زهرة الشمال
09-15-2010, 12:51 PM
العنف المدرسي تحطيم للذات
تحقيق: إيمان سرور
العنف المدرسي سلوك غير مقبول ولا حضاري، يؤثر في النظام العام للمدرسة ويؤدي الى نتائج سلبية تتعلق بالتحصيل الدراسي للطالب وبالعملية التربوية والتعليمية بشكل عام، وتنقسم هذه الظاهرة الى عنف مادي كالضرب والمشاجرة، وتخريب الممتلكات العامة والكتابة على الجدران، والتطاول على المعلمين والعنف ضد الغير، ومعنوي كالسخرية والاستهزاء والشتم والعصيان وتعمد عدم حضور الحصة الدراسية، وإثارة الفوضى، والهروب من المدرسة، والغياب بغير عذر مقبول.
“الخليج” رصدت جملة من الاسباب التي تؤدي الى العنف المدرسي منها ما يتصل بالمؤسسة التربوية نفسها، واخرى بفعل طبيعة العلاقة بين المعلم والطالب، ومنها اسباب تنظيمية كغياب القوانين واللوائح التي تحكم عمل المؤسسات التربوية، بالاضافة الى ضعف التواصل والتعاون بين مجالس اولياء الامور وادارات المدارس. كما تعرفت الى طرق ووسائل التعامل مع العنف المدرسي التي تقع مسؤولية تنفيذها على ادارات المدارس.
أكد عدد من التربويين وأولياء الامور ان طبيعة التنشئة الاجتماعية والتعويض عن الفشل والاختلاط برفاق السوء والتأثر بأفلام ومسلسلات العنف، تعد أحد أسباب العنف المدرسي، بالاضافة الى اسباب أخرى منها المؤسسة التربوية نفسها كطريقة تصميم المدرسة وازدحام الصفوف، ونقص المرافق الضرورية وانعدام الخدمات، وتعنيف المعلمين للطلاب داخل المدارس يعتبر من أهم المشكلات التي تؤدي الى تعطيل وتأخير مسار العملية التربوية والتعليمية نتيجة تولد الخوف والتوتر والغضب الداخلي داخل نفوسهم.
وحول وجود بعض الظواهر السلوكية السلبية داخل مدارسنا، يشير الدكتور خالد خميس العبري رئيس قسم الادارة التربوية بتعليمية ابوظبي، الى ان هناك العديد من العوامل تسهم في تفشي هذه الظواهر، منها عوامل نابعة من اسرة الطالب واخرى خاصة بالمجتمع المدرسي وبالبيئة المحيطة، الى جانب العوامل الشخصية والنفسية والفرقة السيئة.
وأضاف ان هناك ظواهر سلوكية سلبية عديدة منها الغياب والهروب من المدرسة والتي تكمن خطورتها باعتبارها مظهرا من مظاهر التسرب الدراسي الذي يشكل خطراً على اقتصاديات التعليم، مشيراً الى ان (80%) من السلوكيات الطلابية تعود للثقافة الاسرية، حيث يتبع بعض الاباء أسلوباً خاطئاً في تريبة الابناء والاعتماد على التعنيف وتضييق الخناق، بالاضافة الى تأثير التفكك وكثرة الخلافات الاسرية، منوهاً الى أن المجتمع المدرسي ليس بمعفى من وجود الظاهرة حيث تكون بعض المجتمعات المدرسية عامل طرد للطالب بسبب كرهه لبعض المواد اضافة الى سوء علاقته بالمعلم، وكذلك عدم اشباع البرامج الدراسية والانشطة التربوية في المدرسة لميوله ورغباته وحاجاته ما يسبب قلقاً وتوتراً له فيحاول التخفيف من هذا التوتر بالهروب من البيئة المسببة له.
وقال ان هناك ارتباطاً وثيقاً بين العوامل الشخصية والنفسية والعقلية للتلميذ وهروبه وتغيبه عن المدرسة، ومنها عوامل خاصة بالقدرات العقلية، وعدم القدرة على التركيز، واخرى لها علاقة بالناحية الفسيولوجية، والجانب الصحي، والحالة الانفعالية.
