المراهقة كلمة تحمل
في ثناياها الكثير من المعاني والدلالات فهي أهم كلمة يسطّرها توالي الأيام في
قاموس حياتنا ،هي رحلة الانتقال من الطفولة نحو الشبابِ المفعمِ بالثورة والهدوءِ
والاندفاع ، هي مرحلةُ البناء والتكوين فيها تبنى شخصية الإنسان حجراً حجر على
أساسٍ تحفره الأسرةُ ويكمله المجتمع ، هي بحرٌ تتدافعُ فيه الجوارح والأفكار مداً
وجذراً ليس فيها من ثبات ، هي بوابة نحو النضوج بوابة نحو المصير عَبَرها و
سيعبُرها كلُّ كائنٍ خلقه الله على صفة إنسان
المراهقة ليست كلمة تقال وحسب لأنها لا تقل أهمية عن مرحلة الطفولة
الماضية ولا عن مرحلة الشباب القادم هي مخاضٌ جديد يعاني فيه الإنسان من اختلافاتٍ
جسدية واضطراباتٍ نفسية تُسهم جميعها في ولادتنا من جديد فهي (مرحلة ولادة أخرى) صديقي تعالَ معي قليلاً لنسترجِعَ شريط
الذاكرة ونتذكر معاً كيف كنا مراهقين ساذجين حيناً ومتهورين أحياناً أخرى فأنا وأنت
كشاب أو كشابة مررنا بتلك المرحلة وتجاوزناها بكل ما فيها فكانت النتيجة هي ما نحن
عليه الآن وربما غداً وبعد غد ولكن السؤال هل نحن راضين عما حدث فيها من تقلبات
غيرتنا وتغيرات شغلتنا عن نجاحات وانهزامات أسهمت جميعها بشكل أو بآخر في تحديد
مسيرة حياتنا وتكوّن هويتنا وعلاقتنا بالعالم من حولنا استَرجِع خيالك وصورتك الآن
وأنت في الرابعة أو في الخامسة عشر من عمرك وقل لي( ما هو شعورك
حيال نفسك ؟! ) هل ستضحك من تصرفاتك أم ستسخر من مواقفك تجاه نفسك وتجاه
أهلك وأقرانك أم ستطلق تنهدات الراحة والرضا لما وجدت فيها من أشياء كانت سببا في
نجاحك اليوم ؟؟!! يراودني سؤالٌ فضوليٌ وهام كنتُ أردّدُه بيني وبين نفسي كلّما مرّ
أمامي أحد المراهقين الذين كنت أرى فيهم حماسي وتهوري وطيشي واحتجاجي عندما كنت في
مثل أعمارهم وهو هل يا ترى ستختلف مراهقتي إذا كنت من ذوي الاحتياجات الخاصة عنها
إن كنت سليمة الأعضاء فكان الجواب الذي يفرضه علي المنطق والعلم هو أن المراهقة في
حيثيتها لا تختلف أبدا بين شخص سليم وأخر غير ذلك فالمراهقة هي المراهقة لا تعرف
بفروق جسدية ولا عقلية فهي واحدة بين جميع البشر ولكن قد تسهم سلبا أو ايجابيا على
نفسية المراهق وذلك حسب علاقاته الأسرية وبيئته الاجتماعية فإما إن تكون مراهقته
طبيعية وإما أن تكون معقدة وغامضة .
