فوزيه الخليوي
10-24-2008, 02:40 PM
لم يقف القارئ على حفلة التعذيب الوحشية تلك، والتي جرت فصولها المنتظمة على مدار عامٍ كاملٍ لبراءة الحياة غصون الحجي، قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة بعد تجرعها لغصص العذاب والقهر على يد والدها وزوجته ! ولو استعرض الإنسان منا فصولاً من تاريخ التعذيب البشري، مقارنةً بما نما إليه من هول ما جرى وروي، لطواها بوقوفه على شيءٍ مما وقع لتلك الطفلة البريئة، إذ انهال والدها على ساقيها ضرباً بأنبوبٍ حديدي، قبل أن يكويها بالنار على كعب قدمها بملعقةٍ محماةٍ على الموقد، ثم بادر إلى كسر يدها - أشعل الله قبره ناراً – مع تجويعها بمنع الطعام عنها لثلاثة أيامٍ كاملةٍ بعد ربطها بالسلاسل إلى نافذة المنزل، وكان فن إزهاق أرواح الأبرياء البربري، سحقاً بالسيارة داخل فناء المنزل !
دخلت غصون ربيعها التاسع بابتسامةٍ ساحرةٍ ترنو بها إلى المستقبل الواعد بخفرٍ وأملٍ، وقد علقت حقيبتها المدرسية على ظهرها، وغادرت دنيا التعاسة والشقاء بعد أن رسمت على شفتيها ملامح ابتسامةٍ ساخرةٍ، من الكدمات التي خطتها يد السفاح والدها على وجهها، وما خفي أعظم .
وكنت قد حضرت خطبةً للشيخ عادل بن سالم الكلباني جزاه الله خيراً، عطفاً على ما جرى لها، فأبدع وأجاد، واستعبر فيها وبكى وأبكى، ولم يتمالك والد من الحضور نفسه أثناء استماعه لتفاصيل الجريمة النكراء، فضم ابنه إليه لا شعورياً !
مرت الأيام والأشهر وطويت الصفحة أو هكذا ظننت، قبل أن تطفو على السطح قصة أخرى لا تقل بشاعةً عن الأولى، وكانت الضحية طفلة أخرى اسمها أريج، انهال عليها والدها أيضاً - وبمشاركةٍ من زوجته - بالضرب والتعذيب والكي بالنار حتى أغمي عليها، ثم ألقى بها داخل غرفةٍ من غرف المنزل، ليهديه شيطانه إلى الاستعانة بالدفاع المدني لفك الغرفة وخلع الباب بحجة أنها حبست نفسها، ولما كسر الباب عُثر عليها بعد أن حلقت روحها لبارئها، ساخطةً على ظلم الأباء، وتهافت النظام القضائي والاجتماعي والأمني الذي لا يتابع ولا يسأل أو يحاسب أمثال هؤلاء المرضى الحقراء .
ثم توالت القضايا أو هكذا أراد الإعلام لها أن تتوالى، فكانت حادثة قتل طفلةٍ أخرى في رنية – اسمها سارة - على يد زوجة الأب ضرباً وحرقاً أيضاً، علماً بأن الذي شارك في هذه الجريمة صمتاً وغضاً للطرف مدرسة الطفلة، والتي كانت – إداراتها - ترى مشاهد التعذيب باديةً عليها دون أن تشجم نفسها عناء الاتصال بالسلطات المختصة ! ومرت هذه الحادثة البشعة على تلك المدرسة كأن لم تكن، لم يحقق مع منسوبي تلك المدرسة من الجهات التعليمية المعنية بالأمر، سوى ما قامت به إدارة المدرسة بتوجيه استدعاءٍ لتلك الجلادة أكثر من مرةٍ ! وكأنهم يسخرون من أنفسهم ومن الضحية !
مساء السبت القريب، أقدم سفاح آخر - وهو عسكري مفصول من عمله - على قتل ابنته في مدينة تبوك، حيث انهال على رأسها ضرباً بكيبل حديدي، لتفارق الحياة فجر الأحد هكذا بكل بساطةٍ، وأثبتت التحقيقات الأولية أن الأب السفاح منفصل عن زوجته، ويتعاطى الحشيش المخدر، لتقودنا هذه الجريمة إلى نفس السؤال : ما دور القضاء الذي يفصل في الأحوال الشخصية بين الأزواج، بمتابعة حال الأم أو الأب عقب الانفصال، والإيعاز إلى الجهات المعنية، الأمنية منها والاجتماعية والتعليمية، بالبحث والتحري عن سلامة قواه العقلية وقدرته المادية على إعالة الأطفال عقب الانفصال ؟!
