عبقرينو
09-07-2010, 05:29 PM
تاريخ الرعاية الاجتماعية للمتخلفين عقلياً
ربما يتبادر إلى الذهن سؤال عن مدى أقدمية التخلف العقلي كظاهرة.. وهل هي ظاهرة قديمة أم ظاهرة حديثة؟
إن الدراسات العملية التي أجريت في هذا الميدان توضح أن البشر يتوزعون بالنسبة للذكاء مكاناً وزماناً حسب توزيع عديد من الظواهر الحيوية كالطول والأعمار (التوزيع المعتدل)
وبذلك فإنهم كانوا من القدم يتوزعون هذا التوزيع غاية الأمر أن تقدم البشرية واستخدام التقنية دفع مجموعة ممن كانوا من قبل يعيشون في المجتمع دون كثير معاناة إلى السطح يعانون من عدم توافقهم في المجتمع ومع أنفسهم. فالعمل الزراعي والعمل اليدوي بصفة عامة لايتطلب من الجهد الذهني مايتطلبه العمل في المصانع أو في تطبيقات التطور العلمي الحديث.
كما أن الانتقال من بيئة يسهل فيها تقبل المجموعات المختلفة لبعضها إلى بيئة يظهر فيها القوي أو القادر أو الموهوب، ويتمتع بميزات العصر الذي يعيش فيه قد أظهر مشكلة المتخلفين. لم يكن التعليم فيما مضى إلزامياً ونظامياً، ولم يكن من السهل معرفة أن الذين يتخلفون عن التعليم قد تخلفوا لعائق أو قصور ذهني لديهم.
لقد ظلت معاملة المتخلفين عقلياً واحدة من أكثر فصول تاريخ البشرية إثارة للاشمئزاز. ففي القبائل الهمجية في العصور القديمة من المدنية كان المتخلفون عقلياً يساقون إلى الموت باعتبارهم أفراداً غير نافعين للجنس البشري. أما في أسبرطة فقد كانوا يبادون بلا أدنى رحمة، حتى لاتنحدر دولتهم التي كانت تقوم على احترام القوة.
وفي عصور الحضارة الإغريقية لم يطرأ على المتخلفين أي تحسن اجتماعي. وقد وصفت الكلمة الإغريقية (Idios) هؤلاء الأفراد بأن لديهم مس من الشيطان، وكانوا يتركون لحال سبيلهم حتى الموت.
وفي العصر المسيحي في روما بدت روح تتسم بالعطف على كل أنواع المعوقين بما فيهم المتخلفين، وكانوا يعتبرون من ذوي المعجزات أو أن بهم مس من الشيطان. وفي الإسلام نجد أن الإسلام لم يفرق بين البشر في المعاملة، وقد حض على المعاملة الطيبة للذين تعوقهم ظروف الحياة. ورفع عن كل فاقد لشيء ماكلف به في هذا العضو {ليس على الأعمى حرج ولاعلى الأعرج حرج}
وقد حرم الإسلام قتل النفس بغير حق. وبذلك كان نظام الصدقات والزكاة وهو أول نظام اجتماعي عرفته البشرية ينظم حقوقاً للمحتاجين قبل القادرين وقبل الدولة ممثلة في بيت المال. كان من الزكاة مايغني المتخلفين وغيرهم من المعوقين عن الموت جوعاً.
وفي عصر الإصلاح الديني في أوربا ظهر الخلط بين المتخلفين والمصابين بأمراض عقلية، وقد اعتبر الأفراد الذين لايتفهمون أو لايوافقون على تعلم الكاثولكية أو البروتستاتية مستحقين للاضطهاد. ومن هنا نال المتخلفين الكثير من ألوان الاضطهاد. غير أنه شذوذاً على هذا النمط المعتاد للاضطهاد أنشئ في بداية القرن السابع عشر في فرنسا قصر لإيواء الذين لديهم ظروف قاسية بما فيهم ضعاف العقول، وقد بدأه (فينسهان دي بول)
وقد أثار العالم (لوك) في بحثه عن التفهم أن التعلم يأتي عن طريق الحواس ويجب أن تصاحبه أحاسيس مبهجة وتبعه (روسيه) الذي كان يؤمن بأن التعليم يجب أن يقوم على أساس من القدرات الأساسية للطفل، وكان لهؤلاء الدارسين السبق في توجيه الأنظار نحو موضوع قدرات الأطفال.
