تأملات قرآنية: الصبر
(27) وسيلة للوصول إلى الصبر والتشبث به
ما أكثر ما نسمع من يقول لنا عند وقوع المصاب والبلية: "اصبر...، ما لك إلا الصبر".
فما هو الصبر وكيف نصل إليه؟
الصبر لغةً: يعني الحبس والمنع، أما اصطلاحًا: فهو يطلق على حبس النفس ومنعها من التشكي والتذمر من مصائب ومتاعب الدنيا وهمومها، وهنا المنع عن الشكوى يكون لأحد غير الله - تعالى - أما الله - عز وجل - فيمكن لك أن ترتمي بين يديه، وتدعوه خوفًا وتضرعًا ورجاءً، ولك أن تبث له حزنك وبثك؛ كما فعل نبي الله - تعالى - يعقوب - عليه السلام - عندما فقد ولده يوسف؛ قال - تعالى - على لسان يعقوب - عليه السلام -: ﴿قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [يوسف: 86].
قال العلماء: إن الصبر أنواع، منه الصبر على الطاعة، والصبر على المعصية، والصبر على البلية، أو المصيبة في النفس والصحة، والأهل، والمال، أو غيره.
فالصبر هو أن يلتزم الإنسان بما يأمره الله - تعالى - به فيؤديه على أكمل وجه، وأن يجتنب ما ينهاه عنه، وأن يتقبَّل بنفس راضية ما يصيبه من مصائب وشدائد، متجملاً بالصبر، ومتحمِّلاً للمشقة؛ أملاً في أجر الله - تعالى - وفرَجه.
لقد ذكرت كلمة الصبر ومشتقاتها: "اصبر، اصبروا، والصابرين" 103 مرة في القران الكريم، تأمل في قول الله - تعالى -: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾ [البقرة: 45]، وقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: 200].
فنجد في هاتين الآيتين الكريمتين أن الله - تعالى - ربط الصبر بالصلاة التي هي عماد الدين، وربط الصبر بالتصبُّر والمرابطة والتقوى من أجل الوصول إلى الفلاح.
سبحان الله، كأن الصبر صار جزءًا مهمًّا من أجل القيام بهذين الأمرين: الصلاة والمرابطة، وهي الثبات على الطريق المستقيم، فمن كان له نصيب من هاتين، نال السعادة والطمأنينة في الدنيا والآخرة.
تأمَّل أيضًا أمره - عز وجل - في محكم كتابه: ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ﴾ [القلم: 48]؛ أي: اصبر "يا محمد - عليه أفضل الصلاة والسلام - وهو أسوة لنا وللمؤمنين"، على قضاء الله وما قدَّره لك.
لكن الصبر صعب، فكيف لنا أن نتحصل عليه ونحتفظ به من دون أن يتفلَّت من بين أيدينا وقلوبنا؟
لعل الجواب يكون أولاً في التفكر والتأمل في القناعات التالية:
1- أن الملك كله لله - عز وجل -: قال - تعالى -: ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ [الأنبياء: 23].
يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية الكريمة: أي: "هو الحاكم الذي لا معقِّب لحكمه، ولا يعترض عليه أحد؛ لعظمته وجلاله وكبريائه، وعلوه وحكمته وعدله ولُطفه"، وقال - عز من قائل -: ﴿كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾ [آل عمران: 40]، وهو تذكير لنا بأن الله - تعالى - هو الآمر الناهي المقدِّر لكل شيء، والحاكم على كل شيء، وقال - سبحانه -: ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ﴾ [آل عمران: 109]، فكلنا وكل أمر نَملكه وكل ما في السموات والأرض وما بينهما - هو ملك لله - تعالى - يتصرَّف بهم كيفما يشاء.
2- أن كل شيء مكتوب في علم الغيب عند الله؛ أي: إن الإيمان بالقضاء والقدر "الركن السادس من أركان الإيمان"، هو حافز ومُعين على تقبُّل حكم الله - تعالى - ومشيئته لخلقه، عندما يفكر المرء أن كل شيء يصيبه - سواء من خير أو من شر، من فرح أو حزن، من مرض أو صحة، من غنًى أو فقر - هو أمر مكتوب مقدَّر لا مفرَّ منه، يهوِّن المصاب ويزداد الرضا؛ قال - تعالى -: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ [الحديد: 22 - 23].
