خدمات شاملة.. من أجـل تعليم شامل
د. نبيل بن شرف المالكي*
إن المتمعن في واقع خدمات التربية الخاصة في مملكتنا الحبيبة يُلاحظ ويلمس تطوراً طفيفاً في تقديم هذه الخدمات للأفراد ذوي الإعاقة عن ذي قبل، من حيث تزايد عدد البرامج التي تقدم الخدمات لهم بشكل مقبول. ولكن هل هذه البرامج تقدم "خدمات شاملة"؟ بالتأكيد لا، حيث إن معظم برامج التربية الخاصة تفتقر إلى العديد من الخدمات الأساسية والمساندة التي تسهم في تحقيق تعليم فعّال، وهذا ما لاحظته -شخصياً - من خلال زيارتي الكثير من برامج التربية الفكرية بمدينة الرياض بمختلف جهاتها وبرامجها (مثال: معظم البرامج التي تمت زيارتها لا يوجد بها أخصائي نطق وكلام)، فما بالنا بالمدن الأخرى أو القرى، وقس على ذلك؟! لذلك فإن وجود خدمات شاملة لذوي الإعاقة يعد مطلباً ضرورياً جداً لتطبيق وتنفيذ التعليم الشامل لهم، باعتباره التعليم العادل. وأنا - شخصياً - مع هذا التوجه، ولكن بوجود تشريع واضح وفاعل ينص على تقديم جميع خدمات التربية الخاصة والمساندة، وتفعيل نظام المساءلة ((Accountability في مختلف إدارات ومدارس مملكتنا الحبيبة، ويأتي ذلك في خضم تسارع العديد من الدول المتقدمة في ميدان وضع تشريعات وقوانين تحفظ لذوي الإعاقة حقوقهم، وتراعي طبيعة خصائصهم، خاصةً مع تعالي الصيحات والمطالبات العالمية، منذ وقت طويل، بضرورة الدمج الشامل لهم مع أقرانهم العاديين في الفصل الدراسي العادي، بما يتعدى مفهوم الدمج المكاني إلى بيئة الدمج الشامل التي يتلقون فيها نفس المنهج التعليمي الذي يتلقاه أقرانهم العاديون في نفس الصف. ومن الجهود في هذا السياق، والتي أصبحت شعلةً مضيئةً في المجال، القوانين والتشريعات الأميركية التي اتضحت جلية في "قانون تربية الأفراد ذوي الإعاقات المطور "المعروف بـ Individuals with Disabilities Education Improvement Act (IDEIA, 2011)، "وقانون عدم ترك أي طفل "المعروف بـ No Child Left Behind (NCLB,2001).
ومسايرةً لفكرة الدمج الشامل، كان من الضروري على صانعي القرار بالميدان البدء بتطبيق توجه وصول التلاميذ ذوي الإعاقة إلى منهج التعليم العام لأقصى درجة ممكنة. وهذا ما نتج عن بدء 6 مدارس نموذجية بمدينة الرياض بتجربة تطبيق هذا التوجه. ولكن، على سبيل المثال، قبل البدء في بناء فيلا، علينا التأكد من وجود جميع المستلزمات الضرورية لبنائها بشكل صحيح، من (قاعدة بناء، حديد، أسمنت، إلخ من الأمور المهمة)، وكذلك نحن في التربية الخاصة، نحتاج إلى وجود جميع الخدمات الأساسية لذوي الإعاقة في مختلف مناطق المملكة لبناء البرامج الفاعلة، ومن خلال توفير ذلك نستطيع البدء بتطبيق توجه الدمج الشامل في المدارس العادية. فمن غير المنطقي أن نبدأ بـ 6 مدارس بها نوع من الشمولية في الخدمات، ونغفل مئات البرامج التي لا يوجد بها خدمات شاملة لذوي الإعاقة، بل لا يوجد برامج تربوية تخدمها، فأين برامج الدمج المتعلقة بـالإعاقات المتعددة، والإعاقات الحسية المزدوجة (بصرية/سمعية)، واضطرابات التوحد؟ وفقاً للدليل التنظيمي للتربية الخاصة الصادر عام 1437هـ، فهل الأولى تعليم شامل أم خدمات شاملة؟ لذلك، واقع الدمج بالمملكة يحتاج الكثير من تضافر جهود الجميع من مختصين (المختصين فقط!!)، والعاملين بالميدان لكي يظهر بشكل فعّال في المدارس الحكومية. هذا لا يعني أن الدمج لدينا قد فشل كلياً، بل إنه مقبول -نسبياً- مقارنةً بالمجتمعات الأخرى العربية، ولكن نحتاج إلى إبراز المشكلات ووضع الحلول، وذلك للحصول على خدمات شاملة لذوي الإعاقة.
أخيراً وليس آخراً، نحن نشهد تقدماً لا بأس به في تقديم خدمات التربية الخاصة والمساندة، من خلال المدارس والمراكز الخاصة، وهذا يحقق جزءاً من الأمل والتفاؤل، ولكن نطمح بتوفير "خدمات شاملة" لذوي الإعاقة!!