رغم كرهي الشديد لهذه الكلمة ورغم تفضيلي لتعبير ذوو الاحتياجات الخاصة إلا أنني فضلت وآثرت استخدامه هنا وفي هذا الموضوع بالذات حتى يتسنى لي التركيز على هدفي من المقال .
على قناة الأم بي سي وعلى أخبار الساعة التاسعة والنصف مساءاً وبتاريخ 18 / 5/ 2008
ظهر على الشاشة قفص كبير به فتحه صغيرة يتم من خلالها رمي الطعام لشئ محبوس داخله وقبل إن تساوركم ظنونك هم ماهية المحبوس داخل القفص فأود أن أبشركم بأنه ليس ديك عنيد ولا ثعلب شرس ولا كلب مسعور ولا الغول الذي كانت تخفينا به جداتنا ، بل هو كائن بشري أنساني مصاب بتخلف عقلي وتخلف جسدي لا تُعرف درجته حتى اليوم والغريب انه حي ويرزق ولكنه يقبع كالحيوانات داخل قفص ملقى في العراء وقبل إن تأخذكم الظنون فالقفص ليس في كان ولا نيس ( ذوات الجو المعتدل والمنعش ) أنمافي قلب الصحراء وبالقرب من مكة في قرية صغيرة وفقيرة تداهمها الشمس الحارقة معظم أيام السنة ، الأكثر غرابه هو إن القفص إمام أعين المارة ( ليس مخبئ ) وليس بعيد عن ضمائر الآخرين الذين آثروا الفرجة وانسحبوا إلى بيوتهم في سلام وأمان تاركين الصبي ذو الثالثة عشر أو يزيد بمفردة .
في لقاء مع والد الصبي أفاد انه حاول بكل الطرق المتاحة الاتصال بالمراكز ذات العلاقة وبحكم انه فقير ولا يملك سيارة فقد هداه تفكيره إلى مثل هذه الطريقة حتى لا يؤذي الصبي نفسه أو يؤذي الآخرين وانه يتكرم عليه ويقوم بإدخاله كل مساء لينام على سرير من حديد وبدون مرتبه حتى الصباح ليعاود إدخاله إلى عالمه الخاص !
الموضوع له عدة نواحي يجب الإشارة إليها وهذه بالطبع ليست ألحاله الأولى التي نسمع عنها أنما سبقه حاله لمريض نفسي وُجد أيضاً مسلسلاً داخل قفص في إحدى القرى البعيدة ولا أعلم حتى اللحظة أين ذهبوا به بعدما صورته الصحف هل بقي على حاله أم أدُخل للعلاج في أحدى المراكز العلاجية ؟؟
السلبية التي ينبغي أن أتحدث عنها هي سلبيه أفراد المجتمع في تلك القرية الذين شاهدوا كائن حي معاق يقضي يام عمرة في قفص ور يعرف درج أيام حياته في قفص محروم من خدمات الدولة الكثيرة والتي تصرف عليها ملايين من الريالات .. السلبية تتعلق بدور الأم الغائب والمهمش لأن المجتمع لا يمكنها من التدخل في الوقت المناسب لإنقاذ فلذة كبدها السلبية التي أتحدث عنها وضحت في تؤخر الأب
كثيراً في مساعده ولده حتى لو كانت أفادته عكس ذلك .. السلبية تتضح بعدم وضوح دور الأسرة الكبيرة من عم أو خال أو جده أو جد لديهم تلفزيون أو تصلهم أخبار عن وجود مراكز متخصصة تشرف عليها الشؤؤن الأجتماعيه .
السلبية العامة وضحت بوضوح من عمدة الحي ( أن وجد ) والجيران والمعارف وغيرهم ...السلبية العامة اتضحت في عدم تو فر أرقام هواتف معروفه وسهله لمركز معلومات يتصل به كل من لديه حاله لا يعرف كيف يتصرف معها ولا كيف يقوم بدوره الإنساني والأبوي تجاهها تقوم بدور المنسق مع المراكز المتخصصة ولديها القدرة على معرفه كافه معلومات المتصل وتحديد مكان وجود وإرسال خريطة توضيحيه عن موقع الحالة بدون انتظار حضور الوالد بنفسه .
