التفكك الأسري . . العلاج والحلول
الشيخة العنود بنت ثامر بن محمد آل ثاني
لا شك أن العلاقات الأسرية هي أسمى وأقدس العلاقات على وجه الأرض .. بذرتها، تبدأ بين فردين بالزواج، ثم أفراد بالإنجاب، وتمتد لتشمل الأقارب والأصهار من الطرفين. إنها كالشجرة التي تمتد أوراقها ليستظل بها الجميع، وكلما ازدادت أوراقها وتشابكت أغصانها كلما كانت الحضن الدافئ والحصن الأمين لكل من يأوي إليها.
لقد تعددت الكتابات حول العلاقات الأسرية والتفكك الأسري، وتناولها العديد من الدراسات والأبحاث، فمن الباحثين من تناول بعض جوانبها، فيما اشتملت أبحاث بعضهم الآخر على جميع الجوانب. فهي موضوع خصب وحساس، ولم لا وهي أساس البنيان الاجتماعي الذي بدأ به سبحانه وتعالى الخلق بخليفته على الأرض، آدم وحواء، ومدهما بالذرية، ونظم العلاقات الأسرية في كتبه وشرائعه السماوية.
غير أن التقدم الحضاري والتطور الزمني قد ألقى بظلاله على الأسرة، فلم تعد كما كانت من التماسك، بل أصبح تفككها أحد الظواهر التي لا نستطيع أن نغمض أعيننا عنها، إذ أن أي خلل في البنيان الأسري لن تقع تبعاته السيئة على فرد واحد من الأسرة، بل على كل الأطراف المعنية التي تضمها مظلة العلاقات الأسرية، لذا ارتأيت أن أقدم بحثي المتواضع هذا، وحرصت في كتابته على أن يكون بأسلوب مبسط حتى يمكن أن يستفيد منه كل من يطلع عليه.
يتعرض البحث في مقدمته لمفهوم الأسرة والتفكك الأسري، وقد خصصت الجزء الأكبر منه لتناول موضوع العلاج والحلول . . كما يتضمن عرضاً للمقترحات التي جاءت في الدراسة الميدانية التي قام بها الدكتور محمد محمد بيومي حول الإرشاد الأسري.
وفي النهاية حاولت أن أضع ملامح رؤية مستقبلية خلصت إليها من خلال اطلاعي على الموضوع.
وتتمنى الباحثة أن يفي هذا الجهد الغرض المطلوب من إعداده، وأن يكون إضافة للجهود الموصلة للباحثين والدارسين في موضوعه.
والله من وراء القصد.
أولاً: مفهوم الأسرة .. والتفكك الأسري
أوجدت معظم القوانين والشرائع من أجل حماية الأسرة، وليكون الزواج قائماً على الثبات والاستمرار، لأن في هذا مصلحة الوالدين من ناحية ومصلحة الأبناء من ناحية أخرى. والزواج لا يمكن أن يعطي ثماره إلا إذا نظرنا إليه كرباط أبدي لا انفصال له، وإلا لكان في إمكان أي طرف من الطرفين، ولأتفة الأسباب أن يتخلى عنه في أية لحظة.
ويرى علماء النفس أن الأسرة المتكاملة ليست تلك التي تكفل لأبنائها الرعاية الاقتصادية والاجتماعية والصحية فحسب، بل هي الأسرة التي تهيئ لهم الجو النفسي الملائم أيضاً. ومن هنا فإن مجرد وجود الطفل في بيت واحد مع والديه لا يعني دائماً أنه يحيا في أسرة متكاملة أو يلقى العناية الأبوية الكافية.
وليست هناك أية بدائل يمكنها أن تحل محل عطف وحنان الأم، باعتبار أن الأمومة ليست وظيفة آلية يمكن أن تقوم بها أية هيئة توفر للطفل الغذاء والمأوى، وإنما هي علاقة إنسانية حميمة تبدل من معالم الشخصية لكل من الأم والطفل، وكذلك فإن للأب دوراً حيوياً في حياة الأبناء وبالذات الذكور، فهو النموذج والقدوة، ذلك بالإضافة إلى الدور الذي يقوم به الإخوة والأخوات في حياة كل فرد في الأسرة.