تحدي المدرس
يقول محمد هلال القوابعة، باحث في قسم البرامج والمناهج بتعليمية ابوظبي، ان مظاهر العنف داخل المدرسة قد تأخذ شكل الاضراب والامتناع عن الدرس وقد تأخذ شكل الاتلاف والتحطيم الى جانب العدوان الموجه الى الرفاق أو المدرسين، مشيراً الى ان الدافع الحقيقي لاضراب التلاميذ وامتناعهم عن الدرس يختلف من مجرد اظهار التحدي لأحد المدرسين أو للمدرسة الى حد الاضراب الذي تدفعه عناصر خارجية بغية الاتلاف والتحطيم، منوهاً الى ان التلميذ الذي ينزع الى العدوان في شكل عصيان انما يعكس رغبته في العدوان على مصدر السلطة وكثيراً ما يكون ذلك التلميذ موضعاً للقسوة الشديدة من جانب الأب الذي هو رمز السلطة في نظره، فهو يجد فرصة التنفيس في تعبيره عن العداء والكراهية للسلطة في الدعوة الى الاضراب والامتناع عن الدرس.
وأشار الى ان العقاب الصارم لمثل هؤلاء الطلاب لا يعتبر اداة علاجية ناجحة اذا لم تكن هناك دراسة فردية للظروف البيئية والأسرية لكل تلميذ على حدة من متزعمي حركات العصيان والشغب داخل المدرسة، والوقوف على الجو الذي يدفع التلميذ الى النزعات العدوانية.
وأضاف ان هناك بعض الحالات التي يكون الدافعة فيها الى العصيان شعور التلميذ بالحرمان نتيجة لعدم اعتراف المدرسة بقدراته ومهاراته، فيوجه طاقاته التي يفتقدها في نواحي النشاط المدرسي المثمر الى نواح عدوانية تتمثل في اعاقة النظام المدرسي واشاعة الفوضى، مشيراً الى ان على الاختصاصيين الاجتماعيين والمسؤولين في المدرسة التدرج في رعاية مثل هؤلاء الطلبة بعد دراسة حالتهم بصورة عميقة بحيث لا تتحول الى رعاية مسرفة تسوق التلميذ الى الاستهتار نتيجة لاحساسه بأهميته وبرضوخ المدرسة لمشيئته، فتتحول نزعته العدوانية الى سلوك ديكتاتوري يهز القيم المدرسية ويشيع بين اوساط التلاميذ الاعتقاد بضعف المدرسة ازاء من يقف في وجهها.
طرد الطالب
يقول عبد الباسط صلاح الدين الاختصاصي الاجتماعي بمدرسة عبد القادر الجزائري بالشهامة ان اسلوب طرد الطالب من الحصة الدراسية كوسيلة عقاب على مخالفته سواء كانت سلوكية او انضباطية داخل الصف، من الظواهر غير التربوية وتعد مخالفة يرتكبها المعلمون لتجاهلهم الانظمة واللوائح المعدة بهذا الصدد من قبل الوزارة، وان عملية الطرد تدل على فشل المعلم في معالجة السلوكيات الخاطئة وانه في حالة صدور أي سلوك خاطئ من الطالب فإن على المعلم معالجته باسلوب تربوي بعيدا عن عناصر الطرد المعتادة من قبل النسبة الكبيرة من المعلمين، مشيراً الى ان ذلك يؤثر سلبا في العلاقة المهنية التي ينبغي ان تكون بينهم وبين طلابهم وفي كثير من الاحيان يأخذ الطالب موقفا سلبيا من معلمه ينعكس سلبا على مستواه التحصيلي والعكس صحيح، منوهاً الى ان هناك فروقاً فردية بين المعلمين في تعاملهم وفرض شخصيتهم على الطلاب في اسلوب التعامل داخل الحصة وخارجها.
وقال اننا نعلم ما يعانيه المعلم داخل الفصل من سلوكيات الطلاب وان كافة الظروف جاءت مجتمعة لهذا الاجراء، فكثافة الفصول ومدى الضغوط التي يعاني منها المعلم من تكليفات ترهقه نفسيا ومعنويا كالاشراف والمناوبة ومتابعة الغياب اليومي وكثرة الاختبارات واعادة الامتحانات واعباء كثيرة اخرى قد تكون السبب الرئيس لاتخاذه مثل هذا الاجراء حتى يتمكن من تكملة الدرس لطلابه، منوها الى ان المعلم يختلف عن الكثيرين فهو في المقام الاول صاحب رسالة وخبرة تربوية متميزة تتيح له معالجة المواقف السلوكية داخل الحصة باسلوب تربوي واننا كخدمة اجتماعية نتدخل مهنيا في مثل هذه الحالات عن طريق نموذج معد لذلك حتى يتم متابعتها مهنياً بالتوجيه والارشاد بعيداً عن الطرد وبذلك نتيح للمعلم المناخ التربوي المناسب داخل الفصل حتى يتمكن من العطاء وبذل الجهد ونسهم في تكوين علاقة مهنية متميزة بين الطالب والمعلم، وتأكيداً لأهمية العلاقة بين البيت والمدرسة.
