استراتيجيات تدريس صعوبات التعلم و دور الأسرة في التعامل مع هذه الفئة
منذ عام 1962 حاول الكثير من العلماء تعريف صعوبات التعلم وتنوعت تلك التعريفات بين الشاملة وغير الشاملة. ويرجع الفضل في اشتقاق مفهوم صعوبات التعلم إلى عالم النفس الأمريكي (صموئيل كيرك) الذي صاغ هذا المفهوم في كتاب جامعي للتربية الخاصة عام 1962 حيث وضح مفهوم صعوبات التعلم بأنه اضطراب في واحدة أو أكثر من العمليات الأساسية المرتبطة بالحديث أو اللغة أو القراءة أو الكتابة أو الحساب أو التهجي، وتنشأ هذه الصعوبات نتيجة لاحتمال وجود اضطرابات وظيفية في المخ أو اضطرابات سلوكية أو انفعالية وليس نتيجة لأي من التأخر العقلي أو الحرمان الحسي أو العوامل البيئية أو الثقافية.
وفي عام 1994 قدمت اللجنة القومية المشتركة لصعوبات التعلم في أمريكا (NJCLD) تعريفاً لصعوبات التعلم على أنه: مجموعه غير متجانسة من الاضطرابات التي تعبر عن نفسها من خلال صعوبات دالة في اكتساب واستخدام قدرات الاستماع أو الحديث أو القراءة أو الكتابة أو الاستدلال أو القدرات الرياضية وهذه الاضطرابات ذاتية داخلية المنشأ ويفترض أن تكون راجعه إلى خلل في الجهاز العصبي المركزي ويمكن أن تحدث خلال حياة الفرد، كما ويمكن أن تكون متلازمة مع مشكلات الضبط الذاتي ومشكلات الادراك والتفاعل الاجتماعي. بينما فريق صعوبات التعلم في كلية الأميرة ثروت في الأردن في عام 2003 وضح هذا المصطلح بأنه مجموعه متغايرة من الاضطرابات النابعة من داخل الفرد يفترض أنها تعود إلى خلل وظيفي في الجهاز العصبي المركزي تتجلى بشكل صعوبات ذات دلالة في اكتساب وتوظيف المهارات اللفظية وغير اللفظية والفكرية تظهر في حياة الفرد وتكون مرتبطة بما لا يعد في عدادها من مشكلات في التنظيم الذاتي والتفاعل الاجتماعي وقد تكون متزامنة بما لا يعد سبباً لها من إعاقات حسية أو عقلية أو انفعالية اجتماعية ومن مؤشرات خارجية بالاختلافات الثقافية أو التعليم غير الملائم.
ومن هنا نستطيع القول بأن صعوبات التعلم عدم نمو القدرات العقلية بطريقة منتظمة ويصاحب ذلك عجز أكاديمي في واحدة أو أكثر من مهارات القراءة و الكتابة والتهجئة ومهارات الحساب ولا يكون ذلك العجز عقلياً أو حسياً. كثير من الدراسات أجمعت على ارتباط صعوبات التعلم بإصابة المخ البسيطة أو الخلل الوظيفي المخي البسيط وترتبط هذه الاصابة بعوامل عدة منها اصابة المخ المكتسبة وهذا يحدث نتيجة لحالات مثل عسر الولادة عند الأم. ومن العوامل أيضاً العوامل الوراثية أو الجينية والعوامل الكيميائية الحيوية والحرمان البيئي والتغذية.
لقد ابتكر الاختصاصيون في ميدان صعوبات التعلم عدداً كبيراً من الطرق والاستراتيجيات والبرامج التي تهدف إلى معالجة المشاكل التي تعترض الأطفال ذوي صعوبات التعلم أثناء مسيرتهم التربوية والتحصيلية. ولقد ارتكزت تلك البرامج والاستراتيجيات على نظريات التعلم والمبادئ النفسية والنمائية للأطفال وفيما يلي أهم هذه الاستراتيجيات:
أولا: استراتيجية تحليل المهمات: وفي هذه الاستراتيجية يتم مراقبة الأخطاء التي يقع فيها الطفل وتحديدها وبعد ذلك يتم وضع وتحديد الأهداف الخاصة بكل خطأ، كما ويتم تجزئة المهمة التعليمية إلى مهارات فرعية وتحديد نوع المعزز المستخدم عند اتقان المهارات الفرعية ، وتبدأ عملية التدريس للمهارات الفرعية حسب الترتيب الهرمي (البدء من السهل).
