زهرة الشمال
07-12-2011, 08:50 PM
لغة الجسد:العينان واليدان واشارات الغزل
أ.د.قاسم حسين صالح
رئيس الجمعية النفسية العراقية
بماذا تفسر قول فيروز حين تغني: وتعطلت لغة الكلام وخاطبت عيني في لغة الهوى عيناك؟
هل عجز لسان الحبيب عن ايصال مشاعره الى حبيبته فتولت (عيناه) هذه المهمة؟! اذا كان الجواب نعم، وهو كذلك فعلا، فهذا يعني ان لغة الجسد ( أبلغ) من لغة الكلام..بل انها تكون احيانا اصدق من اللسان.ولهذا تزايد الأهتمام عالميا بدراسة لغة الجسد لا سيما في التحقيقات التي يقوم بها رجال الشرطة ( ولا نقصد بذلك جهاز كشف الكذب) وتنوعت فيها الدراسات وشملت حتى الحركات البسيطة التي قد لا تعني شيئا، كأن يحك المتحدث اذنه من الخلف وهو يتحدث الى الجمهور، او حين يشبك اصابعه العشره بيدين عموديتين أو يضعهما تحت حنكه. فقد تبين من دراسة حركات معينة انها تقول الحقيقة فيما الكلام المنطوق المصاحب لها هو الكذب بعينه.
وقد لا تعلم – عزيزي القاريء -ان الدراسات العلمية توصلت الى ان حصة الكلام (اللغة اللفظية) في احاديثنا التقليدية بحدود 45% ، فيما تكون حصة لغة الجسد من التواصل بحدود 55% ! اي ان اقل من نصف المعنى يأتي عبر لغة الكلام ،فيما يأتي اكثر من النصف من لغة الجسد . وانه يوجد بالدماغ جهاز او مركز خاص لفك الشفرات التي تبعث بها لغة الجسد، فأن فسّرها بشكل صح،حصل تفاهم وتودد ..وصداقة..وربما الوقوع في الحب!، وان فسّرها بشكل خطأ ، ادى ذلك الى نفور او خصومة..وربما شجار . ولأننا نخشى أن يكتشف الآخرون حقيقتنا من لغة جسدنا ،فان أفضل طريقة للكذب هي..على التلفون،وان كنت في شك..(اسأل موبايلك..الوارد منه والصادر ايضا!).
هذا يعني علينا ان نمتلك ثقافة جديدة بالسلوك غير المنطوق (لغة الجسد) لانها هي التي تزودنا بأفضل المفاتيح لمعرفة مشاعر الفرد الداخلية بشكل منفصل تماما عن حديثه ، وما اذا كانت اللغتان (اللفظية وغير اللفظية) متطابقتين بالمعنى ، او ان احداهما تحمل معنى يناقض ما تحمله اللغة الاخرى ، فتكون في حيره..ايهما تصدّق: كلامه ام لغة جسده؟. بل ان لغة الجسد نفسها قد تحمل معاني متناقضة، فالراحتان المفتوحتان تقترنان عادة بالنزاهه، ولكن عندما يبسط المزيّف (المنافق) راحتيه ويبتسم لك وهو يكذب، فان اشارات اخرى تفضحه كأن يرتفع احد حاجبيه او ترتعش زاوية فمه. وتشير الدراسات الى ان كثيرا من السياسيين هم خبراء في تزييف لغة الجسد بهدف حمل الناخبين على تصديق ما يرددون من اقوال، والسياسي الذي يفعل ذلك بنجاح يقال عنه انه يتمتع بكاريزما ، فيما يفشل اخرون كما حصل مؤخرا لسياسي عراقي صرف ملايين الدولارات في دعاياته الانتخابية ولم تحصل قائمته حتى على مقعد واحد!..مع أننا أسدينا له نصيحة لوجه الديمقراطية!.
في ضوء ذلك يتبين كم هي مهمة لغة الجسد، لكن معرفتنا بها تكاد تكون عامة أو سطحيه. ولانها مهمة في فهم الآخرين ونواياهم الحقيقية، ولانها المفراس الذي يفرز لك الصدق من الكذب.. فأننا سنزودك بأهم مفاتيح هذه اللغة.. بادئينها بلغة العيون .
