الصحفي الطائر
07-08-2011, 02:41 PM
الاعتداءُ الجنسيُّ.. مِنَ الكبتِ أمْ مِنَ «التَّحرُّر»؟
د. أسامة عثمان
يشيع لدى بعض المأخوذين بالحضارة الغربيّة، وفكرة الحريّات الشخصيّة، ومنها الحريّة الجنسيّة أنَّ فقدان هذا النوع من الأفكار، في البلاد العربية والإسلامية، يؤدي إلى انحرافات جنسيّة، واعتداءات لا نجدها في المجتمعات الغربيّة التي تتيح الإشباعَ الجنسي بكلِّ طلاقةٍ وحريّة، وبساطة.
وأصحاب هذا الرأي يعزون تصاعد الاعتداءات الجنسيّة في بلادنا إلى الكبت والحرمان الذي تفرضه ثقافةُ المجتمع، وعاداته وتقاليده، وتشريعاته، من قبيل الفصل المنيع بين الرجال والنساء، مع الأخذ بعين الاعتبار التفاوت في هذه «الضوابط» بين بلد عربي وآخر.
الاعتداء الجنسي:
وقد يلزم في البدء إعطاء تعريف لهذا المصطلح، وقد عُرِّف بأنه: «اعتداء ذو طبيعة جنسيّة، تجاه شخص آخر. وعلى الرغم من أن الاعتداءات الجنسية غالباً ما تكون من قبل رجل تجاه امرأة، إلاّ أنه من الممكن أن يحدث من قبل رجل تجاه رجل، أو امرأة تجاه رجل، أو امرأة تجاه امرأة».
وقد يتصاعد هذا الاعتداء ليصل حدَّ «الاغتصاب» وقد يتضاءل، ليكتفي بالتحرّش الجنسي الذي هو نوع من المضايقة الجنسية، بأي شكل فعلي، أو لفظي، بالتصريح، أو بالتلميح.
وقبل أن نحلل بعض جوانب الاعتداءات الجنسية من المفيد التذكير أنها ظاهرة عالمية، فهي موجودة في البلاد الغربية، كما هي واقعة في البلاد العربية والإسلامية.
وكلنا سمع بفضيحة الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، مع المتدربة في البيت الأبيض آنذاك، (مونيكا لوينسكي). وكذلك كلنا يسمع عن مغامرات رئيس الوزراء الإيطالي، (سيلفيو برلسكوني)، النسائية، على الرغم من ارتفاع الاحتجاجات ضده؛ حتى استُدعي للمثول أمام لجنة الأمن في البرلمان، وحتى أفادت تقارير أن الشرطة السرية أبلغت أعضاء لجنة الأمن البرلمانية أن نمط حياة برلسكوني وعلاقاته يمكن أن تهدّد الأمن القومي.
وغير بعيد عن هذه الظاهرة «المجتمع الإسرائيلي»
فظاهرة التحرش الجنسي في «إسرائيل» موجودة ومقلقة، ومن آخر ما نُشر حول الظاهرة جاء على موقع صحيفة (هآرتس)؛ إذ نشرت وزارة الشؤون الاجتماعية «الإسرائيلية» تقريرًا عن الاعتداءات والممارسات التي تتعرض لها الشّابات هناك، وذلك بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، حيث تعاملت إدارات الشؤون الاجتماعية التابعة للوزارة خلال عام 2009م مع (2400) ملف اعتداء جنسي واغتصاب. هذا طبعًا، شيء محدود من حجم الظاهرة؛ لأن الكثيرات من النساء لا يشتكين، ولا تثبت حالات التحرّش بهن.
وقد بلغ التحرش الجنسي في «إسرائيل» مستويات سياسية رفيعة حتى طاول رئيس الدولة السابق (موشية كاتساف)، وهو الذي يشغل منصبًا رمزيًّا، وفخريًّا؛ إذ اعترف بتحرّشه الجنسي، واتُّهم من غير واحدة من المشتغلات في ديوانه الرئاسي بالاعتداء الجنسي عليهن، وبعضهن اتهمنه بالاغتصاب.
