المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مفهوم الذات و أهميته


ايهم ابو مجاهد
09-23-2008, 02:38 PM
أنّ من بين المواضيع المهمة التي تم تناولها بشيء من التفصيل عند ذوي الاحتياجات الخاصة هي مفهوم الذات , ما المقصود بهذا المفهوم وما هي أهميته , سنحاول في هذا الموضوع أن نعرف ذلك.
إعداد أيهم الفاعوري
أولاً: مفهوم الذات و تعريفه :
تسعى الدراسات النفسية عموماً إلى دراسة السلوك الإنساني و ضبطه و التنبؤ به من أجل تحديد جوانب تطوره، و ذلك من خلال دراسة أهم جانب من جوانب شخصية الفرد ألا و هو مفهوم الذات لأنه مركز الشخصية و بنائها و تكوينها، و بالتالي يساهم في تحديد قدرتها على التفاعل مع المجتمع بشكل فعال.
و قد رأى علماء النفس الأوائل الذين تعرضوا لمفهوم الذات أن المجتمع مرآة برى الفرد فيها نفسه، و عّرفوا الذات بأنها ما يشار إليه في الكلام الدارج بضمائر المتكلم كأنا الفاعلة و ياء المتكلم.
و كان وليم جيمس من أوائل علماء النفس الذين أولوا موضوع مفهوم الذات الصدارة في أبحاثهم. حيث رأى أن الذات هي المجموع الكلي لكل ما يمكن أن يرى الفرد أنه له . و أشار إلى ثلاثة أنواع من الذات:
1- الذات المادية: و هي ذات ممتدة تحتوي بالإضافة إلى جسم الفرد على أسرته و ممتلكاته.
2- الذات الاجتماعية: و تتضمن وجهة نظر الآخرين نحو الفرد.
3- الذات الروحية: و تتضمن انفعالات الفرد و رغباته (عبد اللطيف ،2000، ص:25).
و "نظم جيمس أسلوب فهم الذات بشكل أفقي ذي بعدين ممثلاً بالوجه الأمامي و الجانبي لمكعب ما . و قد قسمت الذات في الوجه الأمامي إلى أربعة عناصر هي: الجسدي و العملي و الاجتماعي و النفسي، و هذه هي المركبات التي تحدد الذات ، و تعرف الذات بأنها الشكل الفريد للطروحات الشخصية. أما الوجه الجانبي فقد تم تحليله إلى ثلاث مراحل من الإدراك الذاتي، مرحلة الاستمرارية و مرحلة التمييز و مرحلة القوة الفاعلة"(عبد اللطيف،2000 ،ص:25 ).
لقد تعددت الأطر النظرية لمفهوم الذات و ذلك على الشك التالي :
1- فكان أقدمها تلك التي تعتبر مفهوم الذات بناء أحادي البعد ، و قد لاقت وجهة النظر هذه القبول من عدد من الباحثين مثل روزنبرغ و سيمونز (Rosenberg&Simon).
2- أما وجهة النظر الثانية فتعتبر مفهوم الذات نموذجاً هرمياً، و لاقت هذه النظرة قبولاً من قبل بعض الباحثين مثل بايرن و شافلسون و بولصPolus) Byrne&Shavelson ).
3- و تعتبر وجهة النظر الثالثة مفهوم الذات نموذجاً تصنيفياً، و هذا النموذج مماثل لنظرية سبيرمان (Sperman) و ثيرستون (Thurston).
4- و وجهة النظر الرابعة أوجدها واين و ماركس (Winne & Mark) و تعتبر مفهوم الذات نموذجاً تعويضياً (عبد اللطيف،2000 ، ص: 26).
و تتخذ الذات لدى (فرنون، Vernon ) شكل مستويات متدرجة من أعلى إلى أسفل، و ذلك في ضوء ما تتضمنه من محتويات شعورية و لاشعورية، حيث تتكون الذات في مستواها الأعلى من ذوات فرعية اجتماعية عامة، ثم تجئ الذات الشعورية الخاصة، و هذه تتكون من الذات المدركة التي يستطيع الفرد التعبير عنها لفظياً – و خاصة لأصدقائه المقربين- ثم الذات البعيدة، و هذه يمكن أن يستشعرها الفرد من خلال إجراءات التوجيه و الإرشاد النفسي، ثم تأتي الذات العميقة المكبوتة في نهاية سلم الترتيب، و هذه لا يمكن أن تظهر إلا بالتحليل النفسي .(عبد اللطيف،2000 ،ص: 26).
إن لمفهوم الذات جوانب ظاهرية تقع في موضع ما من الوضوح الشعوري، و جوانب غير ظاهرية يكون الفرد على غير وعي أو شعور بها، و بالتالي فإن مصطلح مفهوم الذات يقصد به فكرة المرء عن نفسه و يتضمن كذلك اتجاهاته نحو ذاته.
ويرى (عدس و توق) أن مفهوم الذات لدى الفرد يتطور بتطور عدد من العوامل المرتبطة، منها الوعي بالجسم و تشكيل صورة عنه، ووجود الآخرين الهامين في حياة الفرد، مما يؤكد ارتباط الوضع الجسمي للفرد بمفهومه عن ذاته و قدراته بشكل مباشر ، فوظيفة مفهوم الذات هي تنظيم و تحديد السلوك من خلال عالم الخبرة المتغير الذي يعيشه الفرد، و ينمو مفهوم الذات كنتاج للتفاعل الاجتماعي و أنماط التنشئة الاجتماعية خلال مراحل حياة الإنسان المختلفة، و من مراحل الطفولة المبكرة، ليكوّن الفرد أفكاراً و معتقدات محددة عن ذاته و إمكانياته المختلفة (عبد اللطيف،2000, ص: 26).
و مفهوم الذات عند (خنفر) فهو "تكوين معرفي منظم و متعلم للمدركات الشعورية، و القدرات الخاصة بالذات، و يعبر عن تصورات الفرد و خبراته" .
و أشار (جون هولتر، Jhon Holt) إلى أن "مفهوم الذات هو تلك الأنواع التي يستخدمها الفرد بغرض تعريف ذاته، و هكذا فإنه لتعيين حدود مفهوم الذات يجب الأخذ بعين الاعتبار الطرق المتعددة التي يعرف الناس أنفسهم بها" (عبد اللطيف، 2000,ص: 27)
و أشار (ستريكر، Stryker) إلى أن الاختلاف الأبرز و الأكثر وضوحا بين ما يمثل مفهوم الذات يبدو واضحا في الأهمية و التمركز، و ذلك لكون بعض مفاهيم الذات مركزية، في حين بعضها الآخر أكثر إحاطة و خارجية . و أشار إلى أن المفاهيم المركزية ، بشكل عام تتسم بالاتساع و من المفترض أن تؤثر على المعلومات و السلوك بقوة أكبر من الأفكار المحيطة و التي اتساعها أقل . (عبد اللطيف،2000،ص:47)
أما (هيجنز، Higgins) فقد أشار إلى ثلاثة أشكال لمفاهيم الذات، منها ما يعبر عن مفهوم الذات الواقعي ، و منها ما يمثل مفهوم الذات الخاص . (عبد اللطيف،2000،ص:23)
و أشار كل من ( جرودن و دوسك Girdano & Dusek ) إلى أن مفهوم الذات يتألف من العديد من المكونات، كل منها أساسي لتحقيق الذات المثالية، و أهم هذه المكونات :
إدراك الذات – تقدير الذات – حب الذات – تقييم الذات – الثقة بالنفس – احترام الذات . (عبد اللطيف،2000،ص:28 )
و قد عرض العديد من الباحثين تعريفات مختلفة لمفهوم الذات ، إلا أنها لم تكن متسقة إلى حد بعيد. فكل منهم عرف مفهوم الذات حسب الإبعاد التي حددها، و التي رأى أنها تسهم في وضع تصور شامل لمفهوم الذات . فمنهم من حدد ثلاثة أبعاد فقط للمفهوم و هي :
1- الذات الواقعية
2- الذات المثالية
3- الذات الاجتماعية
و منهم من حدد خمسة أبعاد لمفهوم الذات هي :
1- الذات الجسمية
2- الذات الانفعالية
3- الذات العقلية
4- الذات الاجتماعية
5- البعد العام للذات ( عبد اللطيف،2000 ، ص:27 )
و أشار ( وليام فتش ) إلى أن مفهوم الذات يمكن بلورته من خلال ما أسماه بالنموذج الدائري، حيث يركز هذا النموذج على العلاقة القائمة بين الذات الشخصية و السلوك الشخصي و الكفاءة الشخصية . ( عبد اللطيف، 2000، ص:45 )
و قد قامت دراسات عديدة بتقسيم مفهوم الذات لدى الفرد إلى أربعة أقسام هي:
1- مفهوم الذات الأساسي: يشير إلى إدراك المرء نفسه على حقيقته ، و ليس كما يرغبها، حيث يتضمن هذا الإدراك جسمه و مظهره ، و قدراته، و مركزه، و دوره من الحياة، و كذلك قيمه و معتقداته و طموحاته .
2- مفهوم الذات المؤقت: و هو غير ثابت يحمله الفرد فترة وجيزة ثم يتخلى عنه، و قد يكون مرغوباً أو غير ذلك معتمداً على الموقف الذي يجد المرء نفسه فيه. و يتأثر هذا النوع من مفهوم الذات بمزاج الشخص و حالته العاطفية و خبراته الذاتية .
3- مفهوم الذات الاجتماعي: يشير إلى تصور الفرد لتقويم الآخرين له معتمداً في ذلك على أقوالهم و أفعالهم نحوه، فمفهوم الذات الاجتماعي يتطور نتيجة لتفاعل الفرد مع المجتمع. فالفرد في البداية، يقوّم قدراته و حاجاته، و قيمه و طموحاته في ضوء تقديرات الآخرين له إلى أن يصل إلى مرحلة من النمو يكون قادراً عندها على فهم و تفسير أقوال و أفعال الآخرين نحوه، يبدأ بعدها بتطوير مفهوم ذاته الأساسي .
4- مفهوم الذات المثالي: و هو عبارة عن الحالة التي يتمنى المرء أن يكون عليها، سواء ما يتعلق منها بالجانب الجسمي أو النفسي أو كليهما معاً، و منه ما كان ممكن التحقيق، و منه ما كان غير ذلك معتمداً على مدى سيطرة مفهوم الذات الأساسي أو المدرك لدى الفرد. (عبد اللطيف،2000،ص: 29 )
بهذا فإن مفهوم الذات عامل فعال في سلوك الفرد، فمفهومه عن ذاته هو الصورة التي يحملها عن ذاته، و يبني هذه الصورة من خلال تقييمه لأهميته ذاته، و يعتمد ذلك على المعلومات التي يتلقاها من أسرته، و أصدقائه . ممن يمثلون مكاناً مهماً في حياته.
و بهذا السرد و من مجموعة التعاريف نستطيع أن نقول :
1- إن مفهوم الفرد عن ذاته يعني إدراكه لما يتميز به من صفات عن غيره.
2- لمفهوم الذات أهمية كبرى في تحديد سلوك الفرد.
3- مفهوم الذات مفهوم مفعم بالقوة و النشاط، فعال، حيوي، و له جوانب متعددة .
4- مفهوم الذات تنظيم معرفي و يشكل المحور الرئيسي لشخصية الفرد، و له أهمية قصوى في تحديد سلوك الفرد و تكيفه.
5- مفهوم الذات هو مجموعة الأفكار و المشاعر و المعتقدات التي يكونها الفرد عن نفسه.
6- يعبر مفهوم الذات عن الكيفية التي يدرك بها الفرد نفسه، و التي تتشكل من خلال تفاعل الفرد مع البيئة الاجتماعية .
ثانياً : جوانب الذات :
للذات ثلاثة جوانب أساسية هي الإحساس بالذات، و إدراك الذات، و تقديم الذات. و يشير الإحساس بالذات إلى ما نشعر به عندما نفكر في أنفسنا، و يتكون هذا الإحساس ببساطة من الشعور بوجودنا كأشخاص، و على الرغم من أن بعض المفكرين مثل الفيلسوف الاسكتلندي هيوم, Hume ( 1711- 1776 ) قد أثاروا الشك في إمكانية التأكد من تلك السمة الأولية للذات إلا أن معظمنا يميل إلى وجهة نظر الحس العام للاسكتلندي توماس ريد، Raid (1710- 1796) حيث قال إن الرجل الذي لا يؤمن بوجوده غير جدير قطعاً بالمناقشة و مثله مثل الرجل الذي يعتقد أنه مخلوق من زجاج .(عبد الرحمن، 2004 ص:98 )
كما ينشأ لدى كل فرد فينا أثناء حياته إدراك تقييمي للذات، فقد يعتقد شخص ما أنه منُجز أو خجول، و يشار إلى هذا الجانب بأنه تقييمي لأنه يقترن بالمشاعر الإيجابية و السلبية نحو الذات، فقد تشعر "دينا" أنها خجولة و أن خجلها هذا يسببِ لها كل أنواع الصعوبات الاجتماعية، و قد تتمنى أن تكون أكثر انفتاحا و ثقة بذاتها في المواقف الاجتماعية .
