زهرة الشمال
09-15-2010, 11:28 AM
علاقة العنف الأسري بالسلوك العدواني لدى الأبناء
د· محمد المطوع
لقاء: د· عقيل العقيل:
المحبة والمودة ·· المعاملة والمعاشرة الطيبة والموعظة الحسنة آداب إسلامية أصيلة وركائز أساسية للتعامل بين بني البشر وأنظمة اجتماعية تجسد الترابط والتعاضد بين أفراد المجتمع، بل إنها البشرى التي حملها رسولنا الكريم محمد [ والهدي الذي بعث به حيث تجلى في ذلك البيان العظيم { وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ } (159) سورة آل عمران . { وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } (125) سورة النحل ·
إلا أن واقع الأمة الإسلامية أفرد في عصرنا الحديث بعض المصطلحات تجافي الحقيقة وتبعد عن الإنسانية حيث برز المصطلح الاجتماعي (العنف الأسري) هذا السلوك الذي يفسد الأسر إذا كان قاعدة للتعامل ويقعد الطلاب عن التفوق إذا كان ديدن التربية، كما أنه يبذر التفرقة والتفكك إذا صار دبلوماسية الشعوب·
فالبعض يعزو هذا الهشيم إلى التردي الاقتصادي، وآخرون يرجعونه إلى نقص الوعي الاجتماعي، بل يردونه إلى انخفاض المستوى التعليمي، إنه السلوك الاجتماعي الذي يؤدي إلى ضعف الثقة بالنفس، والشعور بالإحباط، والقلق، والعدوان علاوة على المشاكل النفسية والسلوكيات الشاذة والغريبة·
وانطلاقاً من رسالة “الدعوة” ودورها في التوعية والتثقيف برفع الوعي الديني والاجتماعي والثقافي لدى كافة أفراد المجتمع، نفرد إليك عزيزي القارئ هذه المساحة مع سعادة الدكتور محمد بن عبدالله المطوع أستاذ علم النفس المساعد بقسم العلوم الاجتماعية في كلية الملك فهد الأمنية ومدير مركز البحوث والدراسات الذي عرَّف هذا المفهوم الدخيل وأبعاده وخطره على الأمة الإسلامية فكانت هذه الحصيلة·
* ما المقصود بالعنف الأسري؟
- يقصد بمفهوم العنف الأسري “الأفعال التي يقوم بها أحد أعضاء الأسرة، وتلحق ضرراً مادياً، أو معنوياً، أو كليهما بأحد الأبناء في الأسرة· ويعني هذا بالتحديد: الضرب بأنواعه، والسب، والشتم، والاحتقار، والطرد، والحرق، والإرغام على القيام بفعل ضد رغبة الفرد·
ويرى “روبرت” أن العنف الأسري يعني الهجوم أو الإساءة إلى شخص ما سواء كانت مادية أو معنوية·
ويعني العنف اللفظي أو الإساءة اللفظية الازدراء والسخرية والاستهزاء والسباب من قبل الوالدين للأطفال والمراهقين، وهذا النوع من العنف كفيل بأن يحدد الملامح الأساسية في شخصيات الأبناء ويؤثِّر لدى الكثير منهم في رفع الروح العدوانية·
أما العنف البدني فيشمل جميع الأفعال الموجهة نحو الطفل بقصد إلحاق الأذى والضرر الجسدي به كالضرب الذي يسبب الجروح والإصابات المختلفة في الرأس والوجه والكدمات والتمزّق العضلي والكسور، والحرق، وتسميم الطفل· وأرى أن العنف الأسري يعني الاستخدام المتكرر من جانب كلا الوالدين أو أحدهما للعقوبات البدنية كالضرب المبرح، والحرق، واللكم، أو العقوبات النفسية كالسخرية، والإهانة، والتوبيخ، والشتم، والسب·
* ما المقصود بالسلوك العدواني؟
- رغم عدم اتفاق العلماء على تعريف محدد للسلوك العدواني؛ لأنه معقد وأسبابه كثيرة ومتشابكة وتصنيفاته كثيرة، فقد عرف بأنه هو “السلوك الذي يؤدي إلى إلحاق الأذى والدمار بالآخرين بالفعل أو بالكلام، والجانب السلبي منه يعني إلحاق الأذى بالذات”·
