الصحفي الطائر
03-30-2011, 04:22 AM
بعد التقويم التربوي الشامل ..... هل من مساءلة تربوية؟
محمد فالح الجهني ـ المدينة المنورة :
زيادة تكاليف النظم التربوية والإنفاق عليها من المال العام وتزايد شكوك المجتمعات حول جودة مخرجات هذه النظم وأدائها، أمور تدعو إلى تقويم نظم التربية والتعليم في أدائها أو في أفرادها أو في محتواها أو في برامجها أو فيها جميعًا. ولكن إلى أي مدى يحق لنا مساءلة التربويين بناء على نتائج التقويم التربوي؛ جزئيًا كان ذلك التقويم أم مؤسسيًا شاملًا؟
التقويم «Evaluation» بصفة عامة هو «الحكم على كفاءة أو تأثير برنامج أو إجراء أو فرد، والطريقة التي يصنع بها ذلك الحكم» (Dressel,1976). ومن منظور النظم يعرّف التقويم بأنه «عملية منهجية تقوم على أسس علمية، تستهدف إصدار حكم (بدقة وموضوعية) على مدخلات وعمليات ومخرجات أي نظام، ومن ثم تحديد جوانب القوة والقصور في كل منهما، تمهيدًا لاتخاذ قرارات مناسبة لإصلاح ما قد يتم الكشف عنه من نقاط الضعف والقصور» (سيد وسالم، 1426هـ). كما يُعرف التقويم بأنه «العمليات التي يتم بواسطتها جمع وتفسير المعلومات المناسبة بطريقة منظمة لتكون أساس الحكم العقلاني على قيمة أو جدارة أو تأثير برنامج أو إجراءات أو فرد معين» (الزهراني 1418هـ). وفي المجال التربوي يعرّف التقويم بأنه «عملية تشخيصية علاجية وقائية تهدف إلى كشف جوانب القوة والضعف في النظام التربوي بقصد تحسين عمليتي التعليم والتعلم وتطويرها بما يحقق الأهداف المنشــودة» (ستراك، 2004م).
محكّات تقويم التقويم التربوي
قبل إجراء التقويم التربوي (خصوصًا التقويم المؤسسي) لابد من التأكد من أن هذا التقويم يحقق عددًا من الشروط التي تضمن كفاءة وفعالية نشاط التقويم التربوي نفسه. وهناك معايير تعرف بمعايير «JCSEE «Joint Committee on Standard for Educational Evaluation»، وهي معايير عالمية ومقننة للحكم على كفاءة وفعالية التقويم التربوي بشكل عام، وهي المعايير التالية (الدوسري، 1421هـ):
٭ معايير المنفعة: وتهدف معايير المنفعة إلى التأكد من أن التقويم سيخدم احتياج الطلبة من المعلومات. وهذه المعايير هي:
- تحديد المستفيدين من التقويم: يجب تحديد المستفيدين من التقويم أو المتأثرين به حتى يمكن خدمة احتياجاتهم.
- مصداقية المقوَّم: يجب أن يكون الشخص الذي ينفذ التقويم جديرًا بالثقة ومتمكنًا من التقويم، ليمكن الثقة بالنتائج وتوفير القبول والمصداقية لها.
- نطاق المعلومات واختيارها: تجمع المعلومات وتختار في النطاق وبالطريقة التي تخاطب فيها أسئلة محددة حول موضوع التقويم، وتستجيب لحاجات المستفيدين من التقويم واهتماماتهم.
- التفسير القيمي: توصف الإمكانات والإجراءات والمبررات المستخدمة في تفسير النتائج التي وصل إليها التقويم حتى يكون الأساس الذي استندت إليه في الوصول إلى ما وصلت إليه واضحًا.
- وضوح التقارير: يجب أن يصف التقرير موضوع التقويم، ومحتواه، وغرضه، وإجراءاته، ونتائجه كي يمكن للمستفيدين فهم كيف عمل ولماذا عمل وما نوع المعلومات التي تم الحصول عليها، وأية خواتيم تم التوصل إليها وما هي التوصيات.
- نشر التقرير: يجب أن يصل التقرير إلى المستفيدين الذين من حقهم معرفته، حتى يمكن لهم تقويم التقويم والاستفادة من النتائج.
- توقيت التقرير: يجب أن يوفر التقرير في وقت يسمح بالاستفادة من نتائجه والمعلومات التي يحتويها.
- تأثير التقويم: يجب أن يخطط التقويم وينفذ على نحو يشجع متابعة من قبل المستفيدين.
٭ معايير الجدوى: تهدف معايير الجدوى إلى التأكد من أن التقويم واقعي، ومتعقل، ودبلوماسي، وهذه المعايير هي:
- الإجراءات العلمية: يجب أن تكون إجراءات التقويم عملية وتحصل على المعلومات بدون إرباك للعمل.
- المقبولية السياسية: يجب أن يخطط التقويم وينفذ مأخوذًا في الاعتبار المواقع المختلفة للمجموعات ذات المصلحة، بحيث يمكن ضمان تعاونهم ويمكن دحر أية محاولات من هذه المجموعات للتغيير في نتائج التقويم أو تزييفها.
- فعالية التكلفة: يجب أن يوفر التقويم معلومات كافية تبرر التكلفة في جمعها.
٭ المعايير القانونية: يقصد بهذه المعايير التأكد من أن التقويم سينفذ مراعيًا الجوانب القانونية والأخلاقية مع أخذ الاعتبار مصلحة المشاركين فيه إضافة إلى المتأثرين بنتائجه.
- الالتزام الرسمي: يجب أن تحدد التزامات الطرفين المتفقين على التقويم (ماذا سينفذ، كيف، بمن، ومتى) كتابيًا بحيث يكون الطرفان ملتزمين بجميع الشروط أو التفاوض عليها.
- تعارض المصلحة: تعارض المصلحة قد لا يمكن تحاشيه ولذا يجب أن يحل بوضوح وصراحة حتى لا يخل بالتقويم أو نتائجه.
- المكاشفة الكاملة والصريحة: يجب أن تكون تقارير التقويم المكتوبة والشفهية مكشوفة ومباشرة وصريحة فيما يتعلق بالنتائج بما في ذلك محددات التقويم.
- حق الناس في الاطلاع: يجب أن تحترم الأطراف الرسمية في التقويم وتؤكد حق الناس في الاطلاع على التقويم ضمن الحدود التي تسمح بها المبادئ والحقوق الأخرى، مثل تلك التي تتصل بسلامة الناس والحفاظ على خصوصياتهم.
- الحقوق الإنسانية للأشخاص: يجب أن يصمم التقويم وينفذ بحيث تصان حقوق الأشخاص ومصالحهم.
- التفاعل الإنساني: يجب أن يحترم المقوم كرامة الناس وقيمهم عند تفاعلهم مع القائمين على التقويم.