1. لغة العيون
في كتابه (العين راوية الحكايات) يقول مؤلفه (هـس): ان العين تعطي كل اشارات الاتصالات البشرية الاكثر كشفا ودقة وصدقا. وهذا صحيح ،ففي الحب العين هي التي تتكلم قبل اللسان. وفي اشعار الغزل والاغاني ،العين هي موضوع الحب ورسول الغرام.
كل هذا معروف، لكن ما لا نعرفه هو ان بؤبؤي العينين يتمددان و يتقلصان تبعا لتغير المزاج واليهما يرجع التأثير الذي يحدثه فيك عدوك او حبيبك! . فعندما يثار الشخص عاطفيا فأن بؤبؤي (انساني) عينيه يتمددان الى اربعة اضعاف حجمهما العادي. فالعشاق يتطلعون عميقا في عيون بعضهم البعض، ولك أن تتذكر أيام شبابك كيف كنت لا تمل من النظر في عينيها!. ولهذا تعمد الاماكن التي يرتادها العشاق ان تكون مضاءه بالشموع ،والسبب لايخص رومانسية الشمعة وحدها(والذي اكتشفها رومانسي رائع)، بل لأن الضوء الخافت يساعد على تمدد بؤبؤ العين فتغدو واسعة برّاقة جذابة.أما حين يتعكر مزاجك أو تغضب فان البؤبؤين يتقلصان فتبدو العينان صغيرتان كعيني حيّه.
وعن صدق العين وكشفها المخفي فاننا حين نشك في قول محدّثنا نقول له أشو خلّي عينك بعيني).والسبب يعود الى ان (النظرة المحدّقة) تكشف المعنى الذي نخفيه.فلقد توصلت الدراسات الى ان الشخص حين يكون غير صادق او انه يكتم معلومات، فأن عينيه تلتقي عينينا اقل من ثلث الوقت. وأنه حين تلتقي عينا شخص بعينيك اكثر من ثلثي الوقت فهذا يعني واحدا من أمرين: اما انه يجدك شيقا جدا او مغريا وجذابا..وفي هذه الحالة تكون النظرة المحدّقة مصحوبة بتمدد بؤبؤي العينين، أو انه عدائي اتجاهك..وفي هذه الحالة يتقلص البؤبؤان.
وأفادت الدراسات أن المنطقة الجغرافية من وجه الشخص وجسده التي توجه اليها نظرتك المحدّقة لها معنى أيضا. فحين تكون (عينا" لعين) فأنها تعني ان المقابل صادق، وان كانت نحو العنق فأنه كاذب، الا في اليابان فالنظرة المحدقة اليابانية تتجه نحو العنق بدلا من الوجه اثناء الحديث.(ناس مهذبين ويخجلون مو مثل ناس وكحين يحط عينه بعينك..ويكذب!).
ولقد ابتكرت النظارات السوداء لتخفي ما قد تفضحه العينان ،واستخدمها المقامرون والمفاوضون والتجّار والسياسيون ايضا. غير ان علماء النفس اشاروا عليهم بعدم استعمالها في المفاوضات لانها تشعر الآخرين ان صاحبها يحدّق بهم ليكشف امرهم، وانه مراوغ او مخادع يخفي ما لا يريد الآخرون معرفته.
وثمة معلومة لطيفة: اذا شاء الرجل أو المرأه تمثيل دور (صعب الحصول عليه) فأن عليه (عليها) تجنب استخدام النظرة المحدّقة الحميمة، واستخدام النظرة المحدّقة الاجتماعية عوضا" عنها فيبدو (تبدو) باردا. والتفسير هو انك عندما تستخدم النظرة المحدّقة الحميمة مع شريك محتمل من الناحية الجنسية، فانك تفضح اللعبة.والمفارقة ان النساء خبيرات في ارسال وتلقي هذا النوع من النظرة، فيما الرجال - لسوء حظهم أو قلّة شطارتهم- يستخدمون النظرة المحدّقة الحميمة التي غالبا ما تخيب ظنهم.. ولهذا تنجح النساء لأن المرأة تستخدم أولا النظرة الاجتماعية.. تصطاد بها الرجل..ثم تدخله شبكة النظرة المحدّقة الحميمة،العنكبوتية، وتحبسه بها باحكام!.
