بعض أبعاد الصحة النفسية لطلاب كلية التربية
وعلاقتها باتجاهاتهم نحو ذوي التخلف العقلي
دكتـــور
محمد محمد السيد عبد الرحيم
أستاذ التربية الخاصة المشارك
ورئيس قسم التربية الخاصة
كلية التربية والآداب-جامعة تبوك
بيانات النشر
المؤتمر الرابع عشر لمركز الإرشاد النفسي، جامعة عين شمس، 2007.
تعد دراسة الاتجاهات نحو ذوي الإعاقة بشكل عام بؤرة الاهتمام في مجال إعادة تأهيلهم، سواء على مستوى رصد المتغيرات التي تسهم في تكوين تلك الاتجاهات أم على مستوى التدخل لتغيير أو تعديل الاتجاهات السالبة نحوهم، حيث تميل ردود أفعال البعض نحو ذوي الإعاقة إلى السلبية والتجنب والتعصب. وتميل الصورة الكاريكاتورية للأشخاص ذوي الإعاقة نحو كونهم لا حول لهم ولا قوة، ومعتمدين على الآخرين، وتلك الصورة السلبية المرتبطة بالإعاقة هي نتيجة لثقافة سائدة، حيث يتعلم الفرد مبكراً من القصص والروايات والمسرحيات والدراما (والأمثلة على ذلك كثيرة) إن الجسم الجميل الخالي من العيوب يرمز للجودة والصلاح، وإن الإعاقة ترمز للشر، أو على أقل تقدير ترمز للسخرية، وإن المعاق الشرير يكون دائماً خارج نطاق الجاذبية الشخصية.
وترتبط الاتجاهات السلبية نحو ذوي الإعاقة بفكرة الوصم stigmatization والذي يعد –في جوهره- تحد لإنسانية الفرد سواء أكان موصوماً stigmatized أم واصماً stigmatizer. فالشخص الموصوم هو شخص هويته الاجتماعية أو انتمائه لفئة اجتماعية ما تدعو إلى التساؤل عن كامل تمتعه بإنسانيته؛ حيث يكون هذا الشخص قليل القيمة، أو معيب في عيون آخرين". ومن منظور الواصم فإن الوصم يتضمن تجريد من الصفات الإنسانية، وتهديد، وبغض شديد، وأحياناً تجريد الآخرين من شخصياتهم ووضعها في قوالب نمطية كاريكاتيرية. ولذلك فإن الوصم يمثل خسارة على المستوى الشخصي، وعلى مستوى العلاقات بين الأشخاص، وعلى المستوى الاجتماعي.
وفي ضوء أن الاتجاهات السلبية نحو المعاقين تمثل شكلاً من أشكال الوصم والقولبة النمطية، وأن وصم المعاقين وتنميطهم يظهر لدى البعض ولا يظهر لدى البعض الآخر. ونظراَ لأن وظيفة عملية الوصم غير محسومة، فقد تؤدى إلى تقدير الواصم لذاته، وزيادة تحكمه في الآخرين وتخفيف حدة القلق لديه، أو قد تؤدي إلى استثارة مشاعر القلق، والتهديد، والتجنب الاجتماعي، وجميعها مشاعر قد تؤثر في مدى تمتع الشخص بالصحة النفسية، يحاول البحث الحالي رصد العلاقة بين بعض أبعاد الصحة النفسية لدى طلاب كلية التربية واتجاهاتهم نحو ذوي التخلف العقلي، كما يحاول تحديد أبعاد للصحة النفسية تؤدي دورها كمحددات للاتجاه نحو ذوي التخلف العقلي.
فروض البحث:
1-توجد علاقة ارتباطية دالة وموجبة بيندرجاتأبعاد مقياس الصحة النفسية للشباب (الشعور بالكفاءة والثقة بالنفس، المقدرة على التفاعل الاجتماعي، النضج الانفعالي والمقدرة على ضبط النفس، المقدرة على توظيف الطاقات والإمكانات في أعمال مشبعة، التحرر من الأعراض العصابية، البعد الإنساني والقيمي، تقبل الذات وأوجه القصور العضوية) والدرجة الكلية للمقياس، وبين درجات أبعاد الاتجاه نحو ذوي التخلف العقلي (خصائصهم، ورعايتهم، والتفاعل معهم) والدرجة الكلية للمقياس.