وفي فرنسا:
وكان من آخر ما تناقلته وسائلُ الإعلام قضية (دومينيك ستروس كان)، المدير العام السابق لصندوق النقد الدولي الذي اتّهمته خادمةٌ تعمل في فندق أمريكي بمحاولة اغتصابها.
وعلى إثر هذه القضية، كشفت منظمات فرنسية، تُعنى بالدفاع عن حقوق النساء أن عددًا كبيرًا منهن رفعن قضايا الاغتصاب الجنسي؛ فقد أدّى تداول هذه القضية في وسائل الإعلامية الفرنسية إلى كشف النقاب عن جانب خفي من ثقافة المجتمع الفرنسي.
وهنا يحسن أن نؤكد على بعض الأمور، وهي:
أن ميل الرجل إلى المرأة، والعكس مسألة فطرية، لا تُذمّ، لذاتها، بل لا يتواصل النسل، ولا تستمر الحياة لو أن الله لم يخلق الناس عليها. والخلاف بين البشر، والثقافات، إنما يقع حول طرائق إشباعها.
والسؤال الأساس الذي نودّ أن نلقي عليه بعض الضوء هو دور الحرية في التقليل من حالات الاعتداء الجنسي.
وقبل أن نناقش السؤال، يمكننا التفريق بين الاعتداءات الجنسية الفردية، وهي حالة لا تحتمل التعميم، ولا تفيد في تقعيد الأفكار، أو استخلاص الفروق؛ تبعًا لمتغير الحرية الشخصية، والجنسية.
فالاعتداء الجنسي، تحرّشًا، أو اغتصابًا، يكون أخطر حين يغدو حالة مجتمعية، أما الحالات الفردية المَرَضية الناتجة عن العجز عن الإشباع السويّ؛ لسبب عضويّ، أو نفسيّ، أو تلك الناتجة عن السُّكّر، أو تعاطي المخدِّرات، فإنها تُبحث على نطاقها الفردي، إلاّ أن تصبح جماعيّة، كما هي المخدرات، مثلاً، التي تتسبّب بحالات من التحرّش واسعة نسبيًّا، في حال زيادة المتعاطين لها، إلى أعداد كبيرة من الشباب، والرجال...
بين الكبت والحرية:
- يتحدث فرويد، عند تحليله لأسباب الانحراف الجنسي، عن الكبت الجنسي، بوصفه عاملاً داخليًّا، وعن الحدّ من الحرية بوصفها عاملاً خارجيًّا، يعرقل الوصول إلى هدف جنسيّ سويّ.
- وبالطبع يختلف الناس في تصنيف الانحرافات، وفق مقاييسهم الدينية والفكرية ، وإن كانت ثمة ممارسات جنسية يتفق الأغلبيّة من البشر على انحرافها.
- وفيما يتعلق بأسباب الانحراف- ويمكن أن نَعُدَّ «الاعتداء الجنسي» شكلاً من أشكاله؛ لأنه ممارسة للجنس، على نحو عدواني، يتنافى وطبيعة الغريزة، ودوافعها، وآثارها الفردية والاجتماعية... فإن الكبت قد يقود إلى الاعتداء، حال تُسدّ الطرق أمام الفرد للإشباع السويّ، لكن انعدام الحرية لا يمكن أن يكون سببًا للانحرافات والاعتداءات؛ فليس غياب الحرية شبه المطلقة، أو المطلقة، عن مجتمع ما يعني بالضرورة معاناة ذلك المجتمع من الكبت...
- ولنا أن نستحضر حالات الاعتداء التي تبلغ مستوى الظاهرة في المجتمعات الغربية، على الرغم من كون تلك المجتمعات لا تعاني تدنّيًا في منسوب الحرية، بقدر ما تعاني إفراطًا في نطاقها... فيدلّ ذلك أن الكبت ليس وحده المسؤول عن الاعتداءات الجنسية، ولا كبتَ في الغرب، ومع ذلك فيه انحراف واعتداء.
- وأما البلاد العربية والإسلامية، فإنّ الكبت فيها ناجم عن قيود اجتماعية واقتصادية تقلّل من حالات الزواج، أو تعقِّد شروطَه، وإجراءاتِه، وتؤخر وقوعه إلى عمر متقدم.. وهو الذي يوفر الإشباع السويّ.
