هذا السؤال قد حير علماء النفس حيث لاحظوا أن بعض أطفال التوحد لا يفهمون أبعاد اللعبة كما في لعبة السيارات مثلاً حيث نرى أنهم يضعونها خلف بعضها البعض دون حركة, و إنما يقومون فقط بصفها بشكل واحد أو على هيئة واحدة, بعكس أطفال آخرين في لعبهم مع الأحجية (البازل Puzzle) فقد يُركب أحدهم 1000 قطعة بشكل مرتب و منظم و محكم. و قسم ثالث من أطفال التوحد يقومون برسم أشكال و ألوان يعجز الإنسان العادي عن رسمها. و قد أوضحت أمثال هذه المشاهدات و الملاحظات التي جاءت في الدراسات الخاصة بهذا الموضوع أن الخلايا و المراكز الموزعة في المخ هي المنطقة الوحيدة السليمة و غير مصابة بإعاقة المراكز التي لها علاقة بالنشاطات التي يعملها الطفل ألتوحدي. و أن بعض الإشارات العصبية المسئولة في بعض أجزاء المخ سليمة و أن بعض الأجزاء تالفة أو أصابها خلل لذلك فإنها تنعكس على مدركات الطفل ألتوحدي و تفكيره مما يعطي انطباعا لدى الجميع بأنه لا يعرف العلاقات في اللعب أو أنه غير مثقف اتجاه اللعبة التي يلعبها. فأطفال التوحد ثقافتهم تختلف عن ثقافة الأطفال العاديين و كذلك مدى سلامة الأجهزة العصبية و المخية و الجهاز العصبي المركزي و مدى تطورهم و نضجهم النفسي و الجسمي و العقلي و تناسبها مع مجريات الأحداث و الخبرة العملية و التدرج لنمو العقل و الخبرة في مجال الحياة.
يُطلق على التوحديين مُسمى ذوي القصور ألنمائي الشامل Prevasive developmental Disorder (PDD) و يختلفون في سماتهم من مستوى إلى مستوى آخر مما يعكس إختلافاً في اللعب حسب شدة الإصابة بالمخ و شدة الأعراض المصاحبة للحالة المرضية.
إن العملية المعرفية و العقلية و الرضاء الوجداني للتوحديين شيء صعب جداً مع ظروف التطور التكنولوجي الحديث و مستوى الألعاب الحديثة و مدى التعقيدات التي بها , و تجدر الإشارة هنا إلى أن الوالدين في الأسرة أو الهيئة التدريسية في المدرسة أو المعهد يجب أن تختار نوعية الألعاب و مستواها العلاجي التي تلاءم ثقافة و مستوى وحدة أطفال التوحد, علماً بأن ألعاب العصر الحديث أصبحت مُعقدة و مُتطورة و تحتاج إلى ارتياح نفسي و انعدام القلق و التحكم الجيد في اللعبة و يمكننا أن نتدرج في الألعاب حسب تطور الطفل و نضجه العقلي و سلامته النفسية و أن تقدم إليه من خلال الوسائل التي تسمح لنا باللعب معه و حسب الجدول الوظيفي لمعززات اللعب و أن تقدم إليه كذلك من خلال أجهزة الكمبيوتر ألعاب و برامج مُسلية و في نفس الوقت تعليمية و ترفيهية بسيطة حيث يكون ألتوحدي باستطاعته أن يلعب اللعبة التي يختارها مثل لعبة الأتاري أو السيجا إلى جانب أن هناك ألعاباً رياضية قد نشاهدها في التلفزيون أو الفيديو.
و لا شك أن الجهات المُختصة من قطاعات الدولة يجب أن توفر للأفراد الذين لديهم إعاقة (فئة التوحد) المرافق العامة التي تتوفر فيها الألعاب و الأجهزة الترفيهية و الأجهزة الإلكترونية ذات الألعاب التعليمية المتنوعة المناسبة لهم, حيث أن هذه المشاركة و التعاون و التنسيق بين وزارة التربية و وزارة الصحة و وزارة الشؤون الاجتماعية و العمل و المؤسسات الخاصة و الخيرية سوف تكون مثمرة و مفيدة لأطفالنا من ذوي الحاجات الخاصة و التي يكون لها دور فعال في وضع استراتيجيات علاجية تُحسن و تطور وضع طفل التوحد. و من الضروري أن تدرك الأسرة المنزلية و المدرسية أن برامج أطفال التوحد ذات فائدة ترفيهية و ذات فائدة علاجية بطريقة تعليمية و عليها أيضاً أن تعرف مدى العلاقة بين الألعاب و المشاكل و الحساسية التي يعاني منها ألتوحدي, فمثلاً هناك ألعاب خاصة على تدريب الحواس و العقل كتلك التي قد يعاني من مشكلتها الطفل ألتوحدي فلا بد أن يعرف الفريق المختص العارف بالأهداف و المهارات الوجدانية و المعرفية كيف يصل إلى الطفل المصاب بالتوحد عن طريقها.
فالتدخل السريع مع تطور النمو الإدراكي لفئة التوحد أمر مهم, لمنعهم من التكسير و التخريب و هذا شيء طبيعي كما اختياره للعبة شرط رئيسي لراحته النفسية و لو أن الخبراء و المختصين يرون أهمية التدقيق في نوع اللعبة مع مراعاة نوع الإعاقة و شدتها و الاهتمام بإخضاع اللعبة للبحث العلمي بعد ملاحظة الطفل و سلوكه حيالها و الأعراض الملازمة له لأن التدخل في حل مشاكل التوحديين ضروري جداً و أن الغفلة عنهم و عدم الإرشاد و التوجيه اللازم لهم أمر ضار على العلاج و على التطور المنتظر للطفل.
و بما أن أطفال التوحد تفكيرهم غير مرن في الغالب و غير منطقي فإننا نجد أن إستجابتهم بطيئة للمواقف المعقدة في اللعبة و تنعكس على تعاملهم مع اللعبة بشكل عدواني فيقومون بالتكسير و التدمير, لذلك كان مهماً أن نبين الأهداف العلاجية للعب عن طريق إدراك القدرات المعرفية و الجسمية و النفسية لتقدم هؤلاء الأطفال و تطورهم ألنمائي الشامل, مثلاً لعبة الفك و التركيب التي تُعطي للتوحديين بعض المفاهيم البسيطة و الخاصة عن منهج الحياة التي يُمارسها الطفل ألتوحدي من واقع منزله أو مدرسته سواء كان ذلك في مأكله أو ملبسه أو أي جانب آخر من حياته الاجتماعية , علماُ بأن الألعاب تتنوع بأشكال و هيئات و صور متعددة تخدم الجانب العلاجي للطفل المصاب بالتوحد و كما قلنا أن نوع اللعبة و شكلها يرجع لمدى فهم الأسرة لحاجات الطفل مثال ذلك : الألعاب ذات التنمية للعضلات الصغيرة (أصابع اليد) و الألعاب ذات التنمية للعضلات الكبيرة (اليدين و الرجلين) و هذه الألعاب و غيرها من الألعاب ذات العلاقة بالجانب الجسمي و الحركي يجب أن تكون محل اهتمام الأسرة و المدرسة. و تأتي هذه الخطوات العلاجية من خلال التشاور مع المُختصين و إقامة الندوات العلمية و الإطلاع على البحوث التجريبية لرسم استراتيجيات مُستقبلية, و بالمتابعة المستمرة لخطوات تنفيذ البرامج العلاجية لأطفال التوحد حيث نجد أن النتائج جيدة و مثمرة لهم.