتها بمضاعفة زيارات المؤلفين إلى مراكز دولية في هذا الجانب، والاطلاع على خبرات دولية أخرى، وحضور ورشات عمل حول علم الإشارة، وكيفية دراسة هذا العلم. وأعتقد أن هذا يسد نقصا كبيرا، إلى جانب الاهتمام بابتعاث كوادر قطرية إلى الخارج لإكمال مسارهم التعليمي في مجال تعليم الصم، وفي مجال لغة الإشارة.
غياب مترجمين محترفين للغة الصم والإشارة في الدول العربية والاعتماد أساساً على هواة أو عصاميين، ألا يضر بلغة الصم، في غياب حاملي شهادات عليا متخصصة؟
- هذا صحيح، ما هو موجود مجرد اجتهادات؛ نتيجة لنقص متخصصين وبرامج تطرح في مجال تأهيل متخصصين في تعليم الصم، أو في مجال اللغة العربية. لكن عادة، لا يلام المرء بعد اجتهاد، وإن كانت هناك اجتهادات مقننة، واجتهادات تسعى للتوثيق العلمي، كما هو معمول في هذا الكتاب، فهو اجتهاد رائع وجميل، يلتزم بالأسس العلمية في عملية الطرح والمناقشة، وهذا الذي نحتاج إليه.
النقص الموجود الآن في العالم العربي من حيث عدد المتخصصين في مجال تربية وتعليم الصم، ومجال لغة الإشارة هو العقبة الكئود -إن صح التعبير- في طريق تطوير هذا المجال بمختلف جوانبه. نحن نتحدث هنا عن تطوير لغة الإشارة، وعن التعليم العالي للصم ودخولهم إلى هذا المجال، ناهيك عن مجالات علم النفس والتربية الخاصة، والتشخيص، والتقييم، وهل هناك إشارات لكل هذه التخصصات أم لا؟ فأعتقد أن هذا يحتاج لجهد جبار.
وماذا عن جمعيات رعاية الصم؟
- طبعا توجد جمعيات تهتم بالصم، ولكن ليست جمعيات علمية، بل جمعيات خيرية، نفعية، اجتماعية. أكثر من كونها جمعيات علمية، نحن نطالب بجمعية علمية للمتخصصين في مجال الصم، وجمعية علمية للمتخصصين في الترجمة، لأنني أعتقد أن وجود مثل هذه الجمعيات هو الذي سيدعم ويطور المجال في العالم العربي، ونتمنى أن تكون انطلاقة مثل هذه الجمعيات من دولة قطر نتيجة للجهد الرائع والملموس الذي يشكره جميع الصم في العالم العربي.
هل لا بد من خلق قوة ضغط على الحكومات العربية مثلاً لتقبل بوجود مثل هذه الجمعيات؟
- وجود هذه الجمعيات قد ينطلق من كل دولة، ففي المملكة العربية السعودية لدينا لجنة اسمها «لجنة خبراء ومترجمي لغة الإشارة»، ونحن نتمنى وجود لجنة على مستوى العالم العربي، يتم تبنيها من طرف جامعة الدول العربية، وهذا الأمر، أعرف أن الإخوان في قطر يسعون إلى تحقيقه، وأتمنى أن يتم الإسراع لتحقيقه، لأنه سينظم عمل الترجمة والمترجمين في لغة الإشارة، من خلال إيجاد لجنة للترجمة والمترجمين مثلا، كي ننتقل من مرحلة الاجتهاد في الترجمة إلى الاحتراف في الترجمة، وتمنح شهادات ورخص للمترجمين، ويتم متابعة مدى التزام المترجمين بأخلاقيات المهنة، وتصنيفهم، بين مترجم يمكنه الترجمة في المجال الأكاديمي، ومترجم خاص بمجال القضاء، أو المستشفيات مثلا، مثلما هو معمول به في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، حيث توجد منظمات خاصة، وتصنيف لخمسة مستويات من المترجمين للغة الإشارة.
