عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 09-04-2010, 05:12 AM
الصورة الرمزية الصحفي الطائر
الصحفي الطائر الصحفي الطائر غير متواجد حالياً
عضو ذهبي
 
تاريخ التسجيل: Mar 2008
المشاركات: 3,060
افتراضي قضية أطفال التوحد.. قصة كفاح ونجاح

 

قضية أطفال التوحد.. قصة كفاح ونجاح

ياسر بن محمود الفهد
بادئ ذي بدء - أتقدم بالشكر الجزيل لكل من ساهم في إنجاح قضية اضطراب التوحد في المملكة العربية السعودية، وأتطرق في هذه الأسطر إلى قضية اضطراب التوحد والدور الفاعل لأولياء الأمور، وتكاتف مؤسسات المجتمع، وتبني الدولة القضايا ذات النفع الذي يعود على المواطن بالخير من حيث تقديم الخدمات وتوفير سبل الراحة والدعم له، فقضية مثل قضية أطفال التوحد كانت الأسرع في التبني من قبل الدولة وذلك نظراً لمعاناة الأسر المريرة. ولمن لا يعرف اضطراب التوحد أقول إن التوحد هو أحد الاضطرابات النمائية المعقدة التي تصيب الأطفال وتعيق تواصلهم الاجتماعي واللفظي وغير اللفظي واللعب التخيلي الإبداعي ويكون ذلك خلال السنوات الثلاث الأولى حيث تظهر أعراض الاضطراب واضحة خلال الثلاثين شهراً ويبدأ الطفل في تطوير سلوكيات شاذة وأنماط متكررة ويبدأ في الانطواء على الذات، ومنذ أن اكتشف الطبيب الأمريكي ليو كانر اضطراب التوحد في عام 1943م، وحتى الآن ما زال العلماء يبحثون عن السبب الرئيسي وراء إصابة الأطفال بالتوحد فمنهم من يبحث في الجينات ومنهم من يبحث في المخ والآخر يبحث عن الجهاز الهضمي وآخرون يدرسون البيئة والتلوث الحادث خلال العقود الماضية ومدى تأثيرها على الجهاز العصبي المركزي في المخ... (وبالإشارة إلى حالات التوحد في المملكة العربية السعودية نجد أن حالات التوحد يقدر عدد حالات التوحد في السعودية حوالي 30,000 حالة - إحصائية غير رسمية - وفق نسبة شيوع التوحد العالمية التالية 4-5 حالات توحد كلاسيكي 10,000 مولود 14-19 حالة توحد ذي كفاءة أعلى لكل 10,000 مولود) (الجمعية الوطنية للتوحد 1993).

البداية
فإذا نظرنا إلى الوراء القريب لوجدنا بأن البدايات كانت متواضعة، في عام 1993 حيث أنشأت الجمعية الفيصلية النسوية بجدة أول فصل للأطفال التوحديين ضم أربع حالات توحد وعملت الجمعية الفيصلية على تدريب وتأهيل خمس معلمات للتعامل مع الأطفال التوحديين وكان ذلك بالتعاون مع د. سميرة السعد (والدة طفلة توحدية) من دولة الكويت وحالياً الدكتورة سميرة السعد هي مؤسسة ومديرة مركز الكويت للتوحد.
وبعد معرفة المواطنين بهذه الخدمات المتواضعة رأت الأميرة فهدة بنت سعود بن عبدالعزيز (رئيسة مجلس إدارة الجمعية الفيصلية الخيرية النسوية بجدة) أن إنشاء مركز خيري للتوحد في جدة يعتبر أمراً حيوياً حيث تم تأسيس (مركز جدة للتوحد) كأول مركز للتوحد في المنطقة الغربية بالمملكة يقدم الخدمات الأكاديمية والتأهيلية والعلاج الوظيفي والعلاج الطبيعي لأطفال التوحد. وبعد ذلك الحدث استضافت الجمعية الفيصلية عدداً من الخبراء في مجال التوحد أمثال الدكتور جاري ميسيبوف (مدير برنامج تيتش) عامي 1993م و1994م، وذلك لتوعية الأسر والمتخصصين.

