الاتصال بجمعية حقوق الإنسان السعودية
هالة الدوسري الحياة - 31/05/08//
كثيراً ما تساءلت إن كان القصد من إنشاء جمعية حقوق الإنسان السعودية هو إيجاد قنوات رسمية لتلقي شكاوى الأفراد والجهات العامة والخاصة، أم هو إيجاد حل فعال لهذه المشكلات بالفعل؟ يأتي هذا التساؤل بعد استبيان عرضته الجمعية في موقعها الالكتروني للزوار عن مستوى أداء الجمعية بعد مرور ثلاث سنوات كاملة على إنشائها، وأخيراً عرفت أن السبب الأول هو الأقرب للصواب بعد تسلمي في بريدي الالكتروني لمشكلة آخذة في الانتشار ومستحيلة الحل بصورة منفردة من صاحب المشكلة.
الرسالة الحزينة أتت من مراهقة تعيش مع أسرة والدها المقعد، وقد تعرضت لإساءة جنسية من أحد أعمامها الذي يقوم الآن بنشر الإشاعات عن انحراف سلوكها بعد زواجه أخيراً حماية لشخصه من أي شكوى مستقبلية قد تتقدم بها الفتاة حين تتضح عواقب فعلته أو حين تدرك الفتاة هول ما حل بها مع تقدمها في السن!
ربما سمعنا كثيراً عن مثل تلك المشكلات... أطفال وشابات يتم استغلالهن بشتى الصور لجهلهن وبراءتهن نتيجة لضعف الأهل والوعي وللشعور بالأمن من العقوبة، وقد كانت أكثر الشكاوى التي تسلمتها الجمعية في منطقة مكة المكرمة - مثلاً - نتيجة مباشرة للعنف الأسري كما جاء في بيان أحد المسؤولين فيها، وكان المتوقع من وجود جمعية لحقوق الإنسان أن تكون هناك آليات سهلة الانتشار ومتاحة لكل شخص لاستقبال الشكاوى كالخط الساخن، أو البريد الإلكتروني، أو الإعلانات في الشوارع للتعريف بمهامها ووسائل الاتصال بها للوصول إليها أسوة بكل المجتمعات الحديثة، وهو أمر ضروري لحماية الأفراد من استمرار التعدي وعواقبه المؤلمة التي قد تؤدي في كثير من الأحيان بالضحية إلى الانحراف، ومع غياب الوعي العام لعموم الناس بكيفية التعامل السليم مع مثل تلك المشكلات وما الجهات المسؤولة للجوء إليها، فالمشكلات من هذا النوع تترك في العادة بلا حل جذري، ويصبح العضو الفاسد في المجتمع مصدراً مستمراً للأذى في حياة المعتدى عليها، وربما كل امرأة طالتها يداه بعد ذلك من محارمه أو غيرهن.
وليس من المنطقي أبداً أن تصبح وسائل عمل جمعية حقوق الإنسان السعودية - وهي مؤسسة من المؤسسات المعنية بحماية الضعفاء من أذى القادرين - هي وسائل العمل البيروقراطية نفسها التي تعمل بها مؤسسات العمل الحكومي العام، ولا تملك صلاحيات أوسع لتطبيق القانون والسعي في تصحيح خلل الأنظمة والمجتمع، أو أن تعمل بدوام رسمي محدد بساعات ما لتلقى الشكاوى وكأن المشكلات تحدث في وقت معين فقط، أو أن يعمل عليها عدد من الموظفين غير المتفرغين، فهذا كله لا يخدم أهداف الجمعية - وإن كانت أهلية - بأي حال من الأحوال، ومسألة عدم امتلاك الجمعية لأي سلطة تنفيذية أسوة بجمعيات مدنية أخرى، مثل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي تملك صلاحيات أقوى وأفضل كثيراً للتوقيف والمساءلة وتتبع المواقف المثيرة للريبة أمر مقلق بالفعل.
فعلى رغم اتساع مجال عمل الجمعية بكثير عن مجال عمل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا أن إعطاء الصلاحيات ذاتها، وليس أفضل منها لم يكن أمراً متاحاً لجمعية حقوق الإنسان، وكما أوضح رئيس الجمعية في لقاء إعلامي سابق فقد فشلت الجمعية في الحصول على رد من معظم الجهات الرسمية المعنية بالشكاوى، تلك الجهات التي خاطبتها الجمعية بصفة رسمية ولم يتم الاستجابة سوى لعدد قليل فقط من الشكاوى، ما يعني استمرار تلك المشكلات بلا حل أو عدم وجود حل ممكن لها من الأصل. وحيث أني لست بأي حال من الأحوال متصلة بالجمعية أو على علم بآليات عملهم فلم أستطع الإجابة عن الاستفتاء المعروض عن مستوى أداء الجمعية، إلا أنني قررت أن أعيد إرسال الرسالة الإلكترونية للفتاة صاحبة الشكوى لبريد الجمعية الإلكتروني، الموقع لا يعرض أي بريد إلكتروني للشكاوى، بل يقدم «كأي جهة حكومية» أرقاماً تليفونية للاتصال وفاكساً «لقسم السيدات»، فهل يعني ذلك أنه حتى في حقوق الإنسان والشكاوى يتم تمييز النساء بفاكس بدلاً من هاتف؟
وبعد بحث وتمحيص وجدت البريد الالكتروني معروضاً في رد على سؤال في الموقع باللغة الإنكليزية، وقمت بالفعل بإرسال الرسالة الإلكترونية لتعود إلي بعد دقائق بسبب الفشل في الوصول إلى العنوان، ما ينبئ بالفعل عن عدم فاعلية مستوى التعامل مع الشكاوى الواردة للجمعية، فإن كانت فتاة واحدة ضعيفة وغير قادرة على الوصول إلى الجمعية ببريد إلكتروني، فمن من الممكن أن يساعدها لنيل حقها المشروع؟ هذا عدا أن مواعيد «الدوام» المعروضة على الموقع لا تشمل العطلة الأسبوعية، فما الذي سيحدث لو تعرض شخص ما لمشكلة وأراد الاتصال بالجمعية خارج أوقات الدوام؟
من المفهوم بالطبع أن الجمعية ما زالت في بداياتها، ولكن أن تعمل وحدها كهيئة أهلية مستقلة بلا دعم حقيقي أو سلطات من أي نوع للمساءلة والتتبع أسوة بالهيئات المدنية الأخرى، أو ألا يضيف لنا وجودها شيئاً سوى تسجيل بعض الشكاوى والمشكلات الواردة لديها فهذا بالتأكيد ليس ما نأمله من مؤسسة للمجتمع المدني ترعاها الحكومة.
وأخيراً ولكي أقدم إجابة منطقية ما عن الاستبيان المعروض على موقع الجمعية فإنني أذكر القائمين عليها بأن «الحقيقة لا تظهر سوى بالمقارنة» كما يقول المثل الروسي، وبأن إجابة السؤال عن إنجازات وأداء الجمعية تصبح واضحة للغاية بمقارنة واقع وحجم الشكاوى التي تتلقاها بما قدمته من حلول مقارنة بالجمعيات المماثلة في بلاد أخرى، وربما كان من المفيد هنا أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون، فهذا في النهاية ما نبرر به فائدة بداياتنا المتأخرة في كل شيء «أن نبدأ متأخراً أفضل من ألا نبدأ أبدا»...
وكل عام وجمعية حقوق الإنسان السعودية بكل خير.