التخلف العقلي مصطلح عفا عليه الزمان والمكان
على الرغم من التطور العلمي الذي حدث في مجال التربية الخاصة بشكل عام ، والذي شمل العديد من الجوانب ، بما في ذلك المصطلحات والمسميات لبعض الفئات المشمولة في ميدان التربية الخاصة ، إلا أن هناك جوانب مهمة تتعلق باالتسميات (Labeling) ، لا تزال غير مواكبة للتقدم الذي حدث في هذا الميدان ، خصوصا في منطقتنا العربية .
مصطلح (التخلف العقلي) ، على سبيل المثال ، لا يزال مستخدما ، ليس من قبل أفراد المجتمع فحسب بل حتى من بعض أهل الاختصاص ، على الرغم من اعتراض الكثير من المعنيين بالأمر من المختصين وأولياء الأمور وأصحاب الشأن انفسهم على استخدامه . لقد كانت قضية المصطلح من الموضوعات الرئيسية التي نوقشت في الاجتماع السنوي الذي عقدته الجمعية الأمريكية للإعاقة العقلية (
AAMR)في مدينة أورلندو بالولايات المتحدة في صيف 2002 ، و قد تم توزيع استبيان حول هذه القضية لكافة أعضاء الجمعية حول المصطلح ، ومن المؤمل أن تتغير التسمية ومعها اسم الجمعية .
في اللغة العربية ، اُستخدمت في الماضي مصطلحات مثل الأبله ، المعتوه ، المجنون ، الغبي، المأفون...الخ. ثم بعد تحسن الاتجاهات عُدلت المصطلحات نسبيا إلى الإعاقة العقلية ، الإعاقة الذهنية كما اسُتخدم مصطلح التربية الفكرية عند تسمية بعض الإدارات أو المعاهد التي تعنى بهذه الفئة . وفي اللغة الإنجليزية استخدمت أيضا مصطلحات قديمة مماثلة لما كان مستخدم في اللغة العربية .. مثل :
Idiot, Dull, Moron, Crazy كما استخدمت مصطلحات مثل: MentalDeficiency , Mental Handicapped ,Mentalsubnormal, MentalImpairment ثم استخدم المصطلح الذي تبنته الجمعية الأمريكية للتخلف العقلي – ولا تزال – وهو مصطلح التخلف العقلي MentalRetardation . والذي تمت الإشارة إلى كونه أحد الموضوعات التي تتكرر مناقشته في مؤتمرات الجمعية نفسها . لقد قـُوبل مصطلح (التخلف العقلي) بالكثير من الرفض وعدم التقبل ، وشهد عقد التسعينات الميلادية ظهور وانتشار بعض المصطلحات الحديثة لدى بعض المختصين وأولياء الأمور وكذلك بعض الجمعيات المعنية ، بالإضافة إلى تبني بعض الجامعات الأمريكية لها . وقد استخدمت مصطلحات تحتوي على نوع من الشمولية في انطباقها على فئات أخرى. على سبيل المثال استخدمت مصطلحات مثل: - CognitiveDelay (التأخر المعرفي) - Developmentaldelay (التأخر النمائي) - DevelopmentalDifficulties (الصعوبات النمائية) وكذلك " الأطفال ذوي المشكلات المعرفية أو التأخر المعرفي أو الصعوبات النمائية...
الجمعية الأمريكية لعلم النفس ، على سبيل المثال ، استخدمت في الدليل التشخيصي الإحصائي السنوي لعام 1994 م تعريفا للتخلف العقلي على أنه تأخر معرفي (
CognitiveDelay) . مصطلح CognitiveDelay (التأخر المعرفي) لا يقتصر على الفئات البسيطة فقط والتي يطلق عليها (MCD) MildCognitiveDelay بل يستخدم أيضا مع الفئات الشديدة ، فيقال SeverCognitiveDelay (التأخر المعرفي الشديد) كما أشار بذلك سمث .(2001, Smith)الذي يضيف أيضا إلى أن التأخر النمائي يشير إلى قصور ذو دلالة في الوظائف التي ينتج عنها درجة منخفضة في اختبار الذكاء وكذلك قصور في نواحي المهارات التكيفية والتي تظهر أثناء فترة النمو. كما قد يشمل فئات أخرى ضمن هذا المصطلح مثل صعوبات التعلم ، وذلك حسب رأي بعض الأختصاصيين . يذكر ثومس 1996, Thomas)) أن هناك 31 تعريفا مختلفا للتأخر المعرفي استخدمت للرمز لهذا المعنى في مختلف الولايات المتحدة الأمريكية .
تعريف مصطلح
Cognitive كما ورد في قاموس التربية الخاصة للدكتور الأشول (1987) بمعنى (معرفي) وهو مصطلح "يشير إلى العمليات العقلية للتذكر ، والتفكير والإدراك والفهم والحكم والانتباه والوعي " . أما المجال المعرفي (CognitiveDomain) كما ورد في معجم التربية الخاصة للدكتور السرطاوي وآخرون (2002) فُيعرّف على أنه "إكساب الفرد مهارات معالجة المعلومات والاستدلال والتفكير وحل المشكلات" . كما أنه يركز أيضا على المهارات المعرفية . ويستند المؤيدون لاستخدام الأساليب المعرفية في المعالجة إلى افتراض أن الصعوبات التي يعاني منها الطلبة تعود في الأساس إلى اضطرابات ومشكلات معرفية .
مصطلح (التخلف) يحمل - دون شك - الكثير من الدلالات السلبية سواء قصد بها القدرات العقلية أم غير ذلك مما يتعارض مع معطيات عصر التقدم في كل الميادين ومنها التربية الخاصة . هذا المصطلح غير ملائم في حق من لدية اختلاف في قدرات معينة ، سواء كانت عقلية أم غير ذلك . إن الفئات التي يطلق عليها هذا المصطلح تمتلك قدرات ومهارات قد يستطيعون من خلالها القيام بالعديد من المهام الحياتية والتعليمية والاجتماعية والمهنية . وحيث أن من أهم أهداف التربية الخاصة، تنمية ما لدى الفرد من قدرات ومواهب ، فإن استخدام مصطلحات سلبية بهذه القسوة لا يخدم هذا المبدأ . للتسميات أثر كبير في تقبل ذوي الاحتياجات الخاصة وأسرهم لخدمات التربية الخاصة والاستفادة منها والمساهمة في تطويرها ، وخير دليل على ذلك ما تم بسبب استخدام مصطلحات مثل " متلازمة داون" ، "التوحد" ، وكذلك "صعوبات التعلم" . أصبح أولياء الأمور يقولون لدينا طفل ذو متلازمة داون ، أو طفل توحدي ، أو لديه صعوبات تعلم ، وذلك تطلعا للاستفادة من الخدمات المتاحة ، ولكن ليس من المناسب أن يأتي من يقول لدي طفل متخلف . ولذلك ربما سيتأثر الطفل بالحرمان من الخدمة الملائمة بسبب التسمية . لقد آن الأوان أن يعاد النظر في هذه القضية ، لنخرج بتسميات عربية تتلائم مع توجهاتنا الإيجابية نحو مستقبل أفضل لذوي الاحتياجات الخاصة فلغتنا العربية غنية بالمعاني والمصطلحات الملائمة ، وديننا الإسلامي يحث على الحسن من الألقاب والمسميات لما لها من الآثار الإيجابية. والله ولي التوفيق .
د/ إبراهيم الثابت - جامعة الملك سعود - قسم التربية الخاصة
(مقال منشور) مجلة التربية الخاصة العدد ( 8 2 ) 7/صفر/1426هـ