الباب الأول
ماهية التخلف الذهني
مفهوم الإعاقة الذهنية :
الإعاقة الذهنية هي حالة من حالات الإعاقة العقلية ذات الصلة بكثير من فروع الطب والعلوم الإنسانية الأخرى ، حتى لو لم يكن لها علاقة مباشرة بعلم الطب . ويترتب على حدوثها مجموعة من المشاكل الاجتماعية والنفسية والانفعالية والاقتصادية التي تؤثر على الفرد والمجتمع .
ويختلف مفهوم التخلف الذهني ( العقلي) من مجتمع الى آخر تبعا لعوامل كثيرة تتعلق بالعادات والتقاليد السائدة ، وطبيعة الثقافة ، ودرجة تعقد العمليات الاجتماعية . فبينما تمر حالات التخلف الذهني البسيط دون ملاحظة تذكر في الدول النامية والمجتمعات الزراعية بسبب سهولة الحياة وقلة المتطلبات ‘ فإن الأمر يبدو مختلفا تماما في الدول المتقدمة صناعيا ، وذلك بسب ارتفاع مستوي التوقعات وبسبب تعقد المتطلبات الاجتماعية أيضا .
ومما يلاحظ أنه كلما قلت درجة التخلف الذهني ومستواه تباينت نظرة المجتمع إليه وظهرت الاختلافات بينها . وأنه كلما زادت درجة التخلف الذهني تشابهت نظرة الشعوب إليه مهما اختلفت الأعراق أو الأجناس .
وقد جري تعريف التخلف الذهني علي أنه نقص في مستوي القدرة علي القيام بالعمليات العقلية عن الفرد العادي . كما يعني أيضا نقص القدرة علي القيام بعمليات التوافق الاجتماعي علي جميع المستويات . وعادة ما يعتبر الشخص معاق ذهنيا إذا ما قل معدل ذكائه بمقدار انحرافين معياريين عن المتوسط العام ، وبمعني آخر إذا قل معدل ذكائه عن (70) درجة 0
وتعرف الرابطة الأمريكية للتخلف الذهني هذه الظاهرة كما يلي :
" التخلف الذهني هو حالة تبدو أقل من المتوسط العام في المستوي العقلي الوظيفي ، وترجع إلي عوامل ما قبل الولادة ، وهي حالة ذات علاقة بالسلوك التوافقي " 0
ويشير كل من Difeson & Nil إلي تعريف آخر للرابطة الأمريكية للتخلف الذهني ، وهو كما يلي :
" هي حالة نقص في الذكاء ترجع إلى مرحلة التكوين في فترة ما قبل الولادة ، مما يؤدي إلي التأثير علي مستوي السلوك التكيفي " .
تعريفات متعددة للإعاقة الذهنية :
من أهم العوامل التي تؤدي إلى تشخيص دقيق للإعاقة الذهنية أن يُعرف تعريفا دقيقا شاملا لا يعتريه نقص ولم يكن تعريف الإعاقة الذهنية بالأمر الهين لأسباب ترجع إلى طبيعة هذه الإعاقة فهي متعددة الأبعاد والجوانب ، فالإعاقة الذهنية مشكلة طبية ونفسية ، تربوية اجتماعية وعملية أيضا ولكن بفضل نخبة من العلماء الذين عكفوا علي دراسة هذه المشكلة وكرسوا جهودهم للتعرف علي جميع أبعادها .
أمكن التوصل إلى تعريفات شاملة للإعاقة الذهنية وفيما يلي إشارة لبعض هذه التعريفات :
أولا – التعريفات الطبية :
تعتمد التعريفات الطبية علي الإصابة العضوية أو عيب في جهازه العصبي المركزي بحيث تكون الإصابة لها تأثير علي قدرة الفرد العقلية .
ومن أمثلة هذه التعريفات :
1- تعريف تريد جولد ( Tred Gold 1982 )
وهو الذي عرف الإعاقة الذهنية علي أنها حالة يعجز فيها العقل عن الوصول إلي مستوي نمو الفرد العادي أو استكمال ذلك النمو .
2- تعريف جير فيس ( Jervis 1952 )
وهو الذي عرفه علي أنه حالة توقف أو عدم اكتمال النمو العقلي نتيجة لمرض أو إصابة قبل سنة المراهقة أو أن يكون نتيجة لعوامل جينية ، ويعتبر هذا التعريف أكثر وضوحا من التعريف السابق .
ثانيا- التعريفات الاجتماعية :
1- اهتم دول (Doll 1941 ) بدراسة الإعاقة الذهنية واعتبر الصلاحية الاجتماعية هي
المحك الرئيسي للتعرف على المعاقين ذهنيا فعرف المعاق ذهنيا على انه :
- غير كفء اجتماعيا ومهنيا، ولا يستطيع أن يسير أموره وحده.
