عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 07-27-2012, 08:49 PM
الصورة الرمزية معلم متقاعد
معلم متقاعد معلم متقاعد غير متواجد حالياً
عضو ذهبي
 
تاريخ التسجيل: Mar 2008
المشاركات: 1,190
افتراضي

 

الامتحانات المدرسية – لمحة تاريخية:
تعود نشأة الامتحانات التقليدية إلى زمن قديم ما قبل ميلاد المسيح عليه السلام (في الصين وفي أثينا و اسبرطة) حسبما يذكره إبراهيم (1984 :632) و لازالت تستخدم حتى الوقت الحاضر. ويؤكد عبد العزيز ( 1977 : 389 ) بأن نظام الامتحانات قديم وقد عرفته الصين و أول ممتحن كان صينيا. وما نظام الامتحانات الحالي إلا امتداد للنظام الصيني القديم أثناء اعتلاء (أسرة تانج) العرش حوالي سنة 617 قبل الميلاد.
كان نظام الامتحانات هو الظاهرة الأساسية في التربية الصينية ,وذلك لان هذه الامتحانات لا تمثل القوة المسيطرة على التربية فحسب بل أنها أيضا تدعم الوسائل التي تقوم على صيانة الكيان الحكومي والاجتماعي ,وهذه الامتحانات مضافا إليها تعاليم ((الديانة الكونفوشية )) هي أهم القوى المؤثرة في المجتمع الصيني, بل تعد من وسائل السيطرة على الطبقة المتعلمة ثم على الحكومة.على أن المجهود المدرسي لا يتجه إلى تحقيق حاجات المجتمع أو استثناء ما تتطلبه الوظائف الحكومية أو المهام الرسمية, و لكنه يرمي إلى هدف واحد هو النجاح في الامتحانات, و كانت مكافآت الطلبة الناجحين تتيح لهذا النظام الفرصة للتأثير العظيم في التربية كما أن عظيم الصلة بين الامتحان وبين الوظائف الحكومية يشرح لنا كيف أن هذا النظام كان مسيطرا على حياة المجتمع و يفصل عبد الدائم (1973 :34, 35) طريقة إجراء الامتحانات في نظام الامتحانات الصينية فهي تقسم ثلاثة أقسام :
.1امتحانات الدرجة الأولى: وتجري مرة كل ثلاثة أعوام. ويطلب من المتعلم فيها أن ينشىء ثلاث رسائل في موضوعات مختارة من كتاب(كونفوشيوس).ويوضع في حجرة خاصة منفصلا عن غيره حيث يمكث 24 ساعة و هو يجهد عقله في كتابة الموضوعات.و نسبة النجاح في هذه الامتحانات ضئيلة جدا لا تتجاوز 4 %.
.2امتحانات الدرجة الثانية: و تقام بعد مضي أربعة أشهر على امتحانات الدرجة الأولى, وتجري مرة كل ثلاثة أعوام أيضا. وتدوم ثلاثة أيام وتشبه في أسلوبها و نهجها الامتحانات الأولية سوى أنها أعم منها و أكثر صعوبة. ونسبة النجاح فيها ضئيلة أيضا لا تتجاوز 1%.
.3امتحانات الدرجة الثالثة: وتقام في العاصمة و تدوم ثلاثة عشر يوما, ونسبة النجاح فيها أكبر منها في الامتحانات السابقة. تقتصر على تعريف العبارات, وشرحها والدفاع عن الرسائل في الجامعات, وظلت الامتحانات شفوية ردحا كبيرا من الزمن في إيطاليا, وفي فرنسا, أما الامتحانات التحريرية فيرجع تاريخها في ((جامعة كمبردج)) إلى سنة 1800 م, ومنها انتشرت إلى ((جامعة أكسفورد )) بإنجلترا, ومن أوائل الامتحانات التحريرية بأمريكا امتحان بوستر سنة 1845 م.
و قد عرفت بريطانيا الامتحانات منذ القرن الثامن عشر الميلادي. ولكن بشكل أقل ما يقال عنه أنه اعتباطي و يرجع ذلك إلى طبيعة الأسئلة التي تتناول موضوعات سطحية مثل معنى كلمة "جمجمة"بالعبرية وعن مؤسس جامعة من الجامعات و كان ذلك يحدث في (( جامعة أكسفورد)) للحصول على الدرجة العلمية.بعكس القرن الثامن عشر الميلادي الذي يعد قرن الانحدار والانحطاط في الامتحانات فأن القرن التاسع عشر الميلادي كان عصر ثورة وتخمة في الامتحانات. فقد كانت امتحانات المدارس الأولية الإنجليزية سنوية تجريها الحكومة وضاق نطاق التعليم الثانوي واقتصرت أهدافه على إعداد الطلبة لاجتياز الامتحانات.فأصبحت الامتحانات شبحا يعمل في ظله كل مدرس, وكل مدير ويخاف منه المتعلم الصغير فكان مبعث هذا الشبح بأنه يترتب عليها, ترقيات أو عقوبات لهم (من نقل أو تشريد....الخ)حتى كانت أرزاقهم وأقدارهم مرتبطة كل الارتباط بنتائجهم في الامتحان فيتقرر مصير المدير إلى بقية الطاقم التدريسي بالنسبة للدخل والمالية.
