الحساسية الانفعالية للأطفال الموهوبون

[عبقرينو]

 

= الحساسية الانفعالية= [1]

إعداد/ ليندا سيلفرمان [2]

د. محمد السعيد أبو حلاوة

مدرس الصحة النفسية وعلم نفس الأطفال غير العاديين

كلية التربية بدمنهور، جامعة الإسكندرية

تستهل ليندا سيلفرمان مقالها بالعبارة التالية " الموهوب بحكم طبيعته حساس انفعاليًا" . وتشير إلي أنها توصلت من خلال دراستها للأطفال الموهوبون بمركز تنمية الموهوبون إلي أن هذه الخاصية ـ تقصد الحساسية الانفعالية ـ تظهر لدي الأطفال الموهوبون منذ سنوات عمرهم المبكرة وتستمر معهم خلال بقية سنوات حياتهم. وتوضح ليندا سيلفرمان أن الكثيرُ من نتائج الدراسات المنفصلة كشفت عن أن الحساسية الانفعالية الخاصية الأكثر وضوحًا لدي الأطفال الموهوبون وهي الخاصية التي غالبًا ما يركز عليها آبائهم عندما يسألون عن أهم الخصائص النفسية والسلوكية لأبنائهم(Silverman, 1983). وتطرح فيما يلي أمثلة من نتائج بعض الاستبيانات التي طبقت على عينة من آباء الأطفال الموهوبين:
· ابني (جي) يبلغ عمره أربع سنوات وهو طفل حساس جدًا. حيث يجرح مشاعره بسهولة جدًا ويكره تمامًا أن يجرح مشاعر الآخرين.
· ابنتي (سي) التي تبلغ من العمر ست سنوات طفلة شديدة الحساسية وعاطفية جدًا. وعندما تكون سعيدة فإن سعادتها تشرق بارزة على كل من يحيط بها، وعندما تشعر بالضيق أو التعاسة تطال تعاستها وشقاؤها كل ما يحيط بها. وبالتالي فهي حساسة انفعاليًا بصورة غير عادية ولديها توقعات بعالية جدًا لنفسها.
· ابني (إيه) الذي يبلغ من العمر سبع سنوات ونصف طفل شديد الحساسية لانفعالات ومشاعر الآخرين إذ ينزعج بصورة يتعذر السيطرة عليها عندما يرى الآخرون تعساء كما يعبر عن مشاعره وانفعالاته بصورة فورية مباشرة وغالبًا بطريقة مبالغ فيها فعندما يحزن يسيطر عليه الحزن لمدة طويلة وهكذا الحال عندما يفرح أو يغضب.
· طفلي (إم) الذي يبلغ من العمر ثلاث سنوات وتسعة أشهر طفل وديع وهادئ ولطيف. ولا يستطيع أن يسمع طفل صغير يبكى. فعندما يحدث ذلك تراه يضع كلتا يديه على أذنيه كما يفعل نفس الشيء عندما يسمع صوت مرتفع أو عنيف. وغالبًا ما تجرح مشاعره بسهولة جدًا، وتبدو عليه من هذه الفترة العمرية المبكرة مؤشرات الاهتمام بالآخرين وبالرغبة في العطاء والإيثار.