- اقل في القدرة العقلية العامة "الذكاء".
- يظل متخلفا عقليا عند بلوغه سن الرشد
- يظهر تخلفه منذ الولادة أو في سن مبكرة .
- يرجع تخلفه العقلي لعوامل تكوينية في الأصل .
ثالثا – التعريفات التعليمية :
1- تعريف هيبر ( Heber 1962 )
انه حاله تتميز بمستوي وظيفي دون المتوسط يبدأ أثناء فترة النمو ويصاحب هذه الحالة قصور في السلوك التكيفي للفرد .
2- تعريف جرو سمان ( Grossman 1977 )
حيث أنه يشير إلي مستوي الأداء الوظيفي العقلي العام الذي ينخفض عن المتوسط انخفاضا ذا دلالة مرتبطا بخلل في سلوك الفرد التكيفي وتظهر آثاره في مرحلة النمو .
ويعني ما تقدم أن نقص الذكاء بمفرده لا يعتبر من حالات التخلف الذهني ما لم يؤدي ذلك إلي الحيلولة دون حدوث عمليات التوافق وإلى التأثير بشكل سلبي علي مستوي سلوك الإنسان في سبيل مقابلة حاجاته الشخصية الطبيعية والاجتماعية.
أي أنه لابد من تحقيق شرطين لتصنيف الشخص علي أنه متخلفا ذهنيا وهما :
- انخفاض مستوي الذكاء .
- انخفاض مستوي عمليات التوافق .
ويلاحظ من مجمل التعاريف المتداولة أنها تعتمد بشكل رئيسي علي وصف العمليات الوظيفية للذكاء والتي تبدو عادة في مظهرين أساسيين هما :
1- عدم القدرة علي التعلم .
2- نقص القدرة علي القيام بعمليات التوافق الاجتماعي .
وإذا ما تفحصنا النقطتين السابقتين فسوف يتضح لنا أنهما من المظاهر شديدة الارتباط بالذكاء ؛ فالتعلم والتعليم يتطلبان من المتعلم القيام بمجموعة من العمليات العقلية التي تتطلب بدورها وجود حد أدني من الذكاء وقدرة مناسبة علي الفهم كما أن عمليات التوافق تتطلب توفر قدر من الذكاء العام والذكاء الاجتماعي علي وجه الخصوص للقيام بعمليات التفاعل مع الآخرين و الاتصال بهم واكتساب الخبرات واستخدامها في المواقف المناسبة ، وغير ذلك من العمليات الاجتماعية الضرورية .
وعادة ما يصاحب الدارس أو القارئ في هذا المجال كثيرا من التسميات التي قد تبدو مقبولة لدى البعض وغريبة لدى البعض الآخر. فهناك عبارات مازالت شائعة الاستعمال في بعض التصنيفات الطبية المتداولة حاليا ، مثل " التخلف العقلي " ، و " التأخر العقلي " ، و " الضعف العقلي " ، و " النقص العقلي " ، وهى تشير جميعا الى عدم القدرة على القيام بالعمليات العقلية على المستوى الطبيعي بدرجات متفاوتة.
ويرى بعض العلماء أن مثل هذه التسميات فيها الكثير من المبالغة ، لأنها تصف الشخص بصفات ذات معان اجتماعية مكروهة أو غير مرغوب فيها ، خاصة وان بعض فئات التخلف الذهني لا يمكن التفرقة بين إفرادها وغيرهم من الناس العاديين إلا بصعوبة وذلك عن طريق محك التعليم حيث تقل قدرة المعاق ذهنيا تدريجيا كلما ارتقى السلم التعليمي ومع ذلك فهذا الأمر لا يدعو على الإطلاق الى الاعتقاد في فكرة فقدان العقل وعدم القدرة على تلقى صنوفا من التدريب والتعليم المناسبة ، كما انه لايعنى تلاشى القدرة على التوافق تماما أو عدم القدرة على القيام بعمليات الكفاية الذاتية بشكل مطلق .
ويفضل الكثير من العاملين بهذا المجال استخدام مفاهيم إنسانية اكثر تقبلا من وجهة النظر الاجتماعية واكثر تعبيرا عن حقيقة الظاهرة ، مثل " التخلف الذهني " أو " الإعاقة الذهنية " حيث لا تدل على نقص العقل بقدر ما تدل على قصور بعض الوظائف عن القيام بعملها بالشكل الأمثل ، مع استمرار وظائف أخري في عملها بشكل طبيعي .
وقد عملت منظمة الصحة العالمية على التخلص من المعاني السيئة المرتبطة بتصنيف الفئات سابقا بحيث حلت التسميات التالية محل القديمة ، مثل " التخلف الذهني البسيط ، و التخلف الذهني المتوسط ، و التخلف الذهني الشديد أو العميق ".