2. ايماءات اليدين
هل خطر ببالك ان هناك علاقة بين تغطية الفم أو العين أو الأذن باليد وبين الكذب والخداع والشك، وان هذه الايماءات أو الحركات لا تحصل حين نقول الصدق؟!
لقد كشفت الدراسات عن ان الشخص الذي يتكلم ويلمس انفه من الاسفل أو يفركه فان ذلك يدل على انه يتلفظ بكذبه. وانك اذا غطيت فمك بيدك حين يتحدث صديقك اليك فأن ذلك يعني انه يكذب عليك. ويحدث مثل هذا المشهد بوضوح حين يتحدث خطيب أو سياسي الى جمهور يضع معظم افراده اياديهم على افواهم. وهنا سنقدم لهم نصيحة مجانية، هي انه اذا لاحظ أحدهم ذلك على الجمهور الذي يتحدث اليه، عليه ان يتيح لهم فرصة التعليق أو ابداء الرأي..والا فأنه اذا استمر سوف يزيد عدد الذين يضعون اياديهم على افواهم ولن يحقق ما كان يهدف اليه،(مع أنهم صاروا خبراء بهالشغله أو ما عادوا يكترثون سواء وضعوا أيديهم على أفواههم أو في مكان آخر!). وقد تسأل، وما علاقة لمس الانف بالكذب؟. والجواب هو أن الكذبة حين تدخل الى العقل فان ما دون الوعي يصدر أمرا الى اليد بأن تغطّي الفم، ولكن باللحظة الأخيرة تنسحب اليد بعيدا عن الوجه مارة بلمسة سريعة للأنف. وثمة تفسير آخر هو ان الكذب يجعل اطراف الاعصاب الدقيقة في الانف تستشعر وخزا خفيفا ويحدث فعل الفرك لخفض هذا الشعور .
وكثيرا ما نحك أعيننا بأيدينا ونفرك آذاننا بها، وهي حالة طبيعية في المواقف العادية الا ان لها دلالة في مواقف يكون فيها التحدث عن امور شخصية لا تتسم بالصراحة. فحك العين باليد،حين تقول كذبة أو تسمع كذبة، هي محاولة من الدماغ كي لا (ترى) الكذبة. ولقد وجد ان الرجال يحكون عيونهم بقوة اذا كانت الكذبة كبيرة ، فيما النساء يستخدمن حركة حك صغيرة ولطيفة تحت العين(ربما لتجنب افساد المكياج).وأن كليهما يتحاشيان نظرة المستمع في حالة الكذب،لكن النساء ينظرن الى السقف فيما الرجال ينظرون الى الارض.
اما حك الاذن باليد فهي محاولة من المستمع لعدم (سماع اي شر) اما بوضع اليد حول الاذن او فوقها او سحب شحمة الاذن او ثنيها لتغطية فتحتها التي تشير الى ان الشخص قد سمع ما يكفي او انه يريد ان يتكلم. والمدهش ان الدراسات افادت بأن حك (العنق) هي علامة على الشك او الريبة، ودالة على ان الشخص غير متأكد من الموافقة،وأنها مؤشر على وجود تناقض بين ما يقوله الشخص وبين ما يضمره. وتبين ان الذين يحكون مؤخر اعناقهم يميلون الى ان يكونوا سلبيين او انتقاديين فيما الذين يحكون جباههم ،حين تشير الى خطأ ارتكبوه ، يكونون صريحين وهادئين.
ولك ان تعلم ان وضع السبابه على الخد واليد على الذقن لها اكثر من معنى. فعندما تشير السبابة عموديا الى اعلى الخد ويسند الابهام الذقن فانها تكون دالة على ان المستمع تشكلت لديه افكار سلبية أو انتقادية عن الشخص الذي يتحدث اليه او حول موضوعه. اما اذا استقر الذقن على راحة اليد والسبّابة على الخد فانها تكون دالة على ان المقابل مهتم بما تتحدث اليه. ولكن عندما يسند الرأس كليا باليد من تحت الذقن والأصابع تستقر على الخد،فان ذلك دالة على أن من تتحدث اليه قد فقد الاهتمام بما تقوله ،وأنه يجاملك ليس الا.