ونعني بكلمة (أسرة ) بوجه عام، الجماعة الصغيرة ذات الأدوار والمراكز الاجتماعية ـ مثل: الزوج، الأب، الابن، الابنة ـ يربطها رباط الدم أو الزواج أو التبني، وتشترك في سكن واحد، وتتعاون اقتصادياً. وترتكز الأسرة في العادة على زواج شخصين ـ ذكر وأنثى ـ يتمتعون بعلاقات جنسية يقرها الدين والمجتمع .. ويتوقع أن تشمل الأسرة أطفالاً يتحمل الكبار مسؤولية تربيتهم.
إن النمط التقليدي للأسرة في العادة يضم الزوجين وأطفالهما، إلا أن ذلك لا يمنع من وجود أنماط أخرى، فالمرأة المطلقة وأطفالها تعتبر أسرة، وكذلك الزوج المطلق وأطفاله، والأرمل أو الأرملة وأطفالهما أيضاً، كما توجد بعض النماذج الأخرى في البلاد الغربية وأمريكا مثل النساء والرجال الذين لم يتزوجوا إطلاقاً إلا أنهم أصبحوا آباء لأطفال غير شرعيين. أو لأطفال بالتبني، وكذلك المنحرفين جنسياً من كلا الجنسين، وكذلك الذين لهم أطفال من زواج سابق يطلق عليهم مسمى أسرة.
ويشير الدكتور الوحش أحمد إلى أن الباحثين (برجس ولوك ) وهما من الباحثين المختصين في مجال الأسرة، استخدما تعريفاً لها يضم العناصر الآتية:
1- تتكون الأسرة من أشخاص مرتبطين برباط الزوجية، أو برباط الدم أو التبني.
2- يعيش أفراد الأسرة عادة مع بعضهم في منزل واحد، وأن حجم البيت وأهله يختلف بحسب تركيب ونوع الأسرة.
3- تتكون الأسرة من أشخاص يتفاعلون ويتصلون ببعضهم بعضاً من خلال أدوارهم الاجتماعية، مثل، زوج وزوجة، أم وأب، ابن وابنة، أخ وأخت، وهذه الأدوار معروفة اجتماعياً ويوافق عليها الأفراد.
4- تشارك الأسرة في الثقافة العامة النابعة من المجتمع الذي توجد فيه. ولكن لكل أسرة إنسانية بعض الخصائص الثقافية الخاصة، والتي تنتج من تفاعل أفراد الأسرة واتصالهم حيث تختلط نماذج سلوكهم المختلفة.
5- إن نماذج الاختلاف هذه قد تتكون نتيجة لخبرات الزوج أو الزوجة السابقة، ما قبل الزواج، كما يمكن أن يحضرها الأطفال من اتصالهم وتفاعلاتهم مع غيرهم (1).
من أسس نجاح العلاقة الزوجية:
يحتاج صرح الزواج إلى بعض الأساسيات الضرورية للمساعدة على نجاحه، ومن الملاحظ أن تلك الأساسيات أو المفاهيم ليست مرتبة حسب أهميتها لكي يبدأ الزوجان بأولها وينتهيا بآخرها، فلكل زوجين خصائصهما وظروف ارتباطهما المختلفة عن الآخرين، فقد تبدأ علاقتهما بالحب أو بالشعور بالانتماء، أو تبدأ بالصداقة والتعاون، فليس المهم من أين نبدأ، لكن المهم أن تشمل العلاقة الزوجية كل تلك المفاهيم.
* الحب:
يتحدث العالم النفسي (أدلر ) عن رابطة الحب ـ كما ورد في كتاب الدكتورة سميحة كرم عن العلاقات الأسرية، فيقول: إنها خليط من القوة والحنان، ((لأن كلاً من الرجل والمرأة يريد أن يحيط كل منهما الآخر بعنايته، وأن يسبغ عليه عطفه وحنانه من جهته، كما أن كلاً منهما يريد أن يركن إلى الآخر ويتلقى منه العطف والرعاية كأنما هو مجرد طفل، وحاجته إلى رعاية الآخرين كأنما هو أب مسؤول )). ويرى علماء النفس بصفة عامة أن على الزوج ألا ينتظر أن يأتي الحب منذ بداية الحياة الزوجية حباً ناضجاً مكتملاً، لأن الجانب الحسي في الحياة الزوجية ـ وخاصة بالنسبة للمرأة ـ هو في حاجة إلى تهيئة طويلة وتربية دقيقة.
