رسائل الماجستير والدكتوراه في علم النفس بالجامعات السودانية في ربع قرن (1977 – 2003م) (دراسة توثيقية تحليلية) جامعتي أمدرمان الإسلامية وإفريقيا العالمية
د. صلاح الدين فرح عطا الله بخيت
أستاذ مساعد ورئيس قسم علم النفس، جامعة الإمام المهدي
د.فضل المولى عبد الرضي الشيخ
أستاذ مساعد ، قسم علم النفس ، كلية التربية، جامعة دنقلا
مجلة دراسات تربوية، 13، 77 – 113
ملخص الدراسة
هدفت الدراسة الحالية الى توثيق وتحليل رسائل الماجستير والدكتوراه التي أجريت في جامعتي أمدرمان الاسلامية وأفريقيا العالمية. تم حصر الرسائل التي أجريت في الجامعتين فكانت (104) رسالة ماجستير و(35) رسالة دكتوراه أجريت في جامعة أمدرمان الاسلامية في الفترة من (1985- 2003) ،وفي جامعة أفريقيا العالمية كانت هناك (49) رسالة ماجستير و(8) رسائل دكتوراه في الفترة (1995- 2003) ، كانت هذه الرسائل مجتمعة هي التي أجري عليها تحليل المحتوى للاجابة عن (13) سؤالا تمثل اجاباتها واقع البحث العلمي في مستوى رسائل الماجستير والدكتوراه في علم النفس بالجامعتين. تم تصميم نموذج لجمع المعلومات يتضمن (11) فئة وتم التحقق من صدقه عن طريق المحكمين ، وعن طريق الصدق الذاتي الذي بلغ (0.93) ، أما ثباته فقد حسب عن طريق نسبة اتفاق اثنين من المصححين وقد بلغ (0.88). بينما استخدم الباحثان النسب المئوية لتحليل بيانات الدراسة.
كشفت الدراسة عن عدة نتائج أهمها: أن معظم الرسائل أجريت في كليتي التربية بالجامعتين ، وكان التحصيل الدراسي هو الموضوع الاكثر تكرارا يليه التوافق النفسي والاجتماعي في جامعة أمدرمان الاسلامية ، بينما جاءت الاتجاهات في المرتبة الثانية في جامعة أفريقيا العالمية مما يشير الى ان غالبية الموضوعات انحصرت في علم النفس التربوي ، وكانت البحوث الوصفية هي السائدة في الجامعتين خاصة الارتباطية منها والمسحية ،وانعدمت بعض البحوث الوصفية (مثل:العلية المقارنة ، وتحليل المحتوى،ودراسة الحالة) ، كما كانت هناك ندرة في البحوث التجريبية ،وكانت عينات الدراسة متوسطة الحجم وتم اختيارها بالطريقة الطبقية العشوائية ،وكانت المدارس والجامعات هي البيئة المفضلة لاجراء الدراسات حيث كانت غالبية العينات طلابية، وتوصلت الدراسة الى ان هناك عدد من الرسائل في جامعة افريقيا العالمية أشرف عليها أساتذة غير متخصصين في علم النفس ، وكانت الباحثات الاناث هن الاكثر في الماجستير بينما كان الذكور هم الاكثر نيلا لدرجة الدكتوراه ، و معظم الدراسات قد أجريت في ولاية الخرطوم ، كما كان هناك عدد من الباحثين من جنسيات غير سودانية ،ولوحظ أن هناك زيادة مطردة في أعداد الرسائل منذ العام 1995م. وقد أظهرت الدراسة اتساقا مع الدراسات السابقة وخاصة تلك التي أجريت في السودان ،وتم مناقشة نتائج الدراسة ووضعت بعض التوصيات التي قد تساعد في تطوير هذا المجال مستقبلا.