- ولا تؤثر- لو أزيلت العقبات أمام التشريعات الإسلامية للغريزة الجنسية- تلك الضوابط والمحرمات التي يلزم بها الدين، من قبيل منع الاختلاط، وتحريم الخلوة، والنظر للعورات.
- فالمشكلة هنا اجتماعية اقتصادية، بالمقام الأول، لا دينية تشريعية؛ فلو رجعنا إلى أحكام الإسلام المتعلقة بالغريزة الجنسية فلا نجدها تكبتها أبدًا، بل إنها تبيح الإشباع السويّ بالزواج، وتيّسر وقوعه، ولذلك تفصيلات مستفيضة في كتب الفقه، من حِلّ التعدّد، وحق المرأة في طلب التفريق؛ إذا لم تنل حقّها من الزواج، وغير ذلك من الأحكام التي راعت الرجل والمرأة.
الكبت والمثير :
وقد تختلف النظرة في معالجة الغريزة والتعامل معها، طبقًا لفهمها من جهة الإثارة التي تتطلب الإشباع: هل تتولد بمؤثر داخليّ وخارجيّ، أم خارجيّ فقط؟
قد تثور الغريزة بدوافع نفسية داخلية، كالتذكّر، ولكن الملحوظ أن أغلب مثيراتها خارجية، ولو وجدت مثيرات غيرها، اجتماعية، وعلمية، واقتصادية، فإن انشغال الذهن بها، لا يدع له مجالاً واسعًا لتلك الإثارة الجنسية.
وعكس هذا هو الذي يقيم عليه الغربُ حياته، فيما يتعلق بهذه الغريزة؛ إذ تتقصد تلك المجتمعاتُ إثارة الغريزة الجنسية، في كل مناسبة، وفي كل مكان تقريبًا.
ومع أن الغرب يتيح للأفراد إشباع هذه الغريزة، على المستوى القِيَمي، وعلى الصعيد القانوني، وفي قرارة تلك المجتمعات تقديسٌ للحرية الفردية، وحمايةٌ لها، فإن الإكثار من عرض المثيرات، مع الفراغ الروحي، دَفَعَ الكثيرين منهم إلى الانحراف الجنسي، والشذوذ.
- ولو أخذنا بالمثل القائل:« كلُّ ممنوعٍ مرغوب» فإن منعَ المرأة عن أن تكون في متناول الرجل، وكذا العكس، قد يحثُّ على الوصول إلى ذلك، ويعزز الرغبة فيه، ولهذه الرغبة في الإسلام مدخل محدّد، هو الزواج.
- وأما في الغرب الحرُّ فإن إتاحة العلاقات الجنسية بين الرجل والمرأة، دون رباط الزواج، ربما دعاهما إلى ما هو أبعد من هذا القدر من المتعة الجنسية إلى الإشباعات الشاذة- وهو واقع هناك- التي إن لم تكن ممنوعة في بعض القوانين الغربية، فإنها ممنوعة في وعي الإنسان السويّ، وفي ضميره، وفي شعوره العميق؛ فينحرف إليها، وقد انحدرت بعض الدول الغربية إلى تقنين العلاقات الشاذة، بزواج المثليّين، وتعترف به هولندا، بلجيكا، وإسبانيا، وكندا، وبعض الولايات الأمريكية.
- والخلاصة أن الاعتداءات الجنسية، كما تنتج عن الكبت، وهو في المجتمعات العربيّة والإسلاميّة، ثمرة إقصاء الحلول الإسلاميّة، أو نتيجة عادات وتقاليد لم يلزم بها الشرع؛ فإن تلك الاعتداءات الجنسيّة تكثر نتيجة الحريّة الجنسيّة التي تُرَسِّخ في ذهن الواقعين ضمن نطاقها استباحةَ القيود، والاستهانة بالضوابط والقيم، وتدفعهم بالتالي، إلى انتهاك مناطق جديدة، والانزلاق على منحدرات مختلفة، ولو كانت زواج المثل بالمثل، أو استغلال المركز السياسي، أو الاقتصادي للنيل من أبناء الطبقات الفقيرة. واستغلال الأطفال، والاتّجار بهم؛ لإشباع نزوات دنيئة، وغير إنسانيّة.
http://www.islamtoday.net/nawafeth/artshow-43-152987.htm
د. أسامة عثمان
يشيع لدى بعض المأخوذين بالحضارة الغربيّة، وفكرة الحريّات الشخصيّة، ومنها الحريّة الجنسيّة أنَّ فقدان هذا النوع من الأفكار، في البلاد العربية والإسلامية، يؤدي إلى انحرافات جنسيّة، واعتداءات لا نجدها في المجتمعات الغربيّة التي تتيح الإشباعَ الجنسي بكلِّ طلاقةٍ وحريّة، وبساطة.