- التقارير المتوازنة: يجب أن يكون تقرير التقويم كاملًا وعادلًا في تشخيصه لنقاط القوة أو الضعف بحيث يبنى على جوانب القوة ويتم تحاشي جوانب الضعف.
- المسؤولية المالية: يجب أن تعكس نفقات التقويم وتوزيع تكلفته ومصادره إجراءات محاسبية جيدة وأن يكون المقوم مرشدًا وملتزمًا أخلاقيًا.
٭ معايير الدقة: تهدف معايير الدقة إلى التأكد أن التقويم سيكشف ويقدم معلومات كافية تقنيًا عن المزايا الخاصة بالموضوع المقوم وتقرر قيمته وجدارته.
- تحديد الموضوع: يجب فحص موضوع التقويم (برنامج، مشروع، مواد تعليمية) بدرجة كافية بحيث يتم تحديد شكله بوضوح.
- تحليل المحتوى: يجب فحص محتوى موضوع التقويم بشكل تفصيلي بحيث تحدد كل احتمالات تأثيره على الموضوع.
- الأغراض والإجراءات الموصوفة: يجب مراقبة أغراض التقويم وإجراءاته بشكل مفصل بحيث يتم تحديدها وتقويمها.
- مصادر المعلومات التي يمكن الدفاع عنها: يجب أن توصف مصادر المعلومات بشكل مفصل بحيث يمكن تقويم مدى كفايتهم للتقويم.
- القياس الصادق: يجب أن يتم اختيار أدوات القياس وجمع المعلومات وتطبيقها بالطريقة التي تضمن صدق التفسيرات التي يتم التوصيل إليها.
- القياس الثابت: يجب أن يتم اختيار أدوات القياس وجمع المعلومات وتطبيقها بالطريقة التي تضمن أن المعلومات ثابتة ودقيقة في مجال استخدامها.
- الضبط المنظم للبيانات: يجب مراجعة البيانات المستخدمة في التقويم وتنقيحها حتى لا تكون نتائج التقويم خاطئة.
- تحليل المعلومات الكمية: يجب تحليل المعلومات الكمية بشكل مناسب ومنظم لتضمن مساندة التفسيرات.
- الخواتيم الموضحة: يجب أن تقدم التوضيحات الكافية لخواتيم التقويم بحيث يمكن تقويمها.
- يجب أن توفر لإجراءات التقويم الحماية الكافية بحيث لا يشوب التحيز والمشاعر الشخصية نتائجه وتقاريره.
أما بخصوص معايير التقويم في التعليم العالي فينقل (الزهراني، 1418هـ) عن درسيل (Dressel) وصفه للتقويم في مجال المؤسسات الأكاديمية بأنه مفهوم يفترض أن يحقق ويضمن بعض أو جميع العناصر التالية:
- تحديد وفحص القيمة الكامنة في البرنامج أو السياسات أو الإجراءات تحت التقويم.
- تحديد أغراض وأهداف ومرامي البرنامج.
- تحديد المعايير التي يقاس بها نجاح البرنامج.
- تحديد وجمع وتحليل وتفسير البيانات والمعلومات.
- تحديد وتفسير مدى النجاح والإخفاق.
- تحديد العلاقة بين نتائج البرنامج والأداء.
- تحديد الآثار والنتائج غير المرغوبة أو غير المخطط لها.
- تحديد الآثار الناتجة من البرامج أو من بعض المتغيرات الخارجية التي لا يمكن التحكم فيها.
- إصدار التوصيات بالتعديل أو الاستبدال للبرنامج أو إقفاله.
- تصميم آلية تضمن استمرار فحص نتائج البرنامج بشكل دوري.
- تقدير القيمة والفائدة والنفع الاجتماعي العائد من البرنامج وعملياته، ومن عملية التقويم ذاتها.
مفهوم المساءلة (المحاسبة) Accountability
بتتبع عدد من المراجع العربية في الإدارة والتربية نلاحظ كلمتي المحاسبة والمساءلة الشائعتين في المراجع العربية تقابلان الكلمة الإنجليزية ، ولابد من تجنب كثير من تعاريف المساءلة التي تصفها بأنها توجه على الدوام من قبل الرئيس إلى المرؤوس، فهذه التعاريف تخلط بين المساءلة Accountability والمسؤولية Responsibility؛ فالمسؤولية التزام المرؤوس بواجبات وظيفته أمام رئيسه المباشر. أما المساءلة فتكون أمام الجميع وأولهم جمهور المستفيدين من النظام. والمساءلة لنظام التربية وأفراده ومسؤوليه يفترض أن تكون مساءلة أمام جميع من يتأثر بالأداء التربوي (طلاب، أسر، مجتمع، حكام ومسؤولين، أرباب سوق...إلخ)، وبهذا يوصف التقرير الشهير للرئيس الأمريكي رونالد ريجان «أمة في خطر» Nation at Risk (1984م) بأنه نوع من المساءلة لنظام التربية الأمريكي في تلك الفترة.
وتورد (أخوا رشيدة، 1426هـ) مجموعة من التعريفات للمساءلة التربوية والمساءلة عمومًا؛ ومنها:
- «قدرة المستخدم على تنفيذ المهمات المحددة وقدرته على شرح وتفسير وتوضيح مستوى المكتسبات التي حققها بطريقة تبني ثقة المراقب لعلم المستخدم».
- «الاستعداد لقبول اللوم على الفشل أو قبول الثناء والتقدير على النجاح والإنجاز، وتشمل شرحًا وتفسيرًا لماذا حدث الفشل، وما يجب فعله لتصحيح مثل هذا الموقف».
- «إجابة الأفراد أو المؤسسات عن الأسئلة التي توجه إليهم بسبب سلوكيات غير مرغوب فيها، أو قرارات علمية قاموا بها تتنافى مع الأنظمة والمعايير المرعية، ولا تنسجم معها».
- «التزام العاملين في التربية بتقديم إجابات أو تفسيرات عما يقدمونه من نتاجات التعلم. وتعني العلاقة التعاقدية أو التفاوضية بين المستخدم أو ممثل السلطة أو مصدر التمويل وبين مستخدم أو متعهد بعمل، لأن يجيب عند سؤاله (أو مساءلته) عن نتائج العمل الموكل إليه».
- «وسيلة يمكن للأفراد والمنظمات عبرها أن يتحملوا مسؤوليات أدائهم بحيث يؤدي ذلك إلى اطمئنان من يتعامل معهم بأن الأمور تجري للصالح العام وفق الأهداف المرسومة، وتستند إلى تعظيم الممارسات الجيدة وتحجيم الممارسات السيئة، وأن المشكلات يتم التعامل معها بعدالة ومساواة. وأيضًا هي قيام الرئيس بمحاسبة أو مساءلة المرؤوس على ما يقوم بأدائه من أعمال وإشعاره بمستوى هذا الأداء، وذلك من خلال تقييم هذه الأعمال.
- «الوعد أمام المستخدم (صاحب العمل) وأمام النفس والآخرين بتقديم نتائج محددة».