أما الجانب الثالث فهو كيفية تقديم أنفسنا للآخرين، فقد تحاول "دينا" مثلاً أثناء مقابلة للحصول على وظيفة تقديم نفسها على أنها شخصية مُنفتحة وواثقة من ذاتها.
و السمة المدهشة لجوانب الذات من وجهة النظر النفسية الاجتماعية هي أنها يمكن أن تناقض بعضها البعض، و على سبيل المثال فقد تنجح "دينا" في تقديم نفسها للشخص القائم بالمقابلة على أنها إنسانة شديدة الثقة بنفسها، و لكنها قد تشعر في الوقت ذاته أنها شديدة الخجل فعلا و تفتقر إلى الثقة بالنفس .
و يختلف جانبا الإحساس بالذات و إدراك الذات عن جانب تقديم الذات في مدى العلنية و الوضوح، حيث لا يمكن ملاحظة هذين الجانبين ملاحظة مباشرة من الخارج في حين الجانب الثالث ظاهر و يمكن ملاحظته مباشرة. فالمديرون الذين يقومون بمقابلة "دينا" لا يمكنهم ملاحظة إحساسها بنفسها و إدراكها لذاتها على أنها من خلال الملاحظة المباشرة، و لكن يمكنهم ملاحظتها مباشرة أثناء تقديمها لنفسها أثناء المقابلة.(عبد الرحمن، 2004 ص:98)
و يذهب موجهدام (199) إلى أن انطباعنا عن ذاتنا يتشكل من كلا الجانبين و هما: تقديرنا لذاتنا، أي شعورنا تجاه أنفسنا، و مفهومنا عن ذاتنا أي ما نعرفه عن أنفسنا، ويرى أنه على الرغم من أن هذين المكونين يبدوان مألوفين و مريحين إلا أنهما يتطوران و يتغيران باستمرار بتغير خبراتنا و ظروف حياتنا و الوسط الاجتماعي الذي يضمنا.
كما يرى أن فهم الذات أو إدراكها و الإحساس بها أمرا ليس سهل المنال، و يدلل على ذلك بأمرين هما:
الأول: عجزنا عن التنبؤ باستجابتنا إزاء حدث جديد مثل فقدان الوظيفة، أو الدخول في دور جديد مثل أن تصبح زوجاً أو أباً، و الثاني: لو كان الأمر بهذه السهولة لما قضى الأطباء النفسيون الساعات الطويلة في علاج الناس ، و لما كادت أرفف المكتبات تكتظ بكتب التعلم الذاتي و المساعدة الذاتية. (عبد الرحمن، 2004 ص:99)
و قد أدت عدم القدرة على ملاحظة بعض الجوانب الهامة في الذات إلى إهمال الذات كأحد موضوعات الدراسة مدة طويلة خلال القرن العشرين، حيث سادت المدرسة السلوكية التي ركزت فقط على ما يمكن ملاحظته، و استغرق الأمر ما يقرب من نصف قرن أي منذ أواخر العقد الثاني و حتى العقد السابع من نفس القرن، و قد أشار جون واطسن (1878 – 1958) و إدوارد تولمان Toliman , (1887 – 1959) و هل، Hull,k (1884 – 1952) و سكنر، Skinner (1904 – 1990) و آخرون من علماء السلوكية إلى أنه ينبغي على علم النفس الاهتمام بالسلوك الملاحظ فقط، و كتب واطسن و ما يمكن اعتباره البيان السلوكي قائلا: "لقد حان الوقت الذي يجب فيه على علم النفس أن يرفض أي إشارة إلى الشعور" .
و لم تنفرج هذه الأزمة و تصبح الذات أحد موضوعات الدراسة العلمية في علم النفس إلا بعد انطلاق الثورة المعرفية أثناء الستينات من القرن العشرين، و تعد عودة الذات إلى الاتجاه السائد في علم النفس عامة و علم النفس الاجتماعي على وجه الخصوص أكثر إثارة من ذلك، لأن الأبحاث التي تناولت الذات في الثقافات الغربية أبحاث مبشرة و تؤدي إلى تفسير عالمي حقاً، و يمكننا الوصول إلى تعميمات أكثر دقة من خلال مقارنة ما تخبرنا به الدراسات البحثية عن الذات المستقلة و الذات الاعتمادية، كما يمكننا تحديد جوانب الذات التي تميل للاختلاف باختلاف الثقافة، كما يقوم علماء النفس الاجتماعي بدراسات تجربيبة عن جوانب الذات مثل الأحاديث الذاتية التي تدور داخل الذات، و علاقة الذات بالسياق الاجتماعي الذي توجد فيه، تلك الجوانب التي كنا نظن يوما ما أنها جوانب تخرج عن نطاق البحث العلمي. (عبد الرحمن، 2004 ص:100)
1- الإحساس بالذات :
تخيل أن شخصاً ما – والدك، أو أخاك الأكبر، أو صديقك – فتح الباب حجرتك فجأة و أنت تقرأ هذا الكتاب، و سألك: ماذا تفعل ؟ سوف ترد قائلاً ، أقرا كتاباً في علم النفس الاجتماعي، و قد تساعدك إجابتك في إلقاء الضوء على عدة جوانب من ذاتك يمكن اعتبارها ملامح أو معالم أو سمات للذات .
أ- معالم الذات :Features of the self
أولا ، تشير إجابتك إلى أن لديك إحساسا بالذات و إحساسا بوجودك، و يبدو أن هذا الإحساس بالذات قد ينمو عند معظم الناس قبل الثانية من العمر، و نحن نفترض ذلك لأن الأبحاث التي تناولت الأطفال الرضع تبين أن هؤلاء الأطفال قادرون على التعرف على أنفسهم في المرآة بين الشهر الثامن عشر و العامين، و قد تضمنت تلك الدراسات وضع نقط ملونه عل أنف الرضيع ثم وضع المرآة أمامه ، فإذا لمس الرضيع أنفه يُعد ذلك إشارة على تعرفه على نفسه، كما وجد أن القردة العليا هي المخلوقات الأخرى الوحيدة القادرة على فعل ذلك، و يفترض من ذلك أنه لا بد من وجود إحساس بالذات لكي يتعرف الشخص على نفسه في مرآة، و يبدو أن هذا هو الوعي بالذات .
و يتميز هذا الإحساس بالذات بسمة هامة، و هي أنها تقع في مكان واحد و هو الجسد، و من المفترض في كل ثقافات العالم أن الذات تسكن جسدا واحدا، و يحكم على الشخص في معظم المجتمعات بالمرض العقلي إذا ادعى أنه يوجد في أكثر من جسد أو إذا ذكر أن له أكثر من ذات في الجسد الواحد، و ينطوي أحد التفسيرات التاريخية للمرض العقلي على أن المريض عقلياً تملكتُه قوى شريرة، و على أن الجسد الواحد لا تسكنه الآن ذات واحدة، بل ذاتان (أو أكثر) هما الذات الأصلية المقيمة منذ البداية، و ذات ما دخيلة غازية تولت زمام الأمور و السيطرة، و كان أحد أهداف ضرب المرضى العقلين و المعاملة الوحشية في أغلب هو جعل الجسد مكانا غير مريح للغاية للدخلاء، أو ضرب الشيطان حتى يخرج منها، و على الرغم من أن العالم الحديث قد يعامل المرضى العقليين بقدر أكبر من التسامح، إلا أن وجود عدة أشخاص في نفس الجسد يؤدي قطعا إلى تشخيص المرضى بالجنون كما كان يحدث في العقود الماضية. (صالح ، 2002 ص: 55)
السمة الثانية للإحساس بالذات هي الاستمرارية، حيث تشعر و أنت تقرأ هذا الكتاب أنك نفس الشخص الذي بدأ القراءة منذ ساعة مثلا، و مثل تأكدك عندما استيقظت هذا الصباح أنك نفس الشخص الذي ذهب للنوم الليلة الماضية، و يبدو أن سمة استمرارية الذات سمة لا تُحدها ثقافة مع احتمال وجود بعض الاستثناءات، و يشير هاري ( Hurre,R.1990 ) أن لغة الكاوي Kawi و هي لغة قديمة لا تتضمن نفس افتراض الاستمرارية الزمنية الموجودة في اللغات الأخرى كالعربية و الإنجليزية، و نتيجة لذلك يجب على متحدثي تلك اللغة تقديم الاستمرارية الزمنية بالإشارة الصريحة، فإذا قلت لصديقك: "آسف ، لقد نسيت الاتصال بك البارحة، فقد انشغلت في مقابلة للحصول على وظيفة في شركة...." فإن ذلك ينطوي على أن الذات التي تشعر بالاعتذار اليوم هي نفس الذات التي نسيت الاتصال البارحة ، و لكن لو كنت تريد أن تقول ذلك بلغة الكاوي فستكون الجملة "ذاتي التي هنا الآن تأسف لك، لأن ذاتي البارحة نسيت الاتصال بك ...... (صالح ، 2002 ص:56)
و تقود مناقشة الإحساس بالذات حتماً إلى مجادلات فلسفية طويلة حول بنية الذات، و فروق مثيرة من الناحية النظرية مثل الفرق بين ضمير الفاعل ( I ) و ضمير المفعول (Me)، و هو فرق ضروري لنَصِفَ خبراتنا، و خصوصا خبراتنا الماضية ، و لكي نصل إلى هذا الفرق أو التمييز تخيل أنك ترد على سؤال: متى بدأت قراءة هذا الكتاب في علم النفس الاجتماعي؟ فعندما ترد قائلا: "لست متأكداً تماماً، و لكن يبدو لي أنني بدأت منذ حوالي الساعة" فكيف يمكنك أن تحكي ما كنت تفعله منذ بعض الوقت ؟.
أحد الطرق لوصف هذه الخبرة التي كان وليم جيمس .James,W (1890 – 1983) أول من اقترحها هو وصف الذات على أساس ضمير الفاعل (أنا) الذي يمكنه التحرك بإتباع سلسلة من التفكير لكي يحكي عن (ني Me) و تقوم الأنا طبقا لهذا الوصف بدور راوي القصة و تقوم (ني) بدور الشخصية الرئيسية في قصة حياة الفرد، وبناء على ذلك يمكن أن يحكي الأنا ما كانت تفعله (ني) منذ وقت ما و ما تفعله الآن، و ما قد تفعله في المستقبل.(صالح ، 2002 ص: 57)
ب – مفهوم الذات :
يشكل الانتقال من الإحساس بالذات إلى تكوين تصور معرفي عنها أهم دعائم إرساء مفهوم الذات، و يشارك ألبورت فرويد الرأي في أن أول إحساس يشعر به الطفل هو إحساسه بجسده، و الذي يتطور عن الإحساسات العضوية و الإحباطات الخارجية بدءاً من عجز الطفل عن تناوله طعامه عندما يريد ذلك حتى ضرب رأسه في شي ، وهنا يتعلم التميز بين جسده و الأشياء الصلبة من حوله، و يبقى هذا الإحساس راسخاً دوماً في وعينا، كما اعتبر ألبورت أن الشعور بالتماسك الداخلي و الاستمرارية أمر ضروري لتحقيق الوعي الذاتي لدى الفرد، فيقول: "اليوم أتذكر بعضا من أفكاري التي كانت بالأمس، و غدا سوف أتذكر بعضا من أفكار اليوم و الأمس معا، و أنا متأكد أنها أفكار نفس الشخص، وهو أنا (محمد السيد عبد الرحمن 1998 )، نتيجة للميل نحو التمايز الذي يعتبر جزءاً من الميل نحو تحقيق الذات يصبح جانب من خبرة الفرد ( المجال الظواهري ) مُرمزاً في الوعي و في الخبرة الذاتية، و من خلال تفاعل الفرد مع الأشخاص ذوي الأهمية في حياته و الموجودين في محيطه، فإن الخبرة الذاتية تؤدي إلى مفهوم الذات كشيء مدرك في مجال الخبرة ( أي الذي يعيشه الفرد فعلاً ).