ما أعظم الله - عز في علاه - وهو يطمئننا ويقول لنا: لا تَفرحوا أو تحزنوا بما أصابكم من خير أو شر، فكل مقدَّر مكتوب.
3- أن المصيبة حق واقع على كل مخلوق:
الخوف والبلاء أمر واقع على البشر؛ ليمتحن الله - تعالى - الصابرين، ويُمحِّص المتقين، ويعطيهم الجنة جزاءً لهم بما عملوا، ويكفر عن سيئاتهم؛ قال - تعالى -: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ [البقرة: 155 - 157].
يقول الشيخ الشعراوي - رحمه الله تعالى - في تفسير كلمة "المصيبة": "المصيبة: هي الأمر الذي ينال الإنسان منه المشقة والألم، وهي مأخوذة من إصابة الهدف"، ويستدرك الإمام - رحمه الله -: في شرح أن المصيبة واقعة على المرء لا محالة، وأنه ليس للإنسان أن يمنع وقوع المصيبة، أو أن يدفعها.
4- أننا كخلْق ملك لله - تعالى -: يقول الإمام الشعراوي في تفسيره لكلمة: ﴿إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾: "إن كلمة: إنا لله؛ أي: إننا ملك له، وإننا راجعون إليه، فنحن لله بالملكية، ونحن لله نهاية في المرجع"؛ أي: إن له الحكم والتصرف فينا في البداية والنهاية، وما بين النهاية والنهاية.
ومن هنا جاء تعليم الرسول - صلى الله عليه وسلم - لنا أن نسترجع عند وقوع المصيبة بقول: ﴿ إنا لله وإنا إليه راجعون ﴾، وأن نقول كذلك: "اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرًا منها"؛ كما فعلت أم سلمة - رضي الله عنها - عند وفاة زوجها أبي سلمة، فعوضها الله - تعالى - عن فقْد زوجها بأن تزوَّجت الرسول الكريم - صلوات الله تعالى وسلامه عليه.
5- الإيمان بأن الله - تعالى - هو الحاكم وهو المقدر: الإيمان الجازم بأننا عباد الله - تعالى - وهو خالقنا، وله نعود يوم الدين للحساب، وأن له تدبير شؤوننا، وكشْف الضر عنا، أو جلْب الخير لنا؛ قال - عز وجل - في مُحكم كتابه: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [يونس: 107].
6- الإيمان بقصور الإنسان:
إنَّ فهْم الإنسان قد يكون قاصرًا عن معرفة ما يجلب الخير له، أو يبعد الشر عنه؛ قال - تعالى -: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 216].
ولطالما سمعنا عن أناس ظنوا أن ما أصابهم كان شرًّا لهم، فإذا بهم ومع مرور الوقت والزمن يكتشفون أن ما أصابهم فيه الخير لهم.
7- الإيمان بقوة الإنسان:
تأمَّل في هذه الآية العظيمة من سورة البقرة: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ [البقرة: 286].
سبحان الله، ما أعظم الله - عز وجل - في رحمته وعطائه، فهو لا يكلفنا من الأمور والعبادات ما لا طاقة لنا به، كما أنه لا يكلفنا ويرمي إلينا من المصائب والشدائد، إلا ما هو عالم بأنه في قدرتنا ووُسعنا، ربما تكون هذه دعوةً من الله - تعالى - إلينا نحن البشر إلى أن ننظر إلى أعماق أنفسنا ونتفكَّر: "ماذا عندي من القوة والطاقة والقدرة الذي أهَّلني لأن يبتليني ربي بهذا الأمر؛ "سواء مرض أو فقر، أو فِقدان عزيز، أو سجن أو غيره"؟
ربما نحن في ساعة العسرة نظن أنْ لا طاقة لنا بما رماه الله - تعالى - إلينا، ولكن لنتذكر: لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها.
