\"موقف\" التراث من الطفولة :
وكذلك لابد أن نسجل بأنه وعلى الرغم من أن الطفولة كشف علمي حديث، ظهرت نتيجة العوامل التي أشرنا إليها ونتيجة دراسات علمية (بيولوجية ونفسية واجتماعية) . فإننا نجد في تراثنا مواقف إيجابية نحو الطفل والطفولة ، فقد نظر العلماء المسلمون على سبيل المثال ، إلى الطفل نظرة إيجابية وعميقة ، كما طالبوا بمعاملته معاملة حسنة رشيدة تشخصت في جملة من الأساليب العملية التي عاملته بفطرة سليمة وخبرة قويمة تستند إلى أفكار إنسانية مشرقة ، استمدوها من نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ومن تجارب الحياة اليومية ، لذلك فإن المتطلع إلى تراثنا – في هذا الجانب – يجد فيه من الغنى ما قد يشكل نظرية قائمة الذات ، بإمكانها المساهمة بفعالية في تطوير واقعنا التربوي والتعليمي في اتجاه تحقيق المثل العليا وتأكيد أصالتنا الحضارية في ذات الوقت والعمل على التقدم و التفتح على المستقبل .
والسؤال الآن هو كيف يمكن للمربي أن يتعامل مع الماضي ؟
فإذا كان لا أحد يشك في أن ماضينا مليء بالمفاخر وأننا بشهادة الجميع ساهمنا في بناء الحضارة الإنسانية المعاصرة وقدمنا رسالة فكرية وعلمية وروحية جد هامة , فأن السؤال يكون هل من الضروري أن ينقل المربي للطفل هذه الصورة الايجابية عن ماضيه ثم كيف ؟ أي كيف يمكنه أن يفسر هذه الحلقة المفقودة في تاريخه , خاصة إذا كان هذا الطفل يفتح عينيه بانبهار شديد على الثقافات الأخرى ؟ . ثم لماذا؟ وهل سيكون بذلك قادراً على ترسيخ إحساسه بالهوية وإكسابه أكبر قدر من الثقة في النفس كشرط من شروط الفعالية والخلق .
حضور التراث في البرامج التعليمية :
لعل أهم ما ينبغي أن ننبه إليه في محاولتنا الاجابة عن السؤال السابق ، ضرورة استقراء مدى حضور التراث في البرامج التعليمية العربية بشكل عام .
.إننا عندما نتساءل كيف يمكن أن نوظف التراث في تربية الطفل المسلم ؟ فإنه قد يتبادر إلى الذهن بأن التراث غائب وغير موظف في نشاطنا التربوي. والحقيقة أن التراث موجود وحاضر باستمرار في حياتنا اليومية وفي ممارساتنا التربوية وكذا في مناهجنا التعليمية ، لذلك فإن السؤال سيصير عن طبيعة الإجراءات المتخذة لجعل التراث يحظى بالعناية اللازمة في تربية الأطفال . وعن مدى نجاعة الطرائق المتبعة لتجذير الطفل في حضارته الإسلامية في نفس الآن وانخراطه في بناء صرح الحضارة الإنسانية .
هذا وما لاحظناه عند تحليل عينة ممثلة من مناهج الدول العربية هو الإلحاح على تكوين تلميذ :
- متفتح على العالم وعلى حضارات الشعوب الأخرى وعلى الإنسانية جمعاء، ميال إلى التعاون والتعايش والتسامح. له من الطلاقة في اللغات الأجنبية مثل الإنجليزية والفرنسية ما يمكنه من ذلك، وهو إلى جانب أصالته وحفاظه على تراث بلاده وعلى ما في تقاليدها من محاسن، فإنه متطلع نحو التغيير ومواكبة مستجدات العصر ومواكبة التطور العلمي والتكنولوجي ، متهيئ للمستقبل بكل ملكاته وجوارحه.( محمد الدريج ، 2004).