و مفهوم الذات أو بنية الذات كما يراها روجرز هو : مفهوم الذات أو تصور جشطلتي (كلي) منظم يتكون من إدراكات الفرد عن ذاته بمفردها، كما يعبر عنها ضمير المتكلم الفاعل أنا "I" أو لذاته في علاقتها بالأشخاص الآخرين و الأشياء و الموجودة في البيئة (أي علاقتها بالحياة) و كما يعبر عنها ضمير المفعول "ني" "Me"، بالإضافة إلى القيم (الأحكام) المتصلة بهذه الإدراكات، و مفهوم الذات لا يكون دائما في الوعي، و لكنه يكون دائما متاحا للوعي، بمعنى أنه يمكن استحضاره للوعي أو الشعور، و ينظر لمفهوم الذات على أنه شي مرن غير جامد و يمثل عملية أكثر من كونه سمة، و لكنه عند أي نقطة زمنية يمكن أن نراه كخصيصة أو كينونة محددة Specific Entity . (صالح ، 2002 ص:88 )
و يعد مفهوم الذات بمثابة صورة يكونها الفرد عن نفسه جنبا إلى جنب مع تقويمه و حكمه على هذه الصورة، و على سبيل المثال قد يدرك الفرد ذاته على أنه أعلى من المتوسط من حيث الذكاء ، و على أنه طالب متميز في كل المقررات المدرسية فيما عدا الرياضيات، و على أنه يحب العمل اليدوي، و أنه يحب والديه أو يخاف منهما أو يخاف من المستقبل... الخ و هو يعطي كل صفة من هذه الصفات وزنُّ خاصا موجبا أو سالباً.
المصادر التي يُبنى عليها مفهوم الذات :
إذا كان مفهوم الذات هو مجموع معتقدات الفرد عن سماته الشخصية، فإن تشكيل هذا المفهوم يتطلب وقتا من عمر الفرد يقوم خلاله بجمع معرفته عن ذاته و تفسير المعلومات التي يجمعها، و لذلك فإن الناس يكونون مفهومهم عن ذاتهم بنفس الطريقة التي يكونون بها انطباعهم أو مفهومهم عن الآخرين مستخدمين نفس النمط من المعلومات و طرق تفسير مماثلة، و يستنبطون خصائصهم من سلوكهم، كما أنهم يستخدمون أفكارهم و مشاعرهم و تفاعلات الآخرين معهم في تشكيل رأيهم عن ذاتهم، و يقارنون أنفسهم بالآخرين ليتعرفوا على الخصائص التي تميزهم عن غيرهم. فيما يلي عرض واف لهذه المصادر:
1- الاستدلال من خلال السلوك:عندما يطرح المؤلف البريطاني فوستر، Foster.F.M هذا السؤال: كيف أعرف ما اعتقده حتى أدراك ما أقوله؟ فأنه يجذب الانتباه إلى مصدر هام من مصادر معرفة الذات، و الفكرة الرئيسية لنظرية إدراك الذات Self-Perception Theory التي أعدها داريل بيم (Bem,D,1972) و مفادها أنه يمكننا معرفة أشياء عن أنفسنا عن طريق ملاحظة سلوكنا، على الأقل عندما تكون مصادر المعرفة الأخرى غير كافية، و ندرك ذاتنا عندما نجد أنفسنا مثلا نصرخ في عامل البوفيه أو في عامل بموقف السيارات فنعرف أننا غاضبون، أو عندما نتدبر خطواتنا إلى المسجد لأداء الصلاة و نستنتج أننا متدينين، أو عندما نشارك في عمل طوعي لصالح ضحايا فلسطين و نقرر أننا كرماء أو نشارك في حفل أو رحلة و ندرك أننا انبساطيون .
حتى السلوكيات التخيلية يمكن أن تمدنا بالمواد الخام لعمليات إدراك الذات، تخيل مثلا أنك تؤدي عدة أشياء مختلفة للحفاظ على البيئة، كالاستفادة من مخلفات الزراعة ( قش الأرز مثلا) أو العلب المصنوعة من الألمونيوم، حاول أن تتخيل أنك تؤدي بالفعل شيئا من هذا القبيل، هل تنظر إلى نفسك الآن على أنك شخص أكثر وعيا بالبيئة من الآخرين؟ تثير الدراسات إلى أن تخيل تلك السلوكيات قد يقودك إلى الوصول إلى مثل هذا الاستنتاج ( Anderson &Goodfrey,1987 ) ، و بالطبع سوف تتوصل إلى استنتاج معاكس عن نفسك (أقل وعيا بالبيئة) إذا طلبنا منك تخيل نفسك تشارك في حملة للتخلص من مخلفات الزراعة من خلال حرقها، مخلفا سحابة سوداء تعمى العيون و تكتم الأنفاس.
و تفسير تلك النتائج يرجع إلى أن التفكير في السلوك الحقيقي أو المتخيل يزيدان فرصة الوصول إلى السمات الشخصية ذات الصلة، و ربما تتخيل نفسك تحل لغزاً ثم تفكر في قدراتك المكانية البارعة، و تتذكر أنك كنت تحب حل الألغاز في طفولتك، و حين بوارد إلى ذهنك أفكار من قبيل "أنا ماهر جدا في حل الألغاز" تصبح أساسيا للاستدلال الذاتي، و الأمر المثير للدهشة أن النظر إلى الذات على أنها تتمتع بسمات مرتبطة بذلك قد لا يُحس فقط ثقتك و مثابرتك و جهدك، بل إنه يُحسن أيضا أداءك الحقيقي في المهمة .(عبد الرحمن، 2004 ص:102 ).
2- الإدراك الذاتي للدافعية :بالتأكيد، لا نقوم بإصدار أحكام سريعة عن أنفسنا طوعاً أو كرهاً، و تفترض نظرية إدراك الذات أننا نستدل على ذاتنا من سلوكنا عندما تكون الملامح الداخلية Internal Cues ضعيفة أو غامضة، و عندما لا توجد ضغوط موقفية قاهرة، كما أن الناس يميلون إلى النظر إلى أنفسهم على أنهم يتمتعون بسمات تتوافق مع سلوكهم الماضي أو الحاضر عند عدم وجود مشاعر داخلية قوية و ضغوط خارجية قاهرة، و لكن إذا كنت تعاني من تقلصات حادة في المعدة فلا حاجة بك لأن تلتهم ساندويشاً لكي تعرف أنك كنت جائعا، كما أنه لا يحتمل أن تستنتج أنك كنت جائعا لأنك لاحظت نفسك و أنت تشارك في الأكل.
و في الواقع يتوصل الناس في معظم الأحيان إلى استنتاجات عن أنفسهم من سلوكياتهم التي يرون أنهم اختاروها بحرية، و تثير الدافعية الداخلية السلوكيات المختارة بحرية، فنحن نفعل ما نريد أن نفعله، و ليس ما علينا أن نفعله. و في المقابل يكون السلوك محكومّا بالدوافع الخارجية إذا كان يؤدي للحصول على هدف ما خارجي، و غالبا ما نؤديه دون الإحساس بالراحة .
على أساس نظرية الإدراك الذاتي، فلا شك أن الأطفال الذين رأوا أنفسهم يرسمون صوراً عندما وعدوا بالحصول على مكافأة استنتجوا أنهم يرسمون من أجل الحصول على تلك المكافأة و ليس لمجرد الحصول على متعة الرسم، و في المقابل، قاد الرسم بدون توقع المكافأة بعض الأطفال إلى استنتاج أن هذا النشاط ممتع و مثير بالقطع، و هكذا قد تُضعف المكافأة الخارجية الدافعية الداخلية، بخاصة عندما ينظر إليها على أنها رشاوى تتحكم خارجيا في السلوك، و ليست علاوات أو تعزيزات تدل على الكفاءة .( عبد الرحمن,2004,ص103)
3- الاستدلال من خلال الأفكار و المشاعر:لا أحد يعرفك جيدا مثلما تعرف أنت نفسك، أليس كذلك؟ قد يرجع ذلك إلى أن أهم مؤشر أو ملمح لمعرفة الذات هو ردود أفعالنا الخاصة تجاه العالم من حولنا، أي أفكارنا و مشاعرنا. و حتى نظرية إدراك الذات نفسها ترى أن الناس لا يستنتجون معلومات من سلوكياتهم الخاصة إلا في حالة ضعف المعطيات أو المؤشرات الداخلية مثل الأفكار و الشاعر، ويمكن أن تمدنا تلك المعطيات بمعلومات أكثر من المعلومات التي قد نحصل علينها من ملاحظة السلوك الظاهر، ويرجع ذلك بالتحديد إلى أن الأفكار و المشاعر أقل تأثراً بالضغوط الخارجية مقارنة بالسلوك الظاهر، فقد يدفعك حضور حفل زفاف أقرب الأصدقاء لك مثلا لأن تُجاري أو تساير جو الحفلة ولكن إحساسك الداخلي بالغيرة أو القلق ( لأنه سوف يكون من الصعب عليكما الالتقاء باستمرار كما كان يحدث سابقا ) يخبرانك المعلومات أكثر عن نفسك. و تؤكد إحدى الدراسات على أهمية الأفكار و المشاعر في معرفة الذات، هي دراسة أندرسن (Andersen,1984) التي استمع فيها بعض الملاحظين لمفحوصين يتحدثون عن أفكارهم و أحاسيسهم في مواقف الحياة اليومية المتنوعة، في حين سمع ملاحظون آخرون المفحوصين يصفون سلوكهم فقط في تلك المواقف، و قام الملاحظون بتدوين انطباعاتهم، و كشفت النتائج أن الملاحظين الذين سمعوا وصف الأفكار و المشاعر كونوا انطباعات تتوافق مع مفهوم الذات عند المفحوصين على نحو أدق من الانطباعات التي سجلها الملاحظون الذين سمعوا وصفا للسلوك فقط، و تشير النتيجة إلى أن أفكارنا و أحاسيسنا يمكن أن تلعب دوراً في استنتاجاتنا عن سلوكنا أكبر من الدور الذي تلعبه السلوكيات.(عبد الرحمن،2004 ص:104)
4- أثر ردود أفعال الآخرين:تساهم ردود أفعال الآخرين أيضا في نمو مفهوم الذات، و قد وضع عالم الاجتماع تشارلز كولي Cooley, CH. عبارة "الذات الناظرة من خلف الزجاج" The Self Looking Glass عام ( 1902 ) للإشارة إلى أن ردود أفعال الآخرين تجاهنا تعد مصدراً هاماً من مصادر معرفة الذات، و تعد تلك الردود بمثابة مرآة تعكس صورتنا، فنتمكن نحن أيضا من رؤيتها (Felson,1980) ، فالوالدان يدلَّلوننا، و الأقران يستخفون بنا، و الأقارب يلاحظون بسرور أننا نُذكرهم بصفات فيهم، و تخبرنا مثل تلك الاستجابات أننا ظرفاء أو غير رياضيين أو متدينون، وهكذا تشير هذه العبارة إلى أن مفهوم الذات و الإحساس بها يعتمد على و يتأثر بنظرة الآخرين لنا، و تخيل أحكامهم نحونا و نحو مظهرنا، و بعض المشاعر الذاتية الصادرة عنا مثل الفخر أو الخزي أو الخجل، كما أدرك مفكرون آخرون مثل فرويد ، و جورج ميد Mead,D , و جان بياجيه piaget , و إنهلدر Inhelder ، و فيجوتسكي، Vogotsky نفس الأمر رغم الاختلاف أساليبهم في التعرف على الأصول الاجتماعية للوعي بالذات.