لذلك ارتفعت أصوات المنتقدين لنظام الامتحانات في المجتمع الانجليزي من مشاهير ذلك العصر. (عبد العزيز ,1978 : 289 ـــ391 ) عن مآسي الامتحانات وكان أول البحوث المنتقدة بحث الاختصاصي البريطاني (أدجوارث) الذي انتقد الفروق الشاسعة في علامات المصححين حتى في مادة الرياضيات ولكن أبرز بحث تم بعد الحرب العالمية الأولى في هذا الميدان جاء نتيجة عن ((للمؤتمر الدولي للامتحانات )) الذي تبنته مؤسسة كرنيجي (Carnegie Corp ) في نيويورك, وكان في عداد اللجان القومية المختلفة التي اشتركت في هذا المشروع, علماء كبار, منهم على سبيل المثال سيريل بورت (Cyril Burt) و سبيرمن (Spearman) و بييرون (Pieron ) و آخرون. (عطية ,1970 : 9 ) وهكذا انتهى عصر الفوضى والإرهاب في نظام الامتحانات من المدارس.
و يقارن عبد العزيز ما حدث في انجلترا في القرن التاسع عشر الميلادي مع ما يحدث في مصر في القرن العشرين الميلادي وليخرج بنتيجة مفادها أن أمر الامتحانات مبالغ فيه إذ صارت غاية الجميع و المسيطرة على أعمالهم ومشاعرهم و بها تحولت المدارس إلى معامل لتخريج حملة الشهادات, وصب المعلومات في أذهان المتعلمين بالصورة التي يصلحون معها للمرور في هذه الامتحانات . وفي فرنسا بقي هذا الامتحان شفهيا لمدة طويلة, بخلاف انجلترا. ومن الجدير بالذكر إن هذه الامتحانات كانت تشرف عليها الجامعات, ومع ذلك فما كان إعدادها يتطلب المزيد من الاختصاصيين في أساليب القياس والتقويم.(عطية , 1970 : ص9 ).
ولا تقتصر مشكلة الامتحانات التقليدية على القطر المصري إذ أن كثيرا من الأقطار العربية لا زالت تعاني منها وهذا ما ذكره سارة(1990: 234) في دراسته ((التربية العربية منذ 1950 م, انجازاتها, مشكلاتها)) عن الامتحانات العربية في ثمانينات القرن العشرين بانتقاده بقوله أنها " تحكم على مستوى أداء المتعلم من حيث النجاح أو الرسوب ولكنها لا تشتمل على النواحي التشخيصية التي تبين بوضوح نواحي ضعف المتعلمين حتى يتمكن من معالجتها في المحاولة التالية.".
و يذكر السورطي (2009 : 28) في بحث ((السلطوية في التربية العربية )) عن سلطوية الامتحانات في معظم المدارس والجامعات العربية باعتبارها الوسيلة الوحيدة في التقويم التربوي فهي تثير الرعب والقلق والخوف في نفوس وقلوب المتعلمين وبأنها رعب لا يقل عن الرعب السياسي والغذائي والعسكري وبأن أكثر من عشرة ملايين طالب عربي يتعرضون لهذا الرعب سنويا. ويكون ضحية هذا الرعب طلبة يتشردون وآخرون ينحرفون أو يهاجرون والبعض ينتحر و آخرون يتشوهون و بعضهم يصاب بالجنون و يؤكد أن التقويم في بعض البلدان العربية يستخدم و يركز على أسلوب الامتحانات, وخصوصا ما يتصل بقياس مدى حفظ المتعلمين للمادة الدراسية, كما أنه يركز على آخر العام أو نصف العام.
