أدب الأطفال والتربية الإبداعية
مفهوم التربية الإبداعية: يقصد بالتربية الإبداعية أن توجه التربية اهتمامها وأساليبها وأنشطتها ونتائجها إلى مجال الإبداع، مع مراعاة خصائص وإمكانيات ومقومات كل من التربية وعمليات الإبداع ودورها بالنسبة للفرد والمجتمع. أي أنها هي التربية في مجال الإبداع، وما يمكن أن يحدث بينهما من تفاعل ونشاط إيجابي متميز، مع توظيف خصائص الإبداع ومقوماته لإثراء حياة الفرد والمجتمع الحاضرة والمستقبلية، وتنميتها، وتطويرها لمواجهة ما يطرأ عليها من متغيرات ومواقف ومتطلبات، بأفضل صورة ممكنة (نجيب، 1994).
مفهوم أدب الأطفال
يمكن تعريف أدب الأطفال بأنه: "خبرة لغوية في شكل فني، يبدعه الفنان، وبخاصة للأطفال فيما بين الثانية والثانية عشرة أو أكثر قليلاً، يعيشونه ويتفاعلون معه، فيمنحهم المتعة والتسلية، ويدخل على قلوبهم البهجة والمرح، وينمي فيهم الإحساس بالجمال وتذوقه، ويقوي تقديرهم للخير ومحبته، ويطلق العنان لخيالاتهم وطاقاتهم الإبداعية، ويبني فيهم الإنسان. كما يعرف أدب الأطفال بأنه شكل من أشكال التعبير الأدبي، له قواعده ومناهجه، سواء منها ما يتصل بلغته وتوافقها مع قاموسه الطفل، ومع الحصيلة الأسلوبية للسن التي يؤلف لها، أم ما يتصل بمضمونه ومناسبته لكل مرحلة من مراحل الطفولة، أم يتصل بقضايا الذوق وطرائق التكنيك في صوغ القصة، أو في فن الحكاية للقصة المسموعة (يحيى، 2001: 18).
ويعرف أدب الأطفال بأنه في مجموعه هو: "الآثار الفنية التي تصور أفكاراً وأحاسيس وأخيلة تتفق ومدارك الأطفال وتتخذ أشكال القصة والمسرحية والمقالة والأغنية" (الهيتي، 1979) في (أبو فنة، 2001).
والقول عن الأدب بأنه "الآثار الفنية التي تصور أفكاراً وأحاسيس وأخيلة" قد ينطبق على الأدب عامة - الموجه للصغار والكبار على السواء - ولكن قول الهيتي بوجوب ملاءمة تلك الآثار الفنية لمدارك الأطفال، أو ضرورة ملاءمة مضامين تلك الآثار مع "قدرات الأطفال العقلية والخيالية والعاطفية"، هذا التحديد يشير إلى اختلاف أدب الأطفال وتميزه عن أدب الكبار بسبب اختلاف جمهور المتلقين الصغار وخصائصهم.
وكتبت الأديبة الناقدة ليئة غولدبرغ (أبو فنة، 2001) عن أدب الأطفال بشيء من التفصيل، مضيفة عناصر ومقومات أخرى، فهي تعرف أدب الأطفال بأنه: "ذلك النوع من الأدب - نثراً أو شعراً - الذي يلائم في مضمونه وأسلوبه إدراك الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين الخامسة حتى الثالثة عشرة تقريباً، أما أسلوب هذا الأدب فيكون سهلاً واضحاً خالياً من التعقيد وحشد المشاكل، ولا يتجاوز المفاهيم المفهومة للطفل حسب نموه وقدرة استيعابه".
وكما أن هنالك اختلافاً في تحديد مفهوم أدب الأطفال، فإن هنالك أيضاً اختلافاً حول تحديد مرحلة الطفولة، وحول تقسيماتها المختلفة، فمن الباحثين من ينتهي بها عند الثانية عشرة، ومنهم من يمتد بها حتى سن الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة، ومنهم من يصل بها إلى أكثر من ذلك.
أنواع الأدب
وقسم رافع يحيى الأدب إلى نوعين رئيسيين:
أدب بمعناه العام: وهو يدل على النتاج العقلي عامةً مدوناً في كتب.
أدب بمعناه الخاص: وهو يدل على الكلام الجيد الذي يحدث لمتلقيه متعةً فنية (يحيى، 2001).
وفي ضوء ما سبق، يمكن أن نجد لأدب الأطفال في المرحلة العمرية التي يدور حديثنا حولها، مفهومين رئيسيين:
أدب الأطفال بمعناه العام: وهو يعني الإنتاج العقلي المدون في كتب موجهة لهؤلاء الأطفال في شتى فروع المعرفة؛ مثل: كتب الأطفال العلمية المبسطة، والمصورة، وكتبهم الإعلامية، ودوائر المعارف الموجهة إلى الأطفال.
أدب الأطفال بمعناه الخاص: وهو يعني الكلام الجيد الذي يحدث في نفوس هؤلاء الأطفال متعة فنية سواء أكان شعراً أم نثراً، وسواء أكان شفوياً بالكلام، أم تحريرياً بالكتابة؛ مثل قصص الأطفال ومسرحياتهم وأناشيدهم وأغانيهم وما إلى ذلك.
ومما تجدر الإشارة إليه أننا عندما نتحدث عن الكتب، إنما نقصد إلى معناها الواسع، بحيث تضم: المقروء، والمسموع، والمرئي، تمشياً مع مقومات التقدم التقني المعاصر.