و على الرغم من ذلك لم يبدأ علماء النفس الاجتماعي في تنفيذ الدراسات التجريبية على العلاقة الموجودة بين الخبرات الاجتماعية و الإحساس بالذات أو مفهوم الذات إلا في الآونة الأخيرة، و استخدمت تلك الدراسات التي قادها كل من وليم، و كلير و ماك جوير و آخرون (Me Guire et al,1986 ) بجامعة يال Yale أسئلة غير مباشرة ذات نهاية مفتوحة لدراسة العلاقات الموجودة بين السياقات الاجتماعية و الإحساس بالذات، و قد طلب الباحثون من المفحوصين في تلك الدراسات ذكر ما يخطر ببالهم عند سؤالهم بأن يحكوا عن أنفسهم (احك عن نفسك). و تُظهر النتائج أن ورود أسماء آخرين في سياق الحديث تشغل حوالي 25% من المفاهيم الاسمية المستخدمة في هذا الوصف الحر، و يشير ذلك إلى أن إحساسنا بذاتنا، و من ثم مفهومنا عن ذاتنا يعتمد إلى حد بعيد على علاقتنا الاجتماعية.(عبد الرحمن،2004 ص:105)
5- المقارنة الاجتماعية : كثيراً ما نطلب من أطفالنا أن يكونوا متفوقين أو مؤدبين أو منظمين مثل أولاد عمهم أو أولاد خالهم أو غيرهم، و كما يستخدم المدرسون المقارنة بين الطلاب لحث المتأخرين دراسياً منهم على الإنجاز و النجاح، و هكذا تلعب المقارنة الاجتماعية دوراً في توجيه سلوكنا منذ الصغر، و تظل تقترن بسلوكنا و أفكارنا عن ذاتنا حتى في الرشد، و هو ما دفع ليون فستنجر. Fesinger إلى صياغة ما يعرف بنظرية المقارنة الاجتماعية Social Comparison Theory و التي تتضمن أن الأفكار و الأحاسيس المرتبطة بالذات تنشأ في أغلب الأحوال من عقد مقارنات بيننا و بين الآخرين، كما أقترح فستنجر أن الناس يريدون تقييم أنفسهم على نحو دقيق، و لذا يبحثون عن آخرين يشبهونهم لعقد هذه المقارنات، فإذا أردت كلاعب شطرنج صاحب مهارة معقولة مثلاً أن تعرف مدى براعتك في اللعب، فيمكنك وقتها أن تعرف معلومات كافية عن ذاتك من خلال مقارنة نفسك بأندادك أثناء مباراة بينكم، أكثر مما تعرفها من خلال مباراة لك مع أساتذة اللعبة أو المبتدئين فيها، و غالبا ما يكون نظراؤنا في العمر أو الجنس أو المستوى التعليمي و الاقتصادي أهدافا طبيعة للمقارنة.
و تعطينا المقارنات الاجتماعية الفرصة لبناء مفهوم عن نفسنا من خلال الكشف عن الجدية أو الاجتماعية التي تميزنا عن الآخرين المألوفين أو المشابهين لنا، و غالبا ما تصبح تلك السمات التي تميزنا عن معظم الأشخاص الآخرين من مظاهر الذات. فقد يفكر من يستخدمون يدهم اليُسرى (الأعسر) في مسألة استخدام الأيدي ، وهي سمة شخصية مميزة أكثر مما قد يفكر فيها من يستخدمون يدهم اليمنى ( الأيمن ). و قد يذكر الأطفال الذين يكتبون وصفا لأنفسهم سمات مثل "ارتداء النظارات، قصر القامة" تميزهم على أنهم غير عاديين في أسرتهم أو فصولهم الدراسية، باختصار تسمح لنا المقارنة الاجتماعية من خلال تلخيص نواحي اختلافنا عن غيرنا ببناء مفهوم للذات يعطي كلاً منا إحساساً بالتفرد و التميز، (عبد الرحمن، 2004 ص:104).
أساليب تكوين مفهوم ذات متماسك:
لا تأتي لنا معرفة الذات في شكلها النهائي ملفوفة في ورق من السوليفان و معقودة بالأشرطة الملونة مثل الهدايا، و لكنها تأتي مفككة و معها بطاقة مكتوب عليها "بحاجة للتجميع" . عند بنائنا مفهوم للذات من قطع مختلفة من معرفة الذات مشتقة من أدوارنا و تفاعلاتنا الاجتماعية المختلفة فقد لا تتألف أو تنسجم تلك القطع معاً على نحو حسن فقد تكون مشاركا شغوفا و نشطا في أحد الفصول الدراسية و مشاركا تنقصه الدافعية في فصل آخر، و قد ترى نفسك كمدرس جيد، و زوج فاشل في نفس الوقت، و تشبه جوانب الذات قطعا في لعبة من ألعاب الميكانو أي ألعاب الفك و التركيب في أنها لابد و أن تُجمع في كل متكامل إذا أراد الفرد أن يشعر بالوحدة و الانسجام أو الاتساق Unity و نستخدم عادة عدد من الإستراتيجيات لبناء هذا الإحساس المتكامل بالذات أهمها:
أ‌- التماسك من خلال الحد من سهولة المنال Limited Accessibility:
تخيل لبرهة أنك أمام منزل كل غرفة فيه مفروشة بأثاث من نمط مختلف، مطبخ ريفي، و غرفة نوم ستيل على النمط الإيطالي، و غرفة معيشة على النمط العربي الخليجي، إذا وقفت في المدخل الرئيسي لهذا المنزل و نظرت إلى كل الحجرات في نفس الوقت فيبدو لك خليطا غير منسجم من الديكور، و لكن إذا دخلت أي حجرة و أغلقت الباب خلفك سيبدو الديكور مترابطا و سيبدو الجو مريحا، و نحن نتعامل في الغالب مع الأمور غير المتناسقة في الأجزاء المختلفة لمفهومنا عن ذاتنا بنفس الطريقة، حيث نسترخي في راحة أحد الأدوار لأن الأدوار الأخرى غير المتسقة تكون بعيدة عن العين و من ثم بعيدة عن القلب أو الذهن. و لكن ما الذي يفتح و يغلق المداخل الموجودة بين ذواتنا المتعددة؟ الواقع أنه يوجد أشخاص و أماكن معينة تعمل عمل المفاتيح، و يجب أن نتذكر أن جوانب الذات تقترن بمواقف و أفراد معينين لا تفكر فيهم في أوقات أخرى، فقد ترى نفسك في العمل مثلا على أنك مثابر و منطقي و صاحب سلطة متجاهلاً سمات أخرى مثل حب اللهو و خلو البال التي قد تميز ذاتك في وقت الفراغ، و ينشأ عدم الارتياح عندما تُنشط مواقف ما جوانب غير متوافقة في الذات في نفس الوقت فتفسد الإحساس بترابط الذات، و عليك أن تتخيل ما يمكن أن تشعر به إذا اصطحب أحد أساتذة الجامعة ابنه الصغير الذي لم يتجاوز العامين إلى المحاضرة، و هو أمر يثير جانبين مختلفين للذات في نفس الوقت و هما ذاته كوالد، و ذاته كأستاذ جامعي.
ب‌- التماسك عن طريق الذاكرة الانتقائية Selective Memory:
عندما يفكر الناس في ماضيهم يعيدون بناء سيرة ذاتية تعمل على تكامل جوانب ذاتهم و سماتهم المختلفة. وعلى سبيل المثال فإن الناس الذين تغير سلوكهم من السلوك الخجول إلى السلوك المنفتح قد يسترجعون مجموعة متميزة من الذكريات الذاتية التي كانوا فيها دوما منفتحين و ودودين، و تتعامل عملية إعادة بناء الذات مع الأمور غير المنسجمة مثلما تتعامل الحكومات الديكتاتورية مع إعادة كتابة التاريخ – تحذف كل أخطائها – و تعطي تلك الإستراتيجية للفرد إحساسا بالذات يشعره بالترابط مع مرور الوقت حتى لو فشل في تسجيل حقائق التاريخ الشخصي بدقة. و يعتقد مايكل روس ( Ross,M.1989) أن ذكريات الكبار المتكررة – و خاصة تلك التي تراودهم عندما يرون الأطفال الذين يسيئون التصرف – عن طفولتهم الجادة و تحملهم المسئولية من سن مبكرة قد تكون ناتجة عن عملية إعادة بناء السيرة الذاتية، فعندما يكون الفرد مسئولاً يسهل عليه عدم تذكر ذاته كطفل بالشكل الصحيح فيتذكر أنه كان أيضا طفلاً مسئولاً، و ينسى أحداث اللامبالاة التي فاضت بها أيام طفولته.
ج- التماسك عن طريق العزو Attribution:
هل ستصيبك الدهشة إذا علمت أن زملاءك في العمل ينظرون إليك على أنك شخص قابل للتغير إلى حد ما، فتارة تكون هادئا و مراعياً لمشاعر الآخرين و تارة أخرى متسلطا و ديكتاتورياً؟ إذا كنت مثل معظم الناس فقد تصيبك الدهشة فعلاً، و قد ترد بقولك بالطبع إنك مراع لمشاعر الآخرين في وجود رئيسك، أما في غيابه فلا بد أن يقوم شخص ما بتنظيم الأمور. إننا نفسر سلوكياتنا على أنها استجابات معقولة للمواقف، و لذا لا ننظر إلى الاختلافات في سلوكياتنا على أنها أمارات أو إشارات و علامات هامة على عدم الثبات، و كما أشرنا سلفا فإن معظم الناس يعزون سلوكهم الخاص إلى الظروف و لا يعزونه إلى سمات شخصية عامة و ثابتة، و يساعدنا هذا الأسلوب في تفسير السلوك غير المتوافق على أنه ناتج لظروف غير مواتيه، و ليس على أنه ناتج عن ذواتنا غير المتسقة أو المستقرة على وتيرة واحدة.
د- التماسك عن طريق اختبار عدد محدود من السماتSelecting A few Key Traits :
يبنى الناس أيضا مفهوماً موحداً و ثابتاً للذات من خلال ملاحظة عدد محدود من السمات الرئيسية التي يعتقدون أنها تميزهم بالتفرد عن الآخرين، و بالثبات في المواقف المختلفة، و تُكون تلك الخصائص الشخصية الهامة و الميزة ما يسمى بمخطط الذات Self-Schema و جمعها مخططات الذات Schemata و عندما تدمج سمة أو خاصية معينة من تلك الخصائص في مخطط الذات، فإن الناس يلاحظون و يعالجون المعلومات الخاصة بها بكفاءة عالية. و على سبيل المثال فإن الناس الذين يتصفون بالتعاون كجزء من مخطط الذات يستطيعون الإجابة على سؤال مثل: هل أنت متعاون؟ هل أنت أسرع من الآخرين؟ و يميل الناس إلى رؤية الأدلة على تلك الصفات و الخصائص الرئيسية في سلوكياتهم الأكثر دنيوية، و بذلك يدعمون إحساسهم بوجود ذوات متحدة و ثابتة Contor,N & Kihstrom J,F.1987 و من ثم فقد ترى تأكيداً لوجهة نظرك في ذاتك على أنك متعاون حتى من خلال سلوك بسيط مثلما يحدث عندما تدل شخصاً غريباً على الشارع الذي يقصده أو الكلية التي يريد الوصول إليها في حرم الجامعة أو تعبر مع كفيف نهر الشارع الممتلئ بالسيارات، و كما سنرى فالناس يسارعون برفض التغذية المرتدة التي لا تتوافق مع مخططاتهم الذاتية، و بذلك يزيدون من إحساسهم بالاتساق و الثبات ( سويف،2000 ص:70 )
تعدد الذوات و تعقدها:
سرعان ما نصبح أكثر وعيا بالذوات المتعددة و المختلفة التي تقبع داخلنا مع تراكم المعلومات التي نحصل عليها من تلك المصادر المختلفة، و نبدأ ندرك أن بعض سلوكياتنا و أفكارنا و أحاسيسنا تعتمد على ما نفعله و من نتخذه رفيقا لنا. و على سبيل المثال قد يختلف سلوكنا و إحساسنا بين زملاء العمل – فقد نكون أقل مرحا و أكثر إحساسا بالمسئولية – عن سلوكنا و إحساسنا عندما نكون مع أسرنا و أصدقائنا المقربين، كما تختلف المقارنة الاجتماعية من موقف لآخر، فقد يكون أقل الناس أدبا في عمله أكثرهم أدبا في أسرته، و تختلف ردود أفعال الآخرين أيضا، فقد ينظر الأقارب من المسنين لطبيب في الأربعين من عمره على أنه صغير السن – لم تنضج خبرته بعد – في حين قد يراه رفاقه في العمل على أنه طبيب بارع في مجال زراعة الأعضاء.