ومما يجب التأكيد عليه انه ليس هناك دليل يؤكد الفكرة الساذجة التي حاولت إرجاع الإعاقة الذهنية الى وجود اختلافات في الشكل والتركيب ما بين أمخاخ الناس من ذوى الذكاء ابتداءً بالمتفوقين ونزولا الى الناس العاديين ، وان أمخاخ هؤلاء تحتوى على عدد اكبر من الخلايا عن غيرهم ؛ ويرفض العلم تصديق هذه الفكرة أو مجرد قبولها ، ويرى بان الاختلاف يرجع الى القدرة العالية للتنظيم الفسيولوجى على المستوى الكيميائي العصبي لدى الفرد .
وبمعنى آخر فان شكل المخ وتركيبه وعدد خلاياه واحد تقريبا لدى كل الأسوياء وغير الأسوياء في مجال القدرات العقلية ويحتمل أن يعود الخلل الى طريقة عمل المركبات الكيميائية وتأثيرها في المجال العصبي لدى الفرد .
أسباب التخلف الذهني :
لا ترجع الإصابة بالتخلف الذهني الى عامل واحد فقط ، وإنما تساهم في حدوثه مجموعة من العوامل المختلفة ذات الأصل التكويني الوراثي أو البيئي . وتؤدى هذه العوامل مجتمعة أو بعضا منها الى الإصابة بالنقص العقلي الذى اتفق على تسميته بالتخلف الذهني .
وتؤثر العوامل الثقافية بشكل واضح في حالات التخلف الذهني البسيط ، أما العوامل التكوينية واضطراب الكروموسومات ( العوامل الوراثية ) ، وحوادث الولادة ، فإنها تؤثر على باقي حالات التخلف الذهني .
ويمكن النظر الى التخلف الذهني من عدة زوايا . ويبدو أن فحص المخ هي الطريقة الأنسب في حالة التخلف الذهني الشديد أو العميق ، وكذلك في حالات التخلف الذهني المتوسط وتقع هذه الفئات دون درجة ( 50 ) من الذكاء ، ويتوقع أن يكون المخ عديم السواء في مثل هذه الحالات .
ومع ذلك فإن فحص المخ لم يؤد في حالات كثيرة الى الكشف عن الأسباب العصبية للاضطراب ، كما انه من الملاحظ أن حالات الوفيات بين أفراد هذه الفئات هي أعلى من نظيرتها بين أفراد الفئات الأخرى .
وأحيانا مايتم تقسيم الأسباب الى فئتين هما :
1- أسباب تكوينية وبيولوجية ومرضية .
2- أسباب ثقافية وتربوية ونفسية .
وللمجموعة الأولى اثر واضح في حالات التخلف الذهني الشديد والعميق ، وفى بعض حالات التخلف الذهني المتوسط ، كما في حالة المنغولية ( عرض داونز) مثلا . أما المجموعة الثانية فتلعب دورا هاما في حالة التخلف الذهني البسيط وبعض حالات المتوسط ، في فئته العليا . إلا أن ذلك لايعنى خلو حالات التخلف الذهني البسيط والمعتدل من أسباب الاضطرابات العضوية والحيوية . فأحيانا نجد في بعض الحالات الفردية مزيجا من العاملين مما يسمح ، في حالة توفر العوامل البيئية والتربوية المناسبة ، بحدوث تحسن في مستوى الأفراد حتى لو كان السبب هو حدوث اضطراب عضوي كما هو الحال في عرض داونز .
دور العوامل البيولوجية والبيئية في التخلف الذهني :
من المعروف أن للعوامل البيئية والاجتماعية دورا لايمكن إنكاره في حدوث ظاهرة التخلف الذهني ، إلا انه من المؤكد أيضا أن بعض الأمراض والإصابات واضطراب التمثيل الغذائي والأعطاب الوراثية تؤدى بدورها الى التأثير بشكل عميق وضار على وظائف الجهاز العصبي المركزي ، مما يحد من القدرة على التعلم ، ويقلل من الاستفادة من الفرص المتاحة للتفاعل الاجتماعي وعمليات التوافق ويساهم في حدوث التخلف الذهني . وكما أن علماء النفس والاجتماع يرون أن العوامل البيئية والاجتماعية تعتبر من العوامل ذات الأثر الهام في حدوث التخلف الذهني ، فإننا نجد من ناحية أخرى أن الأطباء وعلماء الوراثة يؤكدون بدورهم على أن العوامل البيولوجية هي المسئول الأول عن حدوث الإعاقة الذهنية ويؤكد كارتر ( CARTER ) على مايلى :
" أن التخلف الذهني الراجع الى أسباب بيئية أو الى عوامل الحرمان الثقافي لا يعتبر من حالات التخلف ، وإنما يعد ببساطة مجرد مظهر من مظاهر الحرمان من فرص التطور "
ويعتبر تأثير العوامل الوراثية على الحمل من الأمور المعروفة إلا أن سبب تغير شكل الكروموسومات والجينات التي تؤدى الى الإصابة بالتخلف الذهني مازال يصعب فهمه وشرحه ، إلا أن عمر الأم أثناء الحمل يعتبر من الأسباب المؤدية إلى اضطراب الكروموسومات وعلى الأخص في حالة عرض داونز.