صور من دفاتر ذوي
الاحتياجات الخاصة :
لنتعرف أكثر من هذا الموضوع الهام حاولنا أن
نرصد بعض الأحداث الهامة التي مرت في حياة بعض الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة
ونسلط الضوء على فترة مراهقتهم لنرى كيف كانت تلك المرحلة بالنسبة إليهم فكانت
البداية مع :
( سهام )
طالبة جامعية تبلغ من العمر واحد وعشرين عاما ، أول كلمة نطقت بها سهام ( إعاقة )
وتابعت : كنت لا أعرف ماذا تعني إعاقة حتى تولّى المجتمع مهمة إخباري بذلك فكان ذلك
بشتى الطرق ليصل إلى نتيجة واحدة هي ( أنت فتاة معاقة ) كنتُ أحقد على العالم وأكره
نفسي وألوم والدي على إنجابي لأنه كان في تصوري حينها أنهم هم سبب تعاستي ، كنت
أخجل من إعاقتي وأخافُ الخروج من المنزل لأني أخاف نظرات الجيران والناس التي
يملؤها الإشفاق على حالي ، كنت أتمنى أن أكون مثل رفيقاتي ألهو وألعب وأضحك وأحب
فالحب في ذلك العمر هو أنقى أنواع الحب ولكن للأسف لم أستطع ،،، فكلما تحركت مشاعري
أنظر إلى قدمي ومرت الأيام وتجاوزت كل ذلك فالإعاقة لم تثنيني عن دراستي بل كانت
دافعا قويا لأحسن من نفسي وها أنذا في الجامعة والحمد لله مع أنّ في الطريق تتمّتٌ
بعد.
أما وقفتنا الثانية فكانت مع ( أحمد ) موظف يبلغ من
العمر ثلاثة وعشرين عاماً : بدأ أحمد حديثه قائلا إني لاأذكرالكثير عن مراهقتي
لكنني أذكر منها فقط ما كان مصدر ألمي ونجاحي معاً ، بداية لم أكن أشعر بأي نقص
تجاه أي شيء أو أي شخص ولكن هو موقفٌ صغير قلبَ موازيين حياتي فكان كهزّة أرضية
قلبت كياني واجتاحت معها ثقتي بنفسي واحترامي لمن حولي حين أخرجني مدرب الرياضة من
فريق كرة القدم حين كنت في الإعدادية حينها فقط صرت أفكر بقدمي وصرت أقضي معظم
أوقاتي خارج المنزل ، بالنسبة لعواطفي أو لنقل بالنسبة للحب فكما هو معروف فكل
الشباب في ذلك العمر تنمو لديهم بذور الحب إلا أنا فلم أحب حينها لأني كنت أحتقر كل
الفتيات لأنهم كانوا لاينظرن إلى شيء سوى قدمي منذ تلك الأيام قررت أن أرسم طريق
حياتي وكي أعيد ما سلبته عيون الناس مني شفقة كانت أم سخرية فدرست لأجل هذا الهدف
ونجحت في الثانوية وقررت العمل بدل الدخول للجامعة لان المال هو الحل الكفيل
والكافي بكم الأفواه وتحويل الأبصار حينها سيتحدث الناس عما معي من المال وسينظرون
لما حققته من نجاح
.
أما ( فاديه ) وهي طالبة جامعية تبلغ من العمر واحد
وعشرين عاما فقد رفضت بداية الحديث عن هذا الموضوع أو أن تتذكر أي شيء له علاقة
بفترة مراهقتها ولكن بعد محاولات عدة استطعنا أن نتعرف على أحداث مراهقتها فقالت :
كنت كأي فتاة عادية لا شيء مختلف أبدا فالاختلاف هو ما أضافته أسرتي أولا والمجتمع
ثانيا ،،اهتمام أهلي الزائد بي كان يشعرني بالغضب فقد كنت غالبا ما أترجمه على أنه
شفقه أكثر من كونه حب ،، لقد حققوا لي كل ما أريد ولكنهم لم يمنحوني يوماً
المُعاملة التي أريد لقد كنت ولا زلت أكره الشفقة من أي شخص كانت حتى لو كانت من
أقرب الناس إلي بل حتى أني كنت أقطع صلتي بكل من يبدي لي ذلك ،، كنت أحيانا أتمنى
لو أني لم أولد فكرت مرات عدة بالانتحار ولكن بفضل كرم الله لم يحصل ذلك،، لقد
أحببت أنذالك كأي فتاة ولكن للأسف صدمت حين وقعت ضحية سخرية زملائي والتي كانت
تعتمد على الأسلوب الغير مباشر فحذفت منذ تلك اللحظة كلمة حب من قاموس حياتي ووجهت
كل اهتمامي نحو الدراسة لأنها هي التي تجعل المرء في هذه الحياة مهما كان وضعه
وشكله .