من خلال تجربتك في دول غربية، ما الخطوة المقبلة التي ينبغي على الدول العربية القيام بها لتمكين الصم من باقي حقوقهم الموجودة في دول متطورة؟
- أولا: التعليم، ثانيا: التعليم، وثالثا: التعليم، وليس مجرد إتاحة التعليم بغرض أننا أتحنا التعليم، بل تطوير التعليم بما يضمن مخرجات من الصم تكون قادرة فعلاً على أن تلتحق بالجامعات وفي مختلف التخصصات، وإن لم يتم تحقيق هذا الأمر، سنظل نعاني لآلاف السنين. والآن الموجود حاليا هو تعليم يتخرج بموجبه الأصم العربي من الثانوية العامة بمستوى قراءة ضعيف جدا، لا يمكنه من الالتحاق بالجامعات، رغم وجود استثناءات، لكن القاعدة العامة أنه يصعب عليهم الالتحاق بالجامعات. والآن توجد تجربة في المملكة العربية السعودية لالتحاق الصم بالتعليم العالي بدأت منذ فترة، وفي جامعة الملك سعود، سيتم قبولهم للالتحاق بالفصل الدراسي الثاني، ولكن بعد مرورهم بسنة تحضيرية كاملة لتطوير مهاراتهم في اللغة العربية، لأننا نعلم أن هناك نقصا في هذا الجانب. وتطوير تعليم الصم يحتاج أيضاً لإعادة تأهيل المعلمين، وتمكينهم من أحدث التطورات الموجودة، لأنه للأسف الخبرة بينت أن طرق التدريس المستخدمة قديمة، لا تؤدي بالأصم بعيدا.
خلاصة القول: اليوم في العالم العربي: الأصم ليس له الحق في التعليم العالي، وفي اختيار التخصص العلمي الذي يريده، وفي وجود مترجم للغة الإشارة في المكان الذي يريد أن يذهب إليه، خاصة الدوائر الحكومية. وحق الأصم في التدخل المبكر في مجال تربية وتعليم الصم غير موجود أيضا. فقد تكون هذه الأمور من أبرز الحقوق التي شاهدتها في الغرب، ولم أر لها وجودا للأسف في العالم العربي.
هل ينبغي اليوم الحديث عن فتح مدارس متخصصة للصم، توفر دراسات عليا أيضا؟
- لا يهم إن كانت مدارس متخصصة أم لا، المهم هو طريقة التدريس التي تستعمل لإيصال المعلومة للأصم في العالم العربي، لأن ما هو موجود في العالم العربي، هو طرق قديمة استخدمت في الستينيات والسبعينيات، وثبت الآن أنها غير ناجحة، وتم تطويرها في العالم الغربي، وتبني توجهات حديثة جدا ما زال العالم العربي بعيدا جدا عن هذا الأمر، ونحتاج لتكييف ومواءمة مناهج التعليم العام، بما يتناسب مع الصم، وتدريب المعلمين على وسائل العمل المتطورة واستخدام التكنولوجيا، ووجود برامج تدخل مبكر، وهذه نقطة في غاية الأهمية لتعليم الصم، وأعني: الاهتمام بتعليم لغة الإشارة ودراسة قواعدها وتطويرها، بما يكفل سهولة إيصال المعلومة للأصم، وبما يكفل تغطية لغة الإشارة لجميع المصطلحات الموجودة.
ليس هناك نقص في لغة الإشارة، ولكن أية لغة ترتبط بثقافة المجتمع الذي يتحدث فيه، وكلما تطورت ثقافة المجتمع، كلما زاد الثراء اللغوي، وهذا ما نسعى نحن إليه، بحيث يكون الأصم مثل الكفيف، فلدينا دكاترة مكفوفون، ونتمنى أن نرى طبيباً أصم، ومهندسا أصم، وطيارا أصم، ومحاميا أصم، واختصاصياً أصم، فما المانع من تحقيق ذلك.
هل هناك ميزانية مخصصة لتطوير ظروف شريحة الصم في الدول الغربية؟
- ليست هناك ميزانية مخصصة لشريحة الصم في الولايات المتحدة وأوروبا، ولكن بموجب القانون، فإن كل جهة حكومية مطالبة بأن تقدم الخدمات التي يكفلها القانون للأصم. فمثلا: لما يذهب الأصم إلى المستشفى أو المحكمة، الجهات المعنية مطالبة بتوفير مترجم وتحمل تكاليفه. فالقانون ينص على تقديم خدمات مساندة للأصم، سواء في التعليم العام أو التعليم العالي.