وتؤكد مسؤولة العلاقات العامة في مدرسة المواهب النموذجية فاطمة الحوسني، ان السلوك العدواني قد لا يتخذ مظاهر مكشوفة كالاضراب أو العصيان، وإنما مسالك خفية ترضي لدى التلميذ الذي يتسم بالسلوك العدواني نزعته العدوانية التي ترمز الى كراهيته للآخرين والمجتمع، ونظراً لأن التحطيم يتخذ مظاهر غير مكشوفة فإن مرتكبه قد لا يكشف عن مسلكه ويتظاهر للجميع بالوداعة والطاعة وتقبل الاوامر، ومن اهم سمات هذا السلوك العدواني الذي يظهر في صور خفية تجاه صاحبه الى العزلة والابتعاد عن المجتمعات مع عدم الرغبة في الاستقرار بمكان واحد، وقد يلاحظ تخلفه دراسياً برغم انتظامه ومتابعته الدروس.
اللوائح التربوية
ويقول حسن بن زايد الشامسي وكيل مدرسة، ان بعض الطلاب يتصفون بنزعة عدوانية نحو اقرانهم، ويبدو هذا السلوك العدواني واضحاً بصفة خاصة اثناء النشاط اللاصفي أو داخل الفصل احياناً، بحيث يتعمد الطالب افساد جو الدرس على مدرس معين، ويتخذ هذا السلوك في الغالب مظهراً غير مكشوف خشية العقاب.
وأشار الى عدة عوامل وشروط تؤدي الى ظاهرة العنف المدرسي منها المحيط المادي للمؤسسة مثل الحجم في الصفوف، الهندسة وطريقة تصميم المبنى نفسه ومختلف المرافق المساعدة له، والاعتماد على برامج ومناهج تعليمية غير مناسبة وغير مدروسة بحيث لا تتناسب مع العصر والتجديد المناسب بصورة دورية بحيث يملها ويرفضها الطالب، وكذلك عدم وجود قوانين صريحة وواضحة تكون الاساس في عمل المؤسسات التربوية وعدم وجود نظم وقوانين تحكم العمل الداخلي، حيث يظهر فيها بوضوح حقوق وواجبات الطلبة وحقوق المدرسين وواجبات اولياء الامور.
وأشار حسن الشامسي الى ان كثرة الغياب في اوساط المعلمين ونظام الاستبدال بالاساتذة المتغيبين يؤدي هو الآخر الى انقطاع المعرفة والصلة الضرورية بين المعلم والطلبة مما يفسح المجال الى الخروج على النظام في الصف ويسبب الاحراج والمتاعب للمعلم ويساعد على ازدياد الفوضى والتمرد داخل الصف، لافتاً الى ان من بين اسباب العنف المدرسي ايضاً رفقة السوء والتمييز بين الطلبة من قبل المعلمين واستعمال اساليب خاطئة من قبل البعض منهم، وظاهرة استعمال العنف من قبل بعض أسر التلاميذ انفسهم.
الأسرة والمؤسسة
ويقول طلال الفليتي منسق التعليم العام بتعليمية ابوظبي، إن الاسرة تلعب دوراً مهماً في اصلاح وتقويم سلوك الابناء من حيث تكوين شخصيتهم النفسية والسلوكية من خلال التربية الصالحة وغرس المفاهيم والقيم الحسنة، وتقديم الرعاية والحب والاهتمام والتوجيه اللازم، واحكام الرقابة الاسرية على الابناء بحيث تشمل مراقبة سلوكياتهم ومواعيد خروجهم ودخولهم الى البيت، وعدم ترك الرعاية اليومية للابناء بيد المربيات والخدم، ومحاولة الآباء والامهات السيطرة على المشاكل والخلافات التي تنشب بينهم بين الحين والآخر لانها تسبب في كثير من الاحيان انحراف الابناء.
وأشارت منال رفعت معلمة التربية الاسلامية في مدرسة المواهب النموذجية الى انه يقع على الاسرة واجب توكيد الوازع الديني والاخلاقي وتعميق التربية الوطنية لدى الأبناء وتعليمهم مبادئ الدين الحنيف في احترام الآخرين، مؤكدة على اهمية اصطحاب الأبناء في ذهاب الآباء الى دور العبادة لما تلعبه من دور في تنمية الجوانب القيمة والروحية عند الفرد وتعزيز وتعميق الايمان بالله والتمسك بتعاليم الدين من خلال الخطب والندوات والمحاضرات بعد اداء الصلاة، كذلك تعزيز العادات والقيم الاخلاقية في نفوس الشباب مثل الامانة والصدق واحترام الكبير وحب الخير للآخرين وحب النظام والعمل.
