200 مبصر يتعلمون لغة برايل لدمج 10 مكفوفين
الخبر: سعد العريج
سجلت تجربة "الاندماج العكسي" مع المكفوفين نجاحاً ملموساً يرشحها للتطبيق في مدارس عديدة، و تقضي التجربة بتعليم نحو 200 طالب مبصر لغة برايل للتعايش مع زملائهم المكفوفين داخل المدرسة وعددهم 10 طلاب فقط. ورفعت مدرسة الصديق الابتدائية بالخبر التي طبقت التجربة شعاراً جميلاً بين المكفوفين والمبصرين استهدف بناء جيل مبصر يمتلك الثقافة الكافية ويثق بنفسه وبإمكاناته بغض النظر عن فقدان البصر من عدمه.
وقال مهندس المشروع ومدير برنامج دمج المكفوفين بالمدرسة عبدالله العبيدي إن الفكرة بنيت على أساس الاستفادة من طلاب المرحلة الابتدائية لميل الأطفال في هذه السن للتعاون مع غيرهم.
ونجحت الفكرة في حدوث احتكاك مباشر للطلبة المكفوفين ومنذ وقت مبكر مع مجتمعهم من خلال هؤلاء الطلاب.
وساهم في نجاح التجربة المعلم الكفيف عبدالعزيز النزهة الذي حرص على بيان وتوضيح معاناة الطلاب المكفوفين في المراحل الأولى.
ليس غريباً أن يتعلم من كُف بصره "لغة برايل" فهي الطريقة المثلى ليتعايش مع الناس وليندمج مع مجتمعه ليكون عنصراً مؤثراً في الحياة.
الغريب أن يتعلم أكثر من 200 طالب مبصر لغة برايل للوصول إلى هدف "الاندماج العكسي" مع المكفوفين كما حدث في أول تجربة لمهرجان تربوي خاص بالمكفوفين أقامته مدرسة الصديق الابتدائية بالخبر. بهدف بناء جيل مبصر يملك الثقافة ويثق بنفسه وإمكاناته الشخصية لتحقيق اندماج حقيقي وحظي بمتابعة كبيرة من جهات متعددة في المملكة للاستفادة من التجربة
الفكرة الناجحة
مهندس المشروع ومدير برنامج دمج المكفوفين بالمدرسة عبد الله العبيدي قال: إن فكرة المهرجان بنيت على أساس الاستفادة من الفئة العمرية لطلاب المرحلة الابتدائية لميل الأطفال عموما للتعاون مع غيرهم بالنسبة للمبصرين بالإضافة إلى أنها تمثل فرصة حقيقية لدفع المكفوف إلى الاحتكاك المباشر منذ وقت مبكر مع أفراد المجتمع والسبب الثالث للوصول إلى اندماج حقيقي بين المبصر والمكفوف بتنمية الاندماج المتبادل بعد أن كان الاندماج مطلوباً من المكفوف فقط والسبب الرابع لبناء جيل يملك ثقافة أفضل عن المكفوف.
4 اتجاهات
ويشير العبيدي إلى أن تلك الفكرة لاقت استحسان الجميع ليتم البدء في خطوات المهرجان في 4 اتجاهات متوازية ما يخص المكفوف وآخر للمبصر وثالث لولي الأمر و للأسرة.
ففي ما يخص المكفوف في المدرسة أدرجت دورة متقدمة بلغة برايل لمدة 8 أسابيع ضمن اليوم الدراسي لجميع الطلاب المكفوفين في المدرسة (10 فقط).
أما فيما يخص الطلاب المبصرين عقدت دورة أخرى لمدة أسبوعين لتعليمهم لغة برايل ودورة أخرى لتعليمهم فن التوجه والحركة.
ومن جانب ولي الأمر والأسرة فتم عقد ندوة مسائية بحضور عدد من المتخصصين لأولياء الأمور كما وزعت مسابقة للأسرة عن لغة برايل موزع معها تقويم يحتوي على حروف برايل.
وأضاف العبيدي أن تفاعل المبصرين وأولياء الأمور مع المهرجان ساهم في نجاحه بشكل ملفت مدللاً على ذلك بطلب عدة مدارس من البرنامج نقل التجربة إليها ليتعلم طلابها لغة برايل وهو هدية من الطالب المبصر إلى زميله المكفوف.
عرض التجربة
ويضيف أنه يجري التنسيق حالياً مع ملتقى شباب الخبر لعرض التجربة في شهر شوال بالإضافة إلى تلقي البرنامج دعوة من أحد المجمعات التجارية في الخبر على إقامة معرض خاص بلغة وأدوات برايل بعد أن شارك البرنامج في أنشطة قطاع الخبر في نادي القادسية لهذا العام حيث يجري الإعداد لها.
