الموهوبين المبدعين
نايل يوسف سيف ـ مصر :
مع بداية القرن الحادي والعشرين، وفي ظل التطورات التي يشهدها العالم المعاصر، وما تفرضه التغيرات المتلاحقة في شتى ميادين المعرفة برزت الحاجة إلى رعاية الأفراد الموهوبين، القادرين على حل المشكلات، فالمستقبل يعتمد على قدرات الإنسان ومواهبه بصورة أكبر من اعتماده على الموارد الطبيعيـة.
إن العصر الذي نعيش فيه يحتاج إلى العقول الموهوبة المبدعة، القادرة على تكييف ظروفها وحاجاتها مع التغير الذي يحدث في البيئات المحيطة، حتى تساير التطور وتستطيع تقديم الجديد والفريد في المجالات المختلفة، فقدرنا أننا نعيش في عصر تتفجر فيه العلوم والمعارف بسرعة مذهلة، وما إن تبتدع فكرة حتى يهرع التكنولوجيون إلى استغلالها بابتكار جديد.
لقد أصبح الموهوبون والمبدعون الآن هم الأمل الأكبر في حل المشكلات التي تهدد البشرية التي تعددت كمًا ونوعًا، وصار الموهوبون في أي مجتمع هم الثروة القومية والطاقة الدافعة نحو الحضارة والرقي؛ إذ تمثل الثروة البشرية عاملًا أساسيًا من عوامل التغيير والتطور والرقي، فعن طريق الموهوبين والمبدعين تم التوصل للمخترعات الحديثة في شتى الميادين والمجالات، وعن طريقهم ازدهرت الحضارات وتقدمت الإنسانية خطوات واسعة للأمام.
وقد أدركت الدول المتقدمة التحديات التي تفرضها الظروف المتجددة للمجتمع العالمي، حيث لم تعد العادات المألوفة كافية لمواجهة المواقف الجديدة، فكل موقف جديد ينطوي على مشكلات متنوعة تتطلب طلاقة في التفكير ومرونة في التنفيذ وأصالة وتفردًا في الحل، ولذلك فتحت تلك الدول أبوابها أمام العقول الموهوبة المبدعة المهاجرة ووفرت لهم الفرص المادية وهيأت المناخ لرعايتهم واستثمار إبداعاتهم في كافة المجالات فصارت سوقًا للموهوبين والمبدعين تقوم عليهم وبهم.
والحقيقة أن جهود رعاية الموهوبين هي جهود مستمرة قديمًا وحديثًا، ولا تقتصر على الدول المتقدمة وحدها، كما أنها ليست مسؤولية جهة بعينها وإنما هي مسؤولية مشتركة وموزعة بين جميع أفراد المجتمع. وقبل التطرق إلى هذه الجهود يجدر بنا الوقوف على تعريف الموهبة وخصائص الموهوبين.
تعريف الموهبة
من الناحية اللغوية تتفق المعاجم العربية والإنجليزية على أن الموهبة استعداد فطري لدى الفرد، وكلمة الموهبة مشتقة من الأصل وهب، وهي تعني العطية للشيء بلا مقابل، و قد جاء في مختار الصحاح: وهب، أي وهب له شيئًا والاتهاب هو قبول الهبة، والموهبة هي الشيء الذي يملكه الإنسان، وفي لسان العرب: وهب يهب وهوبًا، أي يعطيه شيئًا ،وفي القاموس المحيط: وهب يهب ، والموهبة العطية والسحابة وأوهب الشيء له أي دام له.
التعريف الاصطلاحي للموهبة
ومن أشهرالتعريفات الاصطلاحية للموهبة التعريف الذي طوره الدكتور رنزولي 1978م مصمم البرنامج الإثرائي الثلاثي الأبعاد، حيث يؤكد رنزولي أن الموهبة تتكون من التفاعل بين ثلاث مكونات أساسية هي: القدرات العقلية، والدافعية أو الالتزام بالمهمة، والإبداع ، ويشير هذا التعريف إلى أن الموهوبين هم الذين يمتلكون أو لديهم القدرة على تطوير هذا الترتيب من الخصائص والسمات واستخدامها في أي مجال من المجالات الإنسانية، وهؤلاء الموهوبون يحتاجون إلى فرص تربوية وخدمات تعليمية لا تتوافر عادة من خلال الدراسة العادية في المدارس.
و السبب الرئيس لاهتمام العلماء بهذا التعريف هو أن أي موهوب من الضروري له في أي مجال من المجالات أن يستخدم الخصائص الثلاث وهي: قدرة عقلية عالية، قدرة إبداعية مرتفعة، دافع قوي للإنجاز والمثابرة.
خصائص الموهوبين
يتميز الموهوبون بخصائص متعددة يمكن عرضها فيمايلي:
- يتعلمون المهارات الأساسية أفضل من غيرهم وبسرعة ويحتاجون فقط إلى قليل من التمرين.
- أفضل من أقرانهم في بناء الفكر والتعبير التجريدي واستيعابه.
- أقدر على تفسير التلميح والإشارات من أقرانهم.
- لا يأخذون الأمور على علاتها، غالبًا ما يسألون كيف؟ ولماذا؟
- لديهم القدرة على التركيز والانتباه لمدة طويلة.
- غالبًا ما يكون لديهم رغبات وهوايات ممتازة وفريدة من نوعها.
- يتمتعون بطاقة غير محدودة.