وغالبا ما ترجع أسباب التخلف الذهني الى واحد أو اكثر من العوامل التالية :
أولا : عوامل ما قبل الحمل :
وهى عوامل موجودة منذ ما قبل الحمل ، وهى تبدأ في عملها بعد تمام عملية الإخصاب . وهناك نوعان من الاضطرابات ذات العلاقة بهذه العوامل وهى :
أ- اضطرابات لها علاقة بما يصيب الكروموسومات CHROMOSOMS )(من أعطاب أو خلل ، ومثال ذلك عرض داونز أو ما يسمى بالمنغولية .
ب-اضطرابات تحدث بسبب التقاء ناقلين للوراثة GENES )(مصابين بأعطاب وكانا في حالة خمول.
أعراض ذات علاقة باضطراب الكروموسومات :
عرض داونز ( Down’s syndrome ) أو المنغولية :
ويرى بعض العلماء بان وصف فئة من فئات التخلف الذهني بالمنغولية فيه نوع من التفرقة العرقية والإساءة الى أحد شعوب العالم ( الشعب المنغولي ) وانه من الأفضل تسمية هذا الاضطراب إما بعرض داونز ، أو باضطراب الكروموسوم رقم ( 21 ) ( Tresomy 21).
السمات الرئيسية للمصابين بعرض داونز :
من ملاحظة مظهر المصاب ، وبعد فحصه سريريا يمكن التعرف على السمات التالية :
1- وجود طبقات من ثنايا الجلد تغطى جوانب العينين مما يعطى للمصاب مظهرا خاصاً.
2- صغر حجم اليدين والأصابع مع انحناء إصبعي اليدين الصغيرين نحو الداخل.
3- الميل الى فتح الفم وبروز اللسان خارجه في الحالات الشديدة ويلاحظ أيضا كبر حجم اللسان وعدم انتظام الأسنان .
4- تبدو الأذن مربعة على جانبي جمجمة صغيرة ومفرطحة الشكل ذات شعر ناعم وخفيف.
5- وجود رقبة قصيرة وغليظة في حين تبدو الساقان والذراعان اقصر من المعتاد إذا ما قورنت بحجم الجذع .
6- وجود مسافة واضحة بين إصبع القدم الكبير وباقي الأصابع الصغيرة.
ومما يلاحظ انه يمكن الاعتماد على تلك السمات في التعرف على المصابين بعرض داونز في فترة مبكرة من حياتهم ، ويفضل أيضا تحليل الكروموسومات للتأكد من الإصابة .
أعراض الاضطراب وسلوك المصاب :
يلاحظ على المصاب بعرض داونز ، منذ بداية طفولته تأخر في النمو والنشاط الحركي وفى النشاط الاستجابي ، حيث يبدأ المشي في عمر سنتين الى ثلاث سنوات . وفى بعض الحالات الأخرى قد يتأخر المصاب سنة في قدرته على المشي مقارنة بالأطفال العاديين . كما يلاحظ ضعف النشاط العضلي الى حد ما في مرحلة الطفولة بالإضافة الى ضعف القدرة على التركيز والانتباه وبخاصة مابين عمر سنتين وثلاث سنوات . غير أن هذا الوضع يأخذ في التحسن نسبيا عند الكبر . وعادة ما يوصف المصابون بأنهم مرحون ، ومحبون للغير ، ومتعاونون ، وميالون الى الانقياد وتقليد الآخرين .
العلاج والوقاية من عرض داونز :
لقد سبق وأن قيل بأن التخلف الذهني وجد ليبقى ، مما يجعل من المستحيل ومن غير المتوقع علاج الحالة بعد حدوث الإعاقة أو محاولة التدخل لتغيير طبيعة الخريطة الوراثية للمصاب بعد حدوث الأضرار السلبية المرتبطة بهذا الاضطراب . غير أن الأمل معقود على تقديم برامج الوقاية والرعاية بشكل جيد من اجل حماية الأطفال في المستقبل وذلك بعد أن أحرز العلم نجاحا عاليا وحقق التقدم التقني الهائل في مجال الطب والإرشاد الوراثي نتائج ذات قيمة علمية ملحوظة.