وأصحاب هذا الرأي يعزون تصاعد الاعتداءات الجنسيّة في بلادنا إلى الكبت والحرمان الذي تفرضه ثقافةُ المجتمع، وعاداته وتقاليده، وتشريعاته، من قبيل الفصل المنيع بين الرجال والنساء، مع الأخذ بعين الاعتبار التفاوت في هذه «الضوابط» بين بلد عربي وآخر.
الاعتداء الجنسي:
وقد يلزم في البدء إعطاء تعريف لهذا المصطلح، وقد عُرِّف بأنه: «اعتداء ذو طبيعة جنسيّة، تجاه شخص آخر. وعلى الرغم من أن الاعتداءات الجنسية غالباً ما تكون من قبل رجل تجاه امرأة، إلاّ أنه من الممكن أن يحدث من قبل رجل تجاه رجل، أو امرأة تجاه رجل، أو امرأة تجاه امرأة».
وقد يتصاعد هذا الاعتداء ليصل حدَّ «الاغتصاب» وقد يتضاءل، ليكتفي بالتحرّش الجنسي الذي هو نوع من المضايقة الجنسية، بأي شكل فعلي، أو لفظي، بالتصريح، أو بالتلميح.
وقبل أن نحلل بعض جوانب الاعتداءات الجنسية من المفيد التذكير أنها ظاهرة عالمية، فهي موجودة في البلاد الغربية، كما هي واقعة في البلاد العربية والإسلامية.
وكلنا سمع بفضيحة الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، مع المتدربة في البيت الأبيض آنذاك، (مونيكا لوينسكي). وكذلك كلنا يسمع عن مغامرات رئيس الوزراء الإيطالي، (سيلفيو برلسكوني)، النسائية، على الرغم من ارتفاع الاحتجاجات ضده؛ حتى استُدعي للمثول أمام لجنة الأمن في البرلمان، وحتى أفادت تقارير أن الشرطة السرية أبلغت أعضاء لجنة الأمن البرلمانية أن نمط حياة برلسكوني وعلاقاته يمكن أن تهدّد الأمن القومي.
وغير بعيد عن هذه الظاهرة «المجتمع الإسرائيلي»
فظاهرة التحرش الجنسي في «إسرائيل» موجودة ومقلقة، ومن آخر ما نُشر حول الظاهرة جاء على موقع صحيفة (هآرتس)؛ إذ نشرت وزارة الشؤون الاجتماعية «الإسرائيلية» تقريرًا عن الاعتداءات والممارسات التي تتعرض لها الشّابات هناك، وذلك بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، حيث تعاملت إدارات الشؤون الاجتماعية التابعة للوزارة خلال عام 2009م مع (2400) ملف اعتداء جنسي واغتصاب. هذا طبعًا، شيء محدود من حجم الظاهرة؛ لأن الكثيرات من النساء لا يشتكين، ولا تثبت حالات التحرّش بهن.
وقد بلغ التحرش الجنسي في «إسرائيل» مستويات سياسية رفيعة حتى طاول رئيس الدولة السابق (موشية كاتساف)، وهو الذي يشغل منصبًا رمزيًّا، وفخريًّا؛ إذ اعترف بتحرّشه الجنسي، واتُّهم من غير واحدة من المشتغلات في ديوانه الرئاسي بالاعتداء الجنسي عليهن، وبعضهن اتهمنه بالاغتصاب.
وفي فرنسا:
وكان من آخر ما تناقلته وسائلُ الإعلام قضية (دومينيك ستروس كان)، المدير العام السابق لصندوق النقد الدولي الذي اتّهمته خادمةٌ تعمل في فندق أمريكي بمحاولة اغتصابها.