كيف نتعامل مع تلك المعلومات المختلفة التي قد تكون مُربكة؟ ، و الإجابة أننا نقوم بتنظيمها طبقا لأدوارنا و أنشطتنا و علاقتنا المتنوعة، و من ثم فقد تعتبر امرأة نفسها مجتهدة في المواقف الأكاديمية، و مجتهدة في المكتب و محبة للهو عندما تسترخي مع مجموعة من صديقاتها، و تلخص تلك الجوانب المختلفة للذات رأى المرأة في نفسها في مجال أو دور أو نشاط معين، و قد تعكس جوانب أخرى للذات أدوارا و أنشطة أخرى مثل الأخت أو الحبيبة أو لاعبة الشطرنج أو ممارسة الجري الخفيف.
و يختلف الناس في مستوى تعقد الذات Self-Complexity أي في تنوع و تعدد جوانب الذات التي تنشأ بناء على المواقف أو الأدوار أو العلاقات المختلفة، و يوصف الأشخاص ذوي الجوانب القليلة و المتشابهة نوعا ما للذات المستقلة و الكثيرة بأنهم ذوو مستوى مرتفع في تعقد الذات ( Linville,1985)، فعندما تبحث لجان التقدم لوظائف معينة عن متقدمين ناضجين، فإنهم قد يبحثون عن أشخاص ذوي مستوى مرتفع في تعقد الذات، و قد لا يصف مثل هؤلاء المتقدمين أنفسهم على أساس الإنجاز الأكاديمي أو الدراسي فقط، بل أيضا كمشاركين في أدوار أو أنشطة أخرى مثل الألعاب الرياضية أو العمل التطوعي، أو أجادة العمل على الحاسب الآلي، أو الكفاءة الإدارية أو الفن أو الموسيقى، و يبين الشكل (2) أمثلة لذوي المستوى المرتفع المنخفض في تعقد الذات، و كما سنرى لاحقا ينطوي ارتفاع أو انخفاض مستوى تعقد الذات على أمور خاصة بالصحة البدنية و النفسية.( سويف، 2000 ص:70 )
أثر الثقافة على فهم و تقدير الذات:
يرى موجهدام (1999) أن الفروق و الاختلافات الثقافية كانت من بين العوامل التي ساعدت على صعوبة فهم الذات و دراستها، حيث يرى أن معرفتنا بأنفسنا و شعورنا نحو ذواتنا يتأثران بنوع الثقافة التي تنتمي لها، و يرى أنه قد ظهر في نهاية القرن العشرين كم مثير من الأبحاث التي يركز على مفهوم مختلف للذات و هو مفهوم ظهر خارج إطار الثقافة الغربية، و يسود أكثر في المجتمعات الشرقية و بين الأقليات العرقية في الغرب، ويشار إلى هذا المفهوم البديل للذات الاعتمادية اعتمادا متبادلا Interdependent Self مقارنة بالذات المستقلة Independent Self التي تؤكد على الاستقلال و السمات الداخلية و تفرد الناس، تعد الذات الاعتمادية أكثر اعتمادا على العلاقات الاجتماعية، و تؤكد على سمات الجماعة، و حدودها أكثر تشوشا، و قد لاحظ الباحثون سيادة تلك الذات الاعتمادية عند محاولتهم دراسة وجهة النظر المحلية في المجتمعات الغربية على أفراد من خارج هذه المجتمعات.
و تنبع الذات الاعتمادية و الذات المستقلة من سياقين ثقافيين مختلفين، حيث تنشأ الذات المستقلة في الثقافات التي تؤكد على الحرية الشخصية، و الحراك الفردي Individual Mobility و الهدف الرئيسي للتنشئة الاجتماعية في تلك الثقافات هو نمو أفراد مستقلين و يمكنهم تحقيق الاكتفاء الذاتي، في حين تنشأ الذات الاعتمادية في ثقافات تهدف التنشئة الاجتماعية فيها إلى تقوية الروابط بين الأفراد و الجماعات و المختلفة مثل الأسرة و القبيلة،كما يجب أن نلاحظ أنه لا يمكن النظر إلى جوانب الاستقلالية الاعتمادية في الذات بعين الكل أو لا شي على الإطلاق، فقد ذكر سنجلز و رفاقه أن كلا الجانبين من الذات يمكن أن يكونا مترافقين في نفس الفرد، و تعتمد درجة امتداد أي منهما في الذات على طبيعة الثقافة التي تنتمي لها، فالجوانب الاستقلالية تصبح أكثر وضوحاً في الثقافات الفردية ف حين أن الجوانب الاعتمادية تكون أكثر وضوحاً في الثقافات الجمعية.(عبد الرحمن، 2004 ص:97 )
إستراتيجيات تقديم الذات :
توجد إستراتيجيات متنوعة من شأنها أن تجعل الفرد يؤدي أداء فعالاً على مسرح الحياة، وقد وصف إدوارد جونز (Jones, E.1990) سلسلة من تلك الإستراتيجيات تبدأ بالإستراتيجيات الرقيقة مثل التوسل Supplication (أي التوسل للآخرين لكي ينظروا إليك على أنك شخص ضعيف)، و ثم تتدرج إلى التخويف Intimidation (أي أن تهدد الآخرين حتى تبدو لهم شخصاً خطراً). و أشار جونز إلى أن كل الإستراتيجيات محفوفة بالمخاطر، و لكن التودد و التخويف تعد أكثر الإستراتيجيات خطراً، فالشخص الذي يُسرف في التودد للآخرين يخاطر بأن ينظر إليه على أنه متملق، و أي شخص يحرص على إرضاء الآخرين، و لا يؤتمن على إعطاء رأيه في أي موضوع. كما أن محاولة تخويف الآخرين يمكن أن تنقلب مع احتمال أن ينظر الناس إلى الشخص المثير للتهديد على أنه ثرثار أو تافه. كما يعد تعزيز الذات إستراتيجية شائعة، و لكن الأداء الأخرق يمكن أن يقود الناس إلى النظر للشخص على أنه نصاب و ثرثار و غير كفؤ.
التوسل، و ضرب المثل (التمثيل Exemplification) إستراتيجيات أقل شيوعاً من الإستراتيجيات الأخرى، و كلنا يعرف أشخاصا يرتدون عباءة القديسين و لكنهم معرضون لخطر أن ينظر إليهم على أنهم منافقون أو متظاهرون بالتقوى و الصلاح، و عندما تفشل تلك الإستراتيجيات فقد ينتهي الأمر بالناس إلى استعراض فشلهم ، آملين أن يساعدهم الآخرون في التغلب على عجزهم، قد لا يؤدي العجز إلى وجود شخص يتلقى مساعدة الآخرين فحسب بل إلى شخص يُحمد كثيراً و يتلقى الثناء على جهوده و نتائجه، فقد يثنى طالب على زميلة أو معلم على تلميذه رغم حصوله على الحد الأدنى للنجاح لأنه كان مريضاً يوم الامتحان و أصر على دخوله، و يندمج الناس أحيانا في إستراتيجية إعاقة أو تعجيز الذات Self-Handicapping لأنها قد تكون إستراتيجية فعالة فيحاولن تفسير أداءهم الضعيف على أنه يرجع إلى نقائض و عيوب مثل المرض أو عدم النوم أو تعاطي أدوية و عقاقير و ليس إلى نقص الكفاءة أو العجز في القدرة، و لو كانوا يتعاطون دواء و فشلوا فلا بد أن فشلهم يرجع إلى ما يتعاطونه، أما إذا نجحوا فلابد أنهم موهوبين بشكل غير عادي لأنهم نجحوا على الرغم من وجود تلك الإعاقة، و لكن تبنى تلك الإستراتيجيات هو الآخر محفوف بالمخاطر حيث ينظر لمثل هذا الشخص على أنه كسول و لا يستحق أن يحقق نجاحاً.
ويوجد أيضا عدد من إستراتيجيات تقديم الذات المرتبطة بالجماعة إلى جانب الإستراتيجيات الفردية التي وصفها جونز، حيث تشتق الذات دوراً مهماً من خلال مكانتها الاجتماعية المكتسبة بحكم عضويتها في جماعة، و من ثم تتولد دافعية لدى الأفراد للارتباط بالجماعات التي تتمتع بمكانة اجتماعية إيجابية لكي يعدوا من الفائزين و ليسوا من الخاسرين. و يؤدي هذا بالأفراد إلى ربط أنفسهم بالجماعة بدرجة كبيرة عندما يحقق الموقف نوعاً من الخسارة، فطلاب الجامعة مثلا ينعمون بمجد فريق كرة القدم الذي يشجعونه و يتحدثون عنه بعبارات مثل "فريقنا"، لقد انتصرنا و يميلون إلى إبعاد ذاتهم عن الفريق المنهزم، و كيف أن لاعبيه قد أخطئوا في لعب الكرة في الأوقات الحرجة من المباراة، و ربما يدعى أنصار الفريق المهزوم أنهم لا يشجعون أي فريق على الإطلاق، أو أنهم كانوا يشجعون هذا الفريق منذ سنوات عندما كان يحقق الانتصار تلو الانتصار.(زهران، 2000 ص:32)
تركيز الانتباه كإستراتيجية لتقديم الذات:
على الرغم من اهتمام النموذج الدرامي لتقديم الذات بالإستراتيجيات التي يستخدمها الناس لتقديم أنفسهم، إلا مجموعة أخرى من الباحثين قد قامت بدراسة ما يركز عليه الأشخاص الذين يقدمون أنفسهم. فكَّر مثلا في طريقة تصرفك عندما تتفاعل مع الآخرين، هل تركز على أحاسيسك و أفكارك أم تركز على ما يحيط بك؟ يميز الموضوع الأول بين الأشخاص الذين يركزون على العوامل الداخلية مقابل الأشخاص الذين يركزون على العوامل الخارجية، في حين يتناول الموضوع الثاني أثر التركيز على العوامل الداخلية و الخارجية على الذات أثناء عملية تقديم الذات، و سوف نعرض لها تفصيلاً على النحو الآتي:
أ- مراقبة و توجيه الذات Self-Monitoring:
يبدو أن وصف الناس بالممثلين يكون أكثر صدقا عندما يطبق على بعض الأفراد، و قد نفكر في بعض أصدقائنا الذين يمثلون بالمعنى الذي وصفه جوفمان، أي أنهم يقدمون أنفسهم تقديماً يتوافق تماماً مع معايير موقف معين، و يمتازون بمهاراتهم في تغيير أدائهم لكي يناسب المواقف المختلفة، وفي المقابل قد نفكر في أشخاص يظلون كما هم لا يعتريهم إلا تغيير طفيف في المواقف المتباينة، ويبدو أن مثل الأشخاص لا يتأثرون كثيراً بتغير المعايير في هذه المواقف.
ويشير كم كبير من الأدلة إلى أن الأشخاص الذين يراقبون أنفسهم مراقبة دقيقة بارعون في التعرف على الملامح و المؤشرات الاجتماعية، و يُعدلون سلوكهم لكي يقوموا بما هو متوقع منهم في موقف معين، و ربما يتطلب القيام بما هو متوقع في بعض المواقف سلوكا غير مطابق، و على سبيل المثال، في إحدى الدراسات انضم طلاب إلى جماعات نقاش معقد في أماكن مصممة لإعطاء انطباعات متباينة، كان المكان الأول عبارة عن غرفة بها أجهزة مختلفة من بينها كاميرات فيديو، و أخبرت المجموعات أن مناقشاتهم سوف تُسجل و تُعرض على الطلاب، و في المكان الثاني أكدت الملامح و المؤشرات الاجتماعية أداء المشتركين في النقاش أمام مجموعة من الطلاب الذين يُفترض أنهم فضلوا الاستقلالية الذاتية في مواجهة الضغوط، و عقدت المناقشات في غرفة ليس بها أثاث سوى منضدة و بعض الكراسي، و لا يرى الجمهور سوى الذين يقومون بالتقديم، و بدا في هذا المكان الخاص أن الملامح و المؤشرات الاجتماعية تؤكد على التطابق مع معايير المجموعة الحاضرة، و قد ثبت أن الأشخاص ذوي الدرجة المرتفعة في مراقبة الذات حساسون بشكل خاص للملامح و المؤشرات الاجتماعية الموجودة في هذين الموقفين، فقد أظهروا استقلالية ذاتية في المناقشات العامة، و تطابقا أو انسجاماً في المناقشات الخاصة.