لقد كان أهم الأحداث في تاريخ رعاية ضعاف العقول ذلك الذي حدث في سنة 1798 إذ عثر أحد الصيادين على طفل متوحش يعيش في غابة أفيرون بجنوب فرنسا، ونقله إلى باريس حيث لاقى تدريباً واهتماماً واسعاً، وقد تعهده في البداية (بنيل) الذي قرر أنه معتوه ولاتصلح معه أي طريقة أو مساعدة تربوية، وأطلق عليه اسم وحش أفيرون. غير أن أكاديمية العلوم بباريس عهدت به إلى (جان إيتارد) وقد عمل (إيتارد) في صبر، وأحرز بعض التقدم، لكنه مالبث بعد انتهاء العام الأول أن أعد تقريراً أظهر فيه أن الطفل لديه تخلف بجانب كونه لم يتعلم وتوقف عن العمل معه بعد خمس سنوات تقريباً وكان قد توصل إلى تعليمه أشكالاً بسيطة من اللغة وتفهم بعض الكلمات والأشياء. ورغم ماشعر به إيتارد بالأسى لعجزه عن تحويل الطفل إلى طفل متمدين، فإن أكاديمية العلوم اعترفت بأنه قد أسهم إسهاماً فعلياً للمعرفة الإنسانية، وشجعته على إعداد مؤلفه المعروف ((طفل أفيرون الوحشي))The wild boy of Aveyron
وقد تعهد أحد الباحثين ويدعى (إدوارد سيجان) هذا الطفل بالرعاية فاهتم بالقوة الجسمية وتدريب الحواس وتوافق العضلات وابتكر جهازاً لإثارة العضلات، وشجعه هذا التقدم على إنشاء مدرسة خاصة لتربية ضعاف العقول في باريس عام 1837م وكانت هذه أول مدرسة من نوعها في العالم، وبظهور هذه المدرسة ظهرت مشكلة أخرى وهي كيف نحكم على الطفل أنه متخلف عقلياً، لقد كان (سيجان) تلميذاً لـ (جين اسكويورل) الذي كان يفرق بين الخلل العقلي والتخلف العقلي، وكان يعتقد أن القدرة العقلية يمكنها التحسن بالطرق السيكلوجية التي يمكنها أن تبرئ الحواس الضعيفة كما أن التدريب يمكن أن يحدث تقدماً في النواحي المعنوية والتعليمية وغيرها من النواحي الذهنية، وفي خلال أبحاثه استطاع (سيجان) أن يكمل لوحة الأشكال المعروفة باسمه Seguin Foim Board وقد هاجر (سيجان) إلى الولايات المتحدة في عام 1848م حيث أصبح المؤسس الفعلي للعصر الحديث في دراسة المتخلفين عقلياً. وقد درس احتياجات الأطفال وأصبحت طرقه العلمية هي أساس الدراسات في هذا المجال، كما نشر كتابين أحدهما عن العته.
وقد شهد القرن التاسع عشر إنشاء وتوسيع المدارس والمعاهد للمتخلفين عقلياً في الدول المتقدمة وتطورت الاختبارات السيكلوجية التي كان رائدها العالم الفرنسي (الفريد بينيه).
وفي وقتنا الحاضر نجد أن كثيراً من دول العالم النامية قد بدأت في إدخال برامج رعاية المتخلفين وتعليمهم، وفي مصر دخل هذا النوع من التعليم في البلاد وأدخلت برامج الرعاية والتأهيل بعد قيام الثورة. غير أنه لازال في الطريق كثير مما يمكن أن يقدم لهذه الفئة في كل أنحاء العالم، إذ لاتزال بعض الدول المتقدمة كانجلترا تودع هؤلاء في مستشفيات خاصة بهم حيث يوجد في كل مقاطعة مستشفى للمتخلفين، ويصدر بإيداعهم فيها حكم من المحكمة.
لكنهم لم يعودوا بعد مظهراً من مظاهر الخرافة أو الشعوذة أو مساً من الشيطان، وإنما أصبح معروفاً طبيعة التخلف وكيفية دراسة الشخص المتخلف وكيفية مواجهة احتياجاته والعودة به إلى المجتمع مواطناً صالحاً يسهم في بنائه.