ايماءات التودد.. واشارات الغزل 3.
من المدهش اننا نحن البشر نشترك مع الحيوانات في اشارات التودد والمغازلة، فلقد كشفت دراسات علماء الحيوان والعلماء السلوكيين ان الذكور والاناث من الحيوانات تستخدم سلسلة معقدة من ايماءات التودد بعضها ماهر الى اقصى حد. ففي انواع من الطيور، يتبختر الذكر حول الانثى مصدرا عرضا صوتيا، ونافشا ريشه على طريقة (ديج ابو العرفين لمظفر النواب). ومع انه يقوم بحركات معقدة للفت اهتمام الانثى، فأنها لا تبدي له اي اهتمام. وهذا ما يحدث عندنا نحن البشر ايضا، فكثير من الرجال يتوددون ويرسلون اشارات غزل للنساء، ولا يلقون استجابة. وقد تقول ان هذا يعود الى ان حياء المرأة يمنعها من ذلك..فيما يعود السبب الأهم الى ان معظم الرجال لا يجيدون فن التودد للمرأة..علما بأن للنساء مدى اوسع من مدى الرجال للتودد والمغازلة.
ومثل معظم الانواع الحيوانية، يعرض الذكر البشري سلوك التأنق لدى اقتراب الانثى فهو قد يعدّل ربطة عنقه،او ياخة قميصه، او عقاله اذا لم يكن لابسا ربطة عنق، او يمسح غبارا خياليا من على كتفه، او يعيد تنظيم ازرار كم قميصه، او يهندم عباءته،أو يبرز لمعتها اذا كانت من الجاسبي الأصفر الذهبي!..المهم انه يقوم بعملية التأنق المظهري. ويعمل جاهدا على ان يكون وجهه بـ (نيولك- طلّه جديده). ومعظم الرجال، في طقوس التودد، يكونون مثل شخص يقف في نهر ويحاول ان يمسك السمك بضربه على الرأس بعصا، فيما تكون لدى النساء طعوم اكثر ومهارات اجود في صيد السمك!.
وكما الرجال، فأن النساء تستخدم معظم ايماءات التأنق الاساسية، بما في ذلك لمس الشعر او نثر خصلاته، وتلميس الملابس، والنظرة الخاطفة التي تصيب الهدف بسهم كيوبيد في لحظة!. ولكن الغالب على معظمهن انهن يرفعن الرأس او يردّنه للوراء بحركة مفاجئة لايصال الشعر الى الكتفين او لأبعاده عن الوجه، حتى لو كان قصيرا. ولك ان تلاحظ ذلك على مذيعات ومقدمات البرامج التلفزيونية وضيوفهن.. ولكن بافتراض حسن النيه!.
والمرأة تجيد النظرة الجانبية في (اصطياد) الرجل. فبجفنيين متدليين قليلا، تلفت المرأة نظرة الرجل المحدّقة وقتا كافيا لكي يلاحظ ذلك، ثم تنظر بعيدا بسرعة..وفي ذلك شعور معذّب باختلاس النظر الى الرجل، واختلاس الرجل النظر اليها، ويمكن ان يشعل نيران حتى الرجل(الميت) قلبه! باستعمال اللعاب او مساحيق التجميل، او احمر الشفاه. وبالمناسبة فأن احمر الشفاه تقنية استخدمت منذ الاف السنين (والما يصدك خل يروح يسأل بيبيته)!.
ها..ما رأيك؟.هل كنت منتبها للغة الجسد قبل قرائتك لهذا الموضوع؟
وهل ترى أنها مفيدة في الانتباه لنفسك وفي معرفتك لما يحاول الآخر اخفاءه عنك؟ أم أنك ترى ترك الأمور على سجيتها أفضل من تفسيرات قد تسيء الظن وتجلب المتاعب؟.