ولتوضيح العلاقة بين التقويم والمساءلة يستلزم الأمر توضيح ثلاثة مفاهيم ذات علاقة بالنتائج والمخرجات لأي نظام وهي مفاهيم: الفاعلية والكفاءة والإنتاجية.
الفاعلية Effectiveness:
تشير معظم مراجع الإدارة إلى أن الفاعلية تعنى بالوصول إلى الأهداف أو النتائج المرغوبة، أو عمل الشيء الصحيح. ويرى (مرشد، 1408هـ) أن الفاعلية تعني مدى نجاح المنظمة في تحقيق أهدافها، وهذا يعني أن درجة فعالية المنظمة إنما تقاس بمدى تحقق الأهداف المحددة لها والتي وجدت أصلاً لتحقق.
كما يعرف (المنيف، 1980م) الفاعلية بأنها تتمثل في «تحقيق الأهداف المنشودة التي تعبر عن رغبات المجتمع وتطلعاته مع اختيار أفضل البدائل للوصول إلى هذه الأهداف».
ويرى بيتر دركر Peter Drucker في كتابه Managing The Educated 1976) )أنه لكي تنجح الأجهزة الحكومية وتصبح أكثر فاعلية ينبغي أن تقوم هذه الأجهزة بمراعاة التالي (مرشد، 1408هـ):
- يجب أولاً تحديد عمل الجهاز وما يجب أن يكون عليه. وذلك عن طريق استعراض كثير من البدائل والتفكير فيها جيدًا، أو بمعنى آخر يجب أن يفكر جيدًا في وظيفة الجهاز والغرض الذي يسعى لتحقيقه.
- بعد ذلك تأتي الخطوة الثانية وهي وضع أهداف وأغراض واضحة ومحددة من خلال تعريف وظيفة الجهاز ومهمته.
- يجب وضع الأولويات التي تمكن الجهاز الحكومي من تحديد الأهداف المصغرة مثل تحديد الحد الأدنى من النتائج المطلوب تحقيقها. وكذلك تحديد المواعيد التي يجب أن يتم فيها العمل لتحقيق النتائج. وتحديد مسؤولية كل شخص حيال هذه النتائج.
- وضع تعريفات لمعايير الأداء يمكن عن طريقها قياس إنجازات الجهاز بأكمله.
- استخدام هذه المقاييس كتغذية راجعة تؤثر على الجهود التي يقوم بها الجهاز ولتصحيح وتعديل الأمور التي تحتاج لذلك.
- يحتاج الجهاز إلى مراجعة الأهداف والنتائج بطريقة منتظمة، وذلك للتعرف على تلك الأهداف التي لم تعد تخدم أغراضًا مفيدة أو التي يثبت أنه من غير الممكن تحقيقها.
وهناك ثلاثة مداخل لقياس الفعالية التنظيمية وهي المداخل التالية (أخوارشيدة، 1426هـ):
- مدخل الهدف: وهو أقدم المداخل استخدامًا لقياس الفاعلية التنظيمية. وهناك ثلاثة أنواع من الأهداف المؤسسية وهي: الأهداف الرسمية، وأهداف التشغيل، والأهداف العملية.
- مدخل النظم: ويركز هذا النموذج على قدرة المنظمة على الحصول على المصادر النادرة والقيمة من بيئتها الخارجية واستخدامها الاستخدام الأمثل للبقاء والنمو.
- مدخل تطوير الذات: ويركز هذا المدخل على قدرة المنظمة على تطوير ذاتها بذاتها، ويتفق رواد هذا المدخل جميعًا على أن فاعلية المنظمة تقاس بمدى وعي المنظمة بطبيعة عملياتها الداخلية، والعوامل التي تحكم أداءها وتحدد علاقتها مع بيئتها الخارجية.
وهناك عدد من مؤشرات فاعلية المنظمات التربوية وهي المؤشرات التالية(باختصار):
الكفاءة تعني «الاقتصاد أو خفض التكاليف، أو عمل الأشياء بطريقة صحيحة» (المنيف، 1980م). وتعني أيضًا «الحصول على أكبر عائد ممكن بأقل جهد ومال وفي أفضل وقت» (السعيد وآخرون، 1422هـ). أي أن الكفاءة هي «الحصول على أكبر قدر من المخرجات التعليمية مع أكبر اقتصاد في المدخلات، أو الحصول على مقدار معين من المخرجات باستخدام أدنى حد من المدخلات» (نفس المرجع). ويعرفها دليل المصطلحات العربية الموحدة في العلوم الإدارية بأنها «درجة الاقتصاد في استخدام المدخلات للحصول على نفس النتائج. أو درجة الزيادة في المخرجات بنفس المدخلات».
وبالعودة إلى المجال التربوي نجد أن الكفاءة ترتبط بدرجة الاستخدام الأمثل للإمكانيات التعليمية المتاحة (المدخلات) من أجل الحصول على مخرجات تعليمية معينة، أو الحصول على مقدار محدد من المخرجات التعليمية باستخدام أدنى مقدار من المدخلات التعليمية (أقل تكلفة ممكنة)، أو الحصول على أكبر قدر من المخرجات باستخدام مجموعة محددة من المدخلات (عابدين، 1421هـ). وأشهر مقاييس الكفاءة في المجال التعليمي المقياسان التاليان:
- أسلوب الكلفة - المنفعة: وهو يستخدم في حالة التمكن من التعبير عن كل المدخلات (الكلفة) والمخرجات (المنفعة) في صورة نقدية.
- أسلوب الكلفة – الفاعلية: وهو يستخدم في حالة عدم التمكن من التعبير عن المخرجات (الأهداف أو المنفعة) في صورة نقدية، وهذا هو الوضع السائد في التربية.
وقد خلط بعض الباحثين والدارسين في مجال الإدارة بين مفهومي الفاعلية Effectiveness والكفاءة Efficiency، إلا أن هناك شبه إجماع بين علماء الإدارة على التمييز بين هذين المفهومين، فبينما يركز مفهوم الفاعلية على أسلوب تحقيق الأهداف المؤسسية، يقيس مفهوم الكفاءة مدى تحقيق المخرجات والمدخلات (تكلفة الحصول على هذه المخرجات)، فكفاءة المنظمة هي مخرجات المنظمة قياسًا بمدخلاتها أي مخرجات المنظمة/مدخلات المنظمة» (أخوارشيدة، 1426هـ). وهكذا فإن مفهوم الفاعلية أوسع وأشمل من مفهوم الكفاءة، بل يمكن استخدام الكفاءة كمؤشر من مؤشرات الفاعلية التنظيمية.
الإنتاجية Productivity:
إنتاجية النظام ترتبط بأهدافه وبتحويل مدخلاته إلى مخرجات مطلوبة ضمن أدنى حد ممكن من التكلفة، وأنها تتضمن الاهتمام بالفعالية والكفاءة» (الطويل،2001م). وبهذا يتضح أن الإنتاجية هي علاقة نسبية بين المدخلات والمخرجات، وهو ما يمكن أن يعبر عنه بالمعادلة التالية:
الإنتاجية = المخرجات/المدخلات.