فبرجوعنا إلى التوجيهات الرسمية الصادرة عن وزارة التربية الوطنية بالمملكة المغربية ، على سبيل المثال، ندرك مدى الإلحاح حول تأصيل الطفل المغربي في التراث الإسلامي و تجذيره واندماجه في حضارته العريقة . ففي معرض استعراضها للأهداف العامة من مرحلة التعليم الأساسي على سبيل المثال ،تذكر \" وثيقة عمل لإصلاح النظام التعليمي \"،والتي أعدتها الوزارة سنة 1985 بأن التعليم الأساسي يعمل على تحقيق الأهداف التالية:
1- تثبيت العقيدة الإسلامية المبنية على الكتاب والسنة وغرس القيم الروحية في الناشئة عن طريق العقل والحواس والوجدان ، حرصاً على التشبث بفضائل الإسلام وأحكامه ، لتكون الموجه للسلوك الذاتي للفرد ولعلاقته بغيره .
2- تعريف المتعلم بتراث أجداده وأمجاد بلاده ،حتى ينشأ محباً لوطنه ، مخلصاً له ، مساهماً في خدمته وتقدمه متمسكاً بمقدساته .
هذا ولا بأس أن نشير إلى أن هذه الوثيقة تحدد ، وفي موازاة مع تلك الأهداف ، التي تؤكد التوجه الأصيل للنظام التعليمي في المغرب ، عدداً من الأهداف التي تسعى إلى إكساب المتعلم القدرة على التواصل مع العالم الخارجي أخذاً وعطاء ، بفكر متفتح سموح ، وعقل واع متوقد ، وإذكاء فضوله العلمي وحفزه على البحث والتنقيب . وعلى جعل المتعلم عنصراً للتطور والنماء، قادراً على استيعاب الظواهر العلمية والتكنولوجية وغيرها وإدراك نسبتها وتكييفها ، بهدف مسايرة ركب التقدم في جميع المجالات ثم المساهمة فيه عن طريق الخلق و الإبداع (4) .
خلاصة و مقترحات لتوظيف أمثل للتراث
إن التنشئة هي الوسيلة الأساس التي تكون شخصية الطفل. إذ عن طريقها يستطيع الطفل أن يتمثل قيم مجتمعه والحفاظ عليها وإذا كانت الأسرة و المدرسة المؤسستان التربويتان الأوليتان في تطبيع الطفل وتنشئته فإن دور المربين أباء كانوا أو معلمين ، هو دور أساسي وخطير في اكتساب الطفل قيماً أساسية وأصيلة ، تجعله يتشبث بدينه الحنيف وبلغته الوطنية وبماضيه التاريخي ، الذي يستمد منه العبرة والفائدة ، للحفاظ على هويته وخصوصيته الثقافية . فالتربية اليوم عملية واعية تتخذها مختلف الأمم والشعوب لبناء كيانها وتحديد هويتها . وشعوبنا الإسلامية والعربية مطالبة اليوم – وهي في إطار تحدي ومواجهة لمختلف التيارات التي تسعى إلى المس بشخصيتها – أن تعمل على ربط العمل التربوي بالمستوى المنشود من العناية بثقافتنا وتراثنا الحضاري وتقديمه بشكل ممنهج وملائم حتى يستفيد منه الطفل ويعمق خبرته وينمي جسمه ووعيه بالانتماء الديني والقومي والوطني.
إن ثقافة الطفل لا تكون ثقافة ايجابية و بناءة ما لم تعمل على تكوين المواطن الصالح ذي الشخصية المتكاملة، القادر على استيعاب الخبرات الإنسانية العامة وتحديد انتمائه التاريخي و المجتمعي للشعور بهويته ، ولكي يتم ذلك لابد من أن تسعى الأهداف التربوية المسطرة في المناهج الدراسية ، إلى رفع درجة الوعي لدى المتعلمين وتنمية نشاطهم الذاتي و إكسابهم اتجاهات إيجابية نحو ذواتهم ونحو ماضيهم المجتمعي وتاريخهم الحضاري .