أ.د.قاسم حسين صالح
رئيس الجمعية النفسية العراقية
بماذا تفسر قول فيروز حين تغني: وتعطلت لغة الكلام وخاطبت عيني في لغة الهوى عيناك؟
هل عجز لسان الحبيب عن ايصال مشاعره الى حبيبته فتولت (عيناه) هذه المهمة؟! اذا كان الجواب نعم، وهو كذلك فعلا، فهذا يعني ان لغة الجسد ( أبلغ) من لغة الكلام..بل انها تكون احيانا اصدق من اللسان.ولهذا تزايد الأهتمام عالميا بدراسة لغة الجسد لا سيما في التحقيقات التي يقوم بها رجال الشرطة ( ولا نقصد بذلك جهاز كشف الكذب) وتنوعت فيها الدراسات وشملت حتى الحركات البسيطة التي قد لا تعني شيئا، كأن يحك المتحدث اذنه من الخلف وهو يتحدث الى الجمهور، او حين يشبك اصابعه العشره بيدين عموديتين أو يضعهما تحت حنكه. فقد تبين من دراسة حركات معينة انها تقول الحقيقة فيما الكلام المنطوق المصاحب لها هو الكذب بعينه.
وقد لا تعلم – عزيزي القاريء -ان الدراسات العلمية توصلت الى ان حصة الكلام (اللغة اللفظية) في احاديثنا التقليدية بحدود 45% ، فيما تكون حصة لغة الجسد من التواصل بحدود 55% ! اي ان اقل من نصف المعنى يأتي عبر لغة الكلام ،فيما يأتي اكثر من النصف من لغة الجسد . وانه يوجد بالدماغ جهاز او مركز خاص لفك الشفرات التي تبعث بها لغة الجسد، فأن فسّرها بشكل صح،حصل تفاهم وتودد ..وصداقة..وربما الوقوع في الحب!، وان فسّرها بشكل خطأ ، ادى ذلك الى نفور او خصومة..وربما شجار . ولأننا نخشى أن يكتشف الآخرون حقيقتنا من لغة جسدنا ،فان أفضل طريقة للكذب هي..على التلفون،وان كنت في شك..(اسأل موبايلك..الوارد منه والصادر ايضا!).
هذا يعني علينا ان نمتلك ثقافة جديدة بالسلوك غير المنطوق (لغة الجسد) لانها هي التي تزودنا بأفضل المفاتيح لمعرفة مشاعر الفرد الداخلية بشكل منفصل تماما عن حديثه ، وما اذا كانت اللغتان (اللفظية وغير اللفظية) متطابقتين بالمعنى ، او ان احداهما تحمل معنى يناقض ما تحمله اللغة الاخرى ، فتكون في حيره..ايهما تصدّق: كلامه ام لغة جسده؟. بل ان لغة الجسد نفسها قد تحمل معاني متناقضة، فالراحتان المفتوحتان تقترنان عادة بالنزاهه، ولكن عندما يبسط المزيّف (المنافق) راحتيه ويبتسم لك وهو يكذب، فان اشارات اخرى تفضحه كأن يرتفع احد حاجبيه او ترتعش زاوية فمه. وتشير الدراسات الى ان كثيرا من السياسيين هم خبراء في تزييف لغة الجسد بهدف حمل الناخبين على تصديق ما يرددون من اقوال، والسياسي الذي يفعل ذلك بنجاح يقال عنه انه يتمتع بكاريزما ، فيما يفشل اخرون كما حصل مؤخرا لسياسي عراقي صرف ملايين الدولارات في دعاياته الانتخابية ولم تحصل قائمته حتى على مقعد واحد!..مع أننا أسدينا له نصيحة لوجه الديمقراطية!.
في ضوء ذلك يتبين كم هي مهمة لغة الجسد، لكن معرفتنا بها تكاد تكون عامة أو سطحيه. ولانها مهمة في فهم الآخرين ونواياهم الحقيقية، ولانها المفراس الذي يفرز لك الصدق من الكذب.. فأننا سنزودك بأهم مفاتيح هذه اللغة.. بادئينها بلغة العيون .