جذب الاهتمام
ويشير عبدالله الحارثي الاختصاصي الاجتماعي بمدرسة الرواد النموذجية، الى ان هناك تصرفات سلوكية سيئة جداً تصدر عن بعض الطلبة تجاه معلميهم، ويدخل ذلك في باب اساءة الادب والسلوك غير السوي، منوهاً الى ان اكثر الطلاب الذين يثيرون الشغب هم الفئة الضعيفة دراسياً ما يترك الفرصة للطالب كونه لا يفهم ولا يعرف كثيراً من شرح المعلم فيضطر الى الى احداث شغب وفوضى داخل الصف، وخصوصاً اثناء الحصة لكي يلفت الانظار اليه مثلما تلفت الفئة المتفوقة من الطلبة أنظار المعلمين فيحاول هو تحويل الاهتمام اليه، لافتاً الى ضرورة توفير الاساليب العلاجية للتخفيف من حدة السلوك العدواني بكافة مظاهره مثل اسلوب ممارسة الخدمة الاجتماعية في المجال المدرسي الذي يتضمن المجال العلاجي لمساعدة الطالب على مواجهة المشكلات الانفعالية كالقلق وفقدان الثقة بالنفس، والشعور بالنقص، والعدوان والانطواء، ومساعدته على مواجهة مشكلات التخلف الدراسي التي ترجع الى اسباب ذاتية او بيئية وما قد يترتب عليها من صعوبات اخرى كالهروب وعدم الاستمرار في الدراسة، ومساعدة الطالب على مواجهة مشكلاته الاقتصادية او الصحية او بسبب الاضطرابات الاسرية.
ويقول فضل التميمي ولي امر، ومدير مسرح زايد للطفل، ان الظواهر الموجودة بين اوساط طلابنا حالياً لم نعرفها سابقاً فهي دخيلة على مجتمعنا، مشيرا الى ان اسبابها تردي اساليب التواصل بين المدرسة والبيت، والبيئة الاسرية واساليب تنشئتها للابناء والتفرقة في التربية بينهم بحيث يأتي الطالب الى المدرسة باستعداد مكتسب للعدوانية رغبة في لفت الانظار فيعمد الى تخريب الممتلكات العامة، وتحدي المعلمين والعراك والمشاجرة مع زملائه داخل وخارج المدرسة وفي الحافلات المدرسية، منوها الى ان بعض الاباء يعمد الى تشجيع ابنائهم على مبدأ من ضربك اضربه وخذ حقك بيدك ولا تسكت عنه، كما ان الطالبات عادة مايكون العنف لديهن لفظيا او سلوكا عدوانيا، لافتا الى ان العنف في المدارس هو انعكاس للعنف خارج المجتمع المدرسي.
واشار الى ضرورة الاهتمام بالمسرح المدرسي ومسارح الطفولة الأخرى لشرح وبلورة السلوكيات المرغوبة وغير المرغوبة من خلال العروض المسرحية التي يتقمص فيها الطلاب ادوار شرائح وافراد المجتمع ليمثلوها من منطلق ان التغيير يبدأ على مستوى النسق الثقافي أي في نطاق الافكار والقيم.
برامج تربوية للعلاج
اشارت الموجهة الاولى للخدمة الاجتماعية بوزارة التربية والتعليم شيخة المهيري، الى اننا كآباء وامهات ومربين نكبت طاقة كبيرة لدى الأبناء، ونطلب منهم الا يكونوا عنيفين وفي نفس الوقت هم يمرون بمرحلة عمرية من خصائصها الأساسية التعبير عن النفس عن طريق استخدام العنف، منوهة الى ان المدرسة هي انسب مكان لدى الطالب للانتقام والظهور وتشكيل الشلل، حيث يقضي فيها يومياً اكثر اوقاته، فدورها لا يقل اهمية عن الدور الذي تقوم به الاسرة حيث ان ذلك يبرز من خلال مناهجها التي تؤثر في الطالب، ورعايتها له بالقدر الكافي بحيث يكون عمل المعلم فيها اكبر واكثر من كونه ناقلاً للعلم والمعرفة فقط، بل أباً آخر يرعى طلابه علماً وأدباً وفكراً. وأكدت شيخة المهيري على ان لدى الوزارة مجموعة من البرامج الموجهة للطلاب بدأ تطبيقها هذا العام من خلال ادارة الارشاد الطلابي وتهدف الى خلق ثقافة مدرسية فعالة وتنمية التعاطف مع الغير، وخلق جو مدرسي مريح مهيئ ومحفز للانتاج والتقدم، وتوجه كل هذه البرامج للطالب وللميدان التربوي بشكل عام للتحكم في الغضب والقلق وقراءة مشاعر الآخرين والتعاطف معهم والوعي بالانفعالات والتحكم في المشاعر وادارتها.