ثانياً: استراتيجية تنمية القدرات: وهنا يتم التركيز على قدرات الطفل النمائية كالتفكير والانتباه والذاكرة والادراك ويقوم المعلم أو المختص بتحديد عجزاً نمائياً معيناً ويقوم بوضع برنامج محدد لعلاجه.
ثالثاً: الاستراتيجية الادراكية الحركية: وهنا يتم تحديد مجالات القصور في المهارات الحركية والادراكية التي تؤثر على فهم الموضوعات المدرسية والتدرب عليها.
رابعاً: الاستراتيجية النفس لغوية: وفيها يتم تحديد نوع القصور في مهارات اللغة كالقراءة والكتابة واللغة المسموعة أو الحساب.
خامساً: استراتيجية المواد التدريسية: وفي هذه الاستراتيجية يجب على المعلم أن يكون قادراً على تقسيم محتوى المنهج إلى أجزاء صغيرة وبتسلسل منطقي. ولتحقيق هذه الاستراتيجية على المدرس أن يكتشف نقاط الضعف لدى الطالب من خلال التشخيص حتى يتعرف إلى نقطة البداية التي يبدأ منها المتعلم في تنفيذ استراتيجية العلاج هذه.
سادساً: استراتيجية تدريس الحواس المتعددة: وهنا يتم التركيز على حواس الطفل جميعها في تدريبه على المهارات أو تدريسه. ويعد أسلوب فرنالد (Fernald) نموذجاً لهذه الأساليب حيث عرف بأسلوب (VAKT)
V : تمثل البصر Visual A: تمثل السمع Auditory
K : الاحساس بالحركة Kinesthetic T: اللمس Tactual
وفي هذا الاسلوب يقول الطفل قصة للمدرس ثم يقوم المدرس بكتابة كلمات هذه القصة على السبورة ويطلب من الطفل أن ينظر إلى الكلمات (البصر) ثم يستمع إلى المدرس عندما يقرأ هذه الكلمات (السمع) وبعدها يقوم الطفل بقراءتها (النطق) وأخيراً يقوم بكتابتها (اللمس والاحساس بالحركة).
سابعاً: استراتيجية التحليل السلوكي التطبيقي: وهو اعتماد اسلوب تعديل السلوك في معالجة المشاكل السلوكية التي تعيق التقدم الأكاديمي للطفل مثل مشاكل النشاط الزائد وتشتت الانتباه.
و بعد عرض تلك الاستراتيجيات لا ننسى دور الأسرة الهام والفاعل في معالجة مشكلة الأطفال ذوي صعوبات التعلم، لذا بدأت نظريات تركز على تدريب أهالي الأطفال ذوي صعوبات التعلم أكثر من التركيز على الأطفال أنفسهم. كما وللأـسرة دور مهم في مساندة طفلهم في حل مشكلته بل على الأكثر عليهم أن يشاركوه في حلها، لذلك يجب ابلاغ الأهل بشكل مستمر بضرورة مشاركتهم في جميع القرارات المتعلقة بالطفل وخاصة في السنوات الأولى في حياته. وقد أثبتت الدراسات أن الأطفال الذين ينتمون إلى أسر تهتم اهتماماً فعلياً بتربيتهم يحققون أكثر نجاحاً في التغلب على مشكلة صعوبات التعلم. ويكمن دور الأسرة في ملاحظة الطفل بضرورة متابعة تقدمه بشكل مستمر سواءً من سنوات ما قبل المدرسة أو السنوات الأولى من حياته المدرسية وعدم التردد في السؤال عن أي ملاحظة تعترض سير طفلهم النمائي أو الإدراكي كما ويجب على الأسرة تقييم الطفل واتخاذ القرارات الايجابية فيما يخص مصلحته بعد ظهور نتائج التشخيص فالقرار المناسب يكون في أن يلتحق الطفل بالبرامج التربوية العلاجية الخاصة بصعوبات التعلم. أضف إلى ذلك تقبل الطفل من قبل الأهل وعدم معاتبته على انخفاض تحصيله الدراسي والالتحاق بدورات تساعدهم على فهم المشكلة التي يعاني منها طفلهم يساعد في تخطي مشكلته.
وأخيراً لا ننسى أهمية التعاون الكلي بين الأهل وأخصائي الصعوبات ويكون ذلك بمتابعة وتنفيذ الخطة التعليمية المقررة من المدرسة وتنفيذ أية تعليمات أخرى موجهه لهم من المدرسة أو الأخصائي والتي من شأنها مصلحة الطفل ذي صعوبات التعلم.