وقد أنهى مشروع دراسة متكاملة عن مشروع تطوير تعلم برايل في المرحلة الابتدائية يشمل استحداث فصل تمهيدي للطلاب المكفوفين قبل مرحلة الدراسة لتمنية حاسة اللمس الهامة وتطوير منهج القراءة والكتابة بلغة برايل وإعادة طريقة دمج المكفوفين في الصفوف الأولية بنظام الفصول الملحقة بحيث لا يدمج المكفوف مع طلاب التعليم العام إلا في مواد التربية الإسلامية والاجتماعية والبدنية والفنية والأنشطة بينما يقتصر تعليم الرياضيات والعلوم واللغة الانجليزية والعربية داخل البرامج لضمان جودة المخرجات. وقال العبيدي إن الدراسة سلمت إلى إدارة التربية الخاصة قبل أسبوعين لتقييمها قبل تعميمها.
تكثيف الدورات
وعن احتياجات المعلمين المكفوفين لممارسة عملهم قال العبيدي إن الاحتياج الأهم هو تكثيف الدورات مثل الحاسب الآلي ودورات في احتياج الطالب الكفيف النفسية والاجتماعية ودورات طرق تدريس المرحلة الابتدائية.
آلية جديدة
مدير إدارة التربية الخاصة بالإدارة العامة للتربية والتعليم في المنطقة الشرقية الدكتور مبارك الدوسري وصف مهرجان برايل في مدرسة الصديق الابتدائية "بمثلج الصدر" كون المهرجان آلية تمثل الدمج التربوي الهادف.
مضيفاً تحقق الهدف عندما نرى أبناءنا المبصرين مع زملائهم المكفوفين يداً بيد متحابين متجانسين حيث يشارك الكفيف مع المبصر في الأنشطة ويملك الموهبة ويصعد المنصة لاستلام جائزته بجدارة.
خاصة بعد تعلم الطلاب لغة برايل من خلال التدريب المتقن بجهود مدير البرنامج في المدرسة وأعضاء هيئة التدريس.
اللافت في التجربة وجود المعلم الكفيف عبدالعزيز النزهة والذي ساهم في نجاح الفكرة يقول النزهة لا أجد صعوبة في تعليم المكفوفين لأني أعيش تجربة المكفوفين
ويضيف قائلاً أنا أهتم كثيراً بالتوجيه ليتجاوز الطالب المكفوف العوائق التي تعرض لها معلمه وهو صغير.
فبعض الطلاب المكفوفين يرتبط بأمه كثيراً أو بخادمته مما يصعب الوصول إلى اندماج بشكل فاعل مع المجتمع لأنه قد يشكل شخصية اتكالية سلبية وهو ما نسعى إلى تعديله.
ويشير إلى أنه يسعى بجانب تعليم المكفوف إلى تدريبه على التعامل مع المجتمع بكافة إيجابياته وسلبياته بالاعتماد على نفسه قدر المستطاع، حتى يكون فرداً منتجاً متأثرا ومؤثراً بتعزيز الثقة بالنفس.
عزلة تامة
وأشار النزهة لما يواجهه الكفيف من عزلة موضحاً أن الهدف الأسمى الذي يراه كونه كفيفاً ألا يقع الطلاب في ما وقع فيه بسبب تلك الرعاية الخاصة التي كان يلقاها وهو طفل مما ساهم إلى حد كبير في التردد والخجل وإحساسه بأن الآخرين ينظرون إليه بعين الرحمة. وهو ما عاناه سنين طويلة إلا أن النزهة حسم أمره وتجاوز كل الصعاب ووصل إلى الجامعة وتعلم فيها وواجه هو وزملاؤه المكفوفون صعوبات تتعلق بطرق تسجيل المحاضرات وكتابة الاختبارات رغم ذلك تخرج من الجامعة قبل نحو 9 سنوات كما بدأ حياته العملية معلماً في مدينة جازان التي تعتبر مرحلة الاختبار الحقيقي للذات.
الشفقة والرحمة
وعن المواقف الغريبة التي يتعرض لها قال هي كثيرة منها نظرة الرحمة والشفقة في تعامل الآخرين أو استغلال البعض لها مثل تعامل بعض سائقي الأجرة الذين يوصلونه إلى مكان غير مكانه المطلوب لأنه مكفوف لا يرى بل إن بعضهم يدور في نفس المكان ثم يقول وصلنا.