استأنس أيضًا بقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجِز، وإن أصابك شيء، فلا تقل: لو أني فعلت، كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله، وما شاء فعل؛ فإن "لو" تفتح عمل الشيطان)).
فكن قويًّا في إيمانك وفي يقينك بأن الله - تعالى - عالم بكل شيء، وأنه ما كان ليُعطيك ما لا طاقة لك به.
8- القناعة التامة أن الدنيا هي محطة:
قال - صلى الله عليه وسلم -: ((الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر))، وفيه تذكير لنا أن من رحمة الله - تعالى - أنه كما يرزق ويطعم المؤمن، يُطعم الكافر أو غير المؤمن، وكما يبتلي المؤمن يبتلي الكافر، ولكن المؤمن يُجزى على عمله وصبره ما لا يلقاه الكافر يوم الحساب.
9- الإيمان بأن الدنيا قلابة:
فلا تدوم الدنيا لأحد، وأن كل شيء متغيِّر، وأن الأيام يداولها الله - تعالى - ما بين الناس، فنجد الفقير يصبح غنيًّا أو العكس، والمريض يصبح معافًى بإذن الله أو العكس، فما علينا إلا السعي والمجاهدة والنتيجة بيد الله - عز وجل.
وبعد تحصيل القناعات التسعة الماضية، يمكن تحصيل الصبر مع التأمل والسعي في تطبيق الأمور التالية:
1- المجاهدة في تحصيل الرضا بأمر الله تعالى:
الإيمان بأن أمر الله - تعالى - واقع لا محالة، وإنما الفرق في كيفية تعامُلنا مع المصيبة أو الحدث؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن عِظَم الجزاء مع عِظَم البلاء، وإن الله - تعالى - إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضِي فله الرضا، ومن سخِط، فله السخط)).
وأمرنا الله - تعالى - بالصبر في الشدة وفي اليسر، كدليل على صدق الإيمان وقوة اليقين بأمر الله؛ قال - تعالى -: ﴿وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ [البقرة: 177]، نسأل الله - تعالى - أن يجعلنا مع أولئك الصابرين الصادقين المتقين.
2- التفكير الإيجابي:
اسمع لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المليء إيجابيةً: ((عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرَّاء صبر، فكان خيرًا له))، فجاهد نفسك أن ترى الخير والإيجابية في كل ما يحدث معك.
3- التفكُّر في أنواع الصبر وفهْم طبيعة كل نوع منها:
فالصبر أنواع كما قلنا؛ منه: الصبر على الطاعة، والصبر عن المعصية، والصبر على النوازل والمصائب، فالصبر على الطاعة في الاستمرار عليها وعلى أدائها على أكمل وجه، والصبر عن المعصية بالابتعاد عنها وتجنُّبها، والصبر على البلاء بعدم الاعتراض على حكم الله، والصبر حتى يفعل الله ما يشاء.
4- التفكر في أنوع المصيبة:
هل المصيبة أو البلاء الذي وقع علي، وقع في أمور الدين أم الدنيا؟
تأمل في حكمة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وتفكيره الإيجابي عندما قال: "ما أصابتني من مصيبة إلا وكان لي بها أربعة نعمٍ: أولها: أنها لم تكن بديني، وثانيها: أنها لم تكن بأعظم منها، وثالثها: أن الله - عز وجل - ألهمني الصبر عليها، ورابعها: أن الله - عز وجل - وعدني بالثواب عليها في الآخرة".
5- لا تشكو لغير الله ولا تستعن بغير الله:
هذه النقطة مهمة للغاية، وصعبة للغاية، ولكن ما علينا إلا أن نتصبَّر؛ حتى نصل إلى مرحلة الصبر بإذن الله - تعالى.