أي عدلٍ هذا ؟
في الرياض قبل عامين تقريباً، أقدم أب على قتل زوجته وابنه وجرح شقيقه بالرصاص، قبل عامٍ وقفت أنا شخصياً على جريمةٍ وقعت في حي الملك فهد، أقدم الأب فيها على قتل زوجته وابنته، وإصابة ابنته الثانية بإصاباتٍ خطرةٍ من سلاحه !
من السهولة بمكانٍ تحميل الأمراض النفسية التي عصفت بكثيرٍ من أبناء المجتمع وأرباب الأسر، أو تعاطي المخدرات مسؤولية ما جرى ويجري من عنفٍ أسري ضد الأطفال، ويكفي إعلامنا الذي يعزف على أوتار الإثارة - وتتبع عورات المسلمين - نقل الخبر، وإلصاق التهمة بالجاني المريض أو المدمن، والتلاعب بمشاعر القراء، ليصار في النهاية إلى تبرئة الجهات المعنية مباشرةً بإيقاف هذا النزيف المر، أو غض الطرف عنها، أو إهمالها كالقضاء والشؤون الاجتماعية ووزارة الداخلية ووزارة التربية والتعليم .
ما ذكرته هنا غيض من فيض، وما خفي أعظم .
تحت جنح الظلام، وفي طول البلاد وعرضها، تقام حفلات تعذيبٍ مختلفة الأركان، يتففن في تنظيمها بضعة سفاحين مرضى، أو مدمنين جوعى، وتتعالى الصرخات، وتتحشرج الأرواح في حلقوم البراءة والطهر، قبل أن تلفظ الضحية أنفاسها على يد الأب أو الأم، أو زوجة الأب، ثم تطفو الجريمة على السطح، وتدور الدوامة من جديدٍ .
نحن - كمجتمعٍ - بحاجةٍ ماسةٍ إلى خطٍ ساخنٍ، تفوق حرارته تلك القطع المعدنية من ملاعق وسكاكين، والتي استخدمت في شي الأطفال وحرقهم، أطفالنا بحاجةٍ إلى وزارةٍ أو وكالةٍ تحت مسمى : وكالة حماية الأطفال، أو وزارة حقوق الطفل، تعقد لأجل إشهارها وإيضاح أهدافها ووظائفها، الندوات في المدارس والمساجد والحارات والشوارع، وتعزز رسالتها في المجتمع أجهزة الإعلام المختلفة، عل هذه الوزارة الناشئة أن تحقق شيئاً من أحلام أولئك الأبرياء التي اختطفتها سياط السفاحين والقتلة، ووأدتها سكاكينهم، في غفلةٍ تامةٍ عن الرقيب .
حسن مفتي
كاتب سعودي
دخلت غصون ربيعها التاسع بابتسامةٍ ساحرةٍ ترنو بها إلى المستقبل الواعد بخفرٍ وأملٍ، وقد علقت حقيبتها المدرسية على ظهرها، وغادرت دنيا التعاسة والشقاء بعد أن رسمت على شفتيها ملامح ابتسامةٍ ساخرةٍ، من الكدمات التي خطتها يد السفاح والدها على وجهها، وما خفي أعظم .
وكنت قد حضرت خطبةً للشيخ عادل بن سالم الكلباني جزاه الله خيراً، عطفاً على ما جرى لها، فأبدع وأجاد، واستعبر فيها وبكى وأبكى، ولم يتمالك والد من الحضور نفسه أثناء استماعه لتفاصيل الجريمة النكراء، فضم ابنه إليه لا شعورياً !
مرت الأيام والأشهر وطويت الصفحة أو هكذا ظننت، قبل أن تطفو على السطح قصة أخرى لا تقل بشاعةً عن الأولى، وكانت الضحية طفلة أخرى اسمها أريج، انهال عليها والدها أيضاً - وبمشاركةٍ من زوجته - بالضرب والتعذيب والكي بالنار حتى أغمي عليها، ثم ألقى بها داخل غرفةٍ من غرف المنزل، ليهديه شيطانه إلى الاستعانة بالدفاع المدني لفك الغرفة وخلع الباب بحجة أنها حبست نفسها، ولما كسر الباب عُثر عليها بعد أن حلقت روحها لبارئها، ساخطةً على ظلم الأباء، وتهافت النظام القضائي والاجتماعي والأمني الذي لا يتابع ولا يسأل أو يحاسب أمثال هؤلاء المرضى الحقراء .