فترة ركود
إلا أنه سادت فترة من الركود بعد ذلك حتى عام 1999 وبعد فترة الركود كان لا بد من صحوة حيث تتركز خدمات مركز جدة للتوحد في المنطقة الغربية فقط ودون خدمات ايوائية وبات هناك العديد من الحالات دون تقديم أدنى الخدمات.
ياسر الفهد (والد طفل توحدي) كان يبحث في الرياض عن مكان يقدم الخدمات التأهيلية والتعليمية لابنه التوحدي بعد أن تم تشخيص حالته في مستشفى الملك فيصل التخصصي عام 1993م ولكن دون جدوى فقد طرق كل السبل في سبيل الحصول على خدمة لابنه مشعل التوحدي، حيث لا يوجد مكان له في مراكز التربية الخاصة وذلك كونه توحدياً أو كون التوحد إعاقة حديثة على التربية الخاصة آنذاك في المملكة فكلما ذهب بابنه إلى مركز لم يقبله فلا وجود لكوادر مؤهلة للتعامل مع التوحديين ولا خدمات تذكر سوى في المنطقة الغربية بالمملكة أما باقي المناطق فلا توجد خدمات الأمر الذي يشكل عبئاً على الأسرة فعلى الأسرة اتخاذ القرار اما النقل إلى المنطقة التي تتوفر فيها الخدمات واما الاستسلام والبقاء دون خدمات!! فتقدم ياسر الفهد خطوة نحو الأمام وخاطب أصحاب المعالي الوزراء: وزير العمل، وزير المعارف، وزير الصحة مع اعطاء صورة من المخاطبات للمقام السامي كان ذلك في عام 1999م، وشرح ياسر الفهد معاناته ومعاناة العديد من الأسر التي لا حول لها ولا قوة سوى ارسال أبنائهم التوحديين إلى الخارج لتلقي الخدمات المناسبة ان استطاعوا مع تحمل التكاليف الباهظة لتغطية المصاريف، وحرصاً من أصحاب المعالي الوزراء على متابعة قضية أطفال التوحد فقد تم لقاء ياسر الفهد مع معالي وزير التربية والتعليم د. محمد بن أحمد الرشيد، ومعالي وزير العمل والشؤون الاجتماعية، د. علي بن إبراهيم النملة، ووكيل وزارة الصحة د. الحواسي.

الدور الإعلامي للقضية
بعد ذلك انطلقت الحملة الإعلامية عام 1999م الإعلامية وكان لياسر الفهد (والد طفل توحدي) دور بارز حيث اقنع جميع الصحف وبعض المجلات المحلية بتبني قضية أطفال التوحد الأمر الذي أدى إلى تفعيل هذه القضية الحيوية وكان أول من تبنى القضية إعلامياً تعاطفاً مع ياسر الفهد هو الإعلامي المميز الأستاذ عبدالوهاب الفايز، حيث فاجأ المجتمع بسلسلة مقالات عن التوحد في جريدة «الرياض» بدأها بمقال عنوانه: أطفال التوحد.. من يعرف قضيتهم!! ثم نسق ياسر الفهد والأستاذ عبدالوهاب الفايز ندوتين (ندوة الثلاثاء) في جريدة «الرياض» استضيف خلالهما عدد من الأطباء والدكاترة والتربويين وأولياء الأمور، وتبنى الأستاذ خالد المالك (رئيس تحرير جريدة الجزيرة) بعد لقائه مع ياسر الفهد (والد طفل توحدي) قضية أطفال التوحد وأعطاها المساحة الكافية المميزة في الجريدة إيماناً منه في دعم القضايا الهامة والهادفة، وتبعتها الصحف المحلية وبدأ التفاعل من بعض الكتاب البارزين بدعم القضية على سبيل المثال: الكاتب الدكتور عبدالعزيز الجار الله حيث كتب مقالاً في جريدة «الرياض» بعنوان (ياسر التوحدي والرواد الخمسة)، تبعه الكاتب الدكتور فهد سعود اليحيى بمقال في جريدة الجزيرة بعنوان (لماذا يتصرف ياسر هكذا؟) تبعه الدكتور فهد المغلوث بعدة مقالات في جريدة «الرياض» تحت عنوان (نعم.. لماذا التوحد؟؟) و(ماذا بعد أن أرحل؟؟) و(تكريم الإبداع)، وكتب أخصائي الطب النفسي الاكلينيكي بمستشفى الملك خالد للحرس الوطني بجدة مقالاً في جريدة عكاظ تحت عنوان (والد طفل توحدي.. طبيب بلا شهادة!!) وغيرهم من الكتاب البارزين في الصحف المحلية الأخرى، وكتب الأستاذ خالد السهيل مدير التحرير في جريدة الاقتصادية بعد ذلك تحقيقاً عن التوحد بدأته في صفحتها الأولى ثم جريدة المدينة وجريدة البلاد.. وهناك العديد من المقالات والتحقيقات التي لا تحصى.