عن عبدالله بن عباس - رضي الله عنهما - قال: كنت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - يومًا، فقال: ((يا غلام أو يا غليم! احفظ الله يَحفظك، احفظ الله تجده تُجاهك، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم يكتبه الله لك، لم يقدروا على ذلك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يكتبه الله عليك، لم يقدروا على ذلك، قضي القضاء، وجَفَّت الأقلام، وطُويت الصحف))؛ رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
وفي رواية الإمام أحمد: ((احفظ الله تجده أمامك، تعرَّف إلى الله في الرخاء، يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا)).
6- التقرب إلى الله - تعالى - بالعبادات:
أكثِر من العبادات، وخاصةً الصلاة والصوم، والصدقة وقيام الليل؛ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله - تعالى - قال: "ما تقرَّب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبَّه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يُبصر به، ويده التي يَبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأُعطينه، ولئن استعاذني لأُعيذنه"))؛ رواه البخاري.
7- الدعاء:
الزم الدعاء، واجعل لسانك رطبًا بذكر الله - تعالى - والإكثار من الاستغفار؛ قال - تعالى -: ﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾ [نوح: 10 - 12].
ولنا في رسول الله - عليه أفضل الصلاة والسلام - أسوة حسنة، عندما مرَّ في محنة الطائف، وكيف أنه شكا إلى الله ربه في أروع دعاء تلين له القلوب، فقال: ((اللهم إليك أشكو ضَعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى مَن تكلني، إلى بعيد يتجهَّمني، أو إلى عدو ملَّكته أمري، إن لم يكن بك غضب علي، فلا أبالي، غير أن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلَح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن يحلَّ علي غضبك، أو أن ينزل بي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك)).
ما أجمل هذا الدعاء، وما أروع الإحساس بالقرب من الله - عز وجل - ونحن نتضرَّع إليه ونتوسل إليه!
8- الإكثار من الاسترجاع:
وخاصة عند المصيبة، فلكلمة: ﴿إنَّا للهِ وإنَّا إليه راجعون﴾، قوة وبلسم للجروح، وفرَج بإذن الله - تعالى.
والإكثار من قول: "لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم"؛ لكونها كنزًا من كنوز الجنة، كما وصفها الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم..
9- الإكثار من الاحتساب:
المداومة على قول: "حسبي الله، لا إله إلا الله، عليه توكلت، وهو رب العرش العظيم" سبع مرات، صباحًا ومساءً، كما أوصانا بذلك رسولنا الكريم - عليه أفضل الصلاة والسلام.
10- حسن الظن بالله تعالى وتعزيز الثقة به - عز وجل:
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((يقول الله - تعالى -: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ، ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرَّب إلي بشبر، تقرَّبت إليه ذراعًا، وإن تقرب إلي ذراعًا، تقرَّبت إليه باعًا، وإن أتاني يمشي، أتيته هرولةً))؛ رواه البخاري، ومسلم.
11- التركيز على اليوم واللحظة في العلم والعمل والمتعة:
علِّم نفسك ألا تفكر في الماضي كثيرًا، إلا كطريقة لتعلُّم الخطأ، وطلب المغفرة من رب العالمين، وألا تقلق على المستقبل، فهو في علم الغيب، وإنما أن تركز على الوقت الحالي؛ قال - عليه أفضل الصلاة والسلام -: ((من أصبح معافًى في جسمه، آمنًا في سربه، عنده قوت يومه، فكأنما حِيزت له الدنيا)).
12- اقتران الصبر بالعمل:
أي: إن الصبر وحده لا يكفي، وإنما ينبغي السعي والعمل في التغلب على المشاق التي نمر بها؛ قال - تعالى -: ﴿إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ [هود: 11]، فهذه الآية الكريمة تدعو المؤمنين بأن يتوكلوا على الله - تعالى - ويعملوا الصالحات، وألا يتواكلوا، وأن يصبروا ويَقرنوا الصبر بالعمل الصالح، فهذه الآية الكريمة هي رد لكل من قال: "أنا جالس أنتظر الفرج من رب العالمين"، فهي تعلمنا أن الصبر وحده كما أن الإيمان وحده من دون اقترانه بالعمل الصالح - هو إيمان ناقص، وأن السعي نحو التغيير وإيجاد الحلول لمشاكل وأمراض وهموم البشر - هو من نعمة الله - تعالى - على بني البشر.