ونرى أن السلوك العدواني هو “كل سلوك يتضمن إلحاق الأذى بالزملاء في المدرسة أو المعلمين أو الممتلكات سواء أكان هذا الإيذاء مادياً أو نفسياً”·
أنواع العنف الأسري
يصنف العنف على أساس نوعي إلى ثلاثة أنواع هي: العنف الجسدي، والعنف اللفظي، والعنف النفسي (القبانجي، 0002، ص2) إلا أنني أرى بأن العنف اللفظي يدخل تحت صنف العنف النفسي الذي يتضمن أيضاً التهديد والتخويف والسخرية والاحتقار وتوجيه العبارات الجارحة له·
ومن أمثلة العنف الجسدي أو البدني الضرب المبرح أو الصفع أو العض أو القرص أو الرفس·
وقد توصلت الدراسات السابقة إلى أن أشكال الإساءة إلى الطفل لا تحدث مستقلة عن بعضها بعضاً إلا بنسب قليلة من الحالات، والأغلب أنها تحدث بالتسلسل، فقد وجد أن الإساءة اللفظية يتبعها عادة إهمال عاطفي، كما أن الإساءة اللفظية مرتبطة بشكل عالٍ بالإساءة البدنية أو الجسدية (ص11)·
* لعلكم تتحدثون عن ظاهرة العنف الأسري تجاه الأبناء في أرقام؟
- تعد ظاهرة العنف الأسري تجاه الأطفال ظاهرة عالمية تجاوزت الحدود الجغرافية والفوارق الطبقية والخصوصيات الثقافية والحضارية لما لها من آثار سلبية في مستقبل شخصيات الأبناء من الناحية النفسية؛ لذلك أصبح الاهتمام عالمياً بهذه الظاهرة من أجل التصدي لها من خلال الندوات والمحاضرات والدراسات والأبحاث·
لقد قدر عدد حالات الأطفال الذين أسيء معاملتهم بدنياً خلال عام واحد في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها ما بين (4-41) مليون طفل· وفي مسح آخر وجد أن ما يقارب مليون طفل يعانون مشكلة إساءة المعاملة في كل عام·
وأشارت إحصاءات الاتحاد الأمريكي لحماية الطفل عام 6891م إلى أن ما يقارب من 946،627،1 طفلاً قد أبلغ عنهم؛ بسبب سوء معاملتهم أو إهمالهم، وتضمنت هذه الحالات أشكالاً مختلفة من إساءة المعاملة كالجروح، والإساءة الجنسية، والحرمان من الضروريات، والإساءة النفسية، وإساءات مختلفة أخرى·
وبيَّنت الإحصاءات أن هناك نحو 01 ملايين مراهق شاهدوا وعاشوا في منزل مارس فيه الأب سلوك العنف ضد الأم، وهناك نحو ثلث الأطفال في الولايات المتحدة الأمريكية قد مروا بالخبرة نفسها·
لقد بدأ الاهتمام بالأطفال في مطلع العشرينيات بظهور قوانين حماية الطفل؛ حيث صدر أول إعلان لحقوق الطفل عام 3291م، وتبلور عنه إعلان جنيف لحقوق الطفل عام 4291م، ثم اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 9591م إعلاناً عالمياً لحقوق الطفل، وفي عام 9891م صدرت اتفاقية حقوق الطفل التي تعهدت بحماية حقوق الطفل وتعزيزها، ودعم نموه ونمائه، ومناهضة أشكال العنف كافة التي قد توجه ضده، وتضمنت المادة (91) من الاتفاقية حماية الطفل من أشكال العنف والإيذاء البدني والعقلي كافة، ووجوب اتخاذ الدول الإجراءات الكفيلة بمنع ذلك بما فيها تدخل القضاء، ومن معالم هذا الاهتمام المتزايد بحقوق الطفل خصصت الرابطة الأمريكية لعلم النفس في مؤتمرها السنوي الذي عقد في أغسطس من عام 1002م في سان فرانسيسكو 03 جلسة عن ظاهرة سوء معاملة الأطفال·