1. لغة العيون
في كتابه (العين راوية الحكايات) يقول مؤلفه (هـس): ان العين تعطي كل اشارات الاتصالات البشرية الاكثر كشفا ودقة وصدقا. وهذا صحيح ،ففي الحب العين هي التي تتكلم قبل اللسان. وفي اشعار الغزل والاغاني ،العين هي موضوع الحب ورسول الغرام.
كل هذا معروف، لكن ما لا نعرفه هو ان بؤبؤي العينين يتمددان و يتقلصان تبعا لتغير المزاج واليهما يرجع التأثير الذي يحدثه فيك عدوك او حبيبك! . فعندما يثار الشخص عاطفيا فأن بؤبؤي (انساني) عينيه يتمددان الى اربعة اضعاف حجمهما العادي. فالعشاق يتطلعون عميقا في عيون بعضهم البعض، ولك أن تتذكر أيام شبابك كيف كنت لا تمل من النظر في عينيها!. ولهذا تعمد الاماكن التي يرتادها العشاق ان تكون مضاءه بالشموع ،والسبب لايخص رومانسية الشمعة وحدها(والذي اكتشفها رومانسي رائع)، بل لأن الضوء الخافت يساعد على تمدد بؤبؤ العين فتغدو واسعة برّاقة جذابة.أما حين يتعكر مزاجك أو تغضب فان البؤبؤين يتقلصان فتبدو العينان صغيرتان كعيني حيّه.
وعن صدق العين وكشفها المخفي فاننا حين نشك في قول محدّثنا نقول له أشو خلّي عينك بعيني).والسبب يعود الى ان (النظرة المحدّقة) تكشف المعنى الذي نخفيه.فلقد توصلت الدراسات الى ان الشخص حين يكون غير صادق او انه يكتم معلومات، فأن عينيه تلتقي عينينا اقل من ثلث الوقت. وأنه حين تلتقي عينا شخص بعينيك اكثر من ثلثي الوقت فهذا يعني واحدا من أمرين: اما انه يجدك شيقا جدا او مغريا وجذابا..وفي هذه الحالة تكون النظرة المحدّقة مصحوبة بتمدد بؤبؤي العينين، أو انه عدائي اتجاهك..وفي هذه الحالة يتقلص البؤبؤان.
وأفادت الدراسات أن المنطقة الجغرافية من وجه الشخص وجسده التي توجه اليها نظرتك المحدّقة لها معنى أيضا. فحين تكون (عينا" لعين) فأنها تعني ان المقابل صادق، وان كانت نحو العنق فأنه كاذب، الا في اليابان فالنظرة المحدقة اليابانية تتجه نحو العنق بدلا من الوجه اثناء الحديث.(ناس مهذبين ويخجلون مو مثل ناس وكحين يحط عينه بعينك..ويكذب!).
ولقد ابتكرت النظارات السوداء لتخفي ما قد تفضحه العينان ،واستخدمها المقامرون والمفاوضون والتجّار والسياسيون ايضا. غير ان علماء النفس اشاروا عليهم بعدم استعمالها في المفاوضات لانها تشعر الآخرين ان صاحبها يحدّق بهم ليكشف امرهم، وانه مراوغ او مخادع يخفي ما لا يريد الآخرون معرفته.
وثمة معلومة لطيفة: اذا شاء الرجل أو المرأه تمثيل دور (صعب الحصول عليه) فأن عليه (عليها) تجنب استخدام النظرة المحدّقة الحميمة، واستخدام النظرة المحدّقة الاجتماعية عوضا" عنها فيبدو (تبدو) باردا. والتفسير هو انك عندما تستخدم النظرة المحدّقة الحميمة مع شريك محتمل من الناحية الجنسية، فانك تفضح اللعبة.والمفارقة ان النساء خبيرات في ارسال وتلقي هذا النوع من النظرة، فيما الرجال - لسوء حظهم أو قلّة شطارتهم- يستخدمون النظرة المحدّقة الحميمة التي غالبا ما تخيب ظنهم.. ولهذا تنجح النساء لأن المرأة تستخدم أولا النظرة الاجتماعية.. تصطاد بها الرجل..ثم تدخله شبكة النظرة المحدّقة الحميمة،العنكبوتية، وتحبسه بها باحكام!.