13- الصحبة الصالحة:
فالصحبة الصالحة تعين المرء على الثبات على الطريق السليم؛ قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل)).
ولقد أوصانا الله - تعالى - بأن نتواصى بالصبر ويعين بعضنا البعض بالصبر، وقرنه بالرحمة، فقال - تعالى -: ﴿ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ﴾ [البلد: 17].
الشكر على نعم الله تعالى:
بالتفكر في نعم الله - تعالى التي لا تُعد ولا تحصى، الماضية والحاضرة، انظر كيف ذكَّر الله - تعالى - رسوله الكريم بنعمه، فقال: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى﴾ [الضحى: 6 - 8].
وقال - عز من قائل -: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾ [الشرح: 1 - 4].
فإن كان هذا حال الرسول الكريم ومكانته عند ربه الذي قرن اسمه باسمه في الشهادة، فما حالنا نحن البشر؟!
حاول في وقت المحنة أن تفكر في النعم المحيطة بك، من الصحة والمال، والأهل والأمان، وغيره، ومما يعين على شكر النعمة قوله - عز وجل -: ﴿وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾ [إبراهيم: 34].
فالإنسان بطبعه جاحد للنعمة، فاستعن بالشكر لتدوم النعمة؛ قال - تعالى -: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [إبراهيم: 7].
فيا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك.
15- التفكر في خلق الله وأحوالهم:
مما يعين على الصبر هو النظر الى من هو أقل حظًّا منك في الدنيا، وأكثر عملاً منك في أمور الآخرة؛ عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - عن النبي - صلي الله عليه وسلم - قال: ((إذا نظر أحدكم إلى من فُضِّل عليه في المال والخلق، فلينظر إلى مَن هو أسفل منه))، وهذه دعوة من الله - تعالى - إلى رسوله الكريم بأن يفعل الشيء نفسه، فقال - عز وجل -: ﴿وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [طه: 131].
لقد أراد الله - تعالى - للإنسان أن يقنع بما رزقه، وأن يشكر الله على عطائه؛ حتى لا يكون هناك حسد أو غَيرة في المجتمع، وهذا الأمر لا ينفي جواز التنافس النظيف المشروع؛ من أجل تطوير النفس وتحسين الحال من حال إلى خير منه - بإذن الله تعالى.
16- الأمل والرجاء:
بأن الله - تعالى - سوف يجعل لك من بعد كل عسر يسرًا؛ قال - تعالى -: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ [الشرح: 5، 6].
وهنا قال المفسرون: إن العسر يَتبعه يُسر، وقالوا أيضًا: إن العسر نفسه فيه يُسر، ولكن ربما لا يكون هذا الأمر ظاهرًا للعيان، فعلى الإنسان أن يستبشر برحمة الله، وينتظر الفرج، وألا يكون ممن يقنطون من رحمة الله؛ قال - تعالى -: ﴿وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ﴾ [الحجر: 56]، حاول أن تتصبَّر عندما يَبتليك الله - تعالى - بعُسر؛ لأن رب العزة وعدك باليسر معه أو بعده، والله لا يخلف الميعاد.
17- التشوق الى أجر الله تعالى للصابرين ووعده لهم:
قال - تعالى -: ﴿وبَشِّر الصَّابِرينَ﴾ [البقرة: 155]، وقال - عز وجل - على لسان يوسف - عليه السلام -: ﴿إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [يوسف: 90]، وقال أيضًا: ﴿وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 96].
جعَلنا الله - تعالى - ممن قرن الصبر بالتقوى؛ لننال درجة المحسنين.
18- الوصول الى حب الله ومعيَّته:
وما أعظمه من أجر؛ قال ربنا في محكم كتابه: ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾ [آل عمران: 146]، وقال: ﴿وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الأنفال: 46].
اللهم اجعلنا من الصابرين المرابطين في سبيلك.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/42708/#ixzz2qsFv9o5r