"ويرى بعض الباحثين، أهمية التمييز بين النتاج الفكري عن الطفولة والنتاج الأدبي الموجه لهم. وينادون بإعادة النظر بين هذين النتاجين. ويرون أن أدب الأطفال له آثاره الإيجابية في تكوينهم، وبناء شخصياتهم وإعدادهم ليكونوا رواد الحياة. والطفل هو الإنسان في أدق مراحله وأخطر أطواره، ومن ثم فإن الاهتمام بالجانب الوجداني من حياة الطفل يتعين ألا يعلوه أي اهتمام آخر، ويقوم أدب الطفل بوظائف التربية الجمالية والأخلاقية والنمو اللغوي ... الخ " (يحيى، 2001).
اللغة والأسلوب في أدب الأطفال
يمكن القول إن غالبية الأدباء والباحثين الذين تطرقوا لقضية اللغة والأسلوب في أدب الأطفال، يجمعون على ضرورة مراعاة لغة الطفل وقاموسه حسب مراحل العمر والنمو، مع محاولة الارتقاء التدريجي لهذه اللغة، وهذا بدوره ينعكس في الأمور التالية:
"على صعيد الألفاظ والتراكيب اللغوية – الدعوة لاستخدام الألفاظ والتراكيب السهلة، وتجنب الغريبة غير المألوفة منها، والإقلال من المفردات والتراكيب المجازية إلا ما جاء منها عفو الخاطر، واللجوء إلى التكرار في الألفاظ والتعابير.
وعلى صعيد الجملة، تركيبها ونحوها – استخدام الجمل القصيرة أو المتوسطة الطول، وتجنب الجمل الطويلة المعقدة. استخدام الجمل والألفاظ الدالة على المعاني الحسية وتجنب المجرد المعنوي.
وعلى صعيد الأساليب – تحري الوضوح والجمال والدقة وتجنب الإسراف في الزركشة والزخرف والثراء اللغوي المتكلف، وتجنب أسلوب التلميح والمجازات الغامضة الصعبة، والاقتراب من خصائص "لغة الكلام" والاستفادة من أسلوب الراوي في الحكاية الشعبية الشفهية" (أبو فنة، 2001).
ويعتقد البعض أن الكتابة للأطفال أكثر مشقة من الكتابة للكبار، بسبب الاشتراطات التربوية والثقافية التي يلتزم بها كاتب الأطفال، وبسبب مراعاته للمستوى العقلي والنفسي للمتلقين.
ويمكن القول إن أدب الأطفال قد يكون كل عمل أدبي يكتب ابتداءً وخصيصاً للأطفال، وقد يكون كذلك كل عملٍ أدبي يكتب ثم يقرأه الأطفال فيستسيغونه، ويجدونه مادة أدبية مشوقة ومحببة لهم حتى ولو لم يقصد مؤلف ذلك العمل توجيهه أصلاً للأطفال.
وبالفعل، هناك الكثير من الأعمال الأدبية التي لم تكتب خصيصاً للأطفال، ولكنها أصبحت مع مرور الزمن، بعد تعديلها وملاءمتها، من المواد الأدبية الشائقة والمحببة لدى القراء الصغار، من بين تلك الأعمال نذكر رواية "روبنسون كروزو" للكاتب دانيال ديفو (1660-1731 )، والرواية الساخرة "رحلات جلفر" لجوناثان سويفت (1667-1745). كذلك يدخل ضمن هذا الإنتاج الأدبي الذي أصبح جزءاً من أدب الأطفال، الأساطير والحكايات الشعبية بعد تعديلها وملاءمتها للأطفال، كحكايات وقصص "ألف ليلة وليلة" و"سيرة عنترة" وغيرهما (أبو فنة، 2001: 18).
الكتب المدرسية وأدب الأطفال
عند الحديث عن موقف الكتب المدرسية من أدب الأطفال يشار إلى أبعاد ثلاثة:
البعد الأول: يتعلق بتعريف أدب الأطفال، وفيه نرى أن الكتب المدرسية تدخل ضمن أدب الأطفال بمعناه العام، إذ أنها نتاج عقلي مدون في كتب موجهة إلى الأطفال.
البعد الثاني: يتعلق بجمهور القراء، ذلك أن كتب الأطفال هي ببساطة، كتب موجهة للأطفال (التلاميذ)، ولهذا لا بد للكتب المدرسية الناجحة من أن تراعي خصائص الأطفال وقدراتهم واهتماماتهم فيما تقدمه لهم من مواد دراسية منهجية.
البعد الثالث: يتعلق بالاتجاهات المعاصرة ومنها الأدبي الواضح نحو تذويب الفوارق بين الكتب المدرسية وكتب الأطفال الإعلامية، بحيث أصبحت كلها كتب أطفال مشوقة (يحيى، 2001: 19).
وفي ضوء هذه الأبعاد الثلاثة نستطيع أن نرى بوضوح أن الكتب المدرسية هي جزء من صميم كتب الأطفال وأدب الأطفال، وهذه حقيقة – على الرغم من بساطتها – تغيب عن الأذهان، وهي على قدر كبير من الأهمية؛ لأن الكتب المدرسية تمثل أهم قطاع من قطاعات الكتب التي يتعامل معها الأطفال، في كل مراحل نموهم، وفي جميع مراحلهم التعليمية.