وتعد أساليب التربية الوالدية من أهم العوامل التي تؤثر في التوافق النفسي والاجتماعي لدى الأطفال، بما في ذلك ظهور العدوانية على سلوكياتهم من عدمها· وتتمثل أساليب المعاملة الوالدية في بعدين رئيسيين، هما: القبول مقابل الرفض الوالدي·
* نأمل توضيح علاقة العنف الأسري بالسلوك العدواني لدى الأبناء؟
- القبول الوالدي يعبر عنه بمدى الحب والعطف والحنان الذي يبديه الوالدان للطفل في المواقف المختلفة، وهذا يؤدي إلى تكوين عدد سمات الشخصية المرغوب فيها لدى الطفل· أما الرفض الوالدي للطفل الذي يأخذ مظاهر عدة، منها: الرفض الصريح، والإهمال، والعقاب البدني، ويؤدي هذا الرفض إلى عدم التوافق النفسي والاجتماعي، كما أن سلوك الطفل يأخذ الطابع العدواني·
لذا يرى كثير من المختصين أن العنف يولد العنف؛ فالأسرة التي يسود العلاقات بين أفرادها طابع العنف غالباً ما يكون أطفالها ميالين إلى السلوك العنيف (الدويبي، 4002م ص6)·
ونخلص إلى أن التنشئة الاجتماعية القائمة على الردع والذم والسباب···إلخ تزرع الروح العدوانية لدى الأبناء، بينما يساعد الاستفزاز على تأجيج تلك الروح العدوانية لديهم، وهو ما يؤدي إلى كثرة الصراعات المدرسية قبل بداية الدوام المدرسي وبعده – عند خروجهم إلى منازلهم؛ إذ تشير الدراسات التربوية المدرسية إلى أن نسبة 58% من تلك الصراعات الطلابية العدوانية ترجع إلى كل من الاستفزاز والسخرية والتنشئة المنزلية·
ويرى العلماء أن السلوك العدواني الذي يقوم به الطلاب قد يكون إما نتيجة تقليد الأسلوب الذي عوملوا به في الأسرة من قبل الوالدين، مثل الضرب والتهديد والوعيد والسخرية والكلام الجارح وإما للتنفيس عن الرغبة في الانتقام من الوالدين بتحويل العدوان إلى آخرين يستطيعون الاعتداء عليهم·
ويشكل السلوك العدواني لدى طلاب المدارس بمستوياتهم كافة ظاهرة سلوكية واسعة الانتشار، ويؤدي هذا السلوك إلى الفوضى والارتباك والتوتر الانفعالي داخل المدارس، وينعكس أثره على كل من الطلاب والمعلمين؛ حيث ينخفض أداء المعلم من جهة، كما تنخفض قدرة الطلاب على التحصيل الدراسي من جهة أخرى·
وينقسم السلوك العدواني لدى الأطفال إلى قسمين، هما: العدوان الموجه نحو الآخرين، والعدوان الموجه نحو الذات، وسيقتصر حديثنا على النوع الأول وهو العدوان الموجه نحن الآخرين· ويقصد بهذا النوع من العدوان اعتداء الطفل أو الطالب على الآخرين من المحيطين به أو الاعتداء على ممتلكاتهم، والخروج على الأنظمة والقوانين المعمول بها، وعدم الالتزام سلوك المقبول اجتماعياً·
ويأخذ السلوك العدواني الذي يوجهه الأطفال – الطلاب – نحو الآخرين شكلين هما:
1- العدوان الجسماني: وهو اعتداء الطفل – الطالب – على الآخرين بأعضاء جسمه، مثل الضرب والركل والعض، مستخدماً يديه ورجليه وأظافره وأسنانه·
2- العدوان اللفظي: وهو السلوك العدواني الذي يقف عند حدود الكلام، مثل السب والشتم والتوبيخ ووصف الآخرين بعيوب وصفات سيئة، كما يشمل أيضاً الكذب الذي يوقع الفتنة بين الآخرين·
* كيف تفسر ظاهرة العنف من الناحية النفسية (سيكولوجية العنف)؟