التقويم يشمل ما خُطط له وما لم يخطط له:
بتحليل أي منظومة، كمنظومة التعليم أو المدرسة أو الجامعة ، لأغراض التقويم وفق تحليل النظم، وبإخضاعها للتحليل والتقويم يتبين أنها تتكون من المكونات الأربع التالية (Dressel,1976 ):
- المدخلات Input: وهي التي تؤدي إلى الوسيلة المقصودة.
- المحتوى Content: وهي التي تؤدي إلى النهاية المقصودة.
- العمليات Processes: وهي التي تؤدي إلى الوسيلة الحقيقية (الواقعية/ الملحوظة).
- المخرجات Output: وهي التي تؤدي إلى النهاية الحقيقية (الواقعية/ الملحوظة).
والتحليل السابق يعني أن المخرجات قد تكون برامج مخطط لها أو أنها مخرجات عشوائية غير مخطط لها، فالمخرجات هي النهاية الملحوظة والواقعية سواء كانت حاضرة أثناء التخطيط أم غائبة.
وبالنظر إلى طبيعة النظام التربوي، ومراجعة المفاهيم السابقة، يمكن استخلاص التالي:
ــ التقويم والمساءلة يرتبطان بمخرجات العملية التربوية، سواء أكان قد خطط لهذه المخرجات أم كانت مخرجات عشوائية مرافقة.
ــ التقويم يعبّر عن (فاعلية) النظام التربوي، لأنه - التقويم- يركز على المخرجات النوعية، والمخرجات التربوية مخرجات نوعية، يصعب السيطرة عليها تماماً من النواحي الكمية، ويغلب عليها النظرة المثالية والشمولية (كقولنا تحقيق الأهداف التربوية وإخراج مواطن صالح).
ــ بينما المساءلة تكون أقرب إلى المفاهيم الكمية وبذلك فهي تعبر عن (الكفاءة والإنتاجية) لأن المساءلة تنصب على تحقيق (المخرجات) بأقل (مدخلات) ممكنة؛ ولذلك فهي ترتبط بنواح اقتصادية، وتكون الأفضل في عمليات التخطيط والرقابة وصناعة القرار واختيار البدائل المختلفة لتمويل التعليم وغيرها من وظائف الإدارة التربوية.
ــ التقويم في التربية إجراء سابق للمساءلة، لأن المساءلة ومحتواها تتم في ضوء نتائج التقويم (سلبًا أو إيجابًا).
مساءلة التربويين
إذًا فالتقويم سابق للمساءلة، والسؤال الذي يبرز بعد هذه المعالجة المفاهيمية، والذي صُدّرت به هذه المقالة، هو عن إمكانية توجيه المساءلة لأفراد التنظيم التربوي بناء على نتائج عملية التقويم أيًا كان مستواها (شاملة، جزئية، بنائية، ختامية...). وللإجابة عن مثل هذا السؤال يفترض التذكر دائمًا أن مخرجات النظام التربوي هي مخرجات حقيقية واقعية وليست مقصودة مثالية مجردة، كما نوقش قبل قليل، فهناك مؤثرات أخرى تعمل إلى جانب المدرسة تأثيرًا في الطالب وكافة مخرجات التربية، فالتربية تتصف وكما يشيع بين إدارييها بصعوبة التحكم النوعي. وفي هذا الصدد بالذات يشير (الطويل، 2001م) إلى أن طرح مفهوم المساءلة التربوية أدى إلى ظهور وجهتي نظر متباينتين حول هذا المفهوم:
ــ الأولى: ترى أن التربويين يجب أن يتحملوا مسؤولية العمليات أو المعالجات المستخدمة دون تحمل نتيجة المخرجات الناتجة: وقد بنى أصحاب وجهة النظر هذه رأيهم منطلقين من أن ما يتعلمه التلميذ لا يعتمد على متغيرات كامنة في النظام التربوي وحده، بل أن هناك متغيرات عدة تشتمل عليها نظم ليس هناك سيطرة مباشرة للنظام التربوي عليها مثل نظام الأسرة ونظام الإعلام والنظام الاجتماعي ونظم اجتماعية أخرى.
ــ الثانية: تعتبر أن النظام التربوي مسؤول عن مخرجاته بغض النظر عن مدخلات النظام أو المتغيرات الأخرى التي يعمل في جوها. وقد نشأ عن فكرة المساءلة التربوية فكرة الاعتراف بالنظم التربوية وذلك ضمن أطر من المعايير المدروسة والمتفق عليها، سعيًا لضمان توافر حد أدنى من الظروف التي يمكن أن تعتبر مناسبة لضمان تحقيق النظم التربوية لأهدافها وللتوقعات المبنية عليها.
المراجع
- أخوارشيدة، عالية خلف. المساءلة والفاعلية في الإدارة التربوية. عمّان: دار الحامد، 1426هـ/2006م.
- الدوسري, إبراهيم مبارك. الإطار المرجعي للتقويم التربوي. الرياض: مكتب التربية العربي لدول الخليج1421هـ/ 2000م.
- الزهراني، سعد عبدالله بردي. التجربة الأمريكية في تقويم مؤسسات التعليم العالي وما يستفاد منها للجامعات السعودية. الرياض: جامعة الملك سعود، ندوة التعليم العالي في المملكة العربية السعودية (رؤى مستقبلية)، 25-28/10/1418هـ.
- ستراك، رياض. دراسات في الإدارة التربوية. عمان: دار وائل، 2004م.
- السعيد، سعد بن محمد وآخرون. مفاهيم ومصطلحات التخطيط التربوي (سلسلة إصدارات الإدارة العامة للتخطيط التربوي- كتاب رقم 2). الرياض: وزارة التربية والتعليم، 1422هـ/2001م
- سيد، علي أحمد، وسالم، أحمد محمد، التقويم في المنظومة التربوية، الرياض: مكتبة الرشد، ط2، 1426هـ/ 2005م.
- الطويل، هاني عبدالرحمن. الإدارة التعليمية: مفاهيم.. وآفاق. عمّان: دار وائل، 2001م.
- عابدين، محمود عباس.علم اقتصاديات التعليم الحديث. القاهرة: الدار المصرية اللبنانية، 1421هـ/2000م.
- مرشد، سمير أسعد. مفهوم الكفاية والفعالية في نظرية الإدارة العامة. جدة: جامعة الملك عبدالعزيز، مجلة جامعة الملك عبدالعزيز: الاقتصاد والإدارة، م 1، 1408هـ/1988م، ص ص 203-237.
- المنيف، إبراهيم. الإدارة: المفاهيم، الأسس، المهام. الرياض: دار العلوم، 1980م.
- Dressel, Paul L. Handbook of Academic Evaluation. Jossey-bass Limited, London,1976.