تحقيق: إيمان سرور
العنف المدرسي سلوك غير مقبول ولا حضاري، يؤثر في النظام العام للمدرسة ويؤدي الى نتائج سلبية تتعلق بالتحصيل الدراسي للطالب وبالعملية التربوية والتعليمية بشكل عام، وتنقسم هذه الظاهرة الى عنف مادي كالضرب والمشاجرة، وتخريب الممتلكات العامة والكتابة على الجدران، والتطاول على المعلمين والعنف ضد الغير، ومعنوي كالسخرية والاستهزاء والشتم والعصيان وتعمد عدم حضور الحصة الدراسية، وإثارة الفوضى، والهروب من المدرسة، والغياب بغير عذر مقبول.
“الخليج” رصدت جملة من الاسباب التي تؤدي الى العنف المدرسي منها ما يتصل بالمؤسسة التربوية نفسها، واخرى بفعل طبيعة العلاقة بين المعلم والطالب، ومنها اسباب تنظيمية كغياب القوانين واللوائح التي تحكم عمل المؤسسات التربوية، بالاضافة الى ضعف التواصل والتعاون بين مجالس اولياء الامور وادارات المدارس. كما تعرفت الى طرق ووسائل التعامل مع العنف المدرسي التي تقع مسؤولية تنفيذها على ادارات المدارس.
أكد عدد من التربويين وأولياء الامور ان طبيعة التنشئة الاجتماعية والتعويض عن الفشل والاختلاط برفاق السوء والتأثر بأفلام ومسلسلات العنف، تعد أحد أسباب العنف المدرسي، بالاضافة الى اسباب أخرى منها المؤسسة التربوية نفسها كطريقة تصميم المدرسة وازدحام الصفوف، ونقص المرافق الضرورية وانعدام الخدمات، وتعنيف المعلمين للطلاب داخل المدارس يعتبر من أهم المشكلات التي تؤدي الى تعطيل وتأخير مسار العملية التربوية والتعليمية نتيجة تولد الخوف والتوتر والغضب الداخلي داخل نفوسهم.
وحول وجود بعض الظواهر السلوكية السلبية داخل مدارسنا، يشير الدكتور خالد خميس العبري رئيس قسم الادارة التربوية بتعليمية ابوظبي، الى ان هناك العديد من العوامل تسهم في تفشي هذه الظواهر، منها عوامل نابعة من اسرة الطالب واخرى خاصة بالمجتمع المدرسي وبالبيئة المحيطة، الى جانب العوامل الشخصية والنفسية والفرقة السيئة.
وأضاف ان هناك ظواهر سلوكية سلبية عديدة منها الغياب والهروب من المدرسة والتي تكمن خطورتها باعتبارها مظهرا من مظاهر التسرب الدراسي الذي يشكل خطراً على اقتصاديات التعليم، مشيراً الى ان (80%) من السلوكيات الطلابية تعود للثقافة الاسرية، حيث يتبع بعض الاباء أسلوباً خاطئاً في تريبة الابناء والاعتماد على التعنيف وتضييق الخناق، بالاضافة الى تأثير التفكك وكثرة الخلافات الاسرية، منوهاً الى أن المجتمع المدرسي ليس بمعفى من وجود الظاهرة حيث تكون بعض المجتمعات المدرسية عامل طرد للطالب بسبب كرهه لبعض المواد اضافة الى سوء علاقته بالمعلم، وكذلك عدم اشباع البرامج الدراسية والانشطة التربوية في المدرسة لميوله ورغباته وحاجاته ما يسبب قلقاً وتوتراً له فيحاول التخفيف من هذا التوتر بالهروب من البيئة المسببة له.
وقال ان هناك ارتباطاً وثيقاً بين العوامل الشخصية والنفسية والعقلية للتلميذ وهروبه وتغيبه عن المدرسة، ومنها عوامل خاصة بالقدرات العقلية، وعدم القدرة على التركيز، واخرى لها علاقة بالناحية الفسيولوجية، والجانب الصحي، والحالة الانفعالية.
تحدي المدرس
يقول محمد هلال القوابعة، باحث في قسم البرامج والمناهج بتعليمية ابوظبي، ان مظاهر العنف داخل المدرسة قد تأخذ شكل الاضراب والامتناع عن الدرس وقد تأخذ شكل الاتلاف والتحطيم الى جانب العدوان الموجه الى الرفاق أو المدرسين، مشيراً الى ان الدافع الحقيقي لاضراب التلاميذ وامتناعهم عن الدرس يختلف من مجرد اظهار التحدي لأحد المدرسين أو للمدرسة الى حد الاضراب الذي تدفعه عناصر خارجية بغية الاتلاف والتحطيم، منوهاً الى ان التلميذ الذي ينزع الى العدوان في شكل عصيان انما يعكس رغبته في العدوان على مصدر السلطة وكثيراً ما يكون ذلك التلميذ موضعاً للقسوة الشديدة من جانب الأب الذي هو رمز السلطة في نظره، فهو يجد فرصة التنفيس في تعبيره عن العداء والكراهية للسلطة في الدعوة الى الاضراب والامتناع عن الدرس.