2- توجد فروق دالة إحصائياً بين متوسطات درجات كل من المرتفعين والمنخفضين في أبعاد الصحة النفسية والدرجة الكلية للصحة النفسية، في كل من الاتجاه نحو خصائص ذوي التخلف العقلي، والاتجاه نحو رعايتهم، والاتجاه نحو التفاعل معهم، والدرجة الكلية للاتجاه نحوهم.
عينة البحث:
تكونت عينة البحث من 289 طالباً وطالبةً من طلاب كلية التربية من الجنسين (136 ذكراً، 153 أنثى)، ومن الشعبتين العلمية والأدبية (245 أدبي، 44 علمي)، تراوحت أعمارهم بين 17 و 21 عاماً، بمتوسط أعمار قدره 18.6، وانحرافمعياري قدره 0.74.
أدوات البحث:
أولاً: مقياس الاتجاه نحو ذوي التخلف العقلي (إعداد الباحث).
ثانياً: مقياس الصحة النفسية للشباب: إعداد عبد المطلب القريطي، وعبد العزيز الشخص، تقنين الباحث.
النتائج:
- أن البعد السابع من أبعاد الصحة النفسية، والذي يقيس تقبل الفرد لذاته كما هي على حقيقتها ورضاؤه عنها، وعدم النفور أو الخجل مما تنطوي من معوقات جسمية، هو البعد الوحيد المرتبط ارتباطاً دالاً موجباً بجميع أبعاد مقياس الاتجاه نحو ذوي التخلف العقلي، وبالدرجة الكلية للمقياس.
- أن الصحة النفسية (الدرجة الكلية للمقياس) قد ارتبطت ارتباطاً دالاً وموجباً بالبعد الثالث من أبعاد مقياس الاتجاه نحو ذوي التخلف العقلي، وهو البعد الذي يقيس الاتجاه نحو التفاعل معهم، كما ارتبطت ارتباطاً دالاً وموجباً –أيضاَ- بالاتجاه نحو ذوي التخلف العقلي (الدرجة الكلية للمقياس).
- أن من يتمتعون بصحة نفسية مرتفعة، خاصة المتحررين من الأعراض العصابية، والملتزمين بالقيم الإنسانية، والمتقبلين لذواتهم ولأوجه القصور العضوية، كانت اتجاهاتهم نحو ذوي التخلف العقلي أكثر إيجابية مقارنة بالمنخفضين في هذه الخصائص.
التوصيات:
أولاً: نظراً لأن النتائج التي توصل إليها البحث محدودة بالعينة وبالأدوات التي تم استخدامها، فإن التوصية في هذا الإطار هي مزيد من البحوث في مجال الكشف عن أبعاد الصحة النفسية التي يمكن أن تعد محددات للاتجاهات نحو فئةذوي التخلف العقلي، وغيرهم من فئات الإعاقة الأخرى. وكذلك دراسة العلاقة بين التوافق النفسي والاجتماعي والاتجاه نحو فئات من ذوي الإعاقة.
ثانياً: ضرورة الأخذ في الاعتبار أن الصحة النفسية تلعب دوراً في الاتجاه نحو المعاقين، بحيث يراعى ذلك عند اختيار من يعملون مع ذوي التخلف العقلي بشكل خاص، ومع غيرهم من فئات الإعاقة بشكل عام، وذلك بتطبيق بعض مقاييس الصحة النفسية، بالإضافة إلى تطبيق مقاييس الاتجاه نحو المعاقين.
ثالثاً: يراعى عند إعداد البرامج التي تهدف إلى تغيير أو تعديل الاتجاهات السلبية نحو المعاقين، أن يؤخذ في الاعتبار متغير الصحة النفسية بمكوناته المختلفة، مع التركيز على تلك المكونات أو الأبعاد ذات العلاقة بالاتجاهات الإيجابية نحو المعاقين وهي: التحرر من الأعراض العصابية، البعد الإنساني والقيمي، تقبل الذات وأوجه القصور العضوية.