المقدمــة
تشكل رسائل الماجستير والدكتوراه في علم النفس أحد مصدرين أساسيين للبحث السيكولوجي في العالم، فقد جرت العادة في الغرب وفي بعض الدول العربية أن تستل منها ما بين دراسة إلى أربع دراسات من الرسالة الواحدة وتنشر في دوريات سيكولوجية مرموقة (مختار عثمان الصديق، 1999؛ جاي، 2001؛ عمر هارون الخليفة، قيد النشر)، وفي بلد مثل السودان لا توجد فيه ميزانية مخصصة للبحث السيكولوجي من قبل أجهزة الدولة المختلفة – المخصص من الناتج القومي للبحث العلمي في السودان هو (0.003%) (محمد سلمان علي وآخرون، 2004؛ أحمد عبد الرازق البوني، 2004) ، وهي أقل نسبة يطلع عليها الباحث من بين مجموعة كبيرة من الدول، بينما الإنفاق على الجوانب العسكرية حجمه (36%) (عبد المنعم مصطفى الأمين، 2004) ، كما لا توجد ميزانية مخصصة للبحث في الجامعات، ولا توجد فيه مراكز بحثية متخصصة في علم النفس*، ويعاني من ندرة الدوريات العلمية المتخصصة، كما لم تحظى فيه الأبحاث في المجالات الإنسانية بالقدر من الاهتمام الذي نالته الأبحاث في المجالات التقنية والصناعية والزراعية (عبد الرحمن خوجلي المبارك، 2000)، كل ذلك يجعل لهذه الرسائل أهمية عظمى وقيمة كبيرة إن رشدت، حيث من الممكن توجيهها لدراسة مشكلات واقعية في مجتمعنا ودراسة قضايا علمية تطبيقية، إذ أن هذه الرسائل ممولة ذاتياً وبقليل من الجهد المشترك بين الطالب والمشرف تظهر لها فوائد متعددة علمياً ومجتمعياً وفي الوقت الراهن ربما تكون المخرج الأمثل لدراسة المشكلات الملحة والظواهر المختلفة في مجتمعنا، كما أنها من الممكن أن تسهم في تطور علم النفس الوطني الذي لا ينمو ولا يتطور إلا ببحوث محلية تعكس واقعنا وتدرس مشكلاتنا اليومية، خاصة وأنه قد تبلور اتجاه عام بأن العلم هو ممارسة اجتماعية متطورة تمارسها فئات اجتماعية متخصصة ومدربة وذلك تلبية لحاجات معينة (هشام غضيب، 1997)، وقد أكد على ذلك محمد محجوب هارون عندما دعى لإنتاج المعرفة ونقلها في سياق اجتماعي (مهيد محمد المتوكل، 2003)، أو هو ما أطلق عليه مصطفى سويف (2000) بناء وتشييد المدرسة الوطنية في العلم .
يرى موسى النبهان (1998) أن برامج الدراسات العليا المتوافرة في الجامعات هي إحدى المؤشرات الرئيسية للحكم على واقع البحث العلمي في أي بلد، كما يرى بأنها مصدر رئيسي للإسهام في التنمية البشرية، وأن انفصالها عن مشكلات المجتمع يقلل من دور الجامعات في خدمة المجتمع وحل مشكلات التنمية فيه (محمد عبد العليم مرسي، 1985)، أما وضحى السويدي (1994) خبيرة البحث العلمي فترى في الدراسات العليا حلاً لعدم التفرغ للبحث العلمي لأعضاء هيئة التدريس فبإشرافهم الجاد على طلاب الدراسات العليا يستطيعون تنفيذ الكثير من البحوث المتميزة، وقد أفاد محمد منير مرسي (1996) بأن بورج (Borg,1963) يرى بأن من أهم الأسباب الرئيسية للتقدم البطيء في التربية وعلم النفس هو عدم الاستفادة القصوى من بحوث الدراسات العليا، بينما يرى محمد عبد العليم مرسي (1984، 1985) وعبد الرحمن أحمد عثمان (1995) إن أكثر ما يقعد بحوث الدراسات العليا ويؤدي لتخلفها أن الكثير من الأساتذة يعدونها تمارين بحثية تهدف لتدريب الطلاب على البحث العلمي فحسب . ويؤكد الغالي أحرشاو (1992) أن مشكل البحث السيكولوجي في البلاد العربية هو عدم أصالته إذ أن من معايير توطين علم النفس هو عدد المؤلفات المنبئة بالخلق والابتكار، ولا شك أن رسائل الماجستير والدكتوراه المعدة بعناية تعد المنطلق الأساسي والبداية للمؤلفات المنبئة بالخلق والابتكار . ويقرر المجلس القومي للتعليم والبحث العلمي والتكنولوجيا (1986) في مصر أن مستويات هذه الرسائل تتوقف بالدرجة الأولى على كفاءة وقدرات القائمين عليها، ومن العوامل الكمية المؤثرة عليها أيضاً هو نسب أعضاء هيئة التدريس إلى الطلاب حيث تتميز جامعات الدول المتقدمة بارتفاع هذه النسبة حيث تتراوح ما بين (1: 6)، أضف إلى ذلك أن عدد كبير من الجامعات وبخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية يخصص عدداً من أعضاء هيئات التدريس للتفرغ للدراسات العليا، ويعفونهم من كثير من مهامهم التدريسية والإدارية، كما يتمتعون بمزايا خاصة لمزيد من التشجيع لهم .
ولعل ما أوردناه آنفاً يؤكد أهمية رسائل الماجستير والدكتوراه ،إذ أنها تساعد في تقدم العلم لأنها ليست تمارين بحثية فحسب إنما إنتاج علمي راقي يسهم في التراكم المعرفي العلمي للإنسانية، كما أنها تعد بداية حقيقية لباحثين قادمين يرجى منهم الخلق والابتكار، لأن الباحث يبدأ من حيث انتهى غيره من الباحثين فلذا يرجى منه أن يكون قد وعى الكثير من الفجوات المعرفية في أعمال من سبقوه، وبذا تزداد احتمالات الخلق والابتكار وذلك أن توفرت له الثقة في نفسه وقدراته وتحررت إرادته، فلذلك حرصت العديد من الدول والمجتمعات على تهيئة مختلف السبل والإمكانات التي تتيح لهذه الرسائل التميز والإبداع، كما حرصت على تقويم مسيرتها كل حين .