2. ايماءات اليدين
هل خطر ببالك ان هناك علاقة بين تغطية الفم أو العين أو الأذن باليد وبين الكذب والخداع والشك، وان هذه الايماءات أو الحركات لا تحصل حين نقول الصدق؟!
لقد كشفت الدراسات عن ان الشخص الذي يتكلم ويلمس انفه من الاسفل أو يفركه فان ذلك يدل على انه يتلفظ بكذبه. وانك اذا غطيت فمك بيدك حين يتحدث صديقك اليك فأن ذلك يعني انه يكذب عليك. ويحدث مثل هذا المشهد بوضوح حين يتحدث خطيب أو سياسي الى جمهور يضع معظم افراده اياديهم على افواهم. وهنا سنقدم لهم نصيحة مجانية، هي انه اذا لاحظ أحدهم ذلك على الجمهور الذي يتحدث اليه، عليه ان يتيح لهم فرصة التعليق أو ابداء الرأي..والا فأنه اذا استمر سوف يزيد عدد الذين يضعون اياديهم على افواهم ولن يحقق ما كان يهدف اليه،(مع أنهم صاروا خبراء بهالشغله أو ما عادوا يكترثون سواء وضعوا أيديهم على أفواههم أو في مكان آخر!). وقد تسأل، وما علاقة لمس الانف بالكذب؟. والجواب هو أن الكذبة حين تدخل الى العقل فان ما دون الوعي يصدر أمرا الى اليد بأن تغطّي الفم، ولكن باللحظة الأخيرة تنسحب اليد بعيدا عن الوجه مارة بلمسة سريعة للأنف. وثمة تفسير آخر هو ان الكذب يجعل اطراف الاعصاب الدقيقة في الانف تستشعر وخزا خفيفا ويحدث فعل الفرك لخفض هذا الشعور .
وكثيرا ما نحك أعيننا بأيدينا ونفرك آذاننا بها، وهي حالة طبيعية في المواقف العادية الا ان لها دلالة في مواقف يكون فيها التحدث عن امور شخصية لا تتسم بالصراحة. فحك العين باليد،حين تقول كذبة أو تسمع كذبة، هي محاولة من الدماغ كي لا (ترى) الكذبة. ولقد وجد ان الرجال يحكون عيونهم بقوة اذا كانت الكذبة كبيرة ، فيما النساء يستخدمن حركة حك صغيرة ولطيفة تحت العين(ربما لتجنب افساد المكياج).وأن كليهما يتحاشيان نظرة المستمع في حالة الكذب،لكن النساء ينظرن الى السقف فيما الرجال ينظرون الى الارض.
اما حك الاذن باليد فهي محاولة من المستمع لعدم (سماع اي شر) اما بوضع اليد حول الاذن او فوقها او سحب شحمة الاذن او ثنيها لتغطية فتحتها التي تشير الى ان الشخص قد سمع ما يكفي او انه يريد ان يتكلم. والمدهش ان الدراسات افادت بأن حك (العنق) هي علامة على الشك او الريبة، ودالة على ان الشخص غير متأكد من الموافقة،وأنها مؤشر على وجود تناقض بين ما يقوله الشخص وبين ما يضمره. وتبين ان الذين يحكون مؤخر اعناقهم يميلون الى ان يكونوا سلبيين او انتقاديين فيما الذين يحكون جباههم ،حين تشير الى خطأ ارتكبوه ، يكونون صريحين وهادئين.
ولك ان تعلم ان وضع السبابه على الخد واليد على الذقن لها اكثر من معنى. فعندما تشير السبابة عموديا الى اعلى الخد ويسند الابهام الذقن فانها تكون دالة على ان المستمع تشكلت لديه افكار سلبية أو انتقادية عن الشخص الذي يتحدث اليه او حول موضوعه. اما اذا استقر الذقن على راحة اليد والسبّابة على الخد فانها تكون دالة على ان المقابل مهتم بما تتحدث اليه. ولكن عندما يسند الرأس كليا باليد من تحت الذقن والأصابع تستقر على الخد،فان ذلك دالة على أن من تتحدث اليه قد فقد الاهتمام بما تقوله ،وأنه يجاملك ليس الا.