ويمكن للأفراد المقبلين على الزواج إجراء الفحوصات والتحليلات اللازمة للتعرف على مدى وجود خلل وراثي أو غيره بالكروموسومات التي يحملونها ، وكذلك عن طريق تحليل السائل الأميني خلال الشهرين الثالث والرابع من الحمل.
أعراض ذات علاقة باضطراب الجينات GENES )(:
وتحدث هذه الحالات بسبب التقاء زوج من الجينات الخاملة وعودة النشاط اليها من جديد ، مما يؤدى الى ظهور السمات التي كانت محجوبة وذلك بسبب اضطراب المعلومات الوراثية والتأثير الذى يحدث للأنزيمات وتؤدى مجموعة هذه العوامل مجتمعة الى واحد أو اكثر من اضطرابات التمثيل الغذائي التي يمكن أن تؤثر على الطفل خلال مرحلة التكوين أو بعد الولادة مباشرة ومن هذه الاضطرابات :
-1اضطراب الفنيل – كيتو نوريا ( PHENYL KETONURIA ) :
ويشار إليه اختصارا بالحروف ( PKU ) وهو اضطراب وراثي ومن اشهر اضطرابات الأحماض الأمينية ، ويؤدى الى عدم الاستفادة من المواد الغذائية كما يعمل على تحويل بعض عناصرها الى مواد ضارة بالجسم ، مما يصيب الإنسان بالتخلف الذهني الشديد . وتتراوح الإصابة بهذا الاضطراب مابين واحد الى اثنين من بين كل عشرين ألف حالة من المواليد .
-2اضطراب الكربوهيدرات :
وهو من الأمراض التي تؤدى الإصابة به الى تراكم بعض المواد الضارة بأعضاء الجسم مثل الكبد والقلب والرئتين والأمعاء والمخ . وينتج عن هذه الإصابة توقف الجهاز العظمى عن النمو وحدوث تشوهات واضطراب حاسة البصر ، وتغير ملامح الوجه والإصابة بالتخلف الذهني الشديد .
-3زيادة سكر اللبن في الدم ( TAY-SACKS ) :
وهو أحد اضطرابات التمثيل الغذائي ، حيث يؤدى الاضطراب الى زيادة نسبة سكر اللبن في الدم بسبب تناول المواد الكربوهيدراتية والى حدوث ضعف تدريجي للعضلات ونقص القدرة على الرؤية وحدوث نوبات تشنجية .
ويمكن التعرف على الاضطراب بسهولة بعد الميلاد ، ويلاحظ انه بمجرد تناول الطفل للحليب يصاب بأعراض القيء والإسهال والمغص المعوي كما يعانى المصاب من نقص الوزن ومظاهر سوء التغذية بشكل شديد .
ويمكن علاج الحالة عن طريق تناول غذاء خاص ومن الضروري استخدام العلاج في هذه الحالة مدى الحياة أما في حالة عدم العلاج فان المصاب يعانى من التخلف الذهني الذى يأخذ في الزيادة كلما ازداد النمو.
ثانيا : أسباب ما قبل الولادة :
وهى تتمثل في مجموعة كبيرة من الأسباب التي يصعب شرحها ومناقشتها جميعا وهى تشمل : العدوى – الأسباب الكيميائية – الإشعاعية – الغذائية – العضوية – إفرازات الغدد – اختلاف فصائل الدم لدى الأبوين – اضطرابات المشيمة – نقص الأكسجين – وعدد من الأسباب الأخرى . ومن أهم هذه العوامل مايلى :
-1 العدوى : ومن أهم حالاتها مايلى :
1/1- الحصبة الألمانية ( RUBELLA ) :
وتؤدى إصابة الأم بالحصبة الألمانية وبخاصة خلال الأسابيع الأولى من فترة الحمل الى الإضرار بالجنين وإصابته بالتخلف الذهني ويمكن أيضا أن يصاحبه بعض الإعاقات الحسية الأخرى بنسبة (50) بالمائة من الحالات.
1/2- التهاب الكبد الوبائي :
وهو من الأمراض المعدية التي لها تأثير سلبي على الجنين وكذلك أيضا إصابة الأم بالجدري والسل والملاريا .
1/3- الزهري ( SYPHILIS ) :
وقد قلت احتمالات الإصابة بهذا المرض ومضاعفاته في الوقت الحاضر بشكل ملحوظ حيث أن الكثير من الأمهات اصبحن يخضعن أثناء فترة الحمل الى الرعاية الطبية التي تتطلب تحليل الدم مما يسمح للطبيب بالتعرف على ما يحملنه من أمراض معدية. وغالبا ما تموت الأجنة التي تحملها الأمهات المصابات قبل موعد ولادتها ، أما في حالة نجاة الأجنة فيحتمل إصابتها بالتخلف الذهني .