على برنامج القاهرة اليوم أستضاف المذيع والده كفيف كانت توصله بنفسها إلى المدرسة في بلده مجاورة وتنتظره في الشمس حتى ينتهي لتعود به إلى قريتها وعندما تخرج من الثانوية العامة بتقدير ممتاز حاولت جهدها إن تلحقه بجامعه قرب بلدتهم .
وأرسلت لي إحدى المبدعات وهي بالمناسبة معاقة لها قصه طويلة ينبغي إن نتوقف عندها كثيراً عن سفرها إلى ألمانيا وانطباعها الذي عادت به ويكفي أن تبدأ حديثها أن ألمانيا هي بلاد المعاقين فكل شئ مهئ لهم في المواصلات العامة وفي الشوارع وفي المستشفيات وختمت حديثها بأنها هناك شعرت للمرة الأولى أنها إنسانه لا ينظر إليها بشفقه وحسرة أنما المساعدة الحقيقية تكون بالتمكين من الحياة بإنسانيه .
التمكين من العيش هو كل ما يطلبه ذوو الاحتياجات الخاصة هي أن تكون الشوارع مهيئه لهم وان تكون الأرصفة لها مخارج سهله ومنخفضة ليتمكن المقعد من استخدامها أثناء انتقاله من مكان إلى مكان .
المفترض ان تكون المدارس مهيئه لهم بأن تكون الفصل المخصص لهم في الدور الأسفل وأن يكون لهم دورة مياه خاصة تمكنهم من استخدامها بسهوله وان تكون الجامعات مهيئه فيسمح لهم الخروج من أقرب بوابه بالنسبة لهم وأن تكون هناك مستخدمات مهمتهم الوحيدة مساعدتهم في التنقل والتصوير وفي لبس العباءة وغيرها . راسلتني إحدى الطالبات والتي سأنقل قصتها كاملة بكلماتها الخاصة عن مواقف حدثت معها ( ينبغي التوقف عندها كثيراً ) وأهمها بأنها كانت تعاني من أصابه في أحدى ساقيها وكانت تسير بمساعده عكازات طبية واضطرت يوما ما لأستخدام دورة المياه فطلبت مساعده الطالبات فتخوفن من مساعدتها فتوجهت لطلب مساعدة من احد الإداريات وطلبت إن توجه إحدى المستخدمات لمساعدتها لأن إحدى يديها أيضا كانت مصابه فرفضت بشدة وتفوهت بكلمات بما معناها ( لماذا لا تجلسين في منزلكم وتريحينا ) !!! فدخلت الفتاه مضطرة بمفردها وبما إن دورة المياه أساساً مبتلة ( كالعادة ) فسقطت وأصيبت بكسر الحوض والمزيد من المضاعفات في ساقها المصابة أصلاً وتحولت إلى معاقة رسمياً بفعل عدم تجهيز دورات مياه مزودة بأعمدة تمكنها من قضاء حاجتها بدون الحاجة إلى أحد وثانيا بسبب عدم الوعي بأهمية مساعده من هم بمثل حالتها وخصوصاً في موقف أنساني ضروري ومُلح !
وتم تسفيرها إلى ألمانيا وهناك راسلتني برسالة مختصرة تحتوي على الكثير وختمتها قائله ( أليوم أشعر أنني إنسانه اصطحبتني الممرضة للتسوق في باصات عامه وتصرفت كأي أنسأنه عاديه فكل شئ لي مهيأ حتى الناس تتعامل معي بدون نظرات الشفقة فعلاً ألمانيا بلد المعاقين ) .
كانت فكرة تجربه الكرسي ( جميلة جداً ) ولكنها للأسف بقيت فكرة جميله ذات تغير محدود فمعظم الشوارع كما هي والأماكن المخصصة للمعاقين ( محتله ) من الغير بدون غرامات وحتى العلامات التي يفترض إن توضع بوضوح على السيارات التي يقودها أو يٌنقل من خلالها معوق ليست مفعله كما ينبغي .
كتبت يوماً ما عن مستشفى خاص ضمت إلى طاقمها رجل على كرسي متحرك ليعمل كرئيس لخدمات المرضى وهو بالفعل أكثر شخص تجده في كل مكان في المستشفى فالمكان مجهز له ولغيره وكفاءته ونشاطه وفكره وخدماته الجلية وجهوده الجبارة تُعلن عن فكر راقي مهيمن على أدارة رائعة تعلم جيداً إن التميز لا يعيقه ( كرسي ) !!!