وتقدم لنا نظرية دابروفسكي ـ التي أشرت إليها في مقالي السابق ـ إطارًا نظريًا مرجعيًا لتفهم الحساسية الانفعالية لدي الأفراد الموهوبين. إذ يؤكد في هذه النظرية على أن الإثارة أو التهيج الانفعالي المبالغ فيه من أهم مظاهر الحساسية الانفعالية لديهم ويبدو أن لهذا المظهر بعدًا فطريًا(Dabrowski&Piechowski,1977). وإذا نظرنا إلي الحساسية الانفعالية من زاوية إيجابية لوجدناها الأساس الذي يبني عليه التواد والتعاطف مع الآخرين ومعلوم أن عكس الحساسية الانفعالية التبلد الانفعالي أو عدم الحساسية والأخيرة هذه خاصية لا نود وجودها لدي الأطفال. كما أن نمو القيم الإنسانية الراقية في مرحلة الرشد تعتمد بصورة أساسية على طبيعة الحساسية الانفعالية لدي الأشخاص في مرحلة الطفولة. وعليه نحتاج إلي أن نوفر بيئات يمكن أن تنمو وتعزز فيها الحساسية الانفعالية لدي أطفالنا خاصة الأطفال الموهوبين.
ويحتاج كل طفل موهوب إلي مكان آمن يسمح بتعبيره عن مشاعره وانفعالاته بالغة الكثافة والقوة وتبالغ ليندا سيلفرمان بالقول يحتاج كل طفل موهوب إلي مكان آمن ليصرخ بأعلى صوته معبرًا عما يجيش في صدره من انفعالات ومشاعر. وبالتالي يجب أن يكون المنزل، فصل الموهوب، مكتب الإرشاد النفسي، مكتب المدير ملاذًا آمنًا يستطيع الأطفال الموهوبين التعبير فيها عن مشاعرهم وانفعالاتهم العميقة.
ويتعلم الأطفال منذ فترة مبكرة من حياتهم أنه من الخطورة التعبير عن انفعالاتهم ومشاعرهم أثناء اللعب مع الأقران مثلاً أو أثناء التواجد في الفصول المدرسية لأن التعبير عن الانفعالات والمشاعر علامة ضعف في الشخصية. وتؤكد ليندا سيلفرمان أن دفن ـ هكذا بنصه ـ أو إنكار الأطفال لمشاعرهم وانفعالاتهم يفضي إلي أن تنمو قدراتهم العقلية بصورة سوية عادية بينما يبقي نموهم الانفعالي في حالة ثبات أو بطء أو تأخر نمائي عام مقارنة بالنمو العقلي. وتكمن الخطورة حال إقرار صيغة التعلم هذه و حال اعتبار التقليد السائد تتمثل في أن الأطفال اللامعين (الموهوبين) يتبنون أنماط مختلفة للسلوك في مختلف المواقف ومع تواتر هذه الأنماط واستمرارها تصبح التصريف أو المخرج المعتاد للتعبير الانفعالي في كافة مواقف التفاعل الاجتماعي وغالبًا ما تكون أنماط التعبير الانفعالي هذه في ظل ثقافة ضبط أو التحكم أو السيطرة على الانفعالات والمشاعر سلبية أو مختلة وظيفيًا و لا تساعد مثل هؤلاء الأطفال علي إقامة علاقات اجتماعية إيجابية متبادلة مع الآخرين ومن هنا قد يكون سوء التوافق الاجتماعي هو النتيجة الحتمية.
والنقطة الجديرة بالتأكيد أن لندا سيلفرمان تشير بوضوح لا لبس فيه إلي أن الفصول الخاصة بالموهوبين ربما يحتاج إليها مثل هؤلاء الأطفال بسبب نوعية وطبيعة نموهم الانفعالي أكثر من نموهم المعرفي. إذ قد يجد الأطفال الموهوبون في مثل هذه الفصول أقران لديهم نفس مستوي الحساسية الانفعالية ونفس القيم مما يمكنهم من التفاعل الاجتماعي الإيجابي من نقطة أساس واحدة. وربما يقل في مثل هذه الفصول استخدام آليات التأديب أو الانضباط السلبي بسبب قدرة هؤلاء الأطفال على التعبير اللفظي عن مشاعرهم وانفعالاتهم وقادرون في نفس الوقت على استخدام مهارات الاستدلال لحل مشكلات التفاعل الاجتماعي بينهم بدلاً من اللجوء إلي العنف أو العدواني. كما تجدر الإشارة إلي أن الكثيرُ من الأطفال الموهوبين يمقتون بصورة شديدة العدوان مهما كانت صورة حتى ولو كان في أفلام الكرتون العنيفة.
والحساسية الانفعالية نعمة إلهية عظيمة ولكن عندما يساء توظيفها تفضي حقيقة إلي تشويه شخصية الإنسان ودفها إلي لوم الذات أو جلد الذات وهى خاصية أخرى شائعة في واقع الأمر لدي كثيرٍ من الأفراد الموهوبين. وفي ضوء ذلك قد يكون من المفيد أن ننهي هذا المقال علينا جميعًا أن نحرس ونرعى الحساسية الانفعالية لدي أطفالنا الموهوبين بتوفير بيئات تفاعل اجتماعي تضمن تعليمهم مهارات الضبط الذاتي لهذه الحساسية والتعبير عنها بصورة إيجابية مقبولة.

= REFERENCESمراجع المقال =

- Dabrowski, K.,& Piechowski, M.M. (1977). Theory of levels of emotional development (2 vols.) Oceanside, NY: Dabor Science.
- Silverman, L.K. (1983). Personality development: The pursuit of excellence. Journal for the Education of the Gifted, 6(1), 5-19.
Linda Silverman, Ph.D., is a licensed psychologist and Director of the Gifted Development Center in Denver, Colorado.

[1] Linda Kreger Silverman,(2004).Sensitivity, (Gifted Development Center Denver, Colorado University Press.

[2] Linda Silverman, Ph.D., is a licensed psychologist and Director of the Gifted Development Center in Denver, Colorado. ليندا سيلفرمان أخصائية نفسية ومديرة مركز تنمية الموهوبين في دينيفير بجامعة كلورادو.