-2العوامل الكيميائية :
وتتمثل في تناول الأدوية من قبل الأم الحامل مثل بعض المضادات الحيوية والتي لها تأثير ضار على الجنين أثناء فترة الحمل . وتؤدى الكثير من مكونات بعض الأدوية إذا ماتم تناولها خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل على وجه الخصوص الى تعطيل عمل الشفرة الوراثية مما يؤدى الى حدوث تأثيرات سلبية على عمليات النمو والتطور وبالتالي إصابة الجنين بالتخلف الذهني وهذا ما نلاحظه يحدث في الدول النامية بسبب سهولة الحصول على الأدوية واستخدامها دون رقابة طبية وأيضا عدم استشارة الطبيب المختص .
-3العوامل الإشعاعية :
وتتمثل في الأشعة السينية ( أشعة إكس ) والإشعاعات النووية وبالنسبة لأشعة اكس إذا تعرضت لها الأم الحامل ولفترات طويلة أو متكررة فان ذلك يؤثر بشكل سلبي على نمو وتطور المخ وعلى مستوى القدرات العقلية للجنين . أما بالنسبة للإشعاعات النووية فإنها تؤدى الى تشوه الأجنة أثناء فترة نموها وأيضا التأثير السلبي على تطور أجهزة الجسم بشكل يتناسب مع فترة التعرض لهذه الإشعاعات ومقدارها .
-4عامل الغذاء :
يعانى ملايين الأطفال من سوء التغذية بدرجات متفاوتة في كثير من أقطار العالم ، وبخاصة في الدول الفقيرة . ويؤدى نقص البر وتينات الذى تتعرض له الأم الحامل الى نقص وزن الطفل عند الولادة وهذا يؤثر بشكل ضار على نمو مخ الجنين خاصة في فترات النمو السريع للمخ والجهاز العصبي بداية من الشهر الرابع أثناء فترة التكوين ولمدة عشرة اشهر بعد ميلاد الطفل على اقل تقدير .
5- العوامل العضوية :
5/1- كبر حجم الرأس / استسقاء الدماغ HYDROCEPHALY )( :
لا يعتبر كبر حجم الرأس مرضا من أمراض الأطفال ولكنه حالة تحدث بسبب عوامل عضوية متعددة وتبلغ نسبة حدوثه واحد بالألف من المواليد تقريبا. ومن المعروف أن هناك أجزاء بالمخ عبارة عن تجاويف مملؤة بالسائل المخي الشوكي ، وتتصل هذه التجاويف بقنوات وممرات تسمح للسائل بالانتقال من تجويف الى آخر. وتقوم بعض التجاويف العميقة بإنتاج ما يعادل (150) سنتيمتر مكعب من السائل الشوكي كل (24) ساعة ، بحيث يتم تصريفها عن طريق القنوات الموصلة بين تجويف وآخر ، وفى الأحوال الطبيعية فان السائل يستمر في الانسياب والجريان الى أن يتم خروجه في النهاية من آخر تجويف الى المنطقة الواقعة عند جذع المخ تمهيدا لجريانه مع الدم . وفى حالة وجود عوائق تحول دون تصريف هذا السائل فانه يتراكم خاصة في التجاويف الجانبية مما يؤدى الى تضخم الرأس بسبب ضغط السائل على جدران الرأس الى الخارج وضغطه أيضا على المخ الى الداخل مما يحول دون نموه .
ويمكن علاج هذه الحالة إذا تمت عملية التشخيص والتقييم مبكرا وذلك عن طريق زراعة أمبوب بالدماغ لتحويل مجرى السائل الى المعدة .
5/2- صغر حجم الرأس (MICROCEPHALY)
وهو من الاضطرابات التي ترجع بطبيعتها الى عدة أسباب ويقع في مقدمتها الإصابة بأحد التهابات الدماغ ومن أهم سمات هذا الاضطراب هو عجز المخ عن النمو بالحجم الطبيعي ونجد أن عظام الجمجمة لا تتمدد بالشكل الذى يتناسب مع نمو حجم المخ . وعلى الرغم من أن الإصابة به تؤدى الى التأخر الذهني الشديد إلا أن هناك استثناءات ترجع لطبيعة الحال الى حجم الإصابة والى عمق تأثيرها .
6- الغدد ( GLANDS ) :
ومن اشهر أمثلتها ( القماءة ) أو الكريتينية (CRETINISM) وهى حالة تحدث بسبب نقص في إفرازات الغدة الدرقية نتيجة لنقص مادة اليود في غذاء الطفل . وتؤدى الإصابة الى معاناة الطفل من نقص في القدرات العقلية وبعض الاضطرابات العضوية الأخرى وفى مقدمتها بطء الدورة الدموية وتوقف نمو العظام والأسنان والشعر والمخ . ويبدو المصاب إذا لم يتلق الرعاية الطبية المناسبة ، قصير القامة ، خشن الملامح ، قصير الجذع ، غليظ الجفون ، جاف الجلد ، وذا أطراف قصيرة وغليظة ، ولا يهتم كثيرا بما يدور حوله.
