أهمية وسائط الاتصال التعليمية في عمليتي التعليم والتعلم
د. يسري مصطفى السيد
1 ـ توسيع مجال الخبرات التي تمر بها الطالبة:
تساعد وسائط الاتصال التعليمية في تحسين مستوى التدريس بتعويض المتعلمات عن الخبرات التي لم تمررن بها سواء: لخطورة تعرضهن لها (مثل التفجيرات النووية)، أو لبعدها عن مكان الدراسة (عند دراسة طرق استخراج الفحم والذهب من المناجم، أو حياة الإسكيمو)، أو لتباعد فترات حدوثها (مثل ظواهر الخسوف والكسوف)، أو لصِغر الشيء المستهدف دراسته (مثل دراسة الخلية الحية) أو لِكبره (عند دراسة حركة الكواكب، أو حركة الأرض)، أو معقدة (عند دراسة آلة الاحتراق الداخلي للسيارة)، أو مستحيلة (عند دراسة طبقات الأرض الداخلية، أو حياة قدماء المصريين).
في كل الخبرات السابقة يمكن الاستفادة من وسائط الاتصال التعليمية الحديثة في تحقيق تعليم أفضل يترتب عليه بالتالي تعلُّم أثمر.
2 ـ تساعد على فهم المتعلم لمعاني الألفاظ التي تُستخدم أثناء الشرح:
فكثيراً ما يُلاحظ أن الطالبات ترددن وتكتبن ألفاظاً دون أن تدركن مدلولها، ولذلك فهن تعتمدن على حفظها واستظهارها حتى يحين وقت الامتحان لتتخلصن منها إلى الأبد، وتكون النتيجة نسيان هذه المعلومات بعد أدائهن للامتحان، لكن استعمال وسائط الاتصال التعليمية يزوِّد المتعلمات بأساس مادي محسوس لأفكارهن، وهذا يقلل من استخدام الألفاظ التي لا تفهمن لها معنى.
والأمثلة لذلك كثيرة، منها ما يلي:
أ ـ في دروس العلوم:
* موضوع تركيب الزهرة: يتضمن ألفاظاً مثل الكأس وسبلاته، والتويج وبتلاته، والطلع، والمتاع، والمبيض والقلم والميسم، والبويضة وحبة اللقاح … الخ.
* موضوع تركيب الحشرة: يتضمن ألفاظاً مثل قرون الاستشعار، والتعرّق الشبكي، والعين المركبة، والأرجل المفصلية … الخ.
* موضوع الميزان الحساس: يتضمن ألفاظاً مثل قب الميزان، ومنشور من العقيق، ومسمار محوي … الخ.
ب ـ في دروس الرياضيات: تتضمن كثير من الألفاظ مثل المكعب، والمنشور، والمثلث، ومتوازي الأضلاع، ونصف القطر … الخ.
ج ـ في دروس اللغة: يرد كثير من الألفاظ وتتضمن كثير من مهارات التخاطب والكتابة التي يمكن توظيف الوسائط التكنولوجية في تيسير فهمها.
د ـ في الدراسات الاجتماعية: ترد مصطلحات مثل الهضبة، والجبل، والسهل، والطقس، والمناخ، والقارات، والأرض، والخور، والخليج، … الخ.
وغني عن الذكر أن استخدام المعلمة لوسائط الاتصال التعليمية يجنب الطالبات ترديد الألفاظ وكتابتها دون إدراك مدلولها، ودون تكوين صورة ذهنية صحيحة عنها.
3 ـ تساهم في زيادة ثروة الطالبات من الألفاظ الجديدة:
تقوم وسائط الاتصال التعليمية بدور هام في زيادة ثروة الطالبات من الألفاظ الجديدة، ويتضح ذلك مثلاً عند قيامهن برحلة تعليمية لمصنع صابون، فترى الطالبات خطوات صناعته، ثم تُعبّرون عمّا شاهدنه مستخدمات ألفاظاً جديدة ذات معنى واضح بالنسبة لهن(قد تسمعنها من المهندس المرافق لهن)، مثل التسخين، والغليان، والأنابيب، والصودا الكاوية، والقِدر … الخ.