و قد أشار سنيدر إلى المجتمعات التي تقدر متابعة الدور، و تمثيل الدور مثل اليابانيين، قد يقومون أيضا بتنشئة أبنائهم تنشئة اجتماعية تجعلهم مراقبين و موجهين جيدين للذات، إلا أن موضوع تركيز الانتباه قد يعقد العلاقة بين مراقبة الذات و الثقافة.(زهران،2000 ص:32)
ب- تركيز الانتباه على الداخل و الخارج : على الرغم من أن مقياس مراقبة الذات يسعى للتعرف على سمات الأفراد الذين يهتمون بالعوامل التي تعد خارجية على أناس مختلفين و يقومون عموما بما يتوقعه الآخرون منهم، كما أنهم فعالون نوعا ما في خداع الآخرين، و في المقابل يجد الأشخاص الذين لا يراقبون أنفسهم مراقبة دقيقة صعوبة في تقليد سلوك الآخرين، و يميلون إلى إظهار مشاعرهم و معتقداتهم الحقيقية من خلال سلوكهم، كما أنهم غير بارعين في استضافة و تسلية الآخرين، و غير بارعين في كسب ود و إعجاب الآخرين، ويجدون صعوبة في تغيير سلوكهم لكي يناسب مختلف الناس في مختلف المواقف، و باختصار، يؤدي الأشخاص ذوو الدرجة المرتفعة في مراقبة الذات الدور الموكل إليهم و يتغيرون مع الموقف، في حين يظل الأشخاص ذوو الدرجة الُمنخفضة في مراقبة الذات صادقين مع أنفسهم و لا يتغيرون إلا تغيراً طفيفاً حسب متطلبات الموقف. ( زهران،2000،ص:33). لدينا طرق عديدة في إعادة إلغاء عدم الاتساق في أثناء تشكيل مفهوم ذات ثابت و متماسك. كما أن مختلف الناس يختارون طرقاً و إستراتيجيات مختلفة من بين البدائل المتاحة .
دور الذات في توجيه السلوك:
يحدد إدراك الفرد لذاته ووعيه بها و مدى فاعليته الذاتية في مواجهة الأحداث نوع السلوك الذي يمارسه في المواقف المختلفة، فتارة نعبر عن ذاتنا، و تارة نجرب سلوكا جديداً لم نأتِ به من قبل، و تارة نضبط تصرفاتنا و أقوالنا تبعا لما يتطلبه الموقف في كل حالة.
أ‌- التعبير عن الذات Self-Expression:
و تعنى الدافع لاختيار السلوكيات التي يمثل الانخراط فيها تعبيراً عن الذات، فعندما يعبر الناس عن أنفسهم يحاولون نقل مفهومهم عن ذاتهم للآخرين من خلال أفعالهم، و يؤكد التعبير عن الذات إحساس الفرد بذاته و من ثم يعززه و ينقله إلى الآخرين، فإذا نظرت لنفسك على أنك من أنصار الحفاظ على البيئة، فسوف تشارك في حملات التوعية و حملات نظافة البيئة، وسوف تسهم بمالك و جهدك في تشجير مدينتك و قريتك، وكل السلوكيات الأخرى التي تساير المفهوم، و تبين الدراسات أنه إذا أُتيحت حرية الاختيار فإن معظم الناس يفضلون الدخول في المواقف الاجتماعية التي تسمح لهم بالتصرف بأسلوب يساير مفهومهم عن ذاتهم، و من ثم فقد يقبل الرجل الانبساطي الدعوات الموجهة له لحضور الحفلات، أو تقبل امرأة مُنظمة الوظيفة التي تتضمن مهام مُنظمة بوضوح.
و قد تبدو حاجتنا للتعبير عن الذات أحيانا قوية جداً لدرجة أننا نفضل أن يعرف الناس نقائصنا و نقاط ضعفنا بدلا من أن ينظروا إلينا نظرة إيجابية غير صحيحة، و لإيضاح مدى قوة هذا الدافع قام وليام سوان و رفاقه (Swann,W.et,al,1992) بدراسة عن المتزوجين، حيث سأل الباحثون في تلك الدراسة المتزوجين الذين ينظرون لأنفسهم نظرة سلبية مقارنة بنظرة أزواجهم لهم و درجة التزامهم بالعلاقة بينهم، و أظهرت النتائج أن الذين نظر إليهم أزواجهم نظرة سلبية تتفق مع نظرتهم لأنفسهم كانوا أكثر التزاما في زواجهم من نظرائهم الذين نظر لهم أزواجهم نظرة إيجابية، و يفضل هؤلاء الأفراد نظرة أزواجهم لهم بدقة على نحو إيجابي. و نظراً لأن التعبير عن الذات ينقل رأينا في ذواتنا الحقيقية و الواقعية، فهو يسمح لنا بتكوين انطباعات إيجابية عن هويتنا، و يستحث الآخرين لكي يعاملوننا بالطريقة التي نحب أن نُعامل بها، أي بأساليب معززه لأفكارنا القائمة فعلا عن ذاتنا.(العمر،2006 ص:20)
ب- تجريب الذات: قد يرقى تقديم الذات إلى نوع ما من تجريب الذات لمعرفة الحجم الحقيقي لها، و نتصرف بأسلوب يتطابق مع الذات المثالية، و على سبيل المثال فقد يجرب المرهقون ذوات مثل: ذات المتمرد أو ذات العقلاني أو ذات نصير البيئة، و يمكن أن يكون لتلك التجارب أثار دائمة لأن الذين يقدمون ذواتهم غالباً ما ينتهي بهم الأمر إلى التأثير في أنفسهم بنفس القدر الذي يؤثرون به على جمهورهم، و قد يواجه الممثلون و عارضات الأزياء و غيرهم من محترفي تقديم الذات مشاكل حقيقية كما يشير إلى ذلك عارضة الأزياء الأمريكية "بندتي" في حديث له إلى جريدة النيويورك تايمز بقولها: أشعر في بعض الأيام أنني أغير وجهي و ملابسي عشرات المرات، فتارة أنيقة، و تارة عادية، و تارة مثيرة جنسياً، و تارة استعراضية، و أبدا أسال نفسي من أنا؟ أنا عشرة أفراد مختلفين فأين هويتي الحقيقية؟ وأجيب على نفسي قائلة: لديكِ بالتأكيد أزمة هوية، من تكون تلك الإنسانة (Kleimfield,1993). و قد تزداد صعوبة التمييز بين تقديم الذات و الذات نفسها مع تحول الأداء إلى شي معتاد، وسوف نحسن صنعاً إذا انتبهنا إلى تحذير عالم الاجتماع "جوفمان" حين قال: تخير الطريقة المناسبة لتقديم ذاتك بعناية، فالقناع الذي نبدأ به قد يصبح وجهك الحقيقي للأبد"، و قد نظل نكذب على أنفسنا حتى نظن أن الكذب أضحى حقيقة. (العمر، 2006 ص:21)
ج- ضبط الذات Control-Self: يلعب الضبط الذاتي دوراً هاماً في تشكيل و توجيه السلوك، و يعد صفة هامة من صفات الذات و خصلة من خصالها الهامة و المرغوبة، و غالباً ما يتم إدراك الفرد الذي يتمتع بالضبط الذاتي أنه سوف يتصرف بشكل عام يغلب عليه الكبح، في حين أن الذين يقل حظهم من هذه الخاصية سوف يستجيبون لأحداث الحياة بشكل أكثر تساهلاً، و قد يعرف ضبط الذات بأنه "كبح عواطف الفرد و رغباته و أفعاله بواسطة إرادته" أو هو انخراط الشخص في سلوك بديل مناسب تكون احتماليته أقل من استجابته الراهنة، و السلوك المضبوط ذاتياً يتضمن قدرة الذات على التصرف في ظل الغياب النسبي للمدعمات الخارجية، و الشخص المنضبط ذاتياً هو الشخص الذي يتروى و يتأنى و ينظر في العواقب، و لديه القدرة على تنفيذ السلوك الذي تم اختياره، و على منع السلوكيات المستبعدة معرفياً. و يمثل أسلوب تأجيل الإشباع أو الإرضاء أهم أنواع ضبط الذات، و هو أسلوب يفرضه المرء على نفسه فيه تأجيل التعزيزات الصغيرة العاجلة في سبيل أخرى كبيرة آجلة مثل توفير الطفل لنقوده و عدم شراء الحلوى أملا في شراء دراجة متعددة السرعات، و طالب الجامعة الذي يقرر ألا يترك الدراسة في سبيل عمل يلتحق به اليوم، يتحمل ما يتعرض له من ضغوط اقتصادية أملا في الحصول على شهادته الجامعية و الحصول على عمل أفضل مستقبلاً.(العمر، 2006 ص:22)
الدفاع عن الذات (مواجهة الضغوط و الإحباطات):
يمثل إحساسنا بالذات أغلى ما نملك، و نحن نتعامل معه قطعاً على هذا النحو و نستخدمه باستمرار كمرشد لسلوكنا ووسيلة لمعرفة ردود أفعال الآخرين تجاهنا، و نحافظ عليه براقَّاً و في حالة جيدة عندما نعزز تقديرنا لذواتنا، و نظهر أفضل وجه لدينا للآخرين، و كما سنرى فإننا نكافح للدفاع عن إحساسنا بالذات أمام كل الدخلاء، و عندما تطلق الأحداث إنذار أو قد نستجيب بأسلوبين مختلفين، فقد نحاول التعامل مع ما أطلق هذا الإنذار أو قد نحاول تغيير تأثيره على إحساسنا.
العوامل المهددة لصحة الذات:
كل ما يتناقض مع إحساسنا بهويتنا و إحساسنا بذاتنا يمكن أن يجعلنا نشك في انطباعنا عن الذات، و توجد ثلاثة أنواع من الأحداث التي تمثل تهديدات مهمة للذات وهي : الإخفاقات أو مواقف الفشل، و التناقضات، و الضغوط المولدة للتوتر:
أ‌- الفشل Failures: تعرضنا للإخفاقات مثل تخطينا في الترقية، أو انتهاء زواج استمر سنوات بالطلاق، إلى تغذية راجعة سالبة عن هويتنا و ما يمكن عمله إزاء ذاتنا.
ب‌- التناقضات Inconsistencies: تمدنا التناقضات – مثل إصابة شخص سليم بمرض، أو منزل خاو على أم متفرغة – بمعلومات تناقض ما كنا نعتقد أنه هويتنا، و ليس بالضرورة أن تكون الأحداث سلبية حتى تكون غير متسقة، كما يحدث في المناسبات السعيدة مثل الزواج و الترقية لمنصب أعلى أو إنجاب طفل و أن يصبح الفرد والدا عن تغيير في مفهوم الذات، نظراً لأنها تحدث تغيراً ما في حياتنا.
ت‌- مولدات التوتر Stressors: حيث تهدد الأحداث المولدة للتوتر صحة الذات لأنها تتجاوز إمكانياتنا في التعامل معها، و من الواضح أن الموترات تشمل الأزمات الكبرى مثل فقدان الوظيفة أو موت رفيق الحياة، أو حدوث حريق في المنزل، كما تنشأ الموترات من الإحباطات و المشاحنات اليومية البسيطة و القاسية أو الطاحنة في ذات الوقت، و ملل النظام المعتاد، وضغوط الصراع اليوم المحموم، فكل تلك الأحداث تشككنا في إحساسنا بذاتنا.( العمر،2006،ص:40 )
أساليب مواجهة الأحداث المهددة للذات:
على الرغم من أن العجز المكتسب قد يمنع الناس من فعل أي شي في الأحداث التي يرون أنها تعدد ذواتهم إلا أنهم في العادة يستجيبون بإستراتيجيات مواجهة Coping Strategies، وهي محاولات لخفض الآثار الناتجة عن الأحداث السلبية، وهي تعبر عن الكيفية التي نفكر بها و الطريقة التي نستجيب بها للأحداث المهددة للذات، و غالباً ما تكون فعالة في خفض آثار التوتر، و يميز لازاروس Lazarus بين نوعين أساسيين من أساليب المواجهة هما: المواجهة النشطة، و فيها يتم الهجوم على مصدر التهديد و تُعرف بأنها المواجهة المتمركزة حول المشكلة Problem-Focused Coping أو المواجهة السلبية و فيها يتم الهرب من مصدر التهديد، و تعرف بالمواجهة المتمركزة حول الانفعال المصاحب للمشكلة Emotion-Focused coping .