ايماءات التودد.. واشارات الغزل 3.
من المدهش اننا نحن البشر نشترك مع الحيوانات في اشارات التودد والمغازلة، فلقد كشفت دراسات علماء الحيوان والعلماء السلوكيين ان الذكور والاناث من الحيوانات تستخدم سلسلة معقدة من ايماءات التودد بعضها ماهر الى اقصى حد. ففي انواع من الطيور، يتبختر الذكر حول الانثى مصدرا عرضا صوتيا، ونافشا ريشه على طريقة (ديج ابو العرفين لمظفر النواب). ومع انه يقوم بحركات معقدة للفت اهتمام الانثى، فأنها لا تبدي له اي اهتمام. وهذا ما يحدث عندنا نحن البشر ايضا، فكثير من الرجال يتوددون ويرسلون اشارات غزل للنساء، ولا يلقون استجابة. وقد تقول ان هذا يعود الى ان حياء المرأة يمنعها من ذلك..فيما يعود السبب الأهم الى ان معظم الرجال لا يجيدون فن التودد للمرأة..علما بأن للنساء مدى اوسع من مدى الرجال للتودد والمغازلة.
ومثل معظم الانواع الحيوانية، يعرض الذكر البشري سلوك التأنق لدى اقتراب الانثى فهو قد يعدّل ربطة عنقه،او ياخة قميصه، او عقاله اذا لم يكن لابسا ربطة عنق، او يمسح غبارا خياليا من على كتفه، او يعيد تنظيم ازرار كم قميصه، او يهندم عباءته،أو يبرز لمعتها اذا كانت من الجاسبي الأصفر الذهبي!..المهم انه يقوم بعملية التأنق المظهري. ويعمل جاهدا على ان يكون وجهه بـ (نيولك- طلّه جديده). ومعظم الرجال، في طقوس التودد، يكونون مثل شخص يقف في نهر ويحاول ان يمسك السمك بضربه على الرأس بعصا، فيما تكون لدى النساء طعوم اكثر ومهارات اجود في صيد السمك!.
وكما الرجال، فأن النساء تستخدم معظم ايماءات التأنق الاساسية، بما في ذلك لمس الشعر او نثر خصلاته، وتلميس الملابس، والنظرة الخاطفة التي تصيب الهدف بسهم كيوبيد في لحظة!. ولكن الغالب على معظمهن انهن يرفعن الرأس او يردّنه للوراء بحركة مفاجئة لايصال الشعر الى الكتفين او لأبعاده عن الوجه، حتى لو كان قصيرا. ولك ان تلاحظ ذلك على مذيعات ومقدمات البرامج التلفزيونية وضيوفهن.. ولكن بافتراض حسن النيه!.
والمرأة تجيد النظرة الجانبية في (اصطياد) الرجل. فبجفنيين متدليين قليلا، تلفت المرأة نظرة الرجل المحدّقة وقتا كافيا لكي يلاحظ ذلك، ثم تنظر بعيدا بسرعة..وفي ذلك شعور معذّب باختلاس النظر الى الرجل، واختلاس الرجل النظر اليها، ويمكن ان يشعل نيران حتى الرجل(الميت) قلبه! باستعمال اللعاب او مساحيق التجميل، او احمر الشفاه. وبالمناسبة فأن احمر الشفاه تقنية استخدمت منذ الاف السنين (والما يصدك خل يروح يسأل بيبيته)!.
ها..ما رأيك؟.هل كنت منتبها للغة الجسد قبل قرائتك لهذا الموضوع؟
وهل ترى أنها مفيدة في الانتباه لنفسك وفي معرفتك لما يحاول الآخر اخفاءه عنك؟ أم أنك ترى ترك الأمور على سجيتها أفضل من تفسيرات قد تسيء الظن وتجلب المتاعب؟.