ما هو نصيب الصم في الفضائيات الغربية، مقارنة بالفضائيات العربية؟
- في الولايات المتحدة الأميركية لا يوجد مترجم للغة الإشارة في الإعلام، وما هو موجود هو إظهار الكلام مكتوباً أسفل الشاشة، وطبعا هذا الأمر يعطي الأصم الفرصة للتواصل مع الإعلام أربعة وعشرين ساعة كاملة، وكل ما يقال في البرامج يكتب تحت الشاشة، حتى صوت الباب إن فتح، أو مواء القط، لا بد أن يكتب. فغالبية الفضائيات الأميركية تمنح الأصم فرصة الاطلاع على البرامج التلفزيونية والإعلام على مدار يوم كامل، وطيلة أيام الأسبوع. وطبعا هذا يعتمد على تطوير مستوى القراءة والكتابة عند الأصم. في العالم العربي، لو جئنا لتطبيق هذا الأمر، وألغينا ظهور مترجمين للغة الإشارة في التلفزيون، سيكون لذلك تأثير سلبي، لأنه لا يزال مستوى القراءة والكتابة لدى الأصم العربي ضعيفا، فلا مناص من وجود هؤلاء المترجمين، ومن الضروري تكثيف البرامج بلغة الإشارة، والبدء من الآن في الحديث عن التقنية المستعملة في دول متطورة، من خلال وجود برامج مكتوبة، بحيث تكون هناك خاصية في جهاز الريموت كونترول يضغط عليها الصم ليظهر الكلام عن كل البرامج التي تبث، تماماً مثلما يمنح الريموت كونترول اليوم تغيير اللغة.
العجز المسجل في الدول العربية هل يعكس غياب وعي لدى بقية المجتمع بحقوق الصم، وأن الحكومات لا تعيرهم الاهتمام اللازم، ولا بد أن تنتزع هذه الحقوق بالضغوط؟
- في اعتقادي، أن الحكومات تؤمن بحقوق ذوي الإعاقة بشكل عام، والدليل توقيع الكثير من الحكومات العربية على اتفاقية حقوق ذوي الإعاقة، وما نريده اليوم هو التنفيذ، وهذا هو الفيصل بيننا وبين الدول الغربية. والأمر الآخر أن مجال التربية الخاصة بشكل عام والاهتمام بذوي الإعاقة هو مجال حديث في العالم العربي، الأمر الذي يطرح قلة المتخصصين. ولا يمكن مقارنة الوضع بما هو موجود في الولايات المتحدة أو أوروبا، حيث توجد جامعة للصم من 200 أو 300 سنة، وبالتالي ما نريد أن يكون هو الاهتمام بتأهيل الكوادر، سواء من الصم أو العاملين معهم، على أحدث التقنيات والتوجهات.
في قطر تحديداً، برأيك لماذا يعزف المواطن عن الاهتمام بالترجمة للصم، هل لضعف العائد المادي، مما يضطر البلد للاستنجاد بكوادر أجنبية، أمام شح الكوادر القطرية؟
- طبعاً مجال الترجمة والإشارة يتطلب وجود رغبة حقيقية لدى الشخص في التعامل مع الصم، لأن الترجمة ليست فقط تعاملا مع لغة، بل أنت تتعامل مع لغة ومع أهل اللغة، فيجب أن يكون المترجم له قبول في مجتمع الصم، لكي يسمح له بالترجمة، وأحيانا الصم لا يتقبلون أشخاصا معينين. طبعا يمكن أن تكون الترجمة للصم وظيفة مستمرة وليست مؤقتة، كما هو معمول به في السعودية مثلا. ولكن ممكن أن تكون الترجمة للصم أيضا مصدر دخل إضافي، بحيث يتم في محكمة معينة وضع قائمة بأسماء مترجمين معتمدين ومرخص لهم وبأجور معلنة تتكفل المحكمة بدفعها، كما هو موجود في الغرب. لكن ما يحدث في العالم العربي، أن أغلبية المترجمين متطوعون، وليس هناك تقدير لدورهم وعملهم للأسف الشديد. وهنا نكرر ضرورة وجود جمعيات علمية تهتم بالمترجمين لتكون نواة تطوير هذا المجال.
http://www.alarab.com.qa/details.php...o=399&secId=16
__________________
(( المسمى الجديد الآن هو الأشخاص ذوي الإعاقة وليس المعاقين أو ذوي الاحتياجات الخاصة بناء على طلبهم في اجتماعات اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في نيويورك .. الرجاء نسيان المسميات السابقة كلها ))
والله أحبك يا قطر ** قدّ السما وقدّ البحر ** وقدّ الصحاري الشاسعة ** وقدّ حبات المطر ** والله أحبك يا قطر **