- إن العنف صورة من صور القصور الذهني حيال موقف، فهو وجه آخر من أوجه النقص في الأسلوب والإبداع في حل ومواجهة المشكلات، يصل العنف لمراحل الانهيار العقلي والجنون، كما قد يكون وسيلة من وسائل العقوبة والتأديب أو صورة من صور تأنيب الضمير على جرم أو خطيئة مرتكبة، ولن يتعدى في كل أحواله القصور الذهني والفكري لدى الإنسان·
والعنف دليل من دلائل النفس غير المطمئنة وانعكاس للقلق وعدم الصبر والتوازن ووجه من وجوه ضيق الصدر وقلة الحيلة، وهو -أي العنف- في مثل هذه المراحل يكون مؤشراً لضعف الشخصية ونقصان في رباطة الجأش وتوافق السلوك؛ لذا فإن لتربية الأسرة وسلوك الأبوين أثراً بالغاً في تحديد الشخصية العنيفة العدوانية للأبناء؛ إذ يقوم الأطفال الذكور والإناث بتقليد ومحاكاة الآباء والأمهات والانجرار خلف سلوكياتهم والتطبُّع بها، فالمشاجرات والضرب العائلي تنتقل بصورة لا إرادية وبالمحاكاة إلى الأبناء ليتم سلوكهم بالروح العدوانية والتهجمية المصاحبة للعنف·
فنظرية الإحباط في تفسيرها لسيكولوجية العنف ترى أن الإحباط إن لم يؤد إلى العنف في معظم الظروف فإن كل عنف سوف يسبقه موقف محبط على الأقل·
وتعد المواقف الإحباطية والتنافسية التي يواجهها الأطفال مجالاً خصباً لنمو السلوك العدواني· فقد لوحظ أن الأسر التي يتميّز الوالدان فيها بالجمود والتشدد في معاملة الأطفال أو تلك التي تفسح المجال بالقول أو الفعل لإثارة التنافس والغيرة بين الإخوة ينشأ الأطفال فيها أكثر عدوانية ورغبة في الانتقام المباشر، وما يتضمنه ذلك من تعلم أساليب سلوكية عدوانية غير مرغوبة كالغش والكذب والخداع وغيرها مما يكون سبباً في إلحاق الضرر بالآخرين·
د· محمد المطوع
لقاء: د· عقيل العقيل:
المحبة والمودة ·· المعاملة والمعاشرة الطيبة والموعظة الحسنة آداب إسلامية أصيلة وركائز أساسية للتعامل بين بني البشر وأنظمة اجتماعية تجسد الترابط والتعاضد بين أفراد المجتمع، بل إنها البشرى التي حملها رسولنا الكريم محمد [ والهدي الذي بعث به حيث تجلى في ذلك البيان العظيم { وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ } (159) سورة آل عمران . { وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } (125) سورة النحل ·
إلا أن واقع الأمة الإسلامية أفرد في عصرنا الحديث بعض المصطلحات تجافي الحقيقة وتبعد عن الإنسانية حيث برز المصطلح الاجتماعي (العنف الأسري) هذا السلوك الذي يفسد الأسر إذا كان قاعدة للتعامل ويقعد الطلاب عن التفوق إذا كان ديدن التربية، كما أنه يبذر التفرقة والتفكك إذا صار دبلوماسية الشعوب·
فالبعض يعزو هذا الهشيم إلى التردي الاقتصادي، وآخرون يرجعونه إلى نقص الوعي الاجتماعي، بل يردونه إلى انخفاض المستوى التعليمي، إنه السلوك الاجتماعي الذي يؤدي إلى ضعف الثقة بالنفس، والشعور بالإحباط، والقلق، والعدوان علاوة على المشاكل النفسية والسلوكيات الشاذة والغريبة·
وانطلاقاً من رسالة “الدعوة” ودورها في التوعية والتثقيف برفع الوعي الديني والاجتماعي والثقافي لدى كافة أفراد المجتمع، نفرد إليك عزيزي القارئ هذه المساحة مع سعادة الدكتور محمد بن عبدالله المطوع أستاذ علم النفس المساعد بقسم العلوم الاجتماعية في كلية الملك فهد الأمنية ومدير مركز البحوث والدراسات الذي عرَّف هذا المفهوم الدخيل وأبعاده وخطره على الأمة الإسلامية فكانت هذه الحصيلة·