-7اختلاف فصائل الدم لدى الأبوين / عامل ريسوس )( RH :
وهى مواد موجودة بكرات الدم لدى أغلبية البشر وبعض الحيوانات الراقية وعندما يختلط الدم المحتوى على هذه المواد بدماء أشخاص آخرين لا يوجد بها نظير لها فإنها تمثل في هذه الحالة ماد أو أجسام غريبة تؤدى الى إنتاج مواد مضادة لها بدم الشخص الغير حامل لها أصلا . فإذا ما افترضنا مثلا بان دم الأب يحمل مادة (RH+) وان دم الام يحتوى على نفس المادة الموجبة أيضا فان دم الطفل يحمل المادة (RH+)الإيجابية أيضا . وهذا لا يمثل أي مشكلة على الإطلاق . أما إذا كان دم الأب يحتوى على (RH+) بينما يحتوى دم الام على (RH-) فان دم الطفل في هذه الحالة سوف يحتوى (RH+) مثل الأب وهو ما يتعارض مع دم الأم. وفى مثل هذه الحالة فان العامل الإيجابي بدم الطفل سوف يختلط بدم الام المحتوى على العامل السلبي وذلك لاول مرة ، مما يؤدى الى قيام دم الام بإنتاج أجسام مضادة للعامل الإيجابي بدم الطفل وسرعان ما تعمل على تحطيم خلايا الدم الحمراء لديه وحرمانه من الأكسجين ، ونجد أن عملية إنتاج الأجسام المضادة لدى الام تستغرق وقتا طويلا بعض الشيء فان الطفل الأول عادة لايتاثر باختلاف عامل الريسوس في الدم مثلما يحدث في حالة من يأتي بعده من الأطفال .
وفى حالة حدوث مثل هذا الاضطراب للطفل فانه يمكن التخلص من الدم القديم وإجراء عملية نقل دم جديد له
ومع ذلك فان ذكاء الطفل سوف يقل عن مستوى نظرائه من الأطفال بشكل نسبى .
8- اضطرابات المشيمة والحبل السري :
تؤدى حالات انفصال المشيمة أو عدم كفاءتها الى بطء نمو الجنين وصغر حجمه والى الولادة المبكرة أو احتمال حدوث الإعاقات التكوينية ومن بينها الاضطرابات التي تصيب المخ . وتعتبر عمليات توقف تبادل الغازات بسبب اضطراب المشيمة أو الحبل السري العامل المسئول عن حدوث حوالي ( 90) بالمائة من حالات الشلل الدماغى .
9- نقص الأكسجين :
ويحدث لأسباب متعددة أما في مرحلة ما قبل الولادة أو أثناء الولادة أو بعد الولادة . ويؤدى حرمان خلايا المخ من الأكسجين ولو لفترات قصيرة ، الى تعرض تلك الخلايا للموت وذلك يؤثر بشكل سلبي على عمليات تزويد المخ بالطاقة اللازمة للقيام بنشاطاته المختلفة .
ثالثا : أسباب راجعة الى حالة الولادة :
وهى تشمل على مجموعة حالات يأتي في مقدمتها الولادات المبكرة والاختناق والإصابات :
-1الولادات المبكرة :
وتحدث هذه الولادات لأسباب طبية متعددة ، إلا أن ما يجب التأكيد عليه أن الأطفال ممن ينقص وزنهم عن (1500) جم معرضون لاحتمال إصابتهم بإعاقات حسية وعقلية متنوعة وعادة ما يؤدى نقص الوزن بسبب ولادة الطفل قبل موعده الى احتمال إصابته بالتخلف الذهني . وقد حاول الأطباء الحد من فرص حدوث الإعاقات عن طريق الحضانات التي يوضع بها الأطفال ناقصي الوزن لكى نوفر لهم بيئة شبيهة برحم الام لحين استكمال موعد ولادتهم . وقد ساهمت الخدمات الطبية بشكل ملحوظ في الحد من عدد هذه الإصابات .
2- الاختناق :
أحيانا ما تؤدى بعض المشاكل التي تحدث أثناء الولادة الى الإصابة ببعض الإعاقات مثل التخلف الذهني ، والشلل الدماغى ، وتأخر النمو الحركي ، وبعض الاضطرابات الأخرى التي تؤثر بشكل سلبي على القدرة على التعلم . ويقع في مقدمة هذه الأسباب عامل نقص الأكسجين وقد تكلمنا عنه سابقا .