4 ـ تعمل على إثارة اهتمام المتعلمات وعلى إيجابيتهم للتعلم:
ما الفرق بين فصلين: في أحدهما تقوم المعلمة بالشرح الشفوي (الإلقاء)، وفي الآخر تقوم المعلمة ـ في نفس الموضوع ـ بتجارب عملية، أو يستعمل خريطة أو نموذج؟ تدل المشاهدات على أن الأرجح أن طالبات الفصل الأول يغلب عليهن النعاس والملل، أو الشغب والثرثرة، بعكس طالبات الفصل الثاني اللاتي يبدو عليهن الاهتمام والإيجابية، وتتبُع الدرس والاندماج والمشاركة فيه.
وإذا أتاحت المعلمة لطالباتها فُرصاً لحل مسألة على السبورة أو تشغيل نموذج متحرك، أو إجراء تجربة في المعمل مثلاً، فالغالب أن كل هذا يؤدي إلى زيادة اهتمام الطالبات واندماجهن في الدرس.
ومع أن بعض المعلمات لديهن القدرة على جذب انتباه طالباتهن عن طريق الإلقاء الجيد، إلا أن هذه القدرة قد لا تكون متوفرة لدى الجميع بل إن الاستمرار في الإلقاء حتى لو كان جيداً أمر يثير الملل.
5 ـ تساعد على جعل الخبرات أبقى أثراً:
تتصف وسائط الاتصال التعليمية بأنها تقدم للمتعلمات خبرات حية ـ أو ممثلة لها ـ وقوية التأثير، ويبدو أن هاتين الصفتين تؤديان إلى بقاء أثر ما تتعلمه الطالبات والتقليل من احتمال نسيانه.
وقد بيّنت بعض الدراسات أن الطالبات تنسين حوالي 50 % من المعلومات التي تتعلمنها بالإلقاء التقليدي بعد عام واحد، وتصل هذه النسبة إلى 75 % بعد عامين من دراستها، في حين بينت البحوث أن وسائط الاتصال التعليمية تساعد على التركيز وتقليل النسيان، وبالتالي تقليل الفاقد في التعليم.
6 ـ تشجّع على النشاط الذاتي والتطبيق العملي لدى الطالبات:
تقوم وسائط الاتصال التعليمية بإثارة الحماس لدى المتعلمات وتُشجعهن على القيام ببعض الأنشطة بدوافع ذاتية، فمشاهدة فيلم عن تسوّس الأسنان قد يشجّع المتعلمة على العناية بأسنانها.
وإذا شاهدت ـ خلال رحلة تعليمية لمستشفى ـ آثار المخدرات على أجهزة الجسم لبعض المرضى، فربما يدفعها ذلك إلى المشاركة في جمعية لمكافحة المخدرات، وإذا شاهدت لوحة عن القيمة الغذائية لبعض الأطعمة فربما ساعدها ذلك على اختيار نوع الغذاء الذي يعطيها قدراً أكبر من القيمة الغذائية … وهكذا.
7 ـ تساهم في زيادة جودة التدريس:
المقصود بجودة التدريس هنا توفير الوقت والجهد والمال وزيادة الوضوح والحيوية، ويمكن أن يتحقق ذلك باستخدام وسائط الاتصال التعليمية، فمثلاً عند عرض المعلمة فيلماً تعليمياً لطالباتها يوضح مراحل نمو الطفل وخصائص كل مرحلة في وقت قصير، فإن هذا يغني عن ضياع الوقت الطويل للوصول إلى النتائج الواضحة والحية التي يقدمها الفيلم.
ولو أن هذا الموضوع كان جديداً على الطالبات واعتمدت المعلمة على الشرح اللفظي في تدريسه، فإن ذلك سيستنفذ منه جهداً شاقاً حتى يمكنها توضيحه بنفس كفاءة الفيلم التعليمي المتحرك.
8 ـ تساهم وسائط الاتصال التعليمية في مقابلة الفروق الفردية بين الطالبات:
لوسائط الاتصال التعليمية دور كبير في مقابلة الفروق الفردية بين الطالبات والتي تهملها المعلمات غالباً، وكلما كانت هذه الوسائط متنوعة كلما أمكنها مساعدة الطالبات على اختلاف قدراتهن وميولهن.
فهناك من الطالبات من تميل إلى مشاهدة فيلم تعليمي، ومنهن من تميل إلى المشاركة في رحلة تعليمية، ومن تفضّل استخدام الكمبيوتر في التعلم، وبعضن تمل للاشتراك في تمثيلية تعليمية، وآخريات ترغبن في إجراء التجارب المعملية، وهذا كله يزيل الرتابة والملل عن مواقف التعليم والتعلم، ويعطي الطالبات الخبرات التي تقابل ما بينهن من فروق فردية.