* الاحترام:
من المهم أن يحترم كل شريك شخصية الطرف الآخر، ويتقبل عيوبها قبل مزاياها، والتقبل يعني القبول والتفهم بأن صفات قرينه قد يكون جزء منها وليد الظروف والبيئة، لذا يجب ألا نحاول أن نعيب على الطرف الآخر تلك العيوب ونتذمر منها، ونحاول أن نغيرها بالقوة. فبعض هذه العيوب قد يذوب تلقائياً عندما يشعر الطرف الذي يحملها أن شريكه يقبلها فقط من أجله، رغم أنها قد تكون صفات غير مرغوب فيها، وبعضها الآخر قد يظل على ما هو عليه، إذن فما جدوى الانتقاد الدائم والنزاع المستمر بشأنها؟ إن ذلك لن يخلق إلا مزيداً من المصاعب والمتاعب.
ونعني أيضاً بالاحترام تقدير القرين لآراء الطرف الآخر حتى ولو كانت لا تساير رغباته الشخصية، وهنا يظهر مبدأ التقارب الفكري، لأنه لا بد من التقابل في المنتصف . . إن ذلك يعني ويؤكد احترام كل منهما لآراء الآخر. والاحترام يشمل احترام كيان الشخص في وجوده أو غيابه، لأنه لا يصح أبداً أن نذم أو نشكو الشريك لآخرين في حالة عدم وجوده. . إن ذلك يهدم صرح الشريك في داخل الفرد قبل أن يهدم في عيون الآخرين.
* الانتماء:
إن الشعور بالانتماء إلى الكيان الأسري من المفاهيم الأساس في العلاقة الزوجية، فالزواج ليس مجرد علاقة رسمية فقط تمت بموجب عقد الزواج، أو مجرد علاقة جسدية أباحها العقد ذاته، أو هو مجرد معيشة فردين معاً ألزمها الزواج، إن الزواج أسمى من ذلك بكثير، إنه يعني أن هناك شخصين قد ارتضيا أن يكملا مسيرة حياتهما معاً، يتقاسمان مرها قبل حلوها، وكل منهما يشعر بآلام الآخر كأنها آلامه، ويرقص قلبه فرحاً بأفراح شريكه، وكل نجاح أو تحقيق هدف يسجل لصالح الكيان الأسري وليس لصالح فرد معين. إن الفتاة تترك أسرتها الكبيرة وتذهب لتكوّن أسرتها الصغيرة، ويصبح انتماؤها الأكبر لأسرتها الصغيرة.
* التعاون:
إن التعاون من السمات الأساس التي يجب أن يتحلى بها الزوجان، فكل منهما لا بد أن يكون السند للطرف الآخر . . وقد يكون من المفيد أن نشير لبعض الصور السلبية التي قد نشاهدها أحياناً في بعض الأسر، حيث يقف أحد الطرفين في طريق نجاح الطرف الآخر، ويتفنن في وضع العراقيل أمامه، وكأن نجاح الشريك يحط من قدره هو. وفي الطرف المقابل نرى صوراً جميلة للتعاون بين الزوجين، فكل منهما يعاون الآخر ليدفعه قدماً للأمام، وليس هناك مانع من أن يتنازل أحد الطرفين قليلاً عن أهدافه إذا كانت ستعوق تحقيق أهداف الطرف الآخر، لأن كل تقدم يصيب أي شريك هو في النهاية لصالح الأسرة التي تضمهما معاً، لذا فإن القول: بأن ((وراء كل رجل عظيم امرأة )) هو قول على قدر كبير من الصواب والصدق.
* الصداقة:
لعل الصداقة هي الكلمة التي تشمل كل الصفات السابقة المتعلقة بالمفاهيم الأساس في العلاقة الزوجية، فالصداقة تعني المحبة الحقيقية، وتعني الاحترام المتبادل القائم على التفاهم، والانتماء الذي يعني الالتزام الأدبي والمعنوي تجاه الطرف الآخر. إن من أجمل التعبيرات التي تسمعها من أحد الزوجين أنه بالإضافة إلى علاقتهما الزوجية فإنهما قد يصبحا صديقين . . فالزوج قد لا يستطيع أن يبوح بكل مكنونات قلبه لزوجته ولكنه قد يقولها إذا شعر أن زوجته صديقته، بمعنى أن بإمكانها أن تفهم وتقدر دوافع سلوكه، ولن تسيء فهم كلماته (1).
يعتبر الزواج أو الأسرة جماعة تتميز إلى حد كبير بما تتميز به الجماعات الأولية والاجتماعية من خصائص. وعلى الرغم من ذلك فهناك بعض الخصائص التي تتميز بها مثل هذه الجماعات توفر قدراً أكبر من الاعتماد المتبادل الذي يؤدي إلى زيادة التفاعل بصورة أكبر مما يحدث في كثير من الجماعات الأخرى.
ويؤدي تشابك الأدوار التي تتضمنها جماعة الأسرة إلى أن تصبح كثير من التصرفات والأفعال التي تصدر عن الأعضاء ذات آثار عميقة في الأعضاء الآخرين. فهناك علاقات ودية متوازنة بين كثير من أعضاء الأسرة كالعلاقات بين الأبوين، وبينهما وبين الأطفال . . مثل هذه العوامل تتفاعل مع غيرها وتميل إلى زيادة كثافتها.
وعندما تكون للمعتقدات والتوقعات الخاصة بالعلاقات والروابط الأسرية صفة الاستقرار النسبي لفترة ملائمة من الزمن وفي مواقف مختلفة متعددة، تستطيع الأسرة أن تمارس وظائفها، ويتحرر الأفراد في الجماعة الأسرية نسبياً من التوترات، ويشكل الأفراد الذين يشتركون في عملية التفاعل وحدة وظيفية متكاملة.
ومن ثم عندما تتوفر جميع هذه الشروط، يكون للأسرة تنظيم معين، أي يتم التعاون في عملية بناء اتجاهات منظمة يوافق عليها الأعضاء. هذه المجموعة من الاتجاهات المتبادلة المشتركة أو التوقعات تكوِّن ما نطلق عليه تنظيم أو بناء الأسرة، أو شبكة علاقات المراكز والأدوار والأهداف المشتركة والقيم التي يقوم عليها نسق العلاقات الأسرية، وعندما يشترك أعضاء الأسرة في نفس التوقعات والأهداف، ويستطيعون العمل والتوافق معها، يستطيع أعضاء الأسرة بصفة عامة إشباع حاجاتهم اليومية.
وعلى الرغم من ذلك فقد يحدث أحياناً أن تظهر صعوبات تعوق التفاهم أو القيام بالأدوار، سواء من داخل جماعة الأسرة أو من خارجها، وفي مثل هذه المواقف قد ينشأ صراع مؤقت بين توقعات أعضاء الأسرة المختلفين. وإذا ما اتخذ هذا الصراع صفة الاستمرار فقد يؤثر في وحدة الأسرة برمتها.
وكذلك يمكن أن تؤدي التغيرات الاجتماعية التي تطرأ على المجتمع الذي تعتبر الأسرة جزءاً منه إلى تغير في بناء الأسرة. وعلى سبيل المثال، فقد يؤدي عدم توفر فرص العمالة إلى بطالة رب الأسرة، ولا يغير ذلك من دور الأب الاقتصادي في الأسرة فقط بل ويؤثر في اتجاهات وتوقعات أعضاء الأسرة في علاقتهم المتبادلة بين بعضهم بعضاً، وكذلك يؤثر بدرجات مختلفة في شبكة العلاقات الأسرية بأكملها، وفي علاقاتها بالتالي مع المجتمع الخارجي.
وفي الحياة الزوجية، قد يتدخل عدد من العوامل التي تؤدي إلى استقرار الحياة الأسرية والنجاح في الزواج، وقد تؤثر هذه العوامل بطريقة تؤثر هذه العوامل بطريقة عكسية فينتج عنها الفشل واضطراب الحياة الزوجية . فتشابه الخلفية الثقافية أو اختلافها التي يحملها كل من الزوج أو الزوجة وينقلها إلى الحياة الزوجية قد تؤدي إلى التوافق والتجانس أو تنتهي إلى الصراع والخلافات. وكذلك يمكن أن يؤدي نمو الميول والقيم إلى تقوية الروابط والوحدة من خلال الاهتمامات المشتركة وإشباع الميول، أو قد تتجه نحو الاختلافات والصراع. كما أن أنواع النشاط الأسري وما تتضمنه من الأعمال المنزلية، وتربية الأطفال، والهوايات الأسرية، وحالات المرض، والأصدقاء، يمكن أن يشترك فيها الزوجان، أو قد يهرب أحد الزوجين إلى أنواع من النشاط خارج دائرة الأسرة، كما يحدث في بعض الزيجات.
وقد أظهرت إحدى الدراسات أهمية التقبل الاجتماعي الذي يبديه الآخر، كالأصهار والأقارب والأصدقاء، في مساعدة الزوجين على التوافق خاصة في بداية تكيفهم مع الموقف الجديد. ومع ذلك فإن ديناميات الحياة الزوجية تعتبر أكثر من مجرد نمو الروابط الودية، فالزواج يعني المشاركة في اتخاذ القرارات وتكامل وجهات النظر.
وفي مثل هذه العملية لا يعني الزواج قيام الأفراد باتخاذ قرارات مستقلة، ولكن الزوجين يفكران ويقرران معاً، فإذا اتخذت قرارات مشتركة حول موضوعات، كالميزانية والإنفاق أو تربية الأطفال، فإنها تؤدي إلى تكامل الحياة الزوجية، أما إذا تمت القرارات بطريقة (أوتوقراطية ) أو فردية فإنها تضعف الزواج.
أما في حالة توافق الزوجين واحترام وجهات النظر المختلفة وتحقيق المشاركة المتبادلة، فيمكن أن يقوى الزواج بدرجة كبيرة . . ويستمر التوافق والتكيف باعتباره عملية دينامية مستمرة. . ويساد التكيف الزواجي كلا من الزوج والزوجة على مواجهة المواقف الزوجية وعلاج التغيرات التي تطرأ على المواقف الاجتماعية والتي تعرقل وتؤثر في أدوارهما كزوج وزوجة . . وإلى جانب ذلك هناك جوانب أخرى من أهمها التصميم على نجاح الزواج والإيمان بقيمته(1).
وتشير سناء الخولي في كتابها (1983م) إلى أن من النادر أن تكون حياة الأسرة والزواج كاملة Perfect طوال دورة حياتهما، لأن كثيراً من الأحداث التي تتعرض لها الأسرة تؤدي إلى حدوث أزمات، حيث إن الأسرة التي تقابلها المشكلات هي، غالباً تلك الأسرة التي ليس لها الإمكانات الملائمة لمواجهة الأحداث.
ويقسم الدكتور محمد الجوهري في كتابه (1979م) الأزمات الأسرية إلى الأقسام التالية:
1- الأسرة التي تشكل ما يطلق عليه (البناء الفارغ )، وهنا نجد الزوجين يعيشان معاً ولكنها لا يتواصلان إلا في أضيق الحدود، ويصعب على كل منهما منح الآخر دعماً عاطفياً.
2- الأزمات الأسرية التي ينتج عنها الانفصال الإرادي لأحد الزوجين، وقد يتخذ ذلك شكل الانفصال أو الطلاق أو الهجر.
3- الأزمات الأسرية الناتجة عن أحداث خارجية، كما هي الحال في حالات التغيب الدائم غير الإرادي لأحد الزوجين، بسبب الترمل أو السجن، أو الكوارث الطبيعية كالفضائيات أو الحرب.
4- الكوارث الداخلية التي تؤدي إلى إخفاق غير متعمد في أداء الأدوار، كما هو الحال بالنسبة للأمراض العقلية أو الفسيولوجية، ويدخل في ذلك التخلف العقلي لأحد الأطفال، أو الأمراض المستعصية التي قد تصيب أحد الزوجين.
أما هيل Hill فقد صنف الأزمات الأسرية في كتابه إلى ثلاث فئات هي:
1- التمزق أو فقدان أحد أفراد الأسرة Dismembermen ، ويعني (هيل ) بالتمزق فقدان أحد أعضاء الأسرة نتيجة موته في الحرب، أو دخول أحد الزوجين المستشفى، أو موت أحد الوالدين.
2- التكاثر أو الإضافة accession والمقصود بالتكاثر ضم عضو جديد للأسرة دون استعداد مسبق، مثل تبني طفل، أو زوج أم، أو حضور أحد الأجداد للإقامة مع الأسرة، أو المربية، كما في مجتمعات الخليج العربي حالياً.
3- الانهيار الخلقي: Demoralization ويشير إلى فقدان الأسرة والأخلاقية، ويقصد بها (هيل ) فقدان العائل أو الخيانة الزوجية أو إدمان الخمور والمخدرات. وهذه يمكن أن تؤدي إلى نتائج عديدة من التفكك الأسري، مثل: الطلاق، والانتحار، الهجر.
ومن أسباب النزاعات الأسرية أيضاً:
1- عدم فهم كل من الزوجين لنفسية وطباع الآخر، حيث كثيراً من نجد كلاً من الزوجين يتمسك برأيه دون مراعاة لرأي الآخر.
لذا فعلى الرجل أن يناقض أفراد أسرته في أمور الأسرة، ويكون معتدلاً في قراراته بحيث لا يظلم، لأن المرأة عادة تتغلب عليها العاطفة أكثر من العقل ي اتخاذ القرارات.