وأشار الى ان العقاب الصارم لمثل هؤلاء الطلاب لا يعتبر اداة علاجية ناجحة اذا لم تكن هناك دراسة فردية للظروف البيئية والأسرية لكل تلميذ على حدة من متزعمي حركات العصيان والشغب داخل المدرسة، والوقوف على الجو الذي يدفع التلميذ الى النزعات العدوانية.
وأضاف ان هناك بعض الحالات التي يكون الدافعة فيها الى العصيان شعور التلميذ بالحرمان نتيجة لعدم اعتراف المدرسة بقدراته ومهاراته، فيوجه طاقاته التي يفتقدها في نواحي النشاط المدرسي المثمر الى نواح عدوانية تتمثل في اعاقة النظام المدرسي واشاعة الفوضى، مشيراً الى ان على الاختصاصيين الاجتماعيين والمسؤولين في المدرسة التدرج في رعاية مثل هؤلاء الطلبة بعد دراسة حالتهم بصورة عميقة بحيث لا تتحول الى رعاية مسرفة تسوق التلميذ الى الاستهتار نتيجة لاحساسه بأهميته وبرضوخ المدرسة لمشيئته، فتتحول نزعته العدوانية الى سلوك ديكتاتوري يهز القيم المدرسية ويشيع بين اوساط التلاميذ الاعتقاد بضعف المدرسة ازاء من يقف في وجهها.
طرد الطالب
يقول عبد الباسط صلاح الدين الاختصاصي الاجتماعي بمدرسة عبد القادر الجزائري بالشهامة ان اسلوب طرد الطالب من الحصة الدراسية كوسيلة عقاب على مخالفته سواء كانت سلوكية او انضباطية داخل الصف، من الظواهر غير التربوية وتعد مخالفة يرتكبها المعلمون لتجاهلهم الانظمة واللوائح المعدة بهذا الصدد من قبل الوزارة، وان عملية الطرد تدل على فشل المعلم في معالجة السلوكيات الخاطئة وانه في حالة صدور أي سلوك خاطئ من الطالب فإن على المعلم معالجته باسلوب تربوي بعيدا عن عناصر الطرد المعتادة من قبل النسبة الكبيرة من المعلمين، مشيراً الى ان ذلك يؤثر سلبا في العلاقة المهنية التي ينبغي ان تكون بينهم وبين طلابهم وفي كثير من الاحيان يأخذ الطالب موقفا سلبيا من معلمه ينعكس سلبا على مستواه التحصيلي والعكس صحيح، منوهاً الى ان هناك فروقاً فردية بين المعلمين في تعاملهم وفرض شخصيتهم على الطلاب في اسلوب التعامل داخل الحصة وخارجها.
وقال اننا نعلم ما يعانيه المعلم داخل الفصل من سلوكيات الطلاب وان كافة الظروف جاءت مجتمعة لهذا الاجراء، فكثافة الفصول ومدى الضغوط التي يعاني منها المعلم من تكليفات ترهقه نفسيا ومعنويا كالاشراف والمناوبة ومتابعة الغياب اليومي وكثرة الاختبارات واعادة الامتحانات واعباء كثيرة اخرى قد تكون السبب الرئيس لاتخاذه مثل هذا الاجراء حتى يتمكن من تكملة الدرس لطلابه، منوها الى ان المعلم يختلف عن الكثيرين فهو في المقام الاول صاحب رسالة وخبرة تربوية متميزة تتيح له معالجة المواقف السلوكية داخل الحصة باسلوب تربوي واننا كخدمة اجتماعية نتدخل مهنيا في مثل هذه الحالات عن طريق نموذج معد لذلك حتى يتم متابعتها مهنياً بالتوجيه والارشاد بعيداً عن الطرد وبذلك نتيح للمعلم المناخ التربوي المناسب داخل الفصل حتى يتمكن من العطاء وبذل الجهد ونسهم في تكوين علاقة مهنية متميزة بين الطالب والمعلم، وتأكيداً لأهمية العلاقة بين البيت والمدرسة.