المصدر
http://www.almarefh.org/ (http://www.almarefh.org/)
محمد فالح الجهني ـ المدينة المنورة :
زيادة تكاليف النظم التربوية والإنفاق عليها من المال العام وتزايد شكوك المجتمعات حول جودة مخرجات هذه النظم وأدائها، أمور تدعو إلى تقويم نظم التربية والتعليم في أدائها أو في أفرادها أو في محتواها أو في برامجها أو فيها جميعًا. ولكن إلى أي مدى يحق لنا مساءلة التربويين بناء على نتائج التقويم التربوي؛ جزئيًا كان ذلك التقويم أم مؤسسيًا شاملًا؟
التقويم «Evaluation» بصفة عامة هو «الحكم على كفاءة أو تأثير برنامج أو إجراء أو فرد، والطريقة التي يصنع بها ذلك الحكم» (Dressel,1976). ومن منظور النظم يعرّف التقويم بأنه «عملية منهجية تقوم على أسس علمية، تستهدف إصدار حكم (بدقة وموضوعية) على مدخلات وعمليات ومخرجات أي نظام، ومن ثم تحديد جوانب القوة والقصور في كل منهما، تمهيدًا لاتخاذ قرارات مناسبة لإصلاح ما قد يتم الكشف عنه من نقاط الضعف والقصور» (سيد وسالم، 1426هـ). كما يُعرف التقويم بأنه «العمليات التي يتم بواسطتها جمع وتفسير المعلومات المناسبة بطريقة منظمة لتكون أساس الحكم العقلاني على قيمة أو جدارة أو تأثير برنامج أو إجراءات أو فرد معين» (الزهراني 1418هـ). وفي المجال التربوي يعرّف التقويم بأنه «عملية تشخيصية علاجية وقائية تهدف إلى كشف جوانب القوة والضعف في النظام التربوي بقصد تحسين عمليتي التعليم والتعلم وتطويرها بما يحقق الأهداف المنشــودة» (ستراك، 2004م).
محكّات تقويم التقويم التربوي
قبل إجراء التقويم التربوي (خصوصًا التقويم المؤسسي) لابد من التأكد من أن هذا التقويم يحقق عددًا من الشروط التي تضمن كفاءة وفعالية نشاط التقويم التربوي نفسه. وهناك معايير تعرف بمعايير «JCSEE «Joint Committee on Standard for Educational Evaluation»، وهي معايير عالمية ومقننة للحكم على كفاءة وفعالية التقويم التربوي بشكل عام، وهي المعايير التالية (الدوسري، 1421هـ):
٭ معايير المنفعة: وتهدف معايير المنفعة إلى التأكد من أن التقويم سيخدم احتياج الطلبة من المعلومات. وهذه المعايير هي:
- تحديد المستفيدين من التقويم: يجب تحديد المستفيدين من التقويم أو المتأثرين به حتى يمكن خدمة احتياجاتهم.
- مصداقية المقوَّم: يجب أن يكون الشخص الذي ينفذ التقويم جديرًا بالثقة ومتمكنًا من التقويم، ليمكن الثقة بالنتائج وتوفير القبول والمصداقية لها.
- نطاق المعلومات واختيارها: تجمع المعلومات وتختار في النطاق وبالطريقة التي تخاطب فيها أسئلة محددة حول موضوع التقويم، وتستجيب لحاجات المستفيدين من التقويم واهتماماتهم.
- التفسير القيمي: توصف الإمكانات والإجراءات والمبررات المستخدمة في تفسير النتائج التي وصل إليها التقويم حتى يكون الأساس الذي استندت إليه في الوصول إلى ما وصلت إليه واضحًا.
- وضوح التقارير: يجب أن يصف التقرير موضوع التقويم، ومحتواه، وغرضه، وإجراءاته، ونتائجه كي يمكن للمستفيدين فهم كيف عمل ولماذا عمل وما نوع المعلومات التي تم الحصول عليها، وأية خواتيم تم التوصل إليها وما هي التوصيات.
- نشر التقرير: يجب أن يصل التقرير إلى المستفيدين الذين من حقهم معرفته، حتى يمكن لهم تقويم التقويم والاستفادة من النتائج.
- توقيت التقرير: يجب أن يوفر التقرير في وقت يسمح بالاستفادة من نتائجه والمعلومات التي يحتويها.
- تأثير التقويم: يجب أن يخطط التقويم وينفذ على نحو يشجع متابعة من قبل المستفيدين.
٭ معايير الجدوى: تهدف معايير الجدوى إلى التأكد من أن التقويم واقعي، ومتعقل، ودبلوماسي، وهذه المعايير هي:
- الإجراءات العلمية: يجب أن تكون إجراءات التقويم عملية وتحصل على المعلومات بدون إرباك للعمل.
- المقبولية السياسية: يجب أن يخطط التقويم وينفذ مأخوذًا في الاعتبار المواقع المختلفة للمجموعات ذات المصلحة، بحيث يمكن ضمان تعاونهم ويمكن دحر أية محاولات من هذه المجموعات للتغيير في نتائج التقويم أو تزييفها.
- فعالية التكلفة: يجب أن يوفر التقويم معلومات كافية تبرر التكلفة في جمعها.
٭ المعايير القانونية: يقصد بهذه المعايير التأكد من أن التقويم سينفذ مراعيًا الجوانب القانونية والأخلاقية مع أخذ الاعتبار مصلحة المشاركين فيه إضافة إلى المتأثرين بنتائجه.
- الالتزام الرسمي: يجب أن تحدد التزامات الطرفين المتفقين على التقويم (ماذا سينفذ، كيف، بمن، ومتى) كتابيًا بحيث يكون الطرفان ملتزمين بجميع الشروط أو التفاوض عليها.
- تعارض المصلحة: تعارض المصلحة قد لا يمكن تحاشيه ولذا يجب أن يحل بوضوح وصراحة حتى لا يخل بالتقويم أو نتائجه.
- المكاشفة الكاملة والصريحة: يجب أن تكون تقارير التقويم المكتوبة والشفهية مكشوفة ومباشرة وصريحة فيما يتعلق بالنتائج بما في ذلك محددات التقويم.
- حق الناس في الاطلاع: يجب أن تحترم الأطراف الرسمية في التقويم وتؤكد حق الناس في الاطلاع على التقويم ضمن الحدود التي تسمح بها المبادئ والحقوق الأخرى، مثل تلك التي تتصل بسلامة الناس والحفاظ على خصوصياتهم.
- الحقوق الإنسانية للأشخاص: يجب أن يصمم التقويم وينفذ بحيث تصان حقوق الأشخاص ومصالحهم.
- التفاعل الإنساني: يجب أن يحترم المقوم كرامة الناس وقيمهم عند تفاعلهم مع القائمين على التقويم.
- التقارير المتوازنة: يجب أن يكون تقرير التقويم كاملًا وعادلًا في تشخيصه لنقاط القوة أو الضعف بحيث يبنى على جوانب القوة ويتم تحاشي جوانب الضعف.