1- المواجهة المتمركزة حول مهددات الذات (الهجوم على مصدر التهديد):
أي معالجة الأحداث بمواجهتها، وفيها نسعى إلى تغيير الموقف مباشرة بغرض تعديل أو استبعاد مصدر التهديد، و التعامل مع الآثار الملموسة للمشكلة، حيث يوجه هذا الأسلوب دفة الذات ناحية استغلال المصادر المعرفية و الانفعالية و السلوكية بهدف إعادة تفسير الحدث على أنه لا يمثل تهديداً، أو إزالة الحدث و الآثار المترتبة عليه، ويندرج تحت هذا النوع من المواجهة عدة أنواع أهمها:
أ‌- التقييم المتحيز للمشكلة: يدرك الكثير من المعلمين أن الطلاب الذين يحصلون على تقدير ممتاز ولكنهم يعتقدون أن نتيجة الاختبار لم تكن عادلة لن يراجعوهم، و في المقابل يعتقد الطلاب الذين لم يحصلوا على هذا التقدير أن الاختبار لم يكشف عن قدراتهم الحقيقية. فعندما يتلقى الناس معلومات سلبية عن ذاتهم – و لا يقتصر ذلك على الدرجة السيئة في الاختبار فقط – فإنهم قد يرفضونها على الفور أو على الأقل يشكون في صدقها لكي يُبعدوا أي تهديد عن الذات .
ب‌- اختلاق الأعذار: ما الذي يحدث عندما تتحقق أسوأ توقعاتنا و نرسب في اختبار ما، أو تنكشف أكاذيبنا، أو تُسحب رخص السيارة بسبب السرعة الزائدة على الطريق؟ و بالرغم من أننا قد نتمنى وقتها لو انشقت الأرض و ابتلعتنا، إلا أننا عادة ما نحاول أن نختلق الأعذار و أن نستأنف من حيث توقفنا، فعندما ينتهي حدث ما بكارثة ويهدد مفهومنا عن ذاتنا فإن العذر الجيد و المقبول ساعتها يساوي وزنه ذهباً.
فلماذا تبدو الأعذار مهمة لهذه الدرجة؟ ترتبط الإجابة على هذا السؤال بالعزو المعزز للذات الذي يشوه تفسير الناس للنجاحات و الإخفاقات، حيث يفضل معظم الناس أن ينسب إليهم فضل ما حققوه من نجاح و إنجاز، و أن يعزو فشلهم إلى أسباب خارجية، فالدرجة الجيدة في اختبار ما تعكس ذكاءنا و دافعيتنا جيداً ، في حين ترجع الدرجة المنخفضة بالتأكيد إلى أسئلة الاختبار غير المكتوبة جيداً، أو لحالة طارئة في المنزل، أو نوبة أنفلونزا مفاجئة أو حتى إلى الموسيقى الصاخبة الآتية من الممرات أو الردهات المجاورة لقاعة الامتحان.
ج_ التبرير المسبق لاحتمالات الفشل (تعويق الذات):يمكن أن تزيد قيمة العذر الجيد إذا جاء قبل الأداء، بحيث لو فشلنا يكون العذر في محله، وقد اكتشف سنيدر و رفاقه أن الناس غالبا ما يستخدمون أعذار من قبيل: الخجل، أو القلق، أو اعتلال الصحة، أو التوتر عندما يتوقعون الفشل في مهمة، و لأن نترك انطباعاً لدى الآخرين بأننا خجولون أو مرضى أو متوترون يبدو أفضل بالنسبة لنا من أن نترك لديهم انطباعا بأننا غير جديرين بالحب أو غير أكفاء للمهمة التي كلفنا بها.
د- التحكم في المشكلة: إذا كان العزو الخارجي يساعدنا عادة على حفظ ماء الوجه، فكيف نفسر النتيجة التالية: في إحدى الدراسات المسحية في المجتمع الأمريكي سئُل مفحوصون يعتبرون أنفسهم فقراء أو يكافحون الحالة الاقتصادية المتدنية عن أسباب هذا الموقف، و عن صحتهم الانفعالية العامة، وقد كشفت النتائج عن أن الفقراء الذين يظنون أنه قد أُتيحت لهم فرصة عادلة للإنجاز لديهم شعور بدرجة أكبر من الفخر والمتعة، ودرجة أقل من الشعور بالذنب و خيبة الأمل في حياتهم من نظرائهم الذين طنوا أن القوى الخارجية كانت تعوقهم (Smith & Kluegel,1982) ، أي أن الناس يشعرون غالبا أنهم أفضل إذا ظنوا أنهم متحكمون في الأمور حتى و لو كانت نتائجهم سلبية، صحيح أن لوم العوامل الخارجية على إخفاقاتنا قد يعفينا مؤقتا من المسئولية، و لكن إذا نظرنا ثانية إلى العوامل المؤثرة في حياتنا على أنها ليست بعيدة عن سيطرتنا فإن ذلك يعيدنا ثانية إلى موضع المسؤولية على المدى البعيد .
هـ- حل المشكلة (الارتقاء لمستوى التحدي):يمكن أن يكون للمشاعر السلبية التي تثيرها الإخفاقات و التناقضات الموجودة داخل الذات و التوترات التي تخلقها الضغوط نتائج دافعية إيجابية، و نحن لا نهرب دائما من العقاب بل أحيانا نزيد من استعدادنا لمواجهته، و عندما يعزون نقائصهم إلى قوى يمكن التحكم فيها، أو عندما يرون أساليب للتحكم في مشكلات حياتهم الحقيقية فإنهم غالبا ما يقومون بذلك، وعلى سبيل المثال يتعامل الكثير من قاطني المناطق التي توجد بها نسبة عالية من الجرائم في أمريكا بالرد من خلال تنظيم شبكات لمراقبة الجرائم في منطقتهم التطوع للقيام بدوريات للحراسة، ووضع أنشطة مفيدة للأطفال المعرضين للانحراف، و نجح الكثير منهم في إبعاد مروجي المخدرات عن مناطقهم.
كما أن الطبيعة المؤلمة للتناقضات الموجودة في الذات يمكن أن تدفع الناس لأن يرقوا إلى مستوى مُثلهم العليا و موجهاتهم الذاتية، وغالبا ما يجعل الوعي بالذات الناس يتصرفون بأساليب تتماشى مع قيمهم الشخصية، وعندما نستطيع عزو النتائج السيئة إلى عوامل يمكن التحكم فيها، فإن بإمكاننا تنشيط إستراتيجيات مُعدة لتغيير أدائنا، فإذا قررت مثلا أن درجتك المنخفضة في امتحان ما (الرياضيات مثلا) كانت ترجع إلى نقص الاستعداد له و ليس لنقص قدرتك على فهم المادة العلمية، فإن وضع جدول دراسي منتظم قد يساعدك وقتها على الاستعداد للاختبار القادم .(عبد الرحمن، 2000 ص:168).
2- المواجهة المتمركزة حول الانفعال المصاحب للمشكلة (الهروب من مصدر التهديد):
أي التعامل مع الانفعالات السلبية الناتجة عن مصادر الضغوط و الاحتفاظ باتزان وجداني، وتقبل الفرد لمشاعره، و عادة ما يكون هذا النوع من المواجهة مفيداً في المواقف التي تتجاوز قدرة الفرد على ضبطها و التحكم فيها، و من ثم لا يمكن تغييرها من خلال أساليب مناسبة لحل المشكلة مثل مواجهة مرض يُفضى إلى الموت الذي يؤدي عادة إلى مشاعر سلبية مركزة على العواطف المصاحبة كالرضا بالقضاء و القدر و تقبل إرادة الله و الاستعداد نفسياً و سلوكياَ للموت (محمد السيد عبد الرحمن2000) ، و تأخذ معظم أشكال التعامل مع الانفعالات السلبية المقترنة بالحدث المهدد صوراً هروبية، أي الهروب من المواقف المهدد للذات و تجنبه، و على سبيل المثال إذا واجه الشخص خلافا أسريا فقد يتجاهل المشكلة، أو ينغمس في هواية أو نشاط يصرف انتباهه عن المشكلة، و تتضمن الإستراتيجيات المركزة على الانفعال: تأكيد النجاح في مجال معين، و التقليل من أهمية التهديد، و محاولة التخلص من الضغوط المصاحبة للتوتر الانفعالي من خلال العبادة، التأمل، التعبير عن الذات، أو التحدث عن المشكلات، وفيما يلي أهم هذه الإستراتيجيات.
أ‌- الهروب من التهديد:عندما تتآمر الأحداث على إظهار إخفاقاتنا و نقائصنا، فإن أكثر ردود الفعل شيوعاً هو الهرب بدلا من الاستعداد لها، فالهرب بكل الأحوال ينهى و عينا بنقائصنا على نحو يتسم بالرحمة بالذات، وتحمل الأدلة التجريبية فكرة أن الناس الذين لم ينجحوا في الوصول إلى معيار شخصي يخرجون سريعاً من الموقف المسبب للتوتر أن استطاعوا، حيث أخبر الباحث في إحدى الدراسات المفحوصين أنهم حصلوا على درجة عالية أو درجة منخفضة في الذكاء و الابتكارية ثم طلب منهم انتظار باحث آخر لمدة خمس دقائق، وكان نصف المفحوصين يجلس في حجرة انتظار مزودة بمرآة و كاميرا فيديو مصممتين خصياً لإثارة الوعي بالذات، فهل يؤدي الجمع بين التناقضات الذاتية المحرجة المتمثلة في إحراز درجة منخفضة في الاختبار، و الوعي بالذات الذي يسببه وجود الشخص أمام الكاميرا و المرآة إلى جعل الهروب هو أصوب الآراء في مثل هذا الموقف؟ الحقيقة أن النتيجة تشير إلى ذلك حيث غادر الأشخاص الذين أحرزوا درجات منخفضة تلك الغرفة قبل الآخرين بوقت كبير.(Duval & Wicklund,1872).
ب‌- تجاهل التهديد: تؤدي محاولات تجنب المعرفة المؤلمة بالذات أو الضغوط الناشئة عن الأحداث التي لا يمكن التحكم فيها إلى مجموعة جديدة من الآثار السلبية، فالناس يشربون الخمر و يتعاطون المخدرات، و يقومون بسلوكيات خطيرة لمجرد الاستمتاع و ذلك لعدد متنوع من الأسباب، أهمها أن تلك الأنشطة تكون بمثابة محاولات لمحو النتائج غير المريحة للتناقضات الموجودة في الذات و التوتر المستمر الناتج عنها و (Baumeister,1991) و على سبيل المثال وجد "هل Hill,J" أن الناس يمكنهم أن ينسوا أحزانهم عن طريق شرب الكحول لأن شربه يخفض الوعي بالذات. (عبد الرحمن،2000 ص:169)
ج- التهوين من قدر التهديد:لحسن الحظ هناك إستراتيجيات أخرى أكثر فعالية من شرب الكحول، وهي كذلك متاحة أكثر للناس لكي تساعدهم على مواجهة الإخفاقات و النقائص، وإحدى هذه الإستراتيجيات المستخدمة للتحكم في النتائج السلبية المترتبة على الأداء الضعيف هي التقليل من أهمية هذه النتائج، فإذا واجهتنا مثلا أدلة دافعة على أننا كسالي و أنانيون، فقد نقرر أن هذه أمور لا تهمنا كثيراً مقارنة بالمجالات التي نتفوق فيها، و ندعى أن هذه المجالات هي أهم المجالات فعلاً في الحياة، و على سبيل المثال تبين الدراسات أنه كلما زادت مهارة الناس في أبعاد معينة مثل القدرة الأكاديمية، و المهارات الاجتماعية أو الفنية، زادت أهمية تلك المجالات في نظرهم.
كما أن إعادة تأكيد هويتنا عن طريق التعبير عن السمات الشخصية التي نرى أنها أهم السمات، يمكن أن يساعدنا أيضا في مواجهة الفشل و الشك و التوتر، وقد توصل تيلور Taylor إلى أن مريضات سرطان الثدي اللاتي يواجهن احتمال الوفاة غالبا ما يُعَّبرن عما يعتبرنه أكثر جوانب الذات أهمية، و يؤكدون عليه، فيترك البعض منهن العمل و يتجهن إلى كتابة الشعر أو تنمية العلاقات الإنسانية الهامة في حياتهن.
د- الإفصاح عن المشاعر المصاحبة للتهديد: تعطى بعض المهن لشاغلها مثل تأليف الكتب، و الكتابة في الصحافة، و قرض الشعر الفرصة للتعبير عن انفعالاتهم المرتبطة بالتهديد و ضغوط أحداث الحياة أكثر من مهن أخرى مثل الطب والهندسة و المحاسبة و غيرها، حيث تُبيح مثل هذه المهن لأصحابها التعبير عن ذاتهم هو ما يساعد بدوره على مواجهة أحداث الحياة، وحتى أبسط صور التعبير عن الذات مثل التحدث عن المشاعر الناتجة عن وجود أحداث مهددة يمكن أن يساعد في التغلب على بعض الأضرار الانفعالية و البدنية المرتبطة بالضغوط.(عبد الرحمن 2000 ص:169).