بدأت الدراسات العليا في السودان في منتصف الستينات، وأنشئت كلية الدراسات العليا في جامعة الخرطوم عام (1974) (عصام محمد عبد الماجد، 1998)، أما في مجال التربية وعلم النفس فقد بدأت في العام (1977) (محمد الحسن أحمد أبو شنب، 2002) وذلك عند إنشاء قسم للدراسات العليا بكلية التربية بجامعة الخرطوم، ويعتقد محمد الحسن أحمد أبو شنب (2002) أن هذا التاريخ هو بداية الميلاد الحقيقي للبحث التربوي النفسي بصورته المتعارف عليها عالمياً وإقليمياً، رغم أن هناك محاولات بحثية في السودان قد تعود للعام (1934) أي منذ تأسيس معهد بخت الرضا، ولعل هذا يؤكد أن الدراسات العليا تعد نقلة مهمة في تطور البحث النفسي والتربوي في السودان .
منذ العام (1977) وحتى العام (2002) كانت هناك سبعة جامعات سودانية تقدم برامج دراسات عليا في علم النفس هي : (1) جامعة الخرطوم في كلية التربية التي تمت فيها إجازة أول رسالة ماجستير في علم النفس عام (1980) وأول دكتوراه في علم النفس في العام (1989) وذلك بعد (111) عام من إجازة أول دكتوراه في الجامعات الأمريكية (محمد شحاتة ربيع، 1986)، أما في كلية الآداب وفي نفس الجامعة كانت إجازة أول رسالة ماجستير في العام (1986)، وأول دكتوراه في العام (1992) (صلاح الدين عطا الله وفضل المولى عبد الرضى الشيخ، 2003) . (2) جامعة أمدرمان الإسلامية التي أجيزت فيها أول رسالة ماجستير في العام (1985) في كلية التربية، أما في كلية الآداب فكانت إجازة أول رسالة ماجستير في عام (2002) . (3) جامعة أفريقيا العالمية وأجيزت فيها أول رسالة ماجستير في العام (1995) . (4) جامعة الجزيرة التي كانت إجازة أول رسالة ماجستير فيها في العام (1997) . (5) جامعة السودان التي أيضاً نوقشت فيها أول رسالة ماجستير في العام (1997) . (6) جامعة النيلين وأول رسالة ماجستير أجيزت فيها في العام (1999) . (7) جامعة جوبا التي بدأ التسجيل فيها لنيل الماجستير في علم النفس بكلية الآداب في العام (2001) .
لاحظ الباحث أن هذه البرامج توجد في ست كليات للتربية وثلاث كليات آداب وهناك ثلاثة معاهد متخصصة في الدراسات الإنسانية تناولت موضوعات نفسية وهي (مركز البحوث والترجمة، مركز دراسات الكوارث واللاجئين، مركز الدراسات الأفريقية) بجامعة أفريقيا العالمية، كما أن هذه البرامج في خمس جامعات بدأت بعد عام (1995) أي بعد (15) عام من البداية الحقيقية للدراسات العليا في علم النفس . كانت هذه بعض الملاحظات الأولية التي لمسها الباحث في بداية اهتمامه بهذا الموضوع مما شجعه لمحاولة استقصاء علمي لواقع الدراسات العليا في علم النفس ومدى إسهامها العلمي مما يشكل خطوة في مجال النقد السيكولوجي الذي بشر به عمر هارون الخليفة (2001)، ومحاولة محدودة لكتابة جزء من تاريخ علم النفس في السودان وذلك تمشياً مع توجيهات الغالي أحرشاو(1992) الذي وصى بأهمية كتابة تاريخ السيكولوجيا العربية، كما أنه يعد إسهام في بيبلوغرافيا الرسائل الجامعية الذي وصى به عبد الرحمن حسن العارف (1997)، أضف إلى ذلك أنه امتداد متواضع للمجهودات السودانية في توثيق الرسائل الجامعية والبحوث العلمية، مثل : لجنة يوسف فضل (1983)، مجهودات مركز قاسم عثمان نور، دار الوثائق القومية، مكتبة السودان وكلية الدراسات العليا بجامعة الخرطوم، ومشروع كلية التقانة لحصر الرسائل الجامعية (1997) (أنظر: عثمان مختار الصديق، 1999)، ولعل ذلك قد يكون خطوة في سبيل تصحيح مسيرة البحث العلمي في علم النفس، كما قد يتيح للمهتمين الإلمام بجوانب قد تكون خفية نوعاً ما في وعاء من أهم أوعية البحث العلمي .
*يقدم الباحثان تهنئتهما للبروفيسور الزبير بشير طه وزير العلوم والتقانة لإنشائه دائرة البحوث النفسية والتربوية بالوزارة الذي يعد أول مركز للبحث السيكولوجي بالسودان في العام 2002م .