وعلى إثر هذه القضية، كشفت منظمات فرنسية، تُعنى بالدفاع عن حقوق النساء أن عددًا كبيرًا منهن رفعن قضايا الاغتصاب الجنسي؛ فقد أدّى تداول هذه القضية في وسائل الإعلامية الفرنسية إلى كشف النقاب عن جانب خفي من ثقافة المجتمع الفرنسي.
وهنا يحسن أن نؤكد على بعض الأمور، وهي:
أن ميل الرجل إلى المرأة، والعكس مسألة فطرية، لا تُذمّ، لذاتها، بل لا يتواصل النسل، ولا تستمر الحياة لو أن الله لم يخلق الناس عليها. والخلاف بين البشر، والثقافات، إنما يقع حول طرائق إشباعها.
والسؤال الأساس الذي نودّ أن نلقي عليه بعض الضوء هو دور الحرية في التقليل من حالات الاعتداء الجنسي.
وقبل أن نناقش السؤال، يمكننا التفريق بين الاعتداءات الجنسية الفردية، وهي حالة لا تحتمل التعميم، ولا تفيد في تقعيد الأفكار، أو استخلاص الفروق؛ تبعًا لمتغير الحرية الشخصية، والجنسية.
فالاعتداء الجنسي، تحرّشًا، أو اغتصابًا، يكون أخطر حين يغدو حالة مجتمعية، أما الحالات الفردية المَرَضية الناتجة عن العجز عن الإشباع السويّ؛ لسبب عضويّ، أو نفسيّ، أو تلك الناتجة عن السُّكّر، أو تعاطي المخدِّرات، فإنها تُبحث على نطاقها الفردي، إلاّ أن تصبح جماعيّة، كما هي المخدرات، مثلاً، التي تتسبّب بحالات من التحرّش واسعة نسبيًّا، في حال زيادة المتعاطين لها، إلى أعداد كبيرة من الشباب، والرجال...
بين الكبت والحرية:
- يتحدث فرويد، عند تحليله لأسباب الانحراف الجنسي، عن الكبت الجنسي، بوصفه عاملاً داخليًّا، وعن الحدّ من الحرية بوصفها عاملاً خارجيًّا، يعرقل الوصول إلى هدف جنسيّ سويّ.
- وبالطبع يختلف الناس في تصنيف الانحرافات، وفق مقاييسهم الدينية والفكرية ، وإن كانت ثمة ممارسات جنسية يتفق الأغلبيّة من البشر على انحرافها.
- وفيما يتعلق بأسباب الانحراف- ويمكن أن نَعُدَّ «الاعتداء الجنسي» شكلاً من أشكاله؛ لأنه ممارسة للجنس، على نحو عدواني، يتنافى وطبيعة الغريزة، ودوافعها، وآثارها الفردية والاجتماعية... فإن الكبت قد يقود إلى الاعتداء، حال تُسدّ الطرق أمام الفرد للإشباع السويّ، لكن انعدام الحرية لا يمكن أن يكون سببًا للانحرافات والاعتداءات؛ فليس غياب الحرية شبه المطلقة، أو المطلقة، عن مجتمع ما يعني بالضرورة معاناة ذلك المجتمع من الكبت...
- ولنا أن نستحضر حالات الاعتداء التي تبلغ مستوى الظاهرة في المجتمعات الغربية، على الرغم من كون تلك المجتمعات لا تعاني تدنّيًا في منسوب الحرية، بقدر ما تعاني إفراطًا في نطاقها... فيدلّ ذلك أن الكبت ليس وحده المسؤول عن الاعتداءات الجنسية، ولا كبتَ في الغرب، ومع ذلك فيه انحراف واعتداء.
- وأما البلاد العربية والإسلامية، فإنّ الكبت فيها ناجم عن قيود اجتماعية واقتصادية تقلّل من حالات الزواج، أو تعقِّد شروطَه، وإجراءاتِه، وتؤخر وقوعه إلى عمر متقدم.. وهو الذي يوفر الإشباع السويّ.