- المسؤولية المالية: يجب أن تعكس نفقات التقويم وتوزيع تكلفته ومصادره إجراءات محاسبية جيدة وأن يكون المقوم مرشدًا وملتزمًا أخلاقيًا.
٭ معايير الدقة: تهدف معايير الدقة إلى التأكد أن التقويم سيكشف ويقدم معلومات كافية تقنيًا عن المزايا الخاصة بالموضوع المقوم وتقرر قيمته وجدارته.
- تحديد الموضوع: يجب فحص موضوع التقويم (برنامج، مشروع، مواد تعليمية) بدرجة كافية بحيث يتم تحديد شكله بوضوح.
- تحليل المحتوى: يجب فحص محتوى موضوع التقويم بشكل تفصيلي بحيث تحدد كل احتمالات تأثيره على الموضوع.
- الأغراض والإجراءات الموصوفة: يجب مراقبة أغراض التقويم وإجراءاته بشكل مفصل بحيث يتم تحديدها وتقويمها.
- مصادر المعلومات التي يمكن الدفاع عنها: يجب أن توصف مصادر المعلومات بشكل مفصل بحيث يمكن تقويم مدى كفايتهم للتقويم.
- القياس الصادق: يجب أن يتم اختيار أدوات القياس وجمع المعلومات وتطبيقها بالطريقة التي تضمن صدق التفسيرات التي يتم التوصيل إليها.
- القياس الثابت: يجب أن يتم اختيار أدوات القياس وجمع المعلومات وتطبيقها بالطريقة التي تضمن أن المعلومات ثابتة ودقيقة في مجال استخدامها.
- الضبط المنظم للبيانات: يجب مراجعة البيانات المستخدمة في التقويم وتنقيحها حتى لا تكون نتائج التقويم خاطئة.
- تحليل المعلومات الكمية: يجب تحليل المعلومات الكمية بشكل مناسب ومنظم لتضمن مساندة التفسيرات.
- الخواتيم الموضحة: يجب أن تقدم التوضيحات الكافية لخواتيم التقويم بحيث يمكن تقويمها.
- يجب أن توفر لإجراءات التقويم الحماية الكافية بحيث لا يشوب التحيز والمشاعر الشخصية نتائجه وتقاريره.
أما بخصوص معايير التقويم في التعليم العالي فينقل (الزهراني، 1418هـ) عن درسيل (Dressel) وصفه للتقويم في مجال المؤسسات الأكاديمية بأنه مفهوم يفترض أن يحقق ويضمن بعض أو جميع العناصر التالية:
- تحديد وفحص القيمة الكامنة في البرنامج أو السياسات أو الإجراءات تحت التقويم.
- تحديد أغراض وأهداف ومرامي البرنامج.
- تحديد المعايير التي يقاس بها نجاح البرنامج.
- تحديد وجمع وتحليل وتفسير البيانات والمعلومات.
- تحديد وتفسير مدى النجاح والإخفاق.
- تحديد العلاقة بين نتائج البرنامج والأداء.
- تحديد الآثار والنتائج غير المرغوبة أو غير المخطط لها.
- تحديد الآثار الناتجة من البرامج أو من بعض المتغيرات الخارجية التي لا يمكن التحكم فيها.
- إصدار التوصيات بالتعديل أو الاستبدال للبرنامج أو إقفاله.
- تصميم آلية تضمن استمرار فحص نتائج البرنامج بشكل دوري.
- تقدير القيمة والفائدة والنفع الاجتماعي العائد من البرنامج وعملياته، ومن عملية التقويم ذاتها.
مفهوم المساءلة (المحاسبة) Accountability
بتتبع عدد من المراجع العربية في الإدارة والتربية نلاحظ كلمتي المحاسبة والمساءلة الشائعتين في المراجع العربية تقابلان الكلمة الإنجليزية ، ولابد من تجنب كثير من تعاريف المساءلة التي تصفها بأنها توجه على الدوام من قبل الرئيس إلى المرؤوس، فهذه التعاريف تخلط بين المساءلة Accountability والمسؤولية Responsibility؛ فالمسؤولية التزام المرؤوس بواجبات وظيفته أمام رئيسه المباشر. أما المساءلة فتكون أمام الجميع وأولهم جمهور المستفيدين من النظام. والمساءلة لنظام التربية وأفراده ومسؤوليه يفترض أن تكون مساءلة أمام جميع من يتأثر بالأداء التربوي (طلاب، أسر، مجتمع، حكام ومسؤولين، أرباب سوق...إلخ)، وبهذا يوصف التقرير الشهير للرئيس الأمريكي رونالد ريجان «أمة في خطر» Nation at Risk (1984م) بأنه نوع من المساءلة لنظام التربية الأمريكي في تلك الفترة.
وتورد (أخوا رشيدة، 1426هـ) مجموعة من التعريفات للمساءلة التربوية والمساءلة عمومًا؛ ومنها:
- «قدرة المستخدم على تنفيذ المهمات المحددة وقدرته على شرح وتفسير وتوضيح مستوى المكتسبات التي حققها بطريقة تبني ثقة المراقب لعلم المستخدم».
- «الاستعداد لقبول اللوم على الفشل أو قبول الثناء والتقدير على النجاح والإنجاز، وتشمل شرحًا وتفسيرًا لماذا حدث الفشل، وما يجب فعله لتصحيح مثل هذا الموقف».
- «إجابة الأفراد أو المؤسسات عن الأسئلة التي توجه إليهم بسبب سلوكيات غير مرغوب فيها، أو قرارات علمية قاموا بها تتنافى مع الأنظمة والمعايير المرعية، ولا تنسجم معها».
- «التزام العاملين في التربية بتقديم إجابات أو تفسيرات عما يقدمونه من نتاجات التعلم. وتعني العلاقة التعاقدية أو التفاوضية بين المستخدم أو ممثل السلطة أو مصدر التمويل وبين مستخدم أو متعهد بعمل، لأن يجيب عند سؤاله (أو مساءلته) عن نتائج العمل الموكل إليه».
- «وسيلة يمكن للأفراد والمنظمات عبرها أن يتحملوا مسؤوليات أدائهم بحيث يؤدي ذلك إلى اطمئنان من يتعامل معهم بأن الأمور تجري للصالح العام وفق الأهداف المرسومة، وتستند إلى تعظيم الممارسات الجيدة وتحجيم الممارسات السيئة، وأن المشكلات يتم التعامل معها بعدالة ومساواة. وأيضًا هي قيام الرئيس بمحاسبة أو مساءلة المرؤوس على ما يقوم بأدائه من أعمال وإشعاره بمستوى هذا الأداء، وذلك من خلال تقييم هذه الأعمال.
- «الوعد أمام المستخدم (صاحب العمل) وأمام النفس والآخرين بتقديم نتائج محددة».