إن على التربية أن تتوفق في جعل الطفل يعي قيمة تراثه ويقدره ، باعتبار هذا التراث يشكل حلقة من حلقات تطور الإنسانية ، وأن تكسب الطفل حساً نقدياً قادراً على تمثل ما هو إيجابي وبناء من التراث ، حتى يستنير به في حاضره ويهتدي به في المستقبل ، كما أن على التربية أن تكسب الطفل كيف يحترم تراث الآخرين و تجاربهم ومعارفهم ، فالخبرات الإنسانية تتكامل لتشكل إطاراً عاماً للإنسان.
إن تعاون الأسرة والمدرسة والتنسيق بينهما وبين وسائل الإعلام ، هو أمر في غاية الأهمية ، حتى تشكل هذه الوسائط التربوية والتعليمية إطاراً موحداً يستقي منه الطفل سلوكاً يغرس في نفسيته تقدير التراث ومحبته والحفاظ عليه .
إن القدوة والممارسات الفعلية والسليمة من خلال الخبرات اليومية داخل الأسرة أو في المدرسة أو في الحياة المجتمعية العامة ، والتي تعتمد استيحاء الثراء كفضاء حي ومتطور، لهي أفضل معلم يعلم الطفل أسلوب التشبث بتراثه وتاريخه الغني و الزاخر و يبصره بإنسانيته وكينونته الممتدة في التاريخ .
* * *
وفي الأخير، نخلص إلى بعض المقترحات العملية ، التي يمكن أن تشكل أرضية لصياغة بعض التوصيات الخاصة بهذا الموضوع . مادامت التربية هي الوسيلة الأساسية في تكوين شخصية الطفل ومادامت التنشئة الاجتماعية من أهم الأدوات في رقي الثقافة عموماً وثقافة الطفل على وجه الخصوص ، فلابد في اعتقادنا من أن نعمل بأكبر قدر من الوضوح والعقلانية على جعل الطفل يعي قيمة تراثه ويقدره باعتباره يشكل حلقة من حلقات التطور الإنساني، وأن يكتسب في الوقت ذاته، حسا نقديا قادرا على تمثل ما هو إيجابي وبناء في التراث ، وذلك :
- بمراعاة المناهج التربوية وكذا أساليب تأليف وعرض الثقافة الموجهة للأطفال , للأصول المستمدة من تاريخنا وتراثنا الحضاري.
- بتنسيق الجهود بين الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام باعتبارها وسائل تربوية تثقيفية , حتى تشكل إطاراً منسجماً يوجه الطفل نحو الاعتزاز بتراثه والعمل على إغنائه مستقبلا.
- إنتاج نماذج ووسائل تعليمية تساعد المربي في توضيح مفاهيم التراث، وتضمين الكتب المدرسية نصوصاً من التراث يتم انتقاؤها وتوظيفها بمراعاة الحقائق العلمية الحديثة.
-إدراج حصص حول التراث في برامج تكوين المدرسين والمنشطين و المؤطرين التربويين بشكل عام .
-قيام الجامعات والمعاهد العليا بالدراسات والبحوث حول التراث وحول ثقافة الطفل لتيسير الحقائق حول إمكانيات الدمج والتوظيف .
-عقد ندوات وأيام دراسية حول ثقافة الطفل بمختلف أشكالها وحول مدى ما ينبغي أن يمثله التراث فيها .
-دعوة المبدعين من الكتاب والفنانين سواء في مجال القصة أو المسرح أو الرسوم المتحركة أو الأناشيد وغيرها , لدراسة أفضل لأساليب تعليم التراث وتوظيفه التوظيف السليم في إبداعاتهم .
-إقامة معارض ومتاحف للتراث في مختلف مجالات الحياة ودراسة إمكانية توظيفها في تربية الأطفال وتثقيفهم من خلال البرامج المؤسسية المنظمة أو في إطار الأنشطة الموازية.
المراجع
- أركون محمد :أعمال ندوة \"التراث وتحديات العصر في الوطن العربي\". تنظيم مركز دراسات الوحدة العربية ، الطبعة الأولى، بيروت 1985ص14 .
