سوزان المشهدي الحياة - 29/11/08//
من المتعارف عليه عالمياً وإنسانياً وعرفياً وحتى منطقياً ألا يُعالج الطبيب أحد أقربائه مهما بلغت صلة القرابة، لأن المشاعر الإنسانية تتداخل وربما تؤثر في أداء الطبيب سلباً، حسب ُقربه أو بُعده من المريض.
والقاضي لا يحكم في قضية يكون أحد أقربائه خصماً فيها، سواء كان المدعي أم المدعى عليه، مهما بلغت صفة القرابة.
حتى في مجال التعليم تُبعد الطالبة عن أمها لو كانت معلمة في المدرسة نفسها لصالح الطالبة والمعلمة أيضاً وحتى أن بعض المعلمات ترفض بقاء ابنتها في مدرسة تعمل فيها، خوفاً من التعامل المتأرجح الذي قد تناله الفتاة في حال لو كانت الأم على غير وفاق مع إحدى المعلمات، أو العكس التدليل والمحاباة ومحاولة تمييزها عن باقي الطالبات إكراماً لعين والدتها!
قليل من الناس من يتمكنون من الفصل الحقيقي بين شخوصهم وبين وظائفهم، وكنوع من الاحترازات ينبغي أن يتنحى جانباً كل من له صلة قرابة بأي شخص.
لذلك أذهلني جداً ما صرح به أحد المسؤولين المتابعين لحالة السيدة السعودية «زينب - سيدة مكة» التي بقيت في الشارع كما كانت لأن خلافاً منطقياً نشأ بين قسم الشرطة التي يعمل الزوج في أحد أقسامها، وهو القسم نفسه المكلف بفتح تحقيق عن السيدة للوصول للمتسببين في حالتها سواء بالإهمال أو الظلم أو غيره، وبين أفراد لجنة الحماية الواعين من جهة أخرى، التي رفضت أن يتولى التحقيق القسم نفسه الذي يعمل به الزوج، خوفاً من طمس الحقائق أو المحاباة أو غيره، وهو احتراز منطقي جداً.
أكبرت جداً النظرة الواعية التي أوضحت موقف لجنة الحماية، لأنه حسب المعايير المنطقية على الأقل يجب أن يكون التحقيق في هذه القضية حيادياً.
المشكلة أن السيدة تُركت مكانها لحين حل النزاع الناشئ بين الجهتين، وهي الوحيدة الخاسرة الآن، في حين ستتاح الفرص لمن تسبب في حالتها من اخذ احتياطات أخرى قد تطمس الحقيقة إلى الأبد.
يبقى في خاطري سؤال له مبرر: أليس كل زوج مسؤولاً شرعاً عن زوجته؟ أليس هذا الكلام الذي نسمعه دائماً بأن المرأة تحت رعايته وتحت رقابته وفي رقبته؟ لماذا يستمر رباط الزوجية بين رجل وامرأة لا تعيش في داره وتحت كنفه؟ لماذا لم يعالجها لو كانت مريضة فعلاً؟ أليس هو المسؤول شرعاً عن إطعامها وعلاجها وكسوتها وتوفير بيئة آمنة لها، فلماذا إذاً يتركها في الشارع لمدة خمسة شهور بدون أن يُساءل؟
المخاوف ليس لها مبرر واحد أيها الفاضل، بل ألف ومليون وتريليون مبرر.