ولتوضيح العلاقة بين التقويم والمساءلة يستلزم الأمر توضيح ثلاثة مفاهيم ذات علاقة بالنتائج والمخرجات لأي نظام وهي مفاهيم: الفاعلية والكفاءة والإنتاجية.
الفاعلية Effectiveness:
تشير معظم مراجع الإدارة إلى أن الفاعلية تعنى بالوصول إلى الأهداف أو النتائج المرغوبة، أو عمل الشيء الصحيح. ويرى (مرشد، 1408هـ) أن الفاعلية تعني مدى نجاح المنظمة في تحقيق أهدافها، وهذا يعني أن درجة فعالية المنظمة إنما تقاس بمدى تحقق الأهداف المحددة لها والتي وجدت أصلاً لتحقق.
كما يعرف (المنيف، 1980م) الفاعلية بأنها تتمثل في «تحقيق الأهداف المنشودة التي تعبر عن رغبات المجتمع وتطلعاته مع اختيار أفضل البدائل للوصول إلى هذه الأهداف».
ويرى بيتر دركر Peter Drucker في كتابه Managing The Educated 1976) )أنه لكي تنجح الأجهزة الحكومية وتصبح أكثر فاعلية ينبغي أن تقوم هذه الأجهزة بمراعاة التالي (مرشد، 1408هـ):
- يجب أولاً تحديد عمل الجهاز وما يجب أن يكون عليه. وذلك عن طريق استعراض كثير من البدائل والتفكير فيها جيدًا، أو بمعنى آخر يجب أن يفكر جيدًا في وظيفة الجهاز والغرض الذي يسعى لتحقيقه.
- بعد ذلك تأتي الخطوة الثانية وهي وضع أهداف وأغراض واضحة ومحددة من خلال تعريف وظيفة الجهاز ومهمته.
- يجب وضع الأولويات التي تمكن الجهاز الحكومي من تحديد الأهداف المصغرة مثل تحديد الحد الأدنى من النتائج المطلوب تحقيقها. وكذلك تحديد المواعيد التي يجب أن يتم فيها العمل لتحقيق النتائج. وتحديد مسؤولية كل شخص حيال هذه النتائج.
- وضع تعريفات لمعايير الأداء يمكن عن طريقها قياس إنجازات الجهاز بأكمله.
- استخدام هذه المقاييس كتغذية راجعة تؤثر على الجهود التي يقوم بها الجهاز ولتصحيح وتعديل الأمور التي تحتاج لذلك.
- يحتاج الجهاز إلى مراجعة الأهداف والنتائج بطريقة منتظمة، وذلك للتعرف على تلك الأهداف التي لم تعد تخدم أغراضًا مفيدة أو التي يثبت أنه من غير الممكن تحقيقها.
وهناك ثلاثة مداخل لقياس الفعالية التنظيمية وهي المداخل التالية (أخوارشيدة، 1426هـ):
- مدخل الهدف: وهو أقدم المداخل استخدامًا لقياس الفاعلية التنظيمية. وهناك ثلاثة أنواع من الأهداف المؤسسية وهي: الأهداف الرسمية، وأهداف التشغيل، والأهداف العملية.
- مدخل النظم: ويركز هذا النموذج على قدرة المنظمة على الحصول على المصادر النادرة والقيمة من بيئتها الخارجية واستخدامها الاستخدام الأمثل للبقاء والنمو.
- مدخل تطوير الذات: ويركز هذا المدخل على قدرة المنظمة على تطوير ذاتها بذاتها، ويتفق رواد هذا المدخل جميعًا على أن فاعلية المنظمة تقاس بمدى وعي المنظمة بطبيعة عملياتها الداخلية، والعوامل التي تحكم أداءها وتحدد علاقتها مع بيئتها الخارجية.
وهناك عدد من مؤشرات فاعلية المنظمات التربوية وهي المؤشرات التالية(باختصار):
الكفاءة تعني «الاقتصاد أو خفض التكاليف، أو عمل الأشياء بطريقة صحيحة» (المنيف، 1980م). وتعني أيضًا «الحصول على أكبر عائد ممكن بأقل جهد ومال وفي أفضل وقت» (السعيد وآخرون، 1422هـ). أي أن الكفاءة هي «الحصول على أكبر قدر من المخرجات التعليمية مع أكبر اقتصاد في المدخلات، أو الحصول على مقدار معين من المخرجات باستخدام أدنى حد من المدخلات» (نفس المرجع). ويعرفها دليل المصطلحات العربية الموحدة في العلوم الإدارية بأنها «درجة الاقتصاد في استخدام المدخلات للحصول على نفس النتائج. أو درجة الزيادة في المخرجات بنفس المدخلات».
وبالعودة إلى المجال التربوي نجد أن الكفاءة ترتبط بدرجة الاستخدام الأمثل للإمكانيات التعليمية المتاحة (المدخلات) من أجل الحصول على مخرجات تعليمية معينة، أو الحصول على مقدار محدد من المخرجات التعليمية باستخدام أدنى مقدار من المدخلات التعليمية (أقل تكلفة ممكنة)، أو الحصول على أكبر قدر من المخرجات باستخدام مجموعة محددة من المدخلات (عابدين، 1421هـ). وأشهر مقاييس الكفاءة في المجال التعليمي المقياسان التاليان:
- أسلوب الكلفة - المنفعة: وهو يستخدم في حالة التمكن من التعبير عن كل المدخلات (الكلفة) والمخرجات (المنفعة) في صورة نقدية.
- أسلوب الكلفة – الفاعلية: وهو يستخدم في حالة عدم التمكن من التعبير عن المخرجات (الأهداف أو المنفعة) في صورة نقدية، وهذا هو الوضع السائد في التربية.
وقد خلط بعض الباحثين والدارسين في مجال الإدارة بين مفهومي الفاعلية Effectiveness والكفاءة Efficiency، إلا أن هناك شبه إجماع بين علماء الإدارة على التمييز بين هذين المفهومين، فبينما يركز مفهوم الفاعلية على أسلوب تحقيق الأهداف المؤسسية، يقيس مفهوم الكفاءة مدى تحقيق المخرجات والمدخلات (تكلفة الحصول على هذه المخرجات)، فكفاءة المنظمة هي مخرجات المنظمة قياسًا بمدخلاتها أي مخرجات المنظمة/مدخلات المنظمة» (أخوارشيدة، 1426هـ). وهكذا فإن مفهوم الفاعلية أوسع وأشمل من مفهوم الكفاءة، بل يمكن استخدام الكفاءة كمؤشر من مؤشرات الفاعلية التنظيمية.
الإنتاجية Productivity:
إنتاجية النظام ترتبط بأهدافه وبتحويل مدخلاته إلى مخرجات مطلوبة ضمن أدنى حد ممكن من التكلفة، وأنها تتضمن الاهتمام بالفعالية والكفاءة» (الطويل،2001م). وبهذا يتضح أن الإنتاجية هي علاقة نسبية بين المدخلات والمخرجات، وهو ما يمكن أن يعبر عنه بالمعادلة التالية:
الإنتاجية = المخرجات/المدخلات.
