يعد مفهوم مركز التحكم من المفاهيم الحديثة نسبياً في الدراسات النفسية ويعد من الأبعاد الهامة لقياس الفروق الفردية في شخصية الأطفال والراشدين ولهذا انكب على دراسته والاهتمام به السيكولوجيون في الآونة الأخيرة. ( عبد الرحيم ، 1985)
ولقد قدم روتر (Rotter, 1966) هذا المفهوم في محاولة منه لتعريف توقع الفرد العام للعلاقة بين جهوده ونتيجة هذه الجهود ، ويشير هذا المفهوم إلى الدرجة التي يتقبل بها الفرد مسؤولياته الشخصية عما يحدث له مقابل أن ينسب ذلك إلى قوى تقع خارج سيطرته . ولقد أشار ( روتر) إلى إن الأفراد ذوي التوجهات الداخلية
(Intemal arists) يتقدون أن الأشياء السيئة أو الحسنة التي تحدث معهم هي نتيجة مباشرة لسلوكهم وأيده بذلك ليفكورت (lefcourt) بينما لا يعتقد الأشخاص ذوو التوجهات الخارجية (External arists) أن لديهم مثل هذه السيطرة إذ يعتقدون أن ما يحدث لهم يعود إلى الحظ أو الصدفة أو القدر كما أشار فيرز (Pharse) إلى أن مركز التحكم يلعب دوراً هاماً فضلاً عن متغيرات أخرى في إكساب الفرد المعلومات مثل قيمة الحاجة المطلوب إشباعها وتوقعات النجاح وطبيعة الموقف وتوقعات حل المشكلة (سالم وعواد ، 1994).
ويرى روهنر (Rohner) (1985) أن مركز التحكم الداخلي يرتبط بالاعتقاد أن الفرد لديه قدرة السيطرة على الأحداث والأفعال الخاصة بحياته الشخصية بينما يشير مركز التحكم الخارجي إلى أن الفرد ليست لديه القدرة على السيطرة على الأحداث أو الأفعال
الخاصة بحياته الشخصية. (Pettersen , 1987) ورأى موريس Morris (1982) أن مركز التحكم يعتمد على كيفية تأثير التدعيمات في السلوك حيث يرى ذوي التحكم الداخلي أنفسهم سادة على أقدارهم ، أما ذوو التحكم الخارجي فيميلون إلى أن يؤكدوا على عوامل الصدفة والقدر.(Morris, 1982) وقد قام وينر Weiner (1972) بتحليل مظاهر أبعاد التحكم الداخلي/ الخارجي وأشار إلى أن هناك أربعة عوامل يمكن أن تؤثر في نتائج الموقف وهي :
(1) قدرة الفرد.
(2) المجهود الذي يبذله الشخص.
(3) صعوبة الموقف.
(4) الحظ والصدفة.
ويختلف الأفراد في تقرير أهمية كل من هذه العوامل وقد وجد أن الأشخاص ذوي التحكم الداخلي المرتفع لا يتأخرون في صنع القرار ولديهم ذاكرة أفضل بالنسبة لأنواع مختلفة من المعلومات ولديهم القدرة الأكثر على نسيان تجارب الإخفاق ويقاومون تأثير الآخرين على سلوكهم ويوجهون المحاولات نحو السيطرة على البيئة ولديهم الجرأة وحب المغامرة بشكل واضح وأنهم غير راضين عن مقدار ما لديهم من معلومات وينشدون الأفضل وأداؤهم الأكاديمي مرتفع ومن ناحية أخرى نجد الأداء الأكاديمي للأشخاص ذوي التحكم الخارجي المرتفع ضعيف ولديهم مشكلات في التكيف الاجتماعي (موسى ، 1991).
وفي بعض الدراسات توصل الباحثون إلى أن ذوي التحكم الخارجي يظهرون مفهوماً ذاتياً منخفضاً ويرتفع لديهم مستوى العدوانية والجمود وضعف الثقة بالنفس ويتميزون بالسمات العصابية والذهانية واضطرابات الشخصية وضعف الدافعية.
