أطفال منسيون في الخارج
بدر السنبل
أشعر بحزن شديد لأننا انشغلنا عن الإنسان بصراعات فكرية زائفة هدفها الانتصار للذات ونجومية بائسة. انشغلنا بتغريدات تويتر، وأينا يشعل «المشهد» صخبا وتعليقا وضربا من فوق وتحت الحزام. نحن من ندعي الثقافة والفكر والانسانية انشغلنا بذواتنا وعاهاتنا على حساب الانسان وحقوقه وآلامه واحزانه واحتياجاته وخيباته.
جالت في رأسي هذه الافكار، وانا أشعر بمرارة وأسى، وأنا أتابع أحوال بعض المعاقين في برنامج قضية رأي عام للمبدع ياسر العمرو على قناة روتانا.
لم أصدق ما أشاهد فهل يعقل ونحن المجتمع الذي يتحدث عن جوهر الإسلام وسماحته، عن الرحمة وحب الانسان والعطف والتسامح، ان نجد هذه النماذج ممن يتخلون عن أطفالهم في غمضة عين. يتجول البرنامج في دور الرعاية ومراكز التأهيل في الأردن حيث يقطن هناك العديد من الأطفال السعوديين الذين لم يجد أهاليهم مراكز ودور رعاية مناسبة لهذه الفئة في بلادنا ليلجأوا الى الاردن. اطفال لا يعون ما حولهم تفتك بهم الاعاقة والامراض الصعبة، تتنقل الكاميرا بين وجوههم وهم يوزعون الابتسامات، دون ان يدركوا انهم في بلد غير بلادهم، وبين أناس ليسوا أهاليهم.. وأنهم يعيشون المأساة بعد أن تخلت أسرهم عنهم.
مديرة إحدى الدور تؤكد أن بعض الأسر تركت ابناءها دون سؤال منذ سنوات، وان السفارة هي التي تتكفل بدفع تكاليف العلاج، وهو موقف تشكر عليه ، دون أن يكلف الأهل أنفسهم عناء الاتصال والسؤال على أقل تقدير.
أتابع البرنامج وأنا أتساءل ما الذي يدفع هؤلاء الاسر للجوء الى مؤسسات ودور رعاية وتأهيل بالخارج.. كيف يحدث ذلك ونحن دولة غنية تشهد عليها أوضاعنا الاقتصادية والوفرة المالية. كيف يحدث ذلك ونحن مملكة الانسانية التي تحتضن آلاف المرضى من جميع دول العالم للعلاج لدينا في مراكزنا ومستشفياتنا المتخصصة؟ أين هي وزارة الشؤون الاجتماعية؟ ووزارة الصحة أين مشاريعها أيضا؟ أين مجلس الشورى؟ وأين حقوق الانسان.. الجمعية والهيئة؟ أين مجتمعنا؟
الأمر وما رأيناه مؤلم ومسيء لكل الانجازات.. ومن المؤكد ان القيادة التي تفتح أبواب الميزانيات على مصراعيها لتحقيق حياة كريمة للمواطنين وخدمات متقدمة تليق بالانسان وبوضعنا كمملكة للانسانية لا يمكن ان تقبل ما يحدث من سفر آلاف الأسر بأطفالهم المعاقين الى الخارج لتلقي رعاية متخصصة. هذه الفئة الغالية على نفوسنا قد لا تجيد الحديث عن حقوقها واحتياجاتها، واسرها قد تمنعها الكرامة من المطالبة بحقوقها، علما ان بعض الاسر لا تملك المال للسفر للخارج فيتعذب اطفالهم في بيوتهم الى ان يموتوا أو يكتب الله فرجا.
هذه الفئة لا تريد أكثر من حقوقها. لذا من الضرورة أن يتم التحرك عاجلا غير آجل بتشكيل فريق عمل مكون من وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الصحة ووزارة المالية وجمعية حقوق الانسان اولا لحل مسألة السفر لمراكز الرعاية في الخارج، ومنح هذه الفئة حقوقها كاملة، وتوفير كل سبل الحياة الكريمة لهم بالتكفل بمصاريف علاجهم في الخارج، والعمل على توسعة مراكز التأهيل ودور الرعاية في مملكتنا الحبيبة، واستحداث مراكز متخصصة تحول دون لجوء أي اسرة لعلاج اطفالها المعاقين في الخارج،على ان يتم ذلك بمواصفات عالمية ذات جودة عالية.. واشتراطات صارمة ويعمل بها افضل الكفاءات وتخصص لها أعلى الميزانيات.. فبلادنا غنية وهذه الفئة الغالية تستحق الكثير والكثير.
__________________
((أللهم أن فاتنا أن نكون من أصحاب نبيك صلى الله عليه وسلم في هذه الدنيا فلا تحرمنا أن نكون من صحابته في الجنة:[ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا ) وقال بإصبعيه السبابة والوسطى] , متفق عليه : رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري .