إسراء
معركة دائمة وانتصار مرتقب
إسراء السيد البابلى :أول عربية معاقة سمعيا تحقق معدل 94.6% بالمسار العلمى بالثانويه العامة وتلتحق بكلية طب الفم والاسنان.
(..شعور ،أحساس هاجس،كان يهمس ويردد أن الطفلة الصغيرة التي لم يتجاوز عمرها العام ليست مثل كل الأطفال و أن بها شيء ما مختلف ولكن قوة الإنكار والرغبة في الهروب والمواجهة كانت دائما ما تستبعد هذا الهاجس ولا تصغي إلى الشعور ولا تستجيب إلى الإحساس فلا تفتح مجال لنتوقف ونحدد ماهية الاختلاف!
ونضيف إلى حالة الإنكار والهروب انعدام ثقافة الأمومة فما يتوافر لدينا ونحن في بداية الحياة الزوجية فكل ما نعرفه عن الامومة مجرد لهفة للإنجاب ومنح للحنان دون تأهيل أنفسنا لحسن الرعاية والتربية.
واستمر الهروب من مواجهة حقيقة أن الطفلة" لا تسمع" وظل أيضا الهاجس يغص السعادة بتصرفاتها البريئة الجميلة، ولكن إلى متى سيكون الهروب لا محالة من أن ننفض الرمال من فوق رؤؤسنا ونواجه أنفسنا.
قطار الأحزان
كان والدها يمتلك من الشجاعة الكثير فاعلان أن إسراء لا تسمع وظل يكررها وهو في نفس اللحظة ينادى عليها بأعلى صوته ينشد أن تستجيب للندأ فيطمأن قلبه وتستمر حياته هادئة مثل أي أسرة عادية تنجب وتربى الأبناء في هدوء وسلام.
وبدأت خطوات التشخيص وكانت إسراء تبلغ من العمر أربعة عشر شهرا توجهنا إلى طبيب انف وأذن أشار علينا بالتوجه إلى طبيب سمعيات ،وكان مثل هذا التخصص في الوطن العربي منذ ثمانية عشر عاما تخصص نادر، وتوجهنا إلى عيادة الطبيب لنجدها مكتظة بالبشر كل فرد متواجد في المكان يحمل مأساته بين يديه.. بشر من كافة المستويات الاجتماعية واغلب المرضى من الأطفال كل أم مصابة بحالة من الصمت وملامح وجهها تبرهن أنها زهدت كل شيء في الحياة فقط تنشد الخلاص وتطلب رحمة فلذة كبدها من ظلم الدنيا والناس ،وفجأة تشعر انك أصبحت جزء من هذا العالم وفرد من هؤلاء وان طفلتك التي تحلم بها نجمة في السماء ستنضم إلى طابور من المعاقين ينظر إليهم المجتمع على أنهم بشر "درجة ثالثة" وربما خارج أي تصنيف ،تظل ساعات تنتظر موعد فحص السمع بالكومبيوتر ثم يتم تخدير الطفلة البريئة..لا تجد أمامك سوى الدعاء ملاذا ،تدعوا الله أن يخلف الظنون ويعلن الطبيب أن السمع سليم وطبيعي وان الضعف ناتج من سبب عارض قابل للعلاج لتخرج من تلك الدائرة الكئيبة ،وستغرق التشخيص وقت طويل أو أن الزمن في مثل هذه الظروف تكون خطواته ثقيلة .
-اهرب من النظر إلى ملامح زوجي وهو يفعل نفس الشيء ويعلن التشخيص "إسراء مصابة بضعف سمع حسي عصبي عميق في كلتا الأذنين" ويتعامل معك الطبيب على انك حالة من مئات الحالات ،يدون وصفة طبية بها اسم ونوع السماعة .
19/9/1991كان اسود يوم في حياتي ،اليوم الذي تأكدت فيه انك عندما تضحك يضحك العالم معك وعندما تبكى تبكى وحدك كل من حولك استمعوا إلى خبر "أن إسراء طفلة صماء" فما كان منهم سوى لحظات من التعاطف والتعليق"أنها مش أول ولا أخر واحدة" ونصب كل فرد من نفسه فقيه في الدين ليحاضر عن الصبر على الابتلاء والرضي بالمكتوب كانت احديثهم رغم عقلانيته إلا انه في غير توقيته ففي داخل النفس "نار وحزن "وأب وأم يتلمسون طريق الخلاص .
_ العلاج لن يأتي بمعجزة أو بأي دعم ومساندة من احد ووجدت نفسي أكثر قربا من زوجى فالمحن والمعاناة الكبيرة جعلتنا نشعر أكثر بأننا كيان واحد وأننا أمام مهمة كبيرة وهدف أسمى تتلاشى إمامة وتختفي كل الأحلام والطموحات ،وكان الهدف الأسمى أن نجعل "إسراء" ليست فقط مثل أي طفلة أو فتاة بل أفضل منهن جميعا ولا مجال لزرف الدموع وان كانت ظلت كثيرا بلا توقف .
كانت لحظات غاية في القسوة عندما تتوجه بطفلة صغيرة لشراء" سماعة طبية" سماعة بمظهرها القديم عبارة عن جهاز يحمله الطفل على صدره بأسلاك موصلة بقوالب من قطع الصخر ،جهاز يعيق الحركة ويدمى القلب كلما وقعت العين عليه وكنت أظن انه إلى هنا وينتهي الطريق تستخدم السماعة الطبية فتسمع وتتكلم وتسير الحياة لكن لأنها ليست مصابة بضعف بسيط أو متوسط فهي تحتاج إلى جلسات من التدريب والتخاطب .
قررنا السفر إلى بريطانيا باعتبارها في هذا الوقت أفضل مكان للعلاج وتوجهنا إلى مركز السمع بلندن حملنا إسراء ونحن نأمل أن يكون التشخيص مغاير للسابق أو أن يكون لديهم حل سحري أو جراحة تنقذنا فلم يكن لديهم من جديد سوى استبدال المعين السمعي بأخر وهو المعين السمعي "فوناك "خلف الأذن، ففي هذا الوقت كان الأطباء في بريطانيا يعتبرون عملية زراعة القوقعة "وهم" .
وعدنا إلى البحرين حيث يعمل والدها وكانت البحرين لا يتوافر بها نهائي أي طبيب سمعيات أو تخاطب كل ما يتوافر مركز لتعليم الصم لغة الإشارة.
الكلمة الاولى
بعد ثلاثة أشهر من الاعتماد على المعين السمعي بشكل منتظم وتكرار بعض الكلمات" بابا "بدأت أسراء في ترديد الكلمة دون أن تقصد بها المعنى ثم بدأت تستخدمها للندأ على والدها وبذخ الأمل في القلب وإنها سوف تتحسن وتتكلم ،عندما نطقت الكلمة الأولى أتذكر أنى انخرط في حالة من البكاء بدون توقف وكنت سعيدة أكثر انها قالت كلمة "بابا" قبل شقيقتها الصغرى ،كنت ادعوا الله كل يوم أن استمع صوتها ينادى ولسانها ينطق قبل شقيقتها حتى وأنا على يقين أن خطواتها في اكتساب اللغة ستكون بطيئة لكن كان للكلمة الاولة من شفتي إسراء وقع جميل بدل صورة الحياة ولونها ببعض الأمل.
-وبعد البحث اكتشفنا أن هناك أسرتين في البحرين لديهم طفلتان بنفس الحالة..
اتخذوا القرار بالإقامة في مصر حيث يتوافر التدريب والتأهيل
التأهيل ..ورحلة لا نعرف متى تنتهي؟!
بدأت رحلة التأهيل والتدريب على يد أفضل طبيب تخاطب في هذا الوقت الذي قرر أن إسراء تحتاج إلى تدريب مكثف "جلستين يوميا" وكانت المشقة في حث إسراء على التوجه إلى عيادة الطبيب كل يوم ،لتجلس لمدة تقترب من ساعة زمن تركز في قرأه الشفاه واستقبال الأصوات وتبذل الجهد للنطق وهى لم تتجاوز العامين ،كان المشوار اليومي إلى عيادة الطبيب رحلة عذاب يومية استنزفت الطاقة المادية والمعنوية ورحلة لا نعرف متى تنتهي؟!
شُلت حياتنا الاجتماعية تماما كل الوقت فقط مسخر للتوجه إلى عيادة الطبيب أو تدريب إسراء في البيت ومحاولة إثراء لغتها الأيام تمر والتحسن غير محسوس أو ملموس وكلما سألنا عن مدة التدريب أو توقيت الانتهاء يكون التعليق بطريقة مسكن طويل المفعول كلها شهور وترصد الفرق والاختلاف والشهور التدريب استمرت سنوات وإسراء تتحسن في اكتساب اللغة وقرأه الشفاه لكن مستوى الفظ"سيء للغاية" بحيث يستحيل أن يفهم ما تنطق به حتى المخالطين لها.
وخلال فترة التدريب التي استمرت بلا توقف في عيادة طبيب التخاطب لمدة ثلاث أعوام، لم نتوقف من طرق الأبواب الأخرى بالتوجه إلى المعاهد ومراكز السمع الحكومية والخاصة والجمعيات العاملة في هذا المجال وكانت أحسن النماذج التي تعرض علينا محبطة أقصها من تمكن من نطق أسمة وأسماء أشقائه وشعرت أنى أحارب القدر ووصلت إلى حالة من اليأس وان تحويل إسراء من طفلة معاقة إلى طفلة طبيعية لا يحتاج فقط إلى قرار أو عزم وإصرار، وبدأت استسلم وأؤمن أن هناك مستحيل وفى وسط حالة الإحباط التي تنتابني كثيرا، كان والدها على العكس يتحدث وكان المعجزة قد تحققت وان إسراء تتحسن بشكل مذهل وأنها حققت خطوات وهى تمتلك من الإرادة ما يمكنها من المواصلة فيتدفق الحماس من جديد وبدأ أسعى بجد في الحصول على معلومات يمكن أن تساعد في التأهيل و التخاطب لكن حتى المعلومات لم تكن متوافرة في هذا الوقت .
كبرت إسراء وأصبح عمرها يقترب من أربعة أعوام وكان عليها أن تحمل حقيبتها وتتوجه مثل أقرانها إلى المدرسة ووقع الاختيار على إحدى المدارس الخاصة كانت مدرسة جديدة عدد التلاميذ بها قليل والرسوم الدراسية مرتفعة جدا وتم التحاق إسراء بصفوف ما قبل الروضة وكان حظها جيد في هذا العام إذا كانت معلمتها"جينى" انجليزية وتستعمل معين سمعي وكالمعتاد فالأجانب أكثر تفهم وإنسانية في التعامل مع تلك الحالات قضت إسراء عام بالمدرسة من اسعد الأعوام كانت تعشق التوجه إلى المدرسة بفضل تلك المعلمة ورغم طول الدوام الدراسي الذي يعقبه مباشرتا التوجه إلى التدريب التخاطبى إلا أنها أصبحت أكثر تقبلا لمنظومة الحياة بهذا الشكل ربما لأنها لم تجرب البديل أو تسعد بالعب لمجرد العب .
الدمج غير متاح
مرت ثلاث سنوات أو يزيد من التدريب والتقدم لابد أن نعترف انه غير مرضى لكن لا خيار وعلينا تحمل المزيد والاستمرار لكن الوضع في المدرسة تبدل غادرت المعلمة الانجليزية وتولى المهام معلمة جديدة لم تسمح أو تمنح إسراء فرصة لإثبات الذات ومساعدتها حتى بتحمل أخطائها التي ربما تغتفر إذا صدرت من طفل يتمتع بالحواس كاملة ،في كل يوم شكوى جديدة تحل غالبا باستخدام "النفوذ أو المال أو بكلمات الاستعطاف" حتى بدأت اسطوانة أن الإدارة تحت ضغط من الأهل حيث يؤكدون أن وجود إسراء بالصف يؤثر على مستوى نطق باقي الأطفال"بمعنى انها بمفردها قادرة على تشويه لغة صف من عشرين طفل" وعلينا التوجه بها إلى مدرسة خاصة بتلك الفئة .
ولان الشعور بالرفض يمكن للطفل أن يستشعره بسهولة كرهت إسراء المدرسة واختفت من عيونها نظرف الاشتياق إلى ركوب حافلة المدرسة والتوجه إليها وكان البحث عن البديل وخابت كل المحاولات وانتهت بالفشل ،رفض مسبق دون إجراء حتى مقابلة معها ولم يكن هناك نص يلزم المدارس الخاص بإلحاق مثل تلك الحالات بها والمدارس الحكومية ما يتوافر به من إمكانيات لا يسعف الطفل السوي فما بال أولادنا وربما كان الرفض لحكمة يعلمها الله .
خلال تلك الفترة تأسيس مركز يعتمد على تعليم النطق والكلام بدلا من لغة الإشارة فى البحرين، وكان الاقتراح أن أعود إلى البحرين وأتلقى دورة لتأهيل الأمهات وإعداد فنيات للتخاطب تجريها الدكتورة رندا إمام من سوريا وتحمست للفكرة وكان هذا في شهر مارس عام 1995 وغادرت مصر وأنا اشعر أنى هنا في مصر قد استنفذت كل الوسائل المتاحة أو الممكنة لتأهيل إسراء وإلحاقها بالتعليم بالمدارس العادية وكانت الأفكار المتاحة جميعها تدفعنا للعودة الى البحرين.
بداية جديدة
التحقت بدورة إعداد فنيات تخاطب ومن هذا اليوم اعترف انها البداية الحقيقية لتدريب إسراء بشكل علمي مدروس ومنظم فقبلها كان مجرد تخبط شيء اقرب إلى الاجتهاد الجاهل الذي تبذل فيه جهد ومشقة وتعب والنتيجة معدومة أو محدودة .
كانت دورة إعداد فنيات تخاطب وتدريب الأمهات على يد الأخت الدكتورة رندا إمام "هي أم لطفلين مصابين بإعاقة سمعية وهاجرت من وطنها لتعيش بهم في أمريكا ولتغير مسار حياتها من طبية أمراض جلدية إلى طبية متخصصة في تأهيل ضعاف السمع "
لم أتعلم فقط منها منهج التدريب السمعى واللفظي واللغوي لكن معنى اسمي وهو العطاء والتضحية دون النظر إلى النتائج الحالية بل التضحية من اجل أن يرتفع ويشمخ البناء في النهاية وان يكون كل هذا به قدر من الرضا ،اعترف أنى لا امتلك الكثير منه واني أرى كثيرا النصف الفارغ من الكوب .
تمكنت من اجتياز تلك الدورة وحققت المركز الأول على المتقدمين على مستوى البحرين وتم وضع منهج علمي يتماشى مع أوجه القصور في مستوى إسراء وكانت المشكلة الرئيسية في اللفظ وكانت تحصل على جلسات لنطق الأحرف على يد الدكتورة رندا في الصباح وفى المساء استمر في عملية التدريب وكان المنهج يعتمد على محاولة لفظ الحروف التي تعد سهلة ونطقها بإتقان يصل إلى مرحلة "الألية" حتى يصبح لديها ولو عدد قليل من الأحرف التي تنطق بشكل سليم وكنت اسعد أكثر عندما تتمكن إسراء من إدراك الأصوات وتميزها واعشق هذا الجزء من منهج التدريب وهو التدريب السمعى واشعر انه الانجاز الحقيقي والتحدي الكبير، أن تتمكن إسراء من تمييز الجمل والكلمات ولأني أحب هذا الجزء كان تركيزي علية وهو ما لعب دور في تحسين نوعية الصوت .
أتذكر انه أحيانا كثيرة عند تدريب إسراء على لفظ حرف ما كانت تتمكن من نطق حرف أخر فلا انتظر إلى الغد بل احملها وانطلق إلى المركز واطلب من دكتورة رندا أن تحاول"تثبيت" الحرف وكأنه يمكن أن يطير ،إحراز خطوات إلى الأمام كان يدفق الحماس للعمل دون الشعور انك في حالة إقصاء عن العالم فقد قضيت عدة سنوات لا أتذكر أنى توجهت لمكان غير المركز أو البرادة فقط مشغولة وسعيدة بالتدريب لأنه جهد واعي ومدروس وتجنى ثماره ما كان يؤلمني هو شعوري الدائم بالذنب والتقصير تجاه شقيقة إسراء "ندى "و محمد وهم الأصغر سنا وكذلك تلك الحياة التي تعيشها ابنتي ،حياتها تدريب أو دراسة والدها فقط هو من يعوضها عن المشقة والتعب بالتدليل والحب المتدفق والاهتمام الجم فأنا بالنسبة لها بمثابة المعلمة التي لا تعرف الرحمة وهذا به جزء كبير من الحقيقة فأنا لم أكن ارحم طفولتها وأرهقها من التدريب لكن ليس بهدف تعذيبها بل لأرحمها من العذاب في الغد ،فهي طفلة ومغفور لها الخطأ لكن غدا ستصبح شابة وامرأة ولن يغفر لها شيء .
التعليم
..لم يكن في البحرين نص ستورى ينص على دمج ذوى الاحتياجات الخاصة بالمدارس وسعيت جاهدة لذلك وفشلت العديد من المحاولات وكان الحل ان تلتحق بالمدارس الحكومية ،وتفهم مديرات المدارس للحالات وتقيمهم لها كان بداية الطريق لعملية الدمج
التحقت إسراء بمدرسة نسيبة بنت كعب إلى تديرها المربية الفاضلة بدرية إبراهيم المطوع التي رحبت بدمج إسراء بالمدرسة وتعهدت بتقديم كل الدعم والمساعدة لها وبالفعل وفرت في صفها أفضل معلمة صف تعرف انها ليست معلمة بارعة بل أيضا تملك قلب رحيم وكانت تتابع تطورها يوما بيوم وتسعد بتكيفها مع نظام المدرسة وتواصلها مع التلميذات ربما بشكل يفوق سعادتنا واطمئن قلبي انها في أيد أمينة.
في هذا العام فقط شعرت بأن الغد سيكون أفضل وأنها ستستمر بالتعليم العادي وتمنيت أن تكون في مستوى أقرانها العلمي لكن أملى أن تكون أفضل منهن كثيرا وبدأت اعمل على هذا فبعد أن تأقلمت مع مناخ المدرسة وتعرفت على أسلوب التواصل والتعامل كان علي أن أحسن إعدادها لتكون دائما على قائمة الاوائل وسخر لها الله معلمة صبورة مؤمنة"السيدة صغرى احمد ربيع" اتفقنا أن إسراء لن نقبل منها معدل يقل عن 95%في أي مادة وان هذا هدف سنعمل على تحقيقه سواء في أثناء العام الدراسي أو خلال العطلة الصيفية .
ومنذ الصف الأول وإسراء تحافظ جاهدة على هذا المعدل ولا تقبل أن يتجه معدلها إلى الأسفل قليلا رغم صعوبة المواد الدراسية واعتمادها على الحفظ وتعرضها لاختبارات تعتمد فقط على حاسة السمع إلا أنها ناضلت وحاربت وتغلبت على العديد من المشكلات [ فقط منذ أربعة أعوام أصبح هناك استثناء لفئة ضعاف السمع من إجراء اختبارات سمعية" واستمرت السيدة صغرى في التدريس لإسراء بحب وتفانى قلما تجده متوافر في البشر.
ألان رغم مرور السنين فالمعلمة صغرى هي معلمتها وحدث نوع من الارتباط الغريب بينهم فقد أحبت السيدة صغرى إسراء واعتبرتها ابنتها وكثيرا ما اشعر انها قادرة على إقناعها بما اعجز عن إقناعها أنا به لا يمر يوما دون تواصل بينهم بالرسائل أو البريد الالكتروني
..أنت وحدك يمكن أن تحقق شيء لكن أنت والآخرين يمكن أن تحقق الكثير من المعجزات فعندما تتعب وتيأس تجد باب الله مفتوحا ليسخر لك أناس يمدون يد العون والمساعدة لوجه الكريم وكانت كل من الدكتورة رندا إمام والسيدة بدرية المطوع والسيدة صغرى احمد بصمات في حياة إسراء بدونهم ما كانت اجتاز للعديد من العقبات .
الرحلة لا تنتهي.
استمرت الحياة حتى ألان ما بين دراسة وتدريب لا يتوقف لم يكن بها الكثير من الصدقات وان كانت إسراء بحكم شخصيتها المسالمة جذبت إليها عدد من زميلات المدرسة تقضى معهم أيام العطل والأجازات .
بدأت إسراء تشعر أن لغتها الانجليزية ليست جيدة وخاصة بمقارنتها بشقيقتها وشقيقها الذين يدرسون في المدارس البريطانية ولا يتحدثون في البيت سوى تلك اللغة وكان صعبا عليها أن تلجأ إليهم في تصحيح الموضوعات والكتابات سواء لأنها لا تقبل منهم هذا التصحيح أو بحكم تصرفات الأشقاء وما بها من عناد في هذا العمر وقررت الالتحاق بالمركز الثقافي البريطاني وكانت قادرة على تحقيق نجاح جيد جدا به لكنها دائما ما تحتاج إلى تدريس "فردى" وأيضا أن تحضر إلى الدرس وهى على علم مسبق بمفرداته وإلا "ضاعت" ولم تتمكن من الاستيعاب[ فتحضير المادة الدراسية بشكل سابق بالنسبة للمعاق سمعيا لا تهاون فيها نهائي] وهو ما حرصت عليه إسراء لما يمنحه لها من ثقة وقدرة على المتابعة والاستيعاب وهى ألان مستمرة في دروس اللغة الانجليزية الخاصة وبشكل فردى على يد سيدة أمريكية"لندا" تبذل معها جهد ليس بالقليل لتتمكن من تصحيح نطق الكلمات وإثراء المحصلة اللغوية.