وتؤكد مسؤولة العلاقات العامة في مدرسة المواهب النموذجية فاطمة الحوسني، ان السلوك العدواني قد لا يتخذ مظاهر مكشوفة كالاضراب أو العصيان، وإنما مسالك خفية ترضي لدى التلميذ الذي يتسم بالسلوك العدواني نزعته العدوانية التي ترمز الى كراهيته للآخرين والمجتمع، ونظراً لأن التحطيم يتخذ مظاهر غير مكشوفة فإن مرتكبه قد لا يكشف عن مسلكه ويتظاهر للجميع بالوداعة والطاعة وتقبل الاوامر، ومن اهم سمات هذا السلوك العدواني الذي يظهر في صور خفية تجاه صاحبه الى العزلة والابتعاد عن المجتمعات مع عدم الرغبة في الاستقرار بمكان واحد، وقد يلاحظ تخلفه دراسياً برغم انتظامه ومتابعته الدروس.
اللوائح التربوية
ويقول حسن بن زايد الشامسي وكيل مدرسة، ان بعض الطلاب يتصفون بنزعة عدوانية نحو اقرانهم، ويبدو هذا السلوك العدواني واضحاً بصفة خاصة اثناء النشاط اللاصفي أو داخل الفصل احياناً، بحيث يتعمد الطالب افساد جو الدرس على مدرس معين، ويتخذ هذا السلوك في الغالب مظهراً غير مكشوف خشية العقاب.
وأشار الى عدة عوامل وشروط تؤدي الى ظاهرة العنف المدرسي منها المحيط المادي للمؤسسة مثل الحجم في الصفوف، الهندسة وطريقة تصميم المبنى نفسه ومختلف المرافق المساعدة له، والاعتماد على برامج ومناهج تعليمية غير مناسبة وغير مدروسة بحيث لا تتناسب مع العصر والتجديد المناسب بصورة دورية بحيث يملها ويرفضها الطالب، وكذلك عدم وجود قوانين صريحة وواضحة تكون الاساس في عمل المؤسسات التربوية وعدم وجود نظم وقوانين تحكم العمل الداخلي، حيث يظهر فيها بوضوح حقوق وواجبات الطلبة وحقوق المدرسين وواجبات اولياء الامور.
وأشار حسن الشامسي الى ان كثرة الغياب في اوساط المعلمين ونظام الاستبدال بالاساتذة المتغيبين يؤدي هو الآخر الى انقطاع المعرفة والصلة الضرورية بين المعلم والطلبة مما يفسح المجال الى الخروج على النظام في الصف ويسبب الاحراج والمتاعب للمعلم ويساعد على ازدياد الفوضى والتمرد داخل الصف، لافتاً الى ان من بين اسباب العنف المدرسي ايضاً رفقة السوء والتمييز بين الطلبة من قبل المعلمين واستعمال اساليب خاطئة من قبل البعض منهم، وظاهرة استعمال العنف من قبل بعض أسر التلاميذ انفسهم.
الأسرة والمؤسسة
ويقول طلال الفليتي منسق التعليم العام بتعليمية ابوظبي، إن الاسرة تلعب دوراً مهماً في اصلاح وتقويم سلوك الابناء من حيث تكوين شخصيتهم النفسية والسلوكية من خلال التربية الصالحة وغرس المفاهيم والقيم الحسنة، وتقديم الرعاية والحب والاهتمام والتوجيه اللازم، واحكام الرقابة الاسرية على الابناء بحيث تشمل مراقبة سلوكياتهم ومواعيد خروجهم ودخولهم الى البيت، وعدم ترك الرعاية اليومية للابناء بيد المربيات والخدم، ومحاولة الآباء والامهات السيطرة على المشاكل والخلافات التي تنشب بينهم بين الحين والآخر لانها تسبب في كثير من الاحيان انحراف الابناء.
وأشارت منال رفعت معلمة التربية الاسلامية في مدرسة المواهب النموذجية الى انه يقع على الاسرة واجب توكيد الوازع الديني والاخلاقي وتعميق التربية الوطنية لدى الأبناء وتعليمهم مبادئ الدين الحنيف في احترام الآخرين، مؤكدة على اهمية اصطحاب الأبناء في ذهاب الآباء الى دور العبادة لما تلعبه من دور في تنمية الجوانب القيمة والروحية عند الفرد وتعزيز وتعميق الايمان بالله والتمسك بتعاليم الدين من خلال الخطب والندوات والمحاضرات بعد اداء الصلاة، كذلك تعزيز العادات والقيم الاخلاقية في نفوس الشباب مثل الامانة والصدق واحترام الكبير وحب الخير للآخرين وحب النظام والعمل.