ووقفتنا الأخيرة هي
مع ( عصام ) البالغ من العمر خمسة وعشرين عاما فقد كان مختلفا تماما عن سابقيه فقد
كانت الإعاقة محور حياته فلم يستطع أن يفكر سوى بقدميه المسمرتين وبكرسيه المتحرك
في الحقيقة لم نستطع أن نتحدث إليه بشكل مباشر ولكن استطعنا من خلال أحد أفراد
أسرته أن نتعرف إلى بعض تفاصيل حياته من المراهقة إلى الآن فقد كان عصام خجولا
وانطوائيا يحب الوحدة والعزلة لم يكن لديه أصدقاء ،،، يقضي معظم أوقاته أو ربما
كلها أمام جهاز الكمبيوتر وعلى حد تعبيره أن إعاقته كانت سببا في اكتشافه العالم
الرقمي فهو المجتمع الذي احتواه حين نبذه كل من حوله ،،والى يبقى عصام حَبيسَ
المنزل و كرسيه و جهازه و قد صاغَ من اعاقتهِ قيوداً وسلاسل كبّل بها قدمَيه و
يدَيه وروحه فمنعها أن تُحلّق في السماء وحَكمَ على طائرِه أن يبقى حبيسَ القفص و
الوقت ...
الآن وبعد أن تعرفنا سوية
على تفاصيل هؤلاء الأشخاص والذين بالفعل يستحقون منا كل الحب والرعاية والتي
تطالبنا مشاعرهم الرقيقة المزيد من الدقة في التعامل والإحساس بالمسؤولية تجاه كل
ما يصدر منا من أفعال وأقوال نجد أنفسنا جاهلين أمام أحاسيسهم وطرق تفكيرهم لكن هذا
الأمر لا يعني أن نقف مكتوفي الأيدي وأن نقول أن الذي حصل قد حصل أبدا ،،، بل علينا
أن نحاول جميعنا وأن نتساعد للوصول إلى بعض الطرق السليمة في كيفية تعاملنا مع هذا
الشخص الذي تملأه المشاعر بالإضافة إلى الطرق الأخرى المعروفة في كيفية التعامل مع
المراهق بشكل عام ومن هذه الطرق :
1- التعامل معه بشكل طبيعي جدا
وعدم إشعاره بعجزه
2- عدم الاهتمام
الزائد الذي يثير في نفسه الشكوك حول هذا الاهتمام والذي غالبا ما يترجمه إلى
شفقه
3- منحه الثقة بنفسه وبقدراته
وإمكانيته وبأنه فرد مهم في أسرته وبين
أصدقائه
4- تنمية قدراته ومواهبه بشكل
يُحقق له التوافق والانسجام مع من حوله
5-
عدم قمعه ومنحه فرصة التعبير عن نفسه
6-
الحفاظ على راحته النفسية كي لا يلجأ إلى العزلة
والانطواء
7- تشجيعه أن يعبر عن حاجاته
وألا يعمد إلى تخبئتها
8- عدم تسفيه
آراءه وأفكاره أو التقليل من شأنه فقد يؤدي ذلك إلى إضعاف شخصيته أو يؤدي إلى
كراهيته من حوله وعدائهم
9- بناء جسر من الصداقة بينه وبين والديه
وأخواته
10- إشعاره بالمسؤولية وبأنه في موقع يمكن الاعتماد
عليه بدل إحساسه أنه تحت مسؤولية أحدهم أو مُنسق مُهمّش على رصيف
الحياة.