ومنذ عام فقدت إسراء السمع تماما في الأذن اليسرى ولم أُعلم والدها بالأمر فلا داعي لتجديد الأحزان [[ فأنا أجدة أقل ما يستحقه أن يفرح من قلبه وان تلمع عيناه فخرا بأبنية بعد ما دفعة من ثمن لتستمر مسيرة نجاح إسراء بلا إحباط ،فهو كان لها الدرع الواقي الدائم من السقوط والقوى القادر على إشعال الحماس بداخلي للاستمرار فإذا حزن أو يأس سينتهي كل شيء]]
البديل المطروح أن تجرى عملية زراعة للقوقعة وهو بديل لم نكن نرحب به كثيرا نظرا لانعدام الخبرات في الوطن العربي من حيث البرمجة والتأهيل وأننا بأجراء الجراحة سنفتح الباب من جديد للتردد على الأطباء واستنزافنا وإعادة التجربة من جديد "في وقت لم يعد لدينا من الطاقة والصبر على القيام بنصف ما قمنا به سابقا" إلى جانب إن إسراء لم تعد طفلة يمكن إجبارها للتوجه للطبيب بل في عمر وسن حرج يعشق العناد من اجل العناد عام وأنا اهرب من فكرة مناقشة موضوع إجراء عملية زراعة قوقعة ولكن لا محال من اللجوء إلى الجراحة .
وبالفعل تم إجراء الجراحة فبراير 2007 بمدينة الإسكندرية على يد الأستاذ الدكتور عزيز بلال وتم زراعة جهاز "نيوكليس فريدوم"وما كنا نخشى منة قد حدث مرة ثانية نشعر أننا بمفردنا نتلمس الطريق لإجراء برمجة جيدة فلا مبرمج محترف متواجد في المنطقة ولا توكيلات تعتني بالأجهزة والمرضى ولا أذان صاغية وعليك أن تبحث عن حل للمشكلة بنفسك من يملك المال الوفير يحمل الابن ويتوجه للخارج ومن لا يملك يظل يعانى.
ويأتى الانتصار؟!
قررت اسراء ان تلتحق فى الثانويه العامة بالمسار العلمة"توحيد مسارات شعبه علوم ورياضيات" فى وقت كان يحثها الجميع على اختيار المسار التجارى باعتبار ان الجهد المطلوب فيه اقل لكنها اعلنت لاول مرة عن رغبتها فى ان تلتحق بكليه الطب جراحة الفم والاسنان ’ وان تلتحق مثل اى طالبه عاديه .
كانت تدرس على مدار سنوات الثانويه العامة الثلاث صيف وشتاء ما يزيد عن سبع ساعات وربما يزيد العدد وقت الاختبارات تمكنت من النجاح بمعدل 94.4% واحتلت قائمة المتفوقين وكانت اول معاقة سمعيا تتمكن من احراز هذا المعدل بالمسار العلمى وتقدمت للالتحاق بكلية طب جراحة الفم والاسنان بجامعة المستقبل بمصر واجتازت اختبارات القبول، واعلن رئيس الجامعة الاستاذ الدكتور عبادة سرحان عن سعادته ان تكون اسراء احدى طالبات الجامعة وتدرس فى التخصص الذى تمنته مادامت حققت النجاح والتفوق وقادرة على مواصلته لتكون اول عربيه تتمكن بتلك الاعاقة من الالتحاق بهذا التخصص .
ادعوا لها ان تواصل النجاح وتكون شعاع امل لكل اسرة لديها طفل معاق سمعيا ،ليبدأ الطريق وهو يرى صورة الغد مشرقة وان ابنه سيكون مثل اقرانه وربما افضل منهم وسيتواصل بالكلام دون الاعتماد على الاشارة وسيكون عضو بناء فى المجتمع مثل اى فرد وبالتأكيد سيكون حال الجيل الجديد من ابناءنا ذوى الاحتياجات الخاصة افضل ،فالعلم تطور والتأهيل توافر، المجتمع يتغير وتوافر المعلومات والدعم اصبح متاح بشكل اكبر.