(Morgan, 1986)
ومن ناحية أخرى فإن بحوث فلاندر وزملائه أكدت أن نقصان الاتجاة الموجب نحو المدرسة والمعلمين لا يرتبط بذكاء التلاميذ أو الوضغ الاقتصادي أو الاجتماعي أو الدرجات المدرسية وإنما يرجع هذا في جوهره إلى بعد الشخصية الذي يسميه مركز التحكم الداخلي في مقابل التحكم الخارجي وخاصة ما يتصل منه بالنجاح أو الفشل في المدرسة.(أبو حطب ، 1984)
مركز التحكم وصعوبات التعلم
لقد أظهرت عدة دراسات بأن الأطفال ذوي صعوبات التعلم يرجعون فشلهم إلى أسباب خارجة عن إرادتهم إما ما يتعلق بالنجاح فقد وجد هلاهان وآخرون Hallahan et .al (1978) بأن الطلاب ذوي الصعوبات يرجعون النجاح بدرجة أقل إلى العوامل الشخصية والداخلية من الأطفال العاديين كما أنهم أيضاً يميلون إلى إرجاع نجاحهم إلى سهولة المهمة وإلى عوامل خارجية بدلاً من القدرة الشخصية كذلك فإن الطفل الذي يؤمن بأنه لا يملك القدرة على التحكم بالأحداث ونتائجها قد يظهر نموذجاً سلوكياً أطلق عليه سلجمان Sligman (1975) اليأس من التعلم ومن خصائص هذا النموذج أن يكون لدى الطفل توقع ضعيف لتحقيق النجاح ، يعتقد الطفل أن الوقت الذي يقضيه في تعلم المهارات غير كاف ويميل إلى الاعتقاد بأن فشله ناتج عن العجز في الجوانب الشخصية لديه وأن النجاح راجع إلى أحداث خارجية لا يتحكم فيها.
حين ينجح الأطفال أو يفشلون بشكل متكرر في أداء مهمة خاصة ، فإنهم يحاولون تفسير أسباب نجاحهم أو فشلهم بالادعاء إن معتقدات الأطفال حول ما يتسبب في نجاحهم أو فشلهم قد يعزى إلى أسباب تنشأ من داخل الطفل ( أسباب داخلية ) أو إلى أسباب تنشأ من البيئة ( أسباب خارجية ) فالتغيرات التي تتناول أسباب النجاح أو الفشل قد نكون ثابتة وغير قابلة للتغير والتبديل مثل الذكاء أو المعرفة أو الشخصية والاتجاهات التي تؤثر في الأداء أو صعوبة المهمة وقد تتصف بعض العوامل التي تسهم في تحقيق النجاح أو الفشل بعدم الثبات أو القابلية للتغيير والتبديل مثل الجهد أو الحظ وأن المعتقدات حول أسباب النجاح أو الفشل يبدو أنها تؤثر في أداء الأطفال المستقبلي ، فإذا اعتقد الطفل بأن فشله قد نتج عن عوامل شخصية داخلية لا يمكن أن تتغير عندئذ سوف يتوقع الطفل الفشل ثانية وأوضحت النتائج أن التلاميذ ذوي صعوبات التعلم كان تحكمهم خارجياً وإن ذوي التحكم الداخلي منهم كان لديهم اتجاه قوي نحو التحصيل. ( كيرك و كالفنت،1988)
تقدير الذات
لقد احتل "مفهوم الذات" منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى وقتنا الحالي أهمية خاصة في دراسات الشخصية بل أنه غدا حجر الزاوية في الكثير منها ، بعد أن أكدت البحوث والدراسات العلمية والتجريبية إن لمعتقداتنا عن ذاتنا كل التأثير على سلوكنا وتوافقنا الشخصي والاجتماعي (أبو زيد، 1987) .
لقد استخدم مفهوم الذات من قبل العلماء كمفهوم افتراضي شامل يتضمن جميع الأفكار والمشاعر عند الفرد والتي تعبر عن خصائص جسمية ، وعقلية ، وشخصية وتشمل معتقداته ، قيمه ، وخبراته ، وطموحاته وقد تعددت التعريفات التي تعرضت لمفهوم الذات ، ولعل أقدمها تعريف "وليم جيمس" (W. James) والذي ذكر فيه أن الذات هي جميع ما يمتلكه الإنسان أو يستطيع أن يقول أنه له : سماته ، وقدراته ، وممتلكاته المادية ، وأسرته ، وأصدقاؤه (Corsin & Auerbach, 1996)
كما عرفه كولي بأنه تقييم الفرد لذاته ، أو فكرته عن ذاته التي تشكل نواة نظام القيم التي يحملها عن نفسه لتكون أساساً تبنى عليه حياته. أما ستيك Stake فقد أشار إليه باعتباره المجال الذي يبين صفات الذات الإنسانية التي تنطوي على معان تقيميه أو قيميه أما مفهوم الذات لدى روجرز فهو ذلك الكل التصويري المنظم والمتناسب المتكون من ادراكات الفرد لخصائص ذاته وعلاقته مع الآخرين والمظاهر المختلفة للحياة مع القيم المرتبطة بهذه الادراكات وهو المسؤول عن إحداث القلق لدى الفرد.