* ما المقصود بالعنف الأسري؟
- يقصد بمفهوم العنف الأسري “الأفعال التي يقوم بها أحد أعضاء الأسرة، وتلحق ضرراً مادياً، أو معنوياً، أو كليهما بأحد الأبناء في الأسرة· ويعني هذا بالتحديد: الضرب بأنواعه، والسب، والشتم، والاحتقار، والطرد، والحرق، والإرغام على القيام بفعل ضد رغبة الفرد·
ويرى “روبرت” أن العنف الأسري يعني الهجوم أو الإساءة إلى شخص ما سواء كانت مادية أو معنوية·
ويعني العنف اللفظي أو الإساءة اللفظية الازدراء والسخرية والاستهزاء والسباب من قبل الوالدين للأطفال والمراهقين، وهذا النوع من العنف كفيل بأن يحدد الملامح الأساسية في شخصيات الأبناء ويؤثِّر لدى الكثير منهم في رفع الروح العدوانية·
أما العنف البدني فيشمل جميع الأفعال الموجهة نحو الطفل بقصد إلحاق الأذى والضرر الجسدي به كالضرب الذي يسبب الجروح والإصابات المختلفة في الرأس والوجه والكدمات والتمزّق العضلي والكسور، والحرق، وتسميم الطفل· وأرى أن العنف الأسري يعني الاستخدام المتكرر من جانب كلا الوالدين أو أحدهما للعقوبات البدنية كالضرب المبرح، والحرق، واللكم، أو العقوبات النفسية كالسخرية، والإهانة، والتوبيخ، والشتم، والسب·
* ما المقصود بالسلوك العدواني؟
- رغم عدم اتفاق العلماء على تعريف محدد للسلوك العدواني؛ لأنه معقد وأسبابه كثيرة ومتشابكة وتصنيفاته كثيرة، فقد عرف بأنه هو “السلوك الذي يؤدي إلى إلحاق الأذى والدمار بالآخرين بالفعل أو بالكلام، والجانب السلبي منه يعني إلحاق الأذى بالذات”·
ونرى أن السلوك العدواني هو “كل سلوك يتضمن إلحاق الأذى بالزملاء في المدرسة أو المعلمين أو الممتلكات سواء أكان هذا الإيذاء مادياً أو نفسياً”·
أنواع العنف الأسري
يصنف العنف على أساس نوعي إلى ثلاثة أنواع هي: العنف الجسدي، والعنف اللفظي، والعنف النفسي (القبانجي، 0002، ص2) إلا أنني أرى بأن العنف اللفظي يدخل تحت صنف العنف النفسي الذي يتضمن أيضاً التهديد والتخويف والسخرية والاحتقار وتوجيه العبارات الجارحة له·
ومن أمثلة العنف الجسدي أو البدني الضرب المبرح أو الصفع أو العض أو القرص أو الرفس·
وقد توصلت الدراسات السابقة إلى أن أشكال الإساءة إلى الطفل لا تحدث مستقلة عن بعضها بعضاً إلا بنسب قليلة من الحالات، والأغلب أنها تحدث بالتسلسل، فقد وجد أن الإساءة اللفظية يتبعها عادة إهمال عاطفي، كما أن الإساءة اللفظية مرتبطة بشكل عالٍ بالإساءة البدنية أو الجسدية (ص11)·
* لعلكم تتحدثون عن ظاهرة العنف الأسري تجاه الأبناء في أرقام؟
- تعد ظاهرة العنف الأسري تجاه الأطفال ظاهرة عالمية تجاوزت الحدود الجغرافية والفوارق الطبقية والخصوصيات الثقافية والحضارية لما لها من آثار سلبية في مستقبل شخصيات الأبناء من الناحية النفسية؛ لذلك أصبح الاهتمام عالمياً بهذه الظاهرة من أجل التصدي لها من خلال الندوات والمحاضرات والدراسات والأبحاث·
لقد قدر عدد حالات الأطفال الذين أسيء معاملتهم بدنياً خلال عام واحد في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها ما بين (4-41) مليون طفل· وفي مسح آخر وجد أن ما يقارب مليون طفل يعانون مشكلة إساءة المعاملة في كل عام·