دعم فريق الرواد
ومن جهة أخرى تم تكوين فريق اطلق عليه اسم الرواد وتألف من: الأميرة سميرة بنت عبدالله الفيصل، الأميرة الجوهرة بنت فيصل بن تركي، الأستاذة نهلة العساف - محاضرة في جامعة الملك سعود - قسم التربية الخاصة، وياسر محمود الفهد - والد طفل توحدي.
شكل الفريق قوة ضغط ودعم للتوحد حيث تم وضع خطة مستقبلية وتصورات لخدمات وأمنيات الأسر التوحدية في المملكة فكانت محاضر الاجتماعات قد تضمنت إنشاء نواة للتوحد مدروسة بطريقة علمية حيث أثمرت عن تلك الجهود ولادة مركز والدة الأمير فيصل بن فهد للتوحد بالرياض عام 1999م، وقد تكفلت الأميرة الجوهرة بنت فيصل بن تركي بالدعم المادي والإداري للمركز الذي قدم الخدمات الأكاديمية والتأهيلية والتعليمية والعلاجية والتوجيه الأسري للمصابين التوحديين وأسرهم، وشكل إنشاء هذا المركز ضغطاً من نوع آخر وذلك بعقد الندوات والمؤتمرات العلمية وتشكيل ودعم اللجان الخاصة بالتوحد.
وفي الرياض دعم الأمير تركي بن ناصر بن عبدالعزيز التوحديين وذويهم وذلك بإنشاء أكاديمية التربية الخاصة وهي أكاديمية تربوية متخصصة تتعامل مع التوحديين وكان مقرها قصر سموه الذي تبرع به لهذا الهدف النبيل وأدار الأكاديمية الدكتور عبدالله الحمدان بينما كان الدكتور طارش الشمري (جامعة الملك سعود) مستشاراً لها، حيث قدمت الخدمات للتوحديين أسرهم فعلياً عام 1999م.
ومما لا شك فيه أن دعم الدولة لأي قضية هو أساس نجاحها حيث تبنى مجلس الوزراء والتوحد قضية التوحد بعد الحملة الإعلامية ومطالبة أولياء الأمور الدولة بتوفير الخدمات لهذه الفئة التي لا حول لها ولا قوة، الأمر الذي تمخض منه تشكيل لجنة وزارية لدراسة التوحد برئاسة وزارة الصحة بالمرسوم الملكي 7/880 سنة 1419ه، وقد شكل أيضاً صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن فهد بن عبدالعزيز وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء لجنة أخرى لدراسة ولتقييم حجم الخدمات للتوحديين برئاسة وزارة العمل والشؤون الاجتماعية.

الخدمات المقدمة للتوحديين
وتتمثل الخدمات الحالية للتوحد في الخدمات التشخيصية وهي ما تقوم به (المستشفيات، العيادات، عيادات الصحة النفسية التابعة لوزارة الصحة)، أما الخدمات التعليمية والتأهيلية فتقدمها المراكز مثل (مركز جدة للتوحد التابع للجمعية الفيصلية النسوية، وأكاديمية التربية الخاصة بالرياض، ومركز والدة الأمير فيصل بن فهد للتوحد، والأمانة العامة للتربية الخاصة، قدمت برنامج التدخل المبكر والبرامج الملحقة بمعاهد التربية الفكرية التابع لوزارة المعارف (التعليم الموازي) في مختلف مناطق المملكة.

إنشاء قاعدة معلومات
وكان لا بد من أن يكون للتوحد قاعدة معلومات إحصائية وذلك لتقدير الخدمات المستقبلية للتوحديين في المملكة العربية السعودية حيث نشرت صحيفة «الرياض» مقالاً بعنوان (أطفال التوحد.. قاعدة معلومات من يتبناها) عام 1999م وقد طرح هذا الاقتراح من قبل ياسر الفهد وتبنى كتابته مدير التحرير بجريدة «الرياض» سابقاً الأستاذ عبدالوهاب الفايز.
وقد تبنت الجمعية السعودية الخيرية للتوحد استمارة قاعدة المعلومات الإحصائية وما زال النجاح مستمراً.
هكذا اخوتي واخواتي بدأت قضية أطفال التوحد حتى باتت مثالاً للنجاح في المجتمع السعودي فبدأت بجهود فردية وسرعان ما دعمت الدولة تلك الجهود، بالإضافة إلى مؤسسات الدولة والمجتمع.. ألا تستحق أن تكون قصة نجاح.

 

__________________
رد مع اقتباس