وقال إن أكثر المشاكل صعوبة أن يكون الطالب المكفوف مبصراً منذ الولادة ثم كف بصره وهو ما يحتاج إلى تأهيل طويل حتى يتأقلم مع الظروف الجديدة.
بالإضافة إلى التأثر الشديد لبعض الطلاب بخادماتهم في المنازل حتى إنه يتحدث العربية بلكنة إندونيسية بسبب الإهمال الأسري. وينتقد تصرفات بعض أولياء الأمور بتوفير خادمة خاصة تلبي طلبات المكفوف وترعى شؤونه باعتقادهم أنه تصرف صحيح لأنها توفر له المأكل والمشرب والرعاية وهو خطأ فادح يصعب تداركه لاحقاً. ويلفت إلى أن الاعتقاد الشائع عند أولياء الأمور بأن أخطاء المكفوف وسلبياته تأتي بسبب كف البصر وهو ليس صحيحاً فالمكفوف أن لم يكن يعاني من أمراض أخرى فهو إنسان طبيعي لا يرى الأشياء فقط.
وأضاف أن توفير الرعاية والحماية للمكفوف يؤدي إلى ضعف في مستوى العلاقات الخارجية وتكون شخصية مهزوزة دائماً..
تجاوز العوائق
يرى ولي أمر أحد الطلاب المكفوفين المشارك في التجربة عبدالعزيز عمر أن الأمور كانت صعبة بالنسبة له لأن ابنه مكفوف فحاول كثيراً التغلب على المصاعب وإن كان من أهمها اندماجه مع المجتمع.
ويضيف بمرور الوقت واكتساب الخبرة تجاوز ابنه كثيراً من العقبات لكن تعلم زملائه المبصرين لغة برايل ساهم إلى حد كبير جداً في تطور اندماج ابنه مع المجتمع من خلال زملائه المبصرين في المدرسة.
ويتحرك تركي العجاجي بفرح تام في مهرجان برايل رغم معاناته من ضعف حاد في بصره كفاقد للبصر تماماً كان زملاؤه المبصرون يتعلمون لغة برايل التي يجيدها وهو ما يعني بالنسبة له انتصاراً لبراءة طفل في مجتمع مدرسي للصداقات فيه طعم آخر..
فصديق مبصر يجيد برايل أفضل بكثير من عشرات الأصدقاء ممن لا يملكون لغة تواصل أخرى غير الكلام كما يقول.
تحدث العجاجي في حفل ختام مهرجان تعلم برايل لهذا العام بحضور مدير إدارة التربية الخاصة في تعليم الشرقية مبارك الدوسري قائلاً "إن السرور ليغمره هو زملاءه المكفوفين حينما يقدم المكفوف نفسه عضواً فاعلاً في مدرسته ومجتمعه"
وتابع العجاجي حديثه مشخصاً واقع المكفوف "كف البصر هو عدم رؤية الأشياء فقط وليس عدم فهمها والقدرة على التعامل معها".
ويؤكد العجاجي هنا أنه وزملاءه أصبحوا يشاركون ويتنافسون ويملكون الثقة بالنفس أكثر من ذي قبل لأن الاندماج الفعلي تحقق بين المكفوف والمبصر.
فهؤلاء الصغار المكفوفون يجوبون أرجاء المدرسة بقدرة فائقة في التحكم بالمشي والركض بلا عصي بيضاء أو مرشدين ملازمين لهم بعد أن تغلبوا على الذات قبل فقدان البصر لأنهم تجاوزا البداية التي تعني تخطي الزيارة الأولى لأي مكان بنجاح بلا اصطدام أو ارتطام.
كان العجاجي يتحدث وبجواره طالب مبصر في الصفوف الأولية اسمه نايف عبدالله الذي لا يعرف عن المكفوف في مدرسته إلا أن يمسك يده عندما يرغب في الانتقال من مبنى التعليم العام إلى برنامج دمج المكفوفين أو لزيارة مكان ما في المدرسة كما تعلم وكما يراه واجبا عليه لأن بعض زملائه في المدرسة من فاقدي البصر.
نايف لم يكن يتوقع أن حضوره للدورة المكثفة للغة برايل سيجعله أكثر إحساسا بحياة المكفوفين خاصة بعد أن لقي المهرجان اهتماماً بالغاً من زملائه المبصرين لأن فيه تعلم لغة جديدة تجيبهم على سؤال يلفه الغموض هو كيف يمكن للمكفوف التعامل مع الحياة؟.
مهرجان برايل المكثف دُعم أيضا بدورة مصاحبة عن "فن التوجيه والحركة" قدمت للطلاب المبصرين أيضا لتحقيق الاندماج المتبادل بين المبصر والمكفوف.