وأشارت إحصاءات الاتحاد الأمريكي لحماية الطفل عام 6891م إلى أن ما يقارب من 946،627،1 طفلاً قد أبلغ عنهم؛ بسبب سوء معاملتهم أو إهمالهم، وتضمنت هذه الحالات أشكالاً مختلفة من إساءة المعاملة كالجروح، والإساءة الجنسية، والحرمان من الضروريات، والإساءة النفسية، وإساءات مختلفة أخرى·
وبيَّنت الإحصاءات أن هناك نحو 01 ملايين مراهق شاهدوا وعاشوا في منزل مارس فيه الأب سلوك العنف ضد الأم، وهناك نحو ثلث الأطفال في الولايات المتحدة الأمريكية قد مروا بالخبرة نفسها·
لقد بدأ الاهتمام بالأطفال في مطلع العشرينيات بظهور قوانين حماية الطفل؛ حيث صدر أول إعلان لحقوق الطفل عام 3291م، وتبلور عنه إعلان جنيف لحقوق الطفل عام 4291م، ثم اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 9591م إعلاناً عالمياً لحقوق الطفل، وفي عام 9891م صدرت اتفاقية حقوق الطفل التي تعهدت بحماية حقوق الطفل وتعزيزها، ودعم نموه ونمائه، ومناهضة أشكال العنف كافة التي قد توجه ضده، وتضمنت المادة (91) من الاتفاقية حماية الطفل من أشكال العنف والإيذاء البدني والعقلي كافة، ووجوب اتخاذ الدول الإجراءات الكفيلة بمنع ذلك بما فيها تدخل القضاء، ومن معالم هذا الاهتمام المتزايد بحقوق الطفل خصصت الرابطة الأمريكية لعلم النفس في مؤتمرها السنوي الذي عقد في أغسطس من عام 1002م في سان فرانسيسكو 03 جلسة عن ظاهرة سوء معاملة الأطفال·
وتعد أساليب التربية الوالدية من أهم العوامل التي تؤثر في التوافق النفسي والاجتماعي لدى الأطفال، بما في ذلك ظهور العدوانية على سلوكياتهم من عدمها· وتتمثل أساليب المعاملة الوالدية في بعدين رئيسيين، هما: القبول مقابل الرفض الوالدي·
* نأمل توضيح علاقة العنف الأسري بالسلوك العدواني لدى الأبناء؟
- القبول الوالدي يعبر عنه بمدى الحب والعطف والحنان الذي يبديه الوالدان للطفل في المواقف المختلفة، وهذا يؤدي إلى تكوين عدد سمات الشخصية المرغوب فيها لدى الطفل· أما الرفض الوالدي للطفل الذي يأخذ مظاهر عدة، منها: الرفض الصريح، والإهمال، والعقاب البدني، ويؤدي هذا الرفض إلى عدم التوافق النفسي والاجتماعي، كما أن سلوك الطفل يأخذ الطابع العدواني·
لذا يرى كثير من المختصين أن العنف يولد العنف؛ فالأسرة التي يسود العلاقات بين أفرادها طابع العنف غالباً ما يكون أطفالها ميالين إلى السلوك العنيف (الدويبي، 4002م ص6)·
ونخلص إلى أن التنشئة الاجتماعية القائمة على الردع والذم والسباب···إلخ تزرع الروح العدوانية لدى الأبناء، بينما يساعد الاستفزاز على تأجيج تلك الروح العدوانية لديهم، وهو ما يؤدي إلى كثرة الصراعات المدرسية قبل بداية الدوام المدرسي وبعده – عند خروجهم إلى منازلهم؛ إذ تشير الدراسات التربوية المدرسية إلى أن نسبة 58% من تلك الصراعات الطلابية العدوانية ترجع إلى كل من الاستفزاز والسخرية والتنشئة المنزلية·