- ولا تؤثر- لو أزيلت العقبات أمام التشريعات الإسلامية للغريزة الجنسية- تلك الضوابط والمحرمات التي يلزم بها الدين، من قبيل منع الاختلاط، وتحريم الخلوة، والنظر للعورات.
- فالمشكلة هنا اجتماعية اقتصادية، بالمقام الأول، لا دينية تشريعية؛ فلو رجعنا إلى أحكام الإسلام المتعلقة بالغريزة الجنسية فلا نجدها تكبتها أبدًا، بل إنها تبيح الإشباع السويّ بالزواج، وتيّسر وقوعه، ولذلك تفصيلات مستفيضة في كتب الفقه، من حِلّ التعدّد، وحق المرأة في طلب التفريق؛ إذا لم تنل حقّها من الزواج، وغير ذلك من الأحكام التي راعت الرجل والمرأة.
الكبت والمثير :
وقد تختلف النظرة في معالجة الغريزة والتعامل معها، طبقًا لفهمها من جهة الإثارة التي تتطلب الإشباع: هل تتولد بمؤثر داخليّ وخارجيّ، أم خارجيّ فقط؟
قد تثور الغريزة بدوافع نفسية داخلية، كالتذكّر، ولكن الملحوظ أن أغلب مثيراتها خارجية، ولو وجدت مثيرات غيرها، اجتماعية، وعلمية، واقتصادية، فإن انشغال الذهن بها، لا يدع له مجالاً واسعًا لتلك الإثارة الجنسية.
وعكس هذا هو الذي يقيم عليه الغربُ حياته، فيما يتعلق بهذه الغريزة؛ إذ تتقصد تلك المجتمعاتُ إثارة الغريزة الجنسية، في كل مناسبة، وفي كل مكان تقريبًا.
ومع أن الغرب يتيح للأفراد إشباع هذه الغريزة، على المستوى القِيَمي، وعلى الصعيد القانوني، وفي قرارة تلك المجتمعات تقديسٌ للحرية الفردية، وحمايةٌ لها، فإن الإكثار من عرض المثيرات، مع الفراغ الروحي، دَفَعَ الكثيرين منهم إلى الانحراف الجنسي، والشذوذ.
- ولو أخذنا بالمثل القائل:« كلُّ ممنوعٍ مرغوب» فإن منعَ المرأة عن أن تكون في متناول الرجل، وكذا العكس، قد يحثُّ على الوصول إلى ذلك، ويعزز الرغبة فيه، ولهذه الرغبة في الإسلام مدخل محدّد، هو الزواج.
- وأما في الغرب الحرُّ فإن إتاحة العلاقات الجنسية بين الرجل والمرأة، دون رباط الزواج، ربما دعاهما إلى ما هو أبعد من هذا القدر من المتعة الجنسية إلى الإشباعات الشاذة- وهو واقع هناك- التي إن لم تكن ممنوعة في بعض القوانين الغربية، فإنها ممنوعة في وعي الإنسان السويّ، وفي ضميره، وفي شعوره العميق؛ فينحرف إليها، وقد انحدرت بعض الدول الغربية إلى تقنين العلاقات الشاذة، بزواج المثليّين، وتعترف به هولندا، بلجيكا، وإسبانيا، وكندا، وبعض الولايات الأمريكية.
- والخلاصة أن الاعتداءات الجنسية، كما تنتج عن الكبت، وهو في المجتمعات العربيّة والإسلاميّة، ثمرة إقصاء الحلول الإسلاميّة، أو نتيجة عادات وتقاليد لم يلزم بها الشرع؛ فإن تلك الاعتداءات الجنسيّة تكثر نتيجة الحريّة الجنسيّة التي تُرَسِّخ في ذهن الواقعين ضمن نطاقها استباحةَ القيود، والاستهانة بالضوابط والقيم، وتدفعهم بالتالي، إلى انتهاك مناطق جديدة، والانزلاق على منحدرات مختلفة، ولو كانت زواج المثل بالمثل، أو استغلال المركز السياسي، أو الاقتصادي للنيل من أبناء الطبقات الفقيرة. واستغلال الأطفال، والاتّجار بهم؛ لإشباع نزوات دنيئة، وغير إنسانيّة.
http://www.islamtoday.net/nawafeth/artshow-43-152987.htm