بعض الاتجاهات الحديثة في تأهيل المعوقين
إن المتتبع للخدمات التأهيلية التي تقدم للمعوقين في السنوات الأخيرة مقارنة بما هو موجود في السنوات الماضية أو في الربع قرن الماضي، يجد أن هناك اختلافات كثيرة وواضحة، ففي السنوات الماضية مثلاً نجد أن التأهيل يتسم بالآتي:
1- الطريقة التقليدية التي يقوم عليها تأهيل المعوق- هذا إن وجدت لدى المجتمعات أو الدول- وعدم قيامها على أساس علمي ومدروس.
2- اقتصار التأهيل-إن وجد- على حالات إعاقة دون حالات أخرى، وعلى الأعمار المرتبطة بالعمل دون أعمار أخرى، وفي هذا استبعاد حالات إعاقة أشد حاجة للتأهيل من غيرها.
3- توجيه التأهيل لفئات معينة من الإعاقة القادرة على الاستفادة من التأهيل أما الفئات شديدة الإعاقة، فتكاد تكون مهملة.
4- اتسام عمل التأهيل بالفردية، والاجتهادات الشخصية، والتلقائية والعشوائية، وعدم التنسيق بين الجهود.
5- اعتماد التأهيل على جهود تطوعية غير منظمة ولايمكن استمرارها وبالتالي عدم ضمان نجاح التأهيل أو استمراره.
6- اكتفاء التأهيل بأي شخص يقوم به من دون الحرص على التخصص والخبرة.
7- إجراء التأهيل في أي مكان في المجتمع بغض النظر عن ملاءمته لعملية التأهيل من عدمه.
8- عادة مايبدأ بالتأهيل مع المعوق بعد حدوث الإعاقة وبعد تفاقمها وبعد أن تصل إلى مرحلة يصعب معها العلاج.
9- استخدام الوسائل والأدوات البدائية في التأهيل، ومن ذلك الطب الشعبي الذي يمارسه أشخاص جهلة غير مدربون.
كل هذا بالطبع كان نتيجة طبيعية للجهل في ذلك الوقت وعدم الوعي الكافي وقلة الإمكانيات العلمية والمادية.
أما واقع التأهيل في السنوات الأخيرة فمختلف تماماً، خاصة مع تلك الدول التي تتمتع بإمكانيات علمية ومادية تؤهلها للقيام بممارسة التأهيل بشكل متطور ومذهل.
بل الأكثر من ذلك، أن أحد مقاييس التقدم للدول في السنوات الأخيرة هو مدى ماتقدمه تلك الدول لمعوقيها من خدمات تأهيلية شاملة ومميزة وتخدم أكبر نطاق جغرافي ممكن لتلك الخدمات التأهيلية في متناول كل معوق بغض النظر عن مكان سكنه أو نوع إعاقته.
وفيما يلي نورد بعضاً من تلك الاتجاهات الحديثة في تأهيل المعوقين والتي توضح لنا الفرق الكبير بين ماكان عليه التأهيل في السنوات الماضية وبين ماهو عليه الآن. وأحب أن أشير أن عرضنا لبعض الاتجاهات الحديثة لايعني انها مرتبة حسب أهميتها من مجتمع لآخر لاعتبارات عديدة.
أولاً:الاتجاه الأول: الاهتمام بالجانب الوقائي من العجز كعنصر مكمل للتأهيل: Focusing on Preventive Aspect of the Disability As a Complementary Element of the Rehabilitation:
إن كثيراً من الإعاقات التي يصاب بها الإنسان وبالذات في السنوات الأخيرة تكون إصابات بسبب التقنية الحديثة والتصنيع الناجمة إما عن سوء الاستخدام كحالات البتر من الأجهزة الصناعية، أو سوء استخدام الأدوية، أو السرعة كحوادث السيارات وحوادث العمل، أو تلك الأمراض الاجتماعية النفسية الشديدة الناجمة عن التوترات والقلق المصاحب للمدنية الحديثة، والأمراض التي يصاب بها الإنسان بعد الأربعين من عمره كالسرطان والجلوكوما، وأمراض الأوعية الدموية وبعض الأمراض النفسية والعقلية وأمراض الشيخوخة، ومايترتب عليها من إعاقات متعددة. وكذلك الأمراض الوراثية التي قد تكون ناتجة من زواج الأقارب مثلاً.
وكثير من تلك الإعاقات الناجمة عن التصنيع، وسوء استخدام المواد التقنية المختلفة، وحوادث السرعة والعمل وغيرها، بالإمكان تلافيها أو تقليلها إلى حد كبير جداً، وذلك عن طريق الوقاية المتمثلة في الوعي الاجتماعي، وضرورة أخذ جوانب الحذر من البداية بكافة الوسائل والطرق، منذ المراحل العمرية الأولى للإنسان ومنذ أن يكون جنيناً في بطن أمه.
مستويات الوقاية:
1- الوقاية في المستوى الأول:
يمكن أن تحد الوقاية إلى حد ما من بعض جوانب القصور باستخدام الأساليب كما يوضح ذلك الشكل رقم (4)
2- الوقاية في المستوى الثاني:
وهي الوقاية من حدوث العجز Disability، فهي تتم عندما يظهر القصور Impairment ويمكن أن تتم هذه الوقاية من خلال ثلاثة أساليب هي:
1) القدرة على التعرف على جوانب القصور التي قد تؤدي إلى أنواع معينة من العجز.
2) الاهتمام المناسب بجوانب القصور في المرحلة الحادة لتفادي حدوث العجز.
3) الاهتمام المناسب بجوانب القصور في المرحلة المزمنة أو القصور المستمر، وذلك لتجنب الآثار المتمثلة في العجز.
3- الوقاية في المستوى الثالث:
عندما ينشأ العجز فإنه ينبغي إعداد الوسائل التي تمنع حدوث الإعاقة. ويمكن تصنيف هذه الوسائل إلى طبية واجتماعية ومهنية وتعليمية.. الخ وهذا التصنيف ينبغي ألا يكون عقبة في سبيل التنسيق الكلي لهذه الخدمات، سواء في التخطيط أو إعداد الأولويات واستخدام القوى البشرية. وبجانب العلاج الطبي المنتظم لتأجيل حدوث الإعاقة لأطول وقت ممكن، والتي قد تنشأ عن حالة العجز الطويل، فإن أساليب الوقاية في المستوى الثالث تشتمل على:
1) التدريب على زيادة الاستقلالية في الرعاية الذاتية.
2) الأساليب التعليمية والمهنية التي تهدف إلى تحقيق الاستقلال الاقتصادي.
3) الأساليب الاجتماعية لضمان الإدماج الكامل والقبول في المجتمع.