العوامل المحددة لفاعلية أساليب مواجهة الضغوط و التهديدات:
هناك أساليب كثيرة لمواجهة الأحداث المهددة للذات، فكل من إستراتيجيتي المواجهة المتمركزة حول المشكلة، و المواجهة المتمركزة حول الانفعال يمكن أن يساعدا على تحسين الصحة النفسية و أن يقللا الأذى الصحي الناتج عن الأحداث الُمهددة للذات، و تعتمد فعالية كل منهما على أربعة عوامل أساسية هي : طبيعة الشخص الُمهدد، و الوسائل و الإمكانيات التي يوفرها في موقف التهديد، و إمكانية التحكم في الموقف المهدد من عدمه، و أخيراً المضمون الثقافي و الاجتماعي للفرد.
1- طبيعة الشخص ووسائله في مواجهة التهديدات: لدى مختلف الناس وسائلهم المعرفية و الانفعالية المتباينة التي تكون دائما تحت تصرفهم لتساعدهم على مواجهة الضغوط و التهديدات، فالناس ذوو المستوى المرتفع من تعقد الذات أقدر على اجتياز المحنة التي تلم بهم في جانب معين من جوانب الذات لان الجوانب الأخرى تبقي بعيدة عن التهديد، كما يعد تقدير الذات أحد الوسائل الهامة للتكيف مع الأحداث الُمهددة للذات، فالأشخاص الذين يُقدرون ذاتهم تقديراً عالياً لديهم ترسانة أسلحة ضخمة تصد الأحداث المهددة للذات، و على سبيل المثال فهم يهاجمون التغذية المرتدة السالبة، و الانتكاسات، و التوترات بطريقة عدوانية تتميز بدرجة عالية من تجميل الذات والمواجهة المتمركزة حول المشكلة، و يقارنون أنفسهم بمن هم أقل منهم و يقومون بعزو سلبي معزز للذات في مواجهة إخفاقاتهم و نقائصهم، وقد يقابلون تحدياً ما لجانب من جوانب الذات مثل الحساسية في العلاقات الاجتماعية بتأكيدهم لجانب آخر مثل الكرم أو التميز في المجال الرياضي أو الفطنة الذهنية، و أخيراً يسمح الإحساس القوي بالتحكم في الأحداث للناس ذوي التقدير المرتفع للذات بمواجهة المشكلات والاستخدام الناجح لهذا التنظيم المثير للإعجاب الذي يجمع بين التحيزات المجملة و المعززة للذات من ناحية و إستراتيجيات المواجهة من ناحية أخرى في أن يستعيد التقدير المرتفع للذات و يحافظ على استمراره و لذلك يمكن أن تبدأ الدورة كلها من جديد، و يقود التقدير العالي للذات إلى تعزيز و تجميل الذات و إلى المواجهة الناجحة، والذي يستعيد التقدير العالي للذات و من ثم تعزيز الذات و تجميلها وهكذا، تماما مثل الانعكاس الذي نراه في سلسلة من المرايا في مدينة الملاهي، ولا عجب إذن أن يستجيب ذوو التقدير المرتفع للذات للحدث المهدد بأغراض انفعالية و بدنية أقل بكثير من الأغراض التي يستجيب بها نظراؤهم ذوو التقدير المنخفض للذات.
ولكن إذا كنت قد تعاملت مع شخص ذي درجة منخفضة من تقدير الذات، فقد تكون لاحظت مجموعة استجابات مختلفة تماما، هذه الفئة من الناس غير متفائلة بالمستقبل، بل و يبدون و كأنهم وطنوا أنفسهم على الظروف السيئة، وفي الواقع يمثل مرضى الاكتئاب و ذوو الشعور بالوحدة و العزلة و ذوو التقدير المتدني للذات أقل الناس استعداداً لتعزيز و تجميل الذات مقارنة بغيرهم، فهم نادراً ما يقومون بمقارنة أنفسهم بمن هم أقل منهم، و يتذكرون دوما أشياء سلبية عن أنفسهم، ويفترضون أنهم أقل تحكما في أحداث حياتهم من الآخرين.
و لكن الأمر المثير للدهشة هو أن وجهة النظر الإيجابية و الوقائية عن العالم لدى ذوي الاكتئاب الخفيف أدق من وجهة نظر الغالبية المعززة و المجملة لذاتها، وقد صاغ الباحثون مصطلح الواقعية الاكتئابية Depressive Realism ليعبروا عن فكرة أن المصابين بالاكتئاب يقوِّمون أنفسهم بشكل واقعي أكثر دقة مما يفعل الآخرون، وهم أقل حماساً لتعزيز العالم على أنه مكان خطير و ملئ بالتهديدات.
و من ثم يتضح أن القرارات اليومية التي تتخذها مثل الاشتراك في تدريبات رياضية معينة، أو الخروج مع زميل أو صديق، أو الاستجابة لموعد غرامي تعد عروضا مختلفة لأشخاص مختلفين، و تعتمد على مستوى تقديرهم لذاتهم، و قد تؤدي تلك الأحداث إلى الحصول على تعزيزات عظيمة، ولكن ربما لا يستطيع ذوو التقدير المنخفض للذات المخاطرة لأنهم حساسون بشدة لاحتمالات الفشل و الإحراج، فالعالم بالنسبة لذوي التقدير المرتفع للذات هو كنز ملئ بالفرص الذهبية لتعزيز و تجميل صورة الذات، و لكنه حقل ألغام و أشواك لذوي التقدير المنخفض للذات يمكن أن يدفعهم للذل و المهانة و الاكتئاب ، ونظرا لأن أصحاب التقدير المنخفض للذات ليس لديهم سوى عدد محدود من الوسائل الشخصية التي يلجأون إليها، فإنهم عادة ما يُنكرون أو يهربون أو يتجنبون التهديد.(عبد الرحمن،2000 ص:170).
2- إمكانية التحكم والمواجهة :تعتمد أفضل طريقة لمواجهة الحدث المهدد على خصائص الحدث و سمات الفرد الُمهدد، و أهم سمة لتقييم الحدث الُمهدد هو قابلية التحكم فيه، و ربما تكون المواجهة المتمركزة على المشكلة هي أفضل أنواع المواجهة مع الأحداث الُمهددة التي يمكن التحكم فيها، و في المقابل ربما يكون الهرب و التلهي (صرف الانتباه) و الأشكال الأخرى للمواجهة المتمركزة حول الانفعال هي أفضل الوسائل و أكثرها فاعلية في التعامل مع الأحداث المهددة و الضاغطة التي لا يمكن التحكم فيها ، و أحيانا يكون الحل الأمثل هو تجربة هذين النوعين فوراً، وعلى سبيل المثال فبعد انتهاء أو تحطم علاقة عاطفية ربما يُنصح كلا الطرفين اللذين أصبحا وحيدين بمحاولة مقابلة أشخاص جُدد (مواجهة متمركزة حول المشكلة)، و يُنصحون في نفس الوقت بشغل أنفسهم في اهتمامات و هوايات جديدة (مواجهة متمركزة حول الانفعال).
3- التكلفة و العائد من إستراتيجيات المواجهة: يستطيع الناس أن يختاروا من بين إستراتيجيات المواجهة و الكثيرة بناء على تقديرهم للتهديد و على وسائلهم الخاصة كما يبينها الشكل (7). ولكن لكل أسلوب من أساليب المواجهة مميزاته و عيوبه، فالتجنب مثلاً يمكن أن يقلل التوتر الناتج من التهديد قصير المدى على نحو فعال و لكنه لا يساعد الناس على توقع المشكلات بعيدة المدى و التعامل معها، وفي المقابل فإن المواجهة المتمركزة حول المشكلة تزيد من احتمال خفض التوتر في المدى البعيد و لكنها تزيد مشاعر الحزن في الوقت الراهن.(عبد الرحمن، 2000 ص:171).
4- المضمون الثقافي و الاجتماعي للفرد:تمثل الخلفية الثقافية و الاجتماعية أحد المحددات الأساسية لفاعلية أساليب المواجهة، فالمجتمعات الغربية أكثر تفضيلا للمواجهة النشطة المتمركزة حول المشكلة مقارنة بالمجتمعات الشرقية و الإسلامية. فتقبل الموقف، و الاستسلام للقدر و الابتهال إلى الله بالصبر، و الدعاء بإزالة الكرب من الإستراتيجيات التي تؤتي ثمارها في نفوس المسلمين و قلما نجدهم يستخدمونها في المجتمعات غير المسلمة، ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن فعالية نوع ما من إستراتجيات المواجهة يختلف باختلاف المستوى الثقافي و الاجتماعي في البلد الواحد، فالمواجهة النشطة المتمركزة حول المشكلة التي من المفترض أن تكون أكثر فاعلية و أكثر استخداما في المجتمع الأمريكي قد يكون لها آثار سلبية بدلا من أن يكون لها آثار إيجابية على الصحة.
فوجد أن آثار المواجهة النشطة تقلل من آثار التوتر على النساء في حين تُزيد آثارها على الرجال، و أرجع الباحثون ذلك إلى اختلاف المعايير الاجتماعية باختلاف الجنس في المجتمع المحافظ, لأنه في مثل هذه المجتمعات يكون على الرجال عبء تغيير الظروف الاقتصادية، ونظراً لما يواجهونه من فشل و إحباط فقد تعلموا أن يستجيبوا لذلك بقمع استيائهم و لكن على حساب التوترات السيكوسوماتية المتزايدة، وعلى النقيض من ذلك تجد النساء تقتصر مواجهتهن النشطة على تحسين الظروف لأطفالهن، كما أنهن أكثر قدرة على التحكم في سلوكهن مقارنة بالرجال. (عبد الرحمن, 2000 ص:177)
الخصائص المميزة للأشخاص المحققين لذواتهم :
هناك خصائص منها ما هو عام و منها ما هو خاص أو وراثي تظهر في الأشخاص المحققين لذواتهم .
1. الإدراك السليم للعالم الواقعي : فهم لا تعميهم رغباتهم الشخصية و ميالون إلى الموضوعية.
2. قبول الذات و الآخرين و العالم بوجه عام : لديهم فكرة واضحة عن نواحي القوة و الضعف في أنفسهم و في الآخرين و لكن قبولهم لها حيادي .
3. التلقائية : إنهم يعبرون عن أنفسهم بصراحة و أمانة و لا يخافون من التعبير عن آرائهم و أحكامهم المستقلة .
4. الاهتمام المركُّز على المشكلة بدلا من الاهتمام بالذات : فهم بدلا من انشغالهم بمركزهم الشخصي فهم يركزون على الأشياء التي تحتاج إلى إنجاز في البيئة المحيطة .
5. الحاجة للخصوصية و الاستقلال : إن ظروفهم تتطلب تخصيص وقت أكبر مع أنفسهم أكثر مما يستدعي الحال بالنسبة للناس العاديين .
6. الحماس المتجدد لإعطاء الأشياء حقها : يفقد معظم الناس القدرة استحسان الأشياء البسيطة التي تمر عليهم في الحياة اليومية ، و لكن هؤلاء الأشخاص يوفون هذه الأشياء قدرها .
7. إن لديهم خبرات سامية :
8. الميل الاجتماعي : لديهم شعور قوي بضرورة مشاركة الآخرين و الانتماء إليهم .
9. العلاقات الشخصية محدودة : يرتبط محققو ذواتهم بصداقات قليلة و لكنها قوية و عميقة و هي في المعتاد مع آخرين ممن يتصفون بتحقيق الذات .
10. الإبداع : يتصفون بالأصالة و الإبداع و لا يخافون من ارتكاب الأخطاء في المواقف الجديدة .
11. الخلق أو الأسلوب الديمقراطي: يتصفون بالانفتاح الكبير و الصراحة الحقة و التلقائية في علاقاتهم مع الآخرين و لا أثر للتفوق في تعاملهم مع الآخرين.(الحربي،2003 ص:52).

الصحفي الطائر
09-23-2008, 10:15 PM
http://gulfkids.com/images3/star3.jpg

داليا77
05-08-2012, 02:43 AM
ممكن ان احصل على مصدر الذي كتب فيه هذه المعلومات