- الجابري محمد عابد :\" التراث والحداثة \" ، المركز الثقافي العربي ، بيروت ، 1991.
- الجابري محمد عابد:\" العقل الأخلاقي العربي ، المركز الثقافي العربي ، بيروت ، 2001 الطبعة 2.
محمد الدريج ، 2004).
هاني العمد \" في التراث الشعبي و إشكالية تصنيفه\" ندوة التخطيط لجمع وتصنيف ودراسة الأدب الشعبي
- أحمد إحدوثن :\" الخطاب التربوي بالمغرب \"، سلسلة المعرفة للجميع ، العدد28، يناير 2003 الرباط.
- عبد الهادي بوطالب
الايسيسكو) عن كلمته في افتتاح أشغال \"ندوة الطفل والتراث\" ، بكلية علوم التربية ، الرباط ،أيام 23 – 26 نوفمبر 1989 .
- الطيب الشكيلي: (وزير التربية الوطنية سابقا)، عن كلمته في افتتاح أشغال ندوة \"الطفل والتراث\" ، كلية علوم التربية ، أيام 23 – 26 نوفمبر 1989 .
- شقرون محمد : في أعمال ندوة \"ثقافة الطفل\"، تنظيم مجلة الدراسات النفسية والتربوية بكلية علوم التربية ، العدد الثامن سبتمبر 1988 .
- موزة عبيد غباش ( أستاذة علم الاجتماع بجامعة الإمارات ورئيسة جماعة الدراسات الشعبية ):
المعرفة للجميع الرباط : 15/7/2009
سلسلة شهرية ( مهرجان القراءة )
بلاغ صحفي
بسم الله الرحمن الرحيم
تنظم أسرة تحرير سلسلة المعرفة للجميع ، بالتعاون مع مديرية الكتاب والخزانات والمحفوظات بوزارة الثقافة ، مهرجانا وطنيا للقراءة ، خلال الفترة من 24 إلى غاية 31 ديسمبر 2009 بالرباط وبعض المدن المغربية، تحت شعار:
\" القراءة للجميع، قراءة للتنمية\"
ضمن فعاليات (برنامج القراءة للجميع ) الذي نحن بصدد انجازه ، والذي يهدف إلى تنمية الميول والاتجاهات الايجابية نحو القراءة والتوعية بأهميتها في حياة الفرد والجماعة ، وتشجيع الآباء و الأمهات و عموم المربين والمربيات على الاهتمام بغرس حب القراءة في النفوس.
وغير خاف ما لهذا الموضوع من أهمية قصوى ، ذلك أن القراءة أحد أهم مكونات النهوض والرقي الاقتصادي والاجتماعي ، والتي تعمل على نشر المعرفة وتنمية الفكر والثقافة بين كافة قطاعات المجتمع والمساهمة بالتالي في التنمية البشرية.
إننا نؤمن بأن مضاعفة إنجازات المغرب السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، تتوقف علي محو أمية الجميع، وارتفاع مستوى التعليم والتثقيف، والاهتمام بالكتاب وإدماج فعل القراءة ومحبة الكتاب وتيسير تداوله داخل المدرسة وخارجها، في التربية النظامية وغير النظامية...
وسيتضمن برنامج المهرجان ندوة وطنية حول موضوع \"القراءة للجميع قراءة للتنمية\" ، كما سيتضمن محاضرات و قراءات ودورات تدريبية ومسابقات وجوائز وتوزيع الكتب وسهرات فنية... و التي سيعلن عن برنامجها التفصيلي في حينه .
و معرض \"الكتاب المخفض \"، حيث سيعرض ويوقع المؤلفون ودور النشر والهيآت و الجمعيات والمنظمات الدولية ... منشوراتهم ( كتب ، مجلات ...) القديمة و الحديثة ، بأثمان جد مناسبة، تشجيعا لاقتنائها من مختلف الشرائح .
د. محمد الدريج