ثم توالت القضايا أو هكذا أراد الإعلام لها أن تتوالى، فكانت حادثة قتل طفلةٍ أخرى في رنية – اسمها سارة - على يد زوجة الأب ضرباً وحرقاً أيضاً، علماً بأن الذي شارك في هذه الجريمة صمتاً وغضاً للطرف مدرسة الطفلة، والتي كانت – إداراتها - ترى مشاهد التعذيب باديةً عليها دون أن تشجم نفسها عناء الاتصال بالسلطات المختصة ! ومرت هذه الحادثة البشعة على تلك المدرسة كأن لم تكن، لم يحقق مع منسوبي تلك المدرسة من الجهات التعليمية المعنية بالأمر، سوى ما قامت به إدارة المدرسة بتوجيه استدعاءٍ لتلك الجلادة أكثر من مرةٍ ! وكأنهم يسخرون من أنفسهم ومن الضحية !
مساء السبت القريب، أقدم سفاح آخر - وهو عسكري مفصول من عمله - على قتل ابنته في مدينة تبوك، حيث انهال على رأسها ضرباً بكيبل حديدي، لتفارق الحياة فجر الأحد هكذا بكل بساطةٍ، وأثبتت التحقيقات الأولية أن الأب السفاح منفصل عن زوجته، ويتعاطى الحشيش المخدر، لتقودنا هذه الجريمة إلى نفس السؤال : ما دور القضاء الذي يفصل في الأحوال الشخصية بين الأزواج، بمتابعة حال الأم أو الأب عقب الانفصال، والإيعاز إلى الجهات المعنية، الأمنية منها والاجتماعية والتعليمية، بالبحث والتحري عن سلامة قواه العقلية وقدرته المادية على إعالة الأطفال عقب الانفصال ؟!
أي عدلٍ هذا ؟
في الرياض قبل عامين تقريباً، أقدم أب على قتل زوجته وابنه وجرح شقيقه بالرصاص، قبل عامٍ وقفت أنا شخصياً على جريمةٍ وقعت في حي الملك فهد، أقدم الأب فيها على قتل زوجته وابنته، وإصابة ابنته الثانية بإصاباتٍ خطرةٍ من سلاحه !
من السهولة بمكانٍ تحميل الأمراض النفسية التي عصفت بكثيرٍ من أبناء المجتمع وأرباب الأسر، أو تعاطي المخدرات مسؤولية ما جرى ويجري من عنفٍ أسري ضد الأطفال، ويكفي إعلامنا الذي يعزف على أوتار الإثارة - وتتبع عورات المسلمين - نقل الخبر، وإلصاق التهمة بالجاني المريض أو المدمن، والتلاعب بمشاعر القراء، ليصار في النهاية إلى تبرئة الجهات المعنية مباشرةً بإيقاف هذا النزيف المر، أو غض الطرف عنها، أو إهمالها كالقضاء والشؤون الاجتماعية ووزارة الداخلية ووزارة التربية والتعليم .
ما ذكرته هنا غيض من فيض، وما خفي أعظم .
تحت جنح الظلام، وفي طول البلاد وعرضها، تقام حفلات تعذيبٍ مختلفة الأركان، يتففن في تنظيمها بضعة سفاحين مرضى، أو مدمنين جوعى، وتتعالى الصرخات، وتتحشرج الأرواح في حلقوم البراءة والطهر، قبل أن تلفظ الضحية أنفاسها على يد الأب أو الأم، أو زوجة الأب، ثم تطفو الجريمة على السطح، وتدور الدوامة من جديدٍ .
نحن - كمجتمعٍ - بحاجةٍ ماسةٍ إلى خطٍ ساخنٍ، تفوق حرارته تلك القطع المعدنية من ملاعق وسكاكين، والتي استخدمت في شي الأطفال وحرقهم، أطفالنا بحاجةٍ إلى وزارةٍ أو وكالةٍ تحت مسمى : وكالة حماية الأطفال، أو وزارة حقوق الطفل، تعقد لأجل إشهارها وإيضاح أهدافها ووظائفها، الندوات في المدارس والمساجد والحارات والشوارع، وتعزز رسالتها في المجتمع أجهزة الإعلام المختلفة، عل هذه الوزارة الناشئة أن تحقق شيئاً من أحلام أولئك الأبرياء التي اختطفتها سياط السفاحين والقتلة، ووأدتها سكاكينهم، في غفلةٍ تامةٍ عن الرقيب .
حسن مفتي
كاتب سعودي