التقويم يشمل ما خُطط له وما لم يخطط له:
بتحليل أي منظومة، كمنظومة التعليم أو المدرسة أو الجامعة ، لأغراض التقويم وفق تحليل النظم، وبإخضاعها للتحليل والتقويم يتبين أنها تتكون من المكونات الأربع التالية (Dressel,1976 ):
- المدخلات Input: وهي التي تؤدي إلى الوسيلة المقصودة.
- المحتوى Content: وهي التي تؤدي إلى النهاية المقصودة.
- العمليات Processes: وهي التي تؤدي إلى الوسيلة الحقيقية (الواقعية/ الملحوظة).
- المخرجات Output: وهي التي تؤدي إلى النهاية الحقيقية (الواقعية/ الملحوظة).
والتحليل السابق يعني أن المخرجات قد تكون برامج مخطط لها أو أنها مخرجات عشوائية غير مخطط لها، فالمخرجات هي النهاية الملحوظة والواقعية سواء كانت حاضرة أثناء التخطيط أم غائبة.
وبالنظر إلى طبيعة النظام التربوي، ومراجعة المفاهيم السابقة، يمكن استخلاص التالي:
ــ التقويم والمساءلة يرتبطان بمخرجات العملية التربوية، سواء أكان قد خطط لهذه المخرجات أم كانت مخرجات عشوائية مرافقة.
ــ التقويم يعبّر عن (فاعلية) النظام التربوي، لأنه - التقويم- يركز على المخرجات النوعية، والمخرجات التربوية مخرجات نوعية، يصعب السيطرة عليها تماماً من النواحي الكمية، ويغلب عليها النظرة المثالية والشمولية (كقولنا تحقيق الأهداف التربوية وإخراج مواطن صالح).
ــ بينما المساءلة تكون أقرب إلى المفاهيم الكمية وبذلك فهي تعبر عن (الكفاءة والإنتاجية) لأن المساءلة تنصب على تحقيق (المخرجات) بأقل (مدخلات) ممكنة؛ ولذلك فهي ترتبط بنواح اقتصادية، وتكون الأفضل في عمليات التخطيط والرقابة وصناعة القرار واختيار البدائل المختلفة لتمويل التعليم وغيرها من وظائف الإدارة التربوية.
ــ التقويم في التربية إجراء سابق للمساءلة، لأن المساءلة ومحتواها تتم في ضوء نتائج التقويم (سلبًا أو إيجابًا).
مساءلة التربويين
إذًا فالتقويم سابق للمساءلة، والسؤال الذي يبرز بعد هذه المعالجة المفاهيمية، والذي صُدّرت به هذه المقالة، هو عن إمكانية توجيه المساءلة لأفراد التنظيم التربوي بناء على نتائج عملية التقويم أيًا كان مستواها (شاملة، جزئية، بنائية، ختامية...). وللإجابة عن مثل هذا السؤال يفترض التذكر دائمًا أن مخرجات النظام التربوي هي مخرجات حقيقية واقعية وليست مقصودة مثالية مجردة، كما نوقش قبل قليل، فهناك مؤثرات أخرى تعمل إلى جانب المدرسة تأثيرًا في الطالب وكافة مخرجات التربية، فالتربية تتصف وكما يشيع بين إدارييها بصعوبة التحكم النوعي. وفي هذا الصدد بالذات يشير (الطويل، 2001م) إلى أن طرح مفهوم المساءلة التربوية أدى إلى ظهور وجهتي نظر متباينتين حول هذا المفهوم:
ــ الأولى: ترى أن التربويين يجب أن يتحملوا مسؤولية العمليات أو المعالجات المستخدمة دون تحمل نتيجة المخرجات الناتجة: وقد بنى أصحاب وجهة النظر هذه رأيهم منطلقين من أن ما يتعلمه التلميذ لا يعتمد على متغيرات كامنة في النظام التربوي وحده، بل أن هناك متغيرات عدة تشتمل عليها نظم ليس هناك سيطرة مباشرة للنظام التربوي عليها مثل نظام الأسرة ونظام الإعلام والنظام الاجتماعي ونظم اجتماعية أخرى.
ــ الثانية: تعتبر أن النظام التربوي مسؤول عن مخرجاته بغض النظر عن مدخلات النظام أو المتغيرات الأخرى التي يعمل في جوها. وقد نشأ عن فكرة المساءلة التربوية فكرة الاعتراف بالنظم التربوية وذلك ضمن أطر من المعايير المدروسة والمتفق عليها، سعيًا لضمان توافر حد أدنى من الظروف التي يمكن أن تعتبر مناسبة لضمان تحقيق النظم التربوية لأهدافها وللتوقعات المبنية عليها.
المراجع
- أخوارشيدة، عالية خلف. المساءلة والفاعلية في الإدارة التربوية. عمّان: دار الحامد، 1426هـ/2006م.
- الدوسري, إبراهيم مبارك. الإطار المرجعي للتقويم التربوي. الرياض: مكتب التربية العربي لدول الخليج1421هـ/ 2000م.
- الزهراني، سعد عبدالله بردي. التجربة الأمريكية في تقويم مؤسسات التعليم العالي وما يستفاد منها للجامعات السعودية. الرياض: جامعة الملك سعود، ندوة التعليم العالي في المملكة العربية السعودية (رؤى مستقبلية)، 25-28/10/1418هـ.
- ستراك، رياض. دراسات في الإدارة التربوية. عمان: دار وائل، 2004م.
- السعيد، سعد بن محمد وآخرون. مفاهيم ومصطلحات التخطيط التربوي (سلسلة إصدارات الإدارة العامة للتخطيط التربوي- كتاب رقم 2). الرياض: وزارة التربية والتعليم، 1422هـ/2001م
- سيد، علي أحمد، وسالم، أحمد محمد، التقويم في المنظومة التربوية، الرياض: مكتبة الرشد، ط2، 1426هـ/ 2005م.
- الطويل، هاني عبدالرحمن. الإدارة التعليمية: مفاهيم.. وآفاق. عمّان: دار وائل، 2001م.
- عابدين، محمود عباس.علم اقتصاديات التعليم الحديث. القاهرة: الدار المصرية اللبنانية، 1421هـ/2000م.
- مرشد، سمير أسعد. مفهوم الكفاية والفعالية في نظرية الإدارة العامة. جدة: جامعة الملك عبدالعزيز، مجلة جامعة الملك عبدالعزيز: الاقتصاد والإدارة، م 1، 1408هـ/1988م، ص ص 203-237.
- المنيف، إبراهيم. الإدارة: المفاهيم، الأسس، المهام. الرياض: دار العلوم، 1980م.
- Dressel, Paul L. Handbook of Academic Evaluation. Jossey-bass Limited, London,1976.
المصدر
http://www.almarefh.org/ (http://www.almarefh.org/)