9 ـ تساعد على كسب المهارات وإنمائها:
الطريق نحو تعلُّم المهارات وكسبها هو مشاهدة نموذج للأداء وممارسة هذا الأداء، وكلا الأمرين يتطلب الاستعانة بوسائط الاتصال التعليمية. فتعلُّم مهارة السباحة مثلاً يمكن أن يتحقق عن طريق عرض فيلم تعليمي متحرك عرضاً بطيئاً لتتمكن الطالبات من متابعة مراحل تلك المهارة، وتقليدها، وتلمُّس نواحي الضعف والقوة مما يساعد على استبعاد الحركات الخاطئة وتدعيم الصحيح منها.
10 ـ تساهم في تكوين اتجاهات مرغوب فيها:
إن تكوين الاتجاه المرغوب فيه وتغيير الاتجاه غير المرغوب فيه لا يتحقق بمجرد إلقاء دروس على الطالبات. حقيقة أن تكوين الاتجاهات يحتاج إلى المعلومات، ولكن ليست المعلومات كل شيء، فالقدوة والممارسة في مواقف طبيعية مباشرة، أو باستخدام التقنيات التعليمية الحديثة أجدى وأفعل.
ومن أمثلة ذلك تعديل اتجاهات الطالبات نحو العادات الصحيحة في المرور، والتغذية، والعناية بالصحة، واحترام العمل اليدوي … الخ. ومما يساعد على تحقيق ذلك التأثير الوجداني الذي تتركه الوسائط في نفوس الطالبات استخدام بعض أساليب الإخراج كالتمثيل والموسيقى والمؤثرات الصوتية والخدع التصويرية … وغيرها.
11 ـ تساهم في تنويع أساليب التعزيز التي تؤدي إلى تثبيت الاستجابات الصحيحة وتأكيد التعلم:
ولعل أوضح مثال على ذلك استخدام بعض الوسائط التكنولوجية الحديثة مثل التعليم المبرمج، والكمبيوتر المستخدم كمعلم خصوصي، وعن طريق هذه الوسائط تعرف الطالبة مباشرة الخطأ أو الصواب في إجابتها فور إبدائها، فيتم تعزيز الإجابة الصحيحة فوراً وتستمر في تعلمها.
كذلك الحال في معامل اللغات حيث تستمع الطالبة إلى التسجيل الصوتي لأدائها وتتعرف على أخطائها في النطق وكيفية النطق الصحيح، وكذلك أيضاً عند استخدام أجهزة تعليم اللغات، حيث تقارن الطالبة نطقها بنطق المدرسة المسجّل على شريط صوتي.
12 ـ تساهم في تكوين وبناء مفاهيم سليمة:
تساهم وسائط الاتصال التعليمية في تكوين الطالبات للمفاهيم بصورة صحيحة. فعندما تسمع الطالبة مفهوم مفاعل نووي دون الاستعانة بأي وسيط يوضحه، قد يعني عندها مصنع كبير، أو ما شابه .
ولكن عندما تبدأ المعلمة بعرض فيلماً تعليمياً يوضح المفاعل النووي، وفكرة مبسطة عن التفاعلات النووية التي يجريها العلماء بداخله، واحتياطات الأمان التي تُتبع في العمل بداخله، فإن الطالبات تكوّن مفاهيم فرعية سليمة لمفهوم المفاعل النووي.
13 ـ تساهم في زيادة فهم وتفكير المتعلمات:
يتصل المتعلم بعالم الأشياء والظواهر المحيطة به من ضغط وحرارة ورائحة ومذاق عن طريق حواسه، ولا تفهم المتعلمة الأشياء أو الحوادث أو الظواهر التي أمامها ما لم تُفسر لها.