2- تظهر الأزمات في بعض الأسر بسبب عمل المرأة، وكيفية صرف ميزانية الأسرة، وهل الإنفاق مسؤولية الرجل أم أنه يجب على المرأة مشاركته؟ وقد يكون لهذا العامل في بعض الأحيان تأثير على العلاقات الأسرية. فقدرة الشخص على مزاولة عمل الأعمال ترتبط بالراحة النفسية التي يتمتع بها في أسرته، كما أن قدرته على مزاولة نوع من الأعمال ومدى مطابقته له يؤثر في حالته النفسية داخل الأسرة.
3- ومن أهم أسباب الأزمات والمشكلات في الأسرة الحديثة مدى اهتمام الأسرة بالأبناء، ومثال ذلك أنه في المجتمعات الخليجية الحديثة نجد عدداً كبيراً من الوالدين قد تركوا الطفل للخدم، حيث أصبح كالدمية تحضره لنا الخادمة لكي نلعب معه مدة وجيزة ثم تأخذه بعد ذلك لنراه في اليوم التالي.
4- من أسباب الأزمات الأسرية أيضاً، الزواج الذي ينشأ عن الطمع والكسب المادي أو المعنوي، فعندما لا يستطيع أحد الطرفين تحقيق هذه المكاسب تقع المشكلات بينهما.
5- وقد ترجع الأزمات الأسرية إلى إفرازات الحضارة الحديثة على أسرنا الإسلامية، مثل إطلاق العنان للمرأة وتركها تتحرك بحرية لا حدود لها، لتذهب إلى حيث تريد ومتى تريد، وبالتالي قد لا تعرف الشيء الكثير عن الأسرة، مما يدفع الزوج ((الشرقي )) إلى الحد من تلك الحرية فينشأ عن ذلك خلافات زوجية.
6- إن كثيراً من المشكلات والأزمات الأسرية قد يرجع أصلها إلى عدم نضوج عقلية الزوج أو الزوجة بالدرجة الكافية لمواجهة أمور الحياة. ويمكن إرجاع ذلك إلى الزواج المبكر في بعض الأحيان.
7- العاهات الجسمية، قد يكون لها تأثيرها على العلاقات الزوجية، فقد تؤدي إلى زيادة حاجة الفرد إلى الاعتماد على الأسرة اعتماداً كبيراً في قضاء شؤونه، الأمر الذي يسبب له الضيق وبالتالي سرعة الاستشارة. وقد يؤثر عجز الأسرة عن إشباع حاجات ذي العاهة إلى نشأة بعض الأزمات الأسرية (1).
ويعتبر التفكك الأسري أحد الموضوعات المهمة التي يجب أن يلم بها الدارس للأسرة . . وهناك عدة مفاهيم متداخلة ولكنها بمعان متشابهة، مثل التفكك الأسري، الانحلال الأسري، المشكلات الأسرية، ولن ندخل في جدل فلسفي حول الاختلاف بين كل من هذه المفاهيم، حيث إنها تلتقي جميعاً في وصف الأسرة بأنها: غير قادرة أو غير محققة لوظائفها المتوقعة منها.
فيعرف الدكتور أحمد زكي بدوي في كتابه (معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية ) التفكك (الانحلال ) بأنه: اتجاه التفاعل بين الوحدات التي تتكون منها الأسرة ضد مستويات الاجتماعية المقبولة، بحيث يحول ذلك بين الأسرة وبين تحقيق وظائفها والتي لا بد لها من القيام بها لتوفير الاستقرار والتكامل بين أفرادها.
بينما يعرفه (عاطف غيث ) في كتابه ((المشاكل الاجتماعية السلوك الانحراف )) بأنه:
(( أي وهن أو سوء تكيف وتوافق، أو انحلال يصيب الروابط التي تربط الجماعة الأسرية كلاً مع الآخر، ولا يقتصر وهن هذه الروابط على ما يصيب العلاقة بين الرجل والمرأة، قد يشتمل أيضاً علاقات الوالدين بأبنائهما )).
ويعرفه (كل النحاس ) وآخرون بأنه : ((حالة الاختلال الداخلي أو الخارجي التي تترتب على حاجة غير شديدة عند الفرد عضو الأسرة، أو مجموعة الأفراد، بحيث يترتب عليها نمط سلوكي أو مجموعة أنماط سلوكية يعبر عنها الفرد أو مجموعة الأفراد المتعاملين معه بكيفية تتنافى مع الأهداف المجتمعية )).