ربما يتبادر إلى الذهن سؤال عن مدى أقدمية التخلف العقلي كظاهرة.. وهل هي ظاهرة قديمة أم ظاهرة حديثة؟
إن الدراسات العملية التي أجريت في هذا الميدان توضح أن البشر يتوزعون بالنسبة للذكاء مكاناً وزماناً حسب توزيع عديد من الظواهر الحيوية كالطول والأعمار (التوزيع المعتدل)
وبذلك فإنهم كانوا من القدم يتوزعون هذا التوزيع غاية الأمر أن تقدم البشرية واستخدام التقنية دفع مجموعة ممن كانوا من قبل يعيشون في المجتمع دون كثير معاناة إلى السطح يعانون من عدم توافقهم في المجتمع ومع أنفسهم. فالعمل الزراعي والعمل اليدوي بصفة عامة لايتطلب من الجهد الذهني مايتطلبه العمل في المصانع أو في تطبيقات التطور العلمي الحديث.
كما أن الانتقال من بيئة يسهل فيها تقبل المجموعات المختلفة لبعضها إلى بيئة يظهر فيها القوي أو القادر أو الموهوب، ويتمتع بميزات العصر الذي يعيش فيه قد أظهر مشكلة المتخلفين. لم يكن التعليم فيما مضى إلزامياً ونظامياً، ولم يكن من السهل معرفة أن الذين يتخلفون عن التعليم قد تخلفوا لعائق أو قصور ذهني لديهم.
لقد ظلت معاملة المتخلفين عقلياً واحدة من أكثر فصول تاريخ البشرية إثارة للاشمئزاز. ففي القبائل الهمجية في العصور القديمة من المدنية كان المتخلفون عقلياً يساقون إلى الموت باعتبارهم أفراداً غير نافعين للجنس البشري. أما في أسبرطة فقد كانوا يبادون بلا أدنى رحمة، حتى لاتنحدر دولتهم التي كانت تقوم على احترام القوة.
وفي عصور الحضارة الإغريقية لم يطرأ على المتخلفين أي تحسن اجتماعي. وقد وصفت الكلمة الإغريقية (Idios) هؤلاء الأفراد بأن لديهم مس من الشيطان، وكانوا يتركون لحال سبيلهم حتى الموت.
وفي العصر المسيحي في روما بدت روح تتسم بالعطف على كل أنواع المعوقين بما فيهم المتخلفين، وكانوا يعتبرون من ذوي المعجزات أو أن بهم مس من الشيطان. وفي الإسلام نجد أن الإسلام لم يفرق بين البشر في المعاملة، وقد حض على المعاملة الطيبة للذين تعوقهم ظروف الحياة. ورفع عن كل فاقد لشيء ماكلف به في هذا العضو {ليس على الأعمى حرج ولاعلى الأعرج حرج}
وقد حرم الإسلام قتل النفس بغير حق. وبذلك كان نظام الصدقات والزكاة وهو أول نظام اجتماعي عرفته البشرية ينظم حقوقاً للمحتاجين قبل القادرين وقبل الدولة ممثلة في بيت المال. كان من الزكاة مايغني المتخلفين وغيرهم من المعوقين عن الموت جوعاً.
وفي عصر الإصلاح الديني في أوربا ظهر الخلط بين المتخلفين والمصابين بأمراض عقلية، وقد اعتبر الأفراد الذين لايتفهمون أو لايوافقون على تعلم الكاثولكية أو البروتستاتية مستحقين للاضطهاد. ومن هنا نال المتخلفين الكثير من ألوان الاضطهاد. غير أنه شذوذاً على هذا النمط المعتاد للاضطهاد أنشئ في بداية القرن السابع عشر في فرنسا قصر لإيواء الذين لديهم ظروف قاسية بما فيهم ضعاف العقول، وقد بدأه (فينسهان دي بول)
وقد أثار العالم (لوك) في بحثه عن التفهم أن التعلم يأتي عن طريق الحواس ويجب أن تصاحبه أحاسيس مبهجة وتبعه (روسيه) الذي كان يؤمن بأن التعليم يجب أن يقوم على أساس من القدرات الأساسية للطفل، وكان لهؤلاء الدارسين السبق في توجيه الأنظار نحو موضوع قدرات الأطفال.