ولتوضيح دور وسائط الاتصال التعليمية في عملية الفهم:
نعرض لتجربة حدثت لشخص كانت تنقصه إحدى الحواس رواها كنجسلي (Kingsley)، وفيها أُجريت عملية جراحية لشخص وُلد أعمى، وعندما بلغ الثامنة عشر أُجريت له عملية جراحية، فأبصر مجموعة غير متناسقة من الأشكال والألوان والأضواء والظلال … ولكن هل فهم شيئاً مما أبصر ؟
لم يفهم شيئاً، والدليل على ذلك أن الطبيب أخذه نحو النافذة، وسأله إن كان يرى السور الذي في الجانب المقابل للشارع، فأجاب: "لا يا سيدي" لأنه لم تكن لديه فهم صحيح لمعنى السور من بين الأشكال المختلفة التي أبصرها.
أي أن هذا الشاب الذي سمع كلمة سور مرات عديدة، لم يفهمها، لأن الفهم يتطلب الاعتماد على خبرات سبق الإحساس بها، وبخاصة الخبرات البصرية.
ولتوضيح دور وسائط الاتصال التعليمية في عملية التفكير:
حدث أن سأل تلميذ معلمه: "هذه الزهرة بها خيوط !! ما هذه الخيوط ؟" كان باستطاعة المعلم أن يجيب التلميذ لفظياً مباشرة بأنها أعضاء التذكير والتأنيث المهمة في عملية التلقيح وتكوين الثمار. هذه الإجابة تصدم المتعلم بمصطلحات لا قِبل له بها. إنها تطفئ غالباً شغف المتعلم بالعلوم.
لكن المعلم الناضج عمد إلى توجيه المتعلم إلى التفكير بأن يُمكّن المتعلم من تحديد المشكلة بأن سأله: هل جميع الزهور بها مثل هذه الخيوط؟ فقال المتعلم: لا أعلم .. فشجعه المعلم على جمع الأدلة ليتأكد من أن الزهور التي أمامه جميعاً بها خيوط. وعندما تأكد للمتعلم ذلك سأله المعلم: إذاً لا بد أن لهذه الخيوط وظيفة، فكيف نعرف فائدتها؟
واسترسل المعلم موضحاً ـ ومُلمّحاً ـ أنه لو كانت لها فائدة فإنها تظهر عند قطع تلك الخيوط من بعض الأزهار وتركها في أزهار أخرى، وملاحظة مدى وجود فارق بين هذه وتلك، ولو كانت عديمة الفائدة لما ظهر فارق. وللتثبُّت من صحة أحد هذين الفرضين يمكنك القيام بالتجربة السابقة. وعقب قيام المتعلم بالتجربة قبِل الفرض القائل بأن لهذه الخيوط أهمية في إنتاج الثمار.
فكأن المتعلم مر بخطوات التفكير العلمي، واعتمد على خبراته الحسية التي كانت لديه قبل مواجهة المشكلة والتي جمعها في أثناء حلها، ومن خلال مروره بالخبرات المباشرة والوسائط التي أتاحها المعلم له.
14 ـ تعمل على إشباع وتنمية ميول الطالبات:
من خلال وسائط الاتصال التعليمية تستطيع المعلمة أن توفر خبرات حية ومتعددة لتُشبع ميول الطالبات وتزيد من استمتاعهن بمواقف التعليم والتعلم. ويمكن أن تساهم عروض الأفلام والرحلات التعليمية والتمثيليات الدرامية في إشباع هذه الميول وتنميتها.
15 ـ تساهم في معالجة انخفاض المستوى العلمي والمهني لدى بعض المعلمات:
لوسائط الاتصال التعليمية دور هام في علاج مشكلة انخفاض المستوى العلمي والمهني لدى بعض المعلمات، خاصة إذا كانت هذه الوسائط مُصنّعة بواسطة أخصائيين تربويين في مجال العلوم والتربية، كما أنه يمكن تقديم استراتيجيات حديثة في التدريس من خلال هذه الوسائط وتدريب المعلمات على ممارستها (كما في برامج التعليم المصغّر مثلاً).
16 ـ تساهم في استغلال المتعلمة لحواسها المختلفة:
فمن العيوب التي توجه للطريقة الشائعة (التلقينية) في التدريس أنها لا تتيح الفرص للمتعلم استغلال سوى حاستي البصر والسمع مع ما ينجم عن ذلك من قصور في التعلم، في حين أن هناك حواساً أخرى لا تقل ـ بل في بعض الأحيان تزيد ـ عن هاتين الحاستين مثل حاسة اللمس وحاسة الشم وحاسة الذوق. ففي الدروس العملية الكيميائية مثلاً تصبح هذه الحواس عظيمة الأهمية.