و تأكيد لما ذكر سالفا فأن الامتحانات في بدايتها كانت شفهية واستمرت فترة وكان ذلك تقليدا نشاء في التعليم الجامعي في القرون الوسطى. وكان الشائع في الدول العربية أن يشترك في امتحانات المدارس الابتدائية والثانوية, الوجهاء والمسؤولون الإداريون, وأن تكون الإجابات خطابية علنية, تماما كما لا يزال الوضع بالنسبة إلى الرسائل والأطروحات المطلوبة في الدراسات العليا, طبعا مع الفارق في الدقة ودرجة الاختصاص, إذ كان يكفيه أن يجمع ثقافة عامة جيدة, و أن يلم بعض الإلمام بمحتوى الموضوع الذي يجري فيه الامتحان. (عطية,8 : 1970).
وكانت أول دراسة جدية للامتحانات الرسمية في البلاد العربية-بحسب عطية-تمت في سنة 1961 م في مؤتمر تربوي أنعقد بدعوة من دائرة التربية في الجامعة الأمريكية ببيروت, ضم ممثلين عن عدد من الدول العربية, وكان هدفه دراسة الامتحانات العربية كما هي في واقعها والخروج بتوصيات موحدة في شأنها.وتبعه بعد ذلك بدعوة من الدائرة الثقافية في جامعة الدول العربية مؤتمر عام عقد سنة 1964م في قسنطينة من أعمال الجزائر, ضم ممثلين لأكثر الدول العربية, وقام بمسح كامل تقريبا لأساليب الامتحان المتبعة في تلك الدول.وفي كلا المؤتمرين, جاءت التوصيات تعزز الرأي القائل" بضرورة إعادة النظر في الامتحانات في البلاد العربية استجابة لهذه الدعوة", فاستقدم بالتعاون مع منظمة اليونسكو (خبراء في التقييم والقياس) يشرفون على إنشاء مكاتب فنية للامتحانات وتدريب موظفيها ومعلميها.ومن هذه الدول الأردن, وكان سباقا في ذلك, والعراق وسورية والسودان.أما مصر فلها خبراؤها المحليون الذين يقومون بمحاولة في هذا السبيل. ولا يبدو أن شيئا ذا شان قد أنجز, إنما لكل شيئا بداية.(عطية, : 197012 ,13 )
أما محليا (في اليمن) فأن وضع الامتحانات المدرسية يتشعب الحديث عنه قبل الوحدة ولن نخوض فيه فقصدنا من هذه التناولة التاريخية, التمهيد لموضوع ((مشكلة الامتحانات)).
تتحدث "دراسة الاختبارات المدرسية والامتحانات العامة في الجمهورية اليمنية (السلبيات والمعالجات)"(الندوة, 5:1994) عن الامتحانات في ظل وضع تربوي ما قبل عام 1995 م, الذي يعد العام الحاسم لكثير من الأمور التربوية العالقة بما فيها نظم الامتحانات, إذ كانت الامتحانات بوضعها الراهن امتداد لنظامين تربويين مختلفين ويعني ذلك وجود نظامين للامتحانات المدرسية, التي تشوبها كثير من المشكلات التي بحاجة إلى دراسة وتحليل لمعالجة مشكلة الامتحانات التقليدية القائمة, فان كان لابد من قبولها لعدم إمكانية إلغائها فلا مناص من تطويرها والتخفيف من أعبائها.
فالامتحانات في اليمن نوعان:الامتحانات الانتقالية وتنفذ في المدارس وفق النظام الداخلي و الامتحانات العامة تشرف علية وزارة التربية والتعليم (قطاع التوجيه والتقويم).
وتشير إحدى وثائق الندوة إلى وجود مشكلات عديدة وهموم مرتبطة بالامتحانات اعتبارها الأداة الوحيدة للتقويم وبشكلها التقليدي المعتمد على اجترار المعلومات واسترجاعها فترة الامتحان و يهمل جوانب شخصية المتعلم الأخرى. واعتماد الامتحان النهائي أداة قياس وحيدة لتقويم أداء المتعلم طوال العام وتحديد مستقبله في ساعات محددة هي ساعات الامتحان, أمر فيه كثير من الإجحاف.(الندوة, 5:1994)
رغم انقضاء أكثر من 15 سنة على هذه الندوة إلا أن مشكلة الامتحانات ما زالت قائمة و ما نتيجة امتحانات العام الدراسي 2009 /2010 م إلا تأكيد على ذلك فقد وصلت نسبة النجاح 67 % وهي نسبة متدنية تعكس أبعاد مشكلة الامتحانات المدرسية وبأنها حادة.

 

رد مع اقتباس