(Stake, 1994)
وبشكل عام فإن أي تعريف للذات يتضمن الأبعاد الثلاثة الآتية :
1ـ الذات المثالية : وهي الذات التي ترغب أن نكون عليها فعلاً.
2ـ الذات الواقعية : وهي الذات كما هي في الواقع.
3ـ الذات المنعكسة : وهي الذات كما يعكسها الآخرون لنا.
(corsin & Auerbach, 1996)
أما مفهوم تقدير الذات (Self – Esteem) فهو من العناصر الأساسية في مفهوم الذات حيث يمثل الكيفية التي ينظر فيها الفرد لنفسه. وهناك تمييز في الأدب النفسي بين مفهوم الذات (Self – Concept) وبين تقدير الذات (Self Esteem)
فمفهوم الذات هو الصورة الكلية للفرد بما في ذلك قدراته ومهاراته وصفاته المكتسبة من تجاربه الشخصية ويتضمن ثلاثة جوانب رئيسية هي :
1ـ الجانب الاجتماعي : يتضمن تفاعل الفرد مع الآخرين.
2ـ الجانب العقلي : يتضمن القدرات الأكاديمية والمعرفية.
3ـ الجانب الجسدي : ويتضمن الخصائص الجسدية العامة. ولا يتضمن مفهوم الذات أية أحكام عاطفية.
أما تقدير الذات (Self – Esteem) فهو يتضمن الطريقة التي من خلالها يقيم الفرد الجوانب المختلفة التي يشملها مفهوم الذات (Self – Concept) فتقدير الذات كما عرفه "كوبر سميث" هو تقييم يضعه الفرد لنفسه وبنفسه ويعمل على المحافظة عليه ويتضمن تقدير الذات وهو حكم الفرد نحو نفسه وهكذا يكون تقدير الذات بمثابة خبرة ذاتية ينقلها الفرد إلى الآخرين باستخدام الأساليب التعبيرية المختلفة.(Roy, 1994) فنحن عندما نستخدم مفهوم تقدير الذات يعني أننا نقوم بتقييم أنفسنا من خلال استخدام مصطلحات نصف بها أداءنا في النشاطات المختلفة والمعيار الذي نستخدمه لتقييم ذواتنا هو مقارنة الأداء الحالي مع الأداء السابق ومقارنة أدائنا بأداء الآخرين المحيطين بنا وبالتالي فإن هذا التقييم هو الذي يحرك مشاعرنا تجاه الأداء الذي نقوم به فإن كان الأداء قوياً شعرنا بمزاج جيد تجاه أنفسنا (تقدير ذات مرتفع) بينما إذا كان الأداء ضعيفاً شعرنا بمزاج سيء تجاه أنفسنا (تقدير ذات منخفض) وعموماً فإن كلما زاد الفرق بين المعيار الموضوع للأداء وبين الأداء الفعلي ضعف تقديرنا لذواتنا وكذلك فإن عدم الانسجام بين الذات المثالية والذات الواقعية يؤدي بالضرورة إلى انخفاض تقدير الذات كما تلعب الأحكام المعرفية لخبراتنا من حيث النجاح والفشل عنصراً حاسماً في تقديرنا لذواتنا فتقدير الذات يجمع بين الأحكام المعرفية لخبراتنا وبين مشاعرنا تجاه هذه الخبرات وبالتالي فإن العلاقة بين تقدير الذات وبين السلوك علاقة تفاعل متبادل فالكيفية التي يدرك بها الفرد ذاته ويقيمها تؤثر سلباً أو إيجاباً على الطريقة التي يسلك بها ، بالمقابل فإن سلوكه المبني على خبرات النجاح أو الفشل يؤثر في الكيفية التي يدرك فيه الفرد نفسه ويقيمها. (Michael, 1984) ومن هنا كان حكم الفرد على نفسه أو تقديره لذاته يلعب دوراً مهماً في توجيه السلوك وتحديده فالأشخاص الذين ينظرون لأنفسهم على أنهم أشخاص غير مرغوب فيهم يميلون إلى القيام بسلوك يتناسب مع هذه النظرة والأشخاص الذين يملكون مفاهيم إيجابية عن الذات يتمكنون من التوافق الاجتماعي ويميلون لأن يصفوا أنفسهم دائماً بصفات إيجابية بينما ترتبط المفاهيم السلبية عن الذات بسوء التوافق. (Roy , 1984)
ومن الجدير ذكره أن البحوث قد أوضحت أن مركز التحكموالاستقرار العاطفي ومهارات التعبير عن الأفكار والتفاعلات الأسرية الإيجابية هي أمور ذات صلة بتقدير الذات. (Omizo et .Al,1985)