جذب الاهتمام
ويشير عبدالله الحارثي الاختصاصي الاجتماعي بمدرسة الرواد النموذجية، الى ان هناك تصرفات سلوكية سيئة جداً تصدر عن بعض الطلبة تجاه معلميهم، ويدخل ذلك في باب اساءة الادب والسلوك غير السوي، منوهاً الى ان اكثر الطلاب الذين يثيرون الشغب هم الفئة الضعيفة دراسياً ما يترك الفرصة للطالب كونه لا يفهم ولا يعرف كثيراً من شرح المعلم فيضطر الى الى احداث شغب وفوضى داخل الصف، وخصوصاً اثناء الحصة لكي يلفت الانظار اليه مثلما تلفت الفئة المتفوقة من الطلبة أنظار المعلمين فيحاول هو تحويل الاهتمام اليه، لافتاً الى ضرورة توفير الاساليب العلاجية للتخفيف من حدة السلوك العدواني بكافة مظاهره مثل اسلوب ممارسة الخدمة الاجتماعية في المجال المدرسي الذي يتضمن المجال العلاجي لمساعدة الطالب على مواجهة المشكلات الانفعالية كالقلق وفقدان الثقة بالنفس، والشعور بالنقص، والعدوان والانطواء، ومساعدته على مواجهة مشكلات التخلف الدراسي التي ترجع الى اسباب ذاتية او بيئية وما قد يترتب عليها من صعوبات اخرى كالهروب وعدم الاستمرار في الدراسة، ومساعدة الطالب على مواجهة مشكلاته الاقتصادية او الصحية او بسبب الاضطرابات الاسرية.
ويقول فضل التميمي ولي امر، ومدير مسرح زايد للطفل، ان الظواهر الموجودة بين اوساط طلابنا حالياً لم نعرفها سابقاً فهي دخيلة على مجتمعنا، مشيرا الى ان اسبابها تردي اساليب التواصل بين المدرسة والبيت، والبيئة الاسرية واساليب تنشئتها للابناء والتفرقة في التربية بينهم بحيث يأتي الطالب الى المدرسة باستعداد مكتسب للعدوانية رغبة في لفت الانظار فيعمد الى تخريب الممتلكات العامة، وتحدي المعلمين والعراك والمشاجرة مع زملائه داخل وخارج المدرسة وفي الحافلات المدرسية، منوها الى ان بعض الاباء يعمد الى تشجيع ابنائهم على مبدأ من ضربك اضربه وخذ حقك بيدك ولا تسكت عنه، كما ان الطالبات عادة مايكون العنف لديهن لفظيا او سلوكا عدوانيا، لافتا الى ان العنف في المدارس هو انعكاس للعنف خارج المجتمع المدرسي.
واشار الى ضرورة الاهتمام بالمسرح المدرسي ومسارح الطفولة الأخرى لشرح وبلورة السلوكيات المرغوبة وغير المرغوبة من خلال العروض المسرحية التي يتقمص فيها الطلاب ادوار شرائح وافراد المجتمع ليمثلوها من منطلق ان التغيير يبدأ على مستوى النسق الثقافي أي في نطاق الافكار والقيم.
برامج تربوية للعلاج
اشارت الموجهة الاولى للخدمة الاجتماعية بوزارة التربية والتعليم شيخة المهيري، الى اننا كآباء وامهات ومربين نكبت طاقة كبيرة لدى الأبناء، ونطلب منهم الا يكونوا عنيفين وفي نفس الوقت هم يمرون بمرحلة عمرية من خصائصها الأساسية التعبير عن النفس عن طريق استخدام العنف، منوهة الى ان المدرسة هي انسب مكان لدى الطالب للانتقام والظهور وتشكيل الشلل، حيث يقضي فيها يومياً اكثر اوقاته، فدورها لا يقل اهمية عن الدور الذي تقوم به الاسرة حيث ان ذلك يبرز من خلال مناهجها التي تؤثر في الطالب، ورعايتها له بالقدر الكافي بحيث يكون عمل المعلم فيها اكبر واكثر من كونه ناقلاً للعلم والمعرفة فقط، بل أباً آخر يرعى طلابه علماً وأدباً وفكراً. وأكدت شيخة المهيري على ان لدى الوزارة مجموعة من البرامج الموجهة للطلاب بدأ تطبيقها هذا العام من خلال ادارة الارشاد الطلابي وتهدف الى خلق ثقافة مدرسية فعالة وتنمية التعاطف مع الغير، وخلق جو مدرسي مريح مهيئ ومحفز للانتاج والتقدم، وتوجه كل هذه البرامج للطالب وللميدان التربوي بشكل عام للتحكم في الغضب والقلق وقراءة مشاعر الآخرين والتعاطف معهم والوعي بالانفعالات والتحكم في المشاعر وادارتها.