لقد كان أهم الأحداث في تاريخ رعاية ضعاف العقول ذلك الذي حدث في سنة 1798 إذ عثر أحد الصيادين على طفل متوحش يعيش في غابة أفيرون بجنوب فرنسا، ونقله إلى باريس حيث لاقى تدريباً واهتماماً واسعاً، وقد تعهده في البداية (بنيل) الذي قرر أنه معتوه ولاتصلح معه أي طريقة أو مساعدة تربوية، وأطلق عليه اسم وحش أفيرون. غير أن أكاديمية العلوم بباريس عهدت به إلى (جان إيتارد) وقد عمل (إيتارد) في صبر، وأحرز بعض التقدم، لكنه مالبث بعد انتهاء العام الأول أن أعد تقريراً أظهر فيه أن الطفل لديه تخلف بجانب كونه لم يتعلم وتوقف عن العمل معه بعد خمس سنوات تقريباً وكان قد توصل إلى تعليمه أشكالاً بسيطة من اللغة وتفهم بعض الكلمات والأشياء. ورغم ماشعر به إيتارد بالأسى لعجزه عن تحويل الطفل إلى طفل متمدين، فإن أكاديمية العلوم اعترفت بأنه قد أسهم إسهاماً فعلياً للمعرفة الإنسانية، وشجعته على إعداد مؤلفه المعروف ((طفل أفيرون الوحشي))The wild boy of Aveyron
وقد تعهد أحد الباحثين ويدعى (إدوارد سيجان) هذا الطفل بالرعاية فاهتم بالقوة الجسمية وتدريب الحواس وتوافق العضلات وابتكر جهازاً لإثارة العضلات، وشجعه هذا التقدم على إنشاء مدرسة خاصة لتربية ضعاف العقول في باريس عام 1837م وكانت هذه أول مدرسة من نوعها في العالم، وبظهور هذه المدرسة ظهرت مشكلة أخرى وهي كيف نحكم على الطفل أنه متخلف عقلياً، لقد كان (سيجان) تلميذاً لـ (جين اسكويورل) الذي كان يفرق بين الخلل العقلي والتخلف العقلي، وكان يعتقد أن القدرة العقلية يمكنها التحسن بالطرق السيكلوجية التي يمكنها أن تبرئ الحواس الضعيفة كما أن التدريب يمكن أن يحدث تقدماً في النواحي المعنوية والتعليمية وغيرها من النواحي الذهنية، وفي خلال أبحاثه استطاع (سيجان) أن يكمل لوحة الأشكال المعروفة باسمه Seguin Foim Board وقد هاجر (سيجان) إلى الولايات المتحدة في عام 1848م حيث أصبح المؤسس الفعلي للعصر الحديث في دراسة المتخلفين عقلياً. وقد درس احتياجات الأطفال وأصبحت طرقه العلمية هي أساس الدراسات في هذا المجال، كما نشر كتابين أحدهما عن العته.
وقد شهد القرن التاسع عشر إنشاء وتوسيع المدارس والمعاهد للمتخلفين عقلياً في الدول المتقدمة وتطورت الاختبارات السيكلوجية التي كان رائدها العالم الفرنسي (الفريد بينيه).
وفي وقتنا الحاضر نجد أن كثيراً من دول العالم النامية قد بدأت في إدخال برامج رعاية المتخلفين وتعليمهم، وفي مصر دخل هذا النوع من التعليم في البلاد وأدخلت برامج الرعاية والتأهيل بعد قيام الثورة. غير أنه لازال في الطريق كثير مما يمكن أن يقدم لهذه الفئة في كل أنحاء العالم، إذ لاتزال بعض الدول المتقدمة كانجلترا تودع هؤلاء في مستشفيات خاصة بهم حيث يوجد في كل مقاطعة مستشفى للمتخلفين، ويصدر بإيداعهم فيها حكم من المحكمة.
لكنهم لم يعودوا بعد مظهراً من مظاهر الخرافة أو الشعوذة أو مساً من الشيطان، وإنما أصبح معروفاً طبيعة التخلف وكيفية دراسة الشخص المتخلف وكيفية مواجهة احتياجاته والعودة به إلى المجتمع مواطناً صالحاً يسهم في بنائه.