3- حوادث الولادة :
تؤدى حالات تعثر الولادة وسوء استخدام الأدوات الطبية المساعدة على سحب الجنين والضغط على جمجمة الطفل الى الأضرار ببعض أنسجة المخ وحدوث نزيف للمخ أحيانا ، مما يؤدى الى الإصابة بالنقص العقلي.
رابعا : أسباب ترجع الى ما بعد الولادة :
وهى اضطرابات متعددة تصيب الطفل بعد مولده ، وتؤدى الإصابة بها الى اضطراب المخ وحدوث الخلل العقلي بدرجات متفاوتة تبعا لكل حالة على حدة ، ومن أهم هذه الأسباب :
-1العدوى :
يتعرض الطفل بعد مولده للإصابة ببعض الأمراض مثل الالتهاب السحائي ، والحمى المخية الشوكية ، والتهاب الدماغ وغيرها من الأمراض والحميات الأخرى التي تؤثر بشكل سلبي على خلايا الدماغ وتساهم في حدوث التخلف العقلي .
2- الإصابات الطارئة :
تؤدى إصابات الرأس التي يتعرض لها الإنسان عامة والأطفال على وجه الخصوص الى التأثير على المخ وعلى وظائف بعض مراكزه مثل ارتجاج المخ أو إصابات حوادث السيارات أو السقوط من أماكن مرتفعة أو تلقى ضربة شديدة على الدماغ
-3العوامل الكيميائية :
وهى كثيرة ومتعددة وذات درجات خطورة متفاوتة مثل تناول بعض الأدوية والمستحضرات ذات الآثار الجانبية الضارة ، والتسمم بالرصاص ، وتناول مواد تحتوى على نسبة عالية من الزئبق العضوي ، والتسمم باستنشاق غاز ثاني أكسيد الكربون أو أحد الغازات الضارة.
4- العوامل الغذائية :
يؤدى نقص البروتين في غذاء الطفل وسوء تغذيته الى التأثير بشكل ضار على نمو المخ ، في حالة الأطفال الصغار والى التأثير على الصحة بشكل عام ، وفى حالة تعرض الطفل خلال السنوات الأولى من عمر الطفل والسنة الأولى على وجه الخصوص لسوء التغذية ونقص البر وتينات ، فان ذلك سوف يؤدى حتما الى إعاقة نمو المخ وتطوره والى الإصابة بالضعف العقلي .
-5عوامل الحرمان :
وهى من بين العوامل البيئية الكثيرة ذات التأثير الواضح على التخلف الذهني ، ويرى العلماء بأن هناك علاقة قوية مابين الحرمان بجميع أشكاله وحالات التخلف الذهني . ومن المعروفأن تربية الطفل في بيئة فقيرة محرومة من الأساسيات تعرضه لاضطرابات ومضاعفات سوء التغذية ، كما تقوده الى الشعور بالمعاناة من صنوف الحرمان النفسي والانفعالي والذهني والى فشل الطفل في إقامة علاقات متبادلة مع غيره من المحيطين به وهذا يؤدى بدوره الى حدوث الحالات التي تعانى من التخلف بسبب العوامل الثقافية والعائلية ولهذا نناشد بمحاربة الفقر ومحاولة القضاء عليه لان ذلك يساهم مساهمة فعالة في علاج الكثير من حالات التخلف الذهني الراجعة الى أسباب ثقافية .
6- الأسباب الثقافية والعائلية للتخلف الذهني :
ويطلق العلماء على هذا النوع من النقص العقلي بالتخلف الذهني الأولي أو الوظيفي(الهامشي) ويعتمد في تشخيصه على وجود حالات أخرى مماثلة بالعائلة وهو تخلف ذهني بسيط جدا دون وجود أي أسباب عضوية أو عصبية يمكن الاستناد عليها . وقد ارجع العلماء أسباب حدوث مثل هذا النوع من التخلف الذهني لدى أولئك الأفراد الى أسباب ثقافية وعائلية.
خامسا : تخلف ذهني لأسباب غير معروفة :
كما هو معروف فإننا لم نصل بعد ، على الرغم من التقدم الهائل الذى يحيط بنا والتقدم الطبي الذى فاق كل الإنجازات التي حققها السابقون ، الى التعرف على جميع العوامل المسببة للنقص العقلي والعناصر المشاركة في حدوثه ، بشكل قاطع للشك في بعض الحالات ومن بين هذه الحالات التخلف الذهني لأسباب غير معروفة مما يؤدى الى نمو المخ بشكل غير طبيعي كما قد يعود السبب في حدوث بعض الحالات الى عوامل وظيفية مازالت مجهولة ، مما يعيق تطور المخ ويمنعه من القيام بأداء وظائفه بشكل سوى .