- لديهم القدرة المتميزة للتعامل الجيد مع الآباء والمدرسين والراشدين ويفضلون الأصدقاء الأكبر منهم سنًا.
- لديهم الرغبة لفحص الأشياء الغريبة وعندهم ميل وفضول للبحث والتحقيق.
- تصرفاتهم منظمة ذات هدف وفعالية وخاصة عندما تواجههم بعض المشاكل.
- لديهم الحافز الداخلي للتعلم والبحث وغالبًا ما يكونون مثابرين ومصرين على أداء واجباتهم بأنفسهم.
- يتصفون بقوة الملاحظة لكل ما هو مهم وكذلك رؤية التفاصيل المهمة.
- يستمتعون كثيرًا بالنشاطات الفكرية.
- لهم القدرة على التفكير التجريدي وابتكار وبناء المفاهيم.
- لهم نظرة ثاقبة لعلاقات الأثر والمؤثر.
- قد يستاؤون من الخروج على الأنظمة والقواعد.
- عندهم حب الأسئلة لغرض الحصول على المعلومات كما هي لقيمتها الاستعمالية.
- عادة ما يكونون ناقدين مقيمين وسريعين في ملاحظة التناقض والتضارب في الآراء والأفكار.
- عندهم القدرة على الإلمام بكثير من المواضيع واسترجاعها بسرعة وسهولة.
- يستوعبون المبادئ العلمية بسرعة وغالبًا ما تكون لديهم القدرة على تعميمها على الأحداث والناس أو الأشياء.
- غالبًا ما يقسمون المادة الصعبة ويجزئونها إلى مكوناتها الأساسية ويعملون على تحليلها وفق نظام معين.
قياس وتشخيص الموهوبين
تعتبر عملية تشخيص الموهوبين عملية معقدة تنطوي على الكثير من الإجراءات التي تتطلب استخدام أكثر من أداة من أدوات قياس وتشخيص الموهبة، ويعود السبب في ذلك إلى تعدد مكونات وأبعاد الموهبة، وتتضمن هذه الأبعاد: القدرة العقلية، والقدرة الإبداعية، والقدرة التحصيلية، والمهارات والمواهب الخاصة، والسمات الشخصية والعقلية، ومن هنا كان من الضروري الاهتمام بقياس كل بعد من الأبعاد السابقة.
مقاييس القدرة العقلية
تعتبر القدرة العقلية العامة المعروفة مثل مقاييس ستانفورد ـ بينية، أو مقياس وكسلر من المقاييس المناسبة في تحديد القدرة العقلية العامة للمفحوص، والتي يعبر عنها عادة بنسبة الذكاء وتبدو قيمة مثل هذه الاختبارات في تحديد موقع المفحوص على منحنى التوزيع الطبيعي للقدرة العقلية، ويعتبر الطفل موهوبًا إذا زادت نسبة ذكائه عن انحرافين معياريين فوق المتوسط.
مقاييس التحصيل الأكاديمي
تعتبر مقاييس التحصيل الأكاديمي الرسمية، من المقاييس المناسبة في تحديد قدرة المفحوص التحصيلية، التي يعبر عنها عادة بنسبة مئوية، وعلى سبيل المثال تعتبر امتحانات القبول أو الثانوية العامة، أو الامتحانات المدرسية، من الاختبارات المناسبة في تقدير درجة التحصيل الأكاديمي للمفحوص، ويعتبر المفحوص متفوقًا من الناحية التحصيلية الأكاديمية إذا زادت نسبة تحصيله الأكاديمي عن 90 %.
مقاييس الإبداع
تعتبر مقاييس الإبداع أو التفكير الابتكاري أو المواهب الخاصة من المقاييس المناسبة في تحديد القدرة الإبداعية لدى المفحوص، ويعتبر مقياس تورانس للتفكير الإبداعي الذي يتألف من صورتين: اللفظية والشكلية، من المقاييس المعروفة في قياس التفكير الإبداعي وكذلك مقياس تورانس وجيلفورد للتفكير الابتكاري، الذي تضمن الطلاقة في التفكير، والمرونة في التفكير، والأصالة في التفكير، ويعتبر المفحوص مبدعًا إذا حصل على درجة عالية على مقاييس التفكير الإبداعي أو الابتكاري.
مقاييس السمات الشخصية والعقلية
تعتبر مقاييس السمات الشخصية والعقلية التي تميز ذوي التفكير الابتكاري المرتفع عن غيرهم وأحكام المدرسين، من الأدوات المناسبة في التعرف إلى السمات الشخصية، العقلية، مثل الطلاقة والمرونة والأصالة في التفكير، وقوة الدافعية والمثابرة، والقدرة على الالتزام بأداء المهمات، والانفتاح على الخبرة.
كما تعتبر أحكام المدرسين من الأدوات الرئيسة في التعرف إلى الأطفال الموهوبين أو الذين يمكن أن يكونوا موهوبين والذين يتميزون عن بقية الطلبة العاديين، وتتكون أحكام المدرسين من خلال ملاحظاتهم للطلبة في المواقف الصفية واللاصفية، ومدى مشاركتهم الصفية، وطرحهم لنوعية معينة من الأسئلة، واستجابتهم المميزة، واشتراكهم في الجمعيات العلمية، وتحصيلهم الأكاديمي المرتفع، وميولهم الفنية و الموسيقية والرياضية.