ويرى العلماء أن السلوك العدواني الذي يقوم به الطلاب قد يكون إما نتيجة تقليد الأسلوب الذي عوملوا به في الأسرة من قبل الوالدين، مثل الضرب والتهديد والوعيد والسخرية والكلام الجارح وإما للتنفيس عن الرغبة في الانتقام من الوالدين بتحويل العدوان إلى آخرين يستطيعون الاعتداء عليهم·
ويشكل السلوك العدواني لدى طلاب المدارس بمستوياتهم كافة ظاهرة سلوكية واسعة الانتشار، ويؤدي هذا السلوك إلى الفوضى والارتباك والتوتر الانفعالي داخل المدارس، وينعكس أثره على كل من الطلاب والمعلمين؛ حيث ينخفض أداء المعلم من جهة، كما تنخفض قدرة الطلاب على التحصيل الدراسي من جهة أخرى·
وينقسم السلوك العدواني لدى الأطفال إلى قسمين، هما: العدوان الموجه نحو الآخرين، والعدوان الموجه نحو الذات، وسيقتصر حديثنا على النوع الأول وهو العدوان الموجه نحن الآخرين· ويقصد بهذا النوع من العدوان اعتداء الطفل أو الطالب على الآخرين من المحيطين به أو الاعتداء على ممتلكاتهم، والخروج على الأنظمة والقوانين المعمول بها، وعدم الالتزام سلوك المقبول اجتماعياً·
ويأخذ السلوك العدواني الذي يوجهه الأطفال – الطلاب – نحو الآخرين شكلين هما:
1- العدوان الجسماني: وهو اعتداء الطفل – الطالب – على الآخرين بأعضاء جسمه، مثل الضرب والركل والعض، مستخدماً يديه ورجليه وأظافره وأسنانه·
2- العدوان اللفظي: وهو السلوك العدواني الذي يقف عند حدود الكلام، مثل السب والشتم والتوبيخ ووصف الآخرين بعيوب وصفات سيئة، كما يشمل أيضاً الكذب الذي يوقع الفتنة بين الآخرين·
* كيف تفسر ظاهرة العنف من الناحية النفسية (سيكولوجية العنف)؟
- إن العنف صورة من صور القصور الذهني حيال موقف، فهو وجه آخر من أوجه النقص في الأسلوب والإبداع في حل ومواجهة المشكلات، يصل العنف لمراحل الانهيار العقلي والجنون، كما قد يكون وسيلة من وسائل العقوبة والتأديب أو صورة من صور تأنيب الضمير على جرم أو خطيئة مرتكبة، ولن يتعدى في كل أحواله القصور الذهني والفكري لدى الإنسان·
والعنف دليل من دلائل النفس غير المطمئنة وانعكاس للقلق وعدم الصبر والتوازن ووجه من وجوه ضيق الصدر وقلة الحيلة، وهو -أي العنف- في مثل هذه المراحل يكون مؤشراً لضعف الشخصية ونقصان في رباطة الجأش وتوافق السلوك؛ لذا فإن لتربية الأسرة وسلوك الأبوين أثراً بالغاً في تحديد الشخصية العنيفة العدوانية للأبناء؛ إذ يقوم الأطفال الذكور والإناث بتقليد ومحاكاة الآباء والأمهات والانجرار خلف سلوكياتهم والتطبُّع بها، فالمشاجرات والضرب العائلي تنتقل بصورة لا إرادية وبالمحاكاة إلى الأبناء ليتم سلوكهم بالروح العدوانية والتهجمية المصاحبة للعنف·
فنظرية الإحباط في تفسيرها لسيكولوجية العنف ترى أن الإحباط إن لم يؤد إلى العنف في معظم الظروف فإن كل عنف سوف يسبقه موقف محبط على الأقل·
وتعد المواقف الإحباطية والتنافسية التي يواجهها الأطفال مجالاً خصباً لنمو السلوك العدواني· فقد لوحظ أن الأسر التي يتميّز الوالدان فيها بالجمود والتشدد في معاملة الأطفال أو تلك التي تفسح المجال بالقول أو الفعل لإثارة التنافس والغيرة بين الإخوة ينشأ الأطفال فيها أكثر عدوانية ورغبة في الانتقام المباشر، وما يتضمنه ذلك من تعلم أساليب سلوكية عدوانية غير مرغوبة كالغش والكذب والخداع وغيرها مما يكون سبباً في إلحاق الضرر بالآخرين·