المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إجمالي المعاقين بصريا في السعودية يفوق المليون


alnour
09-05-2010, 06:54 AM
أمين عام جمعية «إبصار» الخيرية: إجمالي المعاقين بصريا في السعودية يفوق المليون

قال لـ «الشرق الأوسط» إن لوائح القطاعات في الدولة لم تنصف إلا المبصرين
محمد بلو يتحدث إلى «الشرق الأوسط»
جدة: أمل باقازي
وجبة غذائية على متن طائرة كانت تقله مع جده لأمه، الأديب والشاعر السعودي الراحل طاهر زمخشري، أثناء توجههما إلى تونس، كانت سببا في اختيار محمد توفيق بلو، أمين عام جمعية «إبصار» الخيرية، في مجال الضيافة الجوية، ومن ثم حصوله على وظيفة «طاه جوي» كأول سعودي يعمل في ذلك المجال.

محمد بلو الذي استمر قرابة 13 عاما داخل «الخطوط الجوية السعودية» ما بين مضيف وطاه جوي إلى مدرب للطهاة الجويين، اضطر إلى النزول من سماء الطائرة إلى أرض الإعاقة البصرية بعد أن فقد بصره على خلفية إصابته بالتهاب في قاع العين، قرر من خلالها الخلوص بفكر يستهدف تلك الفئة ليعمل على تأسيس جمعية «إبصار» الخيرية.

وعلى الرغم من محاولاته بهدف العودة إلى «الخطوط الجوية السعودية»، فإنه لم يستطع، حتى بعد أن كان صاحب فكرة مشروع «وجبة الراكب الكفيف» الذي حصدت عبره «الخطوط الجوية السعودية» جائزة عالمية، وذلك بعد بدء تنفيذه في أوائل عام 1992.

«الشرق الأوسط» أجرت مع أمين عام جمعية «إبصار» الخيرية حوارا تحدث فيه عن تجربته المهنية في مجال الطيران قبل الإعاقة، وإجباره على النزول إلى الأرض بعدها، وفيما يلي نص الحوار.

* كيف كانت بداياتك كمضيف وأول سعودي يشغل مهنة «الطاهي الجوي» على متن «الخطوط الجوية السعودية»؟

- بدأت حياتي المهنية كمضيف جوي في «الخطوط السعودية» عام 1980 لمدة خمس سنوات، وبعد ذلك أتيحت لي فرصة الانخراط في عمل منبثق عن مجال الضيافة الجوية، يتمثل في تخصص «طاه جوي» عملت به كأول سعودي في هذه المهنة التي تهدف إلى تقديم الخدمة الفاخرة لركاب الدرجة الأولى في الرحلات الطويلة، وتحديدا رحلات نيويورك.

وتمكنت من الحصول على دورة تدريبية تابعة لـ«الخطوط الاسكندنافية»، لأستمر في عملي كطاه جوي قرابة أربع سنوات، غير أنني اضطررت إلى الإحالة للعمل الأرضي بحكم بدء ضعف البصر لدي.

وبالمناسبة، تمكنت من الحصول على ذلك التخصص بتفوق من بين 13 طاهيا عالميين وعربا كأفضل طاه نموذجي في الطيران عام 1988، إلا أن الظروف لم تشأ أن أستمر في تلك المهنة بحكم إعاقتي.

ولكنني أفتخر لكوني فتحت هذا المجال أمام بقية الشباب السعودي ليستمروا في ممارسة المهنة، ولا سيما أنها عمل متميز للشباب، باعتبارها تدير مئات الملايين من الدولارات في صناعة خدمة الطيران العالمية، فضلا عن كونها واجهة الحركة الصناعية وتستحق الاهتمام من قبل المسؤولين في مجال تدريب الخدمة الجوية وتوعية الشباب السعودي بأن ينخرط فيها لأنها تعتمد على اللمسات الفنية.

* متى بدأ مشوارك مع الإعاقة البصرية؟ وما هي الأسباب وراء فقدانك حاسة البصر؟

- بدأت تظهر الإعاقة لدي منذ أن كنت في الخامسة والعشرين من عمري، وذلك بارتدائي أول نظارة طبية، غير أنني كنت أغيرها كل عام تدريجيا إلى حدة إبصار أقوى إلى درجة أنني وصلت إلى مرحلة صرت أشعر فيها بألم جراء ارتدائي لها، ففضلت رؤية الصور المشوشة على الشعور بذلك الألم الناجم عن تعرضي لحدة إبصار عالية جدا من النظارة.

وبعد ذلك ظهرت علي مجموعة من الأعراض المؤثرة على وظائف الإبصار، الأمر الذي جعلني أبلغ المسؤولين الذين لم يكتشفوا إعاقتي الناتجة عن إصابتي بالتهاب صبغي في قاع العين والعشى الليلي، ومن ثم تم نقلي للعمل كمدرب للطهاة الجويين والخدمة المتخصصة الفندقية الفاخرة لملاحي الدرجة الأولى بعد أن تمت إحالتي للعمل الأرضي لكوني أصبحت غير لائق للعمل في مجال الطيران.

* كم استمرت مدة عملك في «الخطوط الجوية السعودية»؟

- نحو 13 عاما، حققت من خلالها إنجازين أعتبرهما مهمين جدا، أحدهما داخل «الخطوط الجوية»، حيث حاولت من خلال وظيفتي كمضيف كسر فكر كان سائدا آنذاك وهو يدور حول التشكيك في إمكانات المضيف الجوي السعودي ومدى قدرته على منافسة الكفاءات العالمية.

بينما يتمثل الإنجاز الثاني على المستوى العالمي في إدخال مشروع «وجبة الراكب الكفيف»، وذلك بعد أن بدأت في ملاحظة المصاعب التي يواجهها المعاقون بصريا أثناء سفرهم بحكم إعاقتي البصرية التي كانت في بداياتها آنذاك، وكانت «الخطوط الجوية السعودية» حينها تعمل على منافسة ومواكبة تقديم خدمات اجتماعية على متن طائراتها لذوي الاحتياجات الخاصة، ومنهم مرضى السكري وضغط الدم وغيرهم من الذين عادة ما يطلبون خدماتهم أثناء حجزهم كي تحضر لهم مسبقا فيما يختص بالوجبات الغذائية.

* ومن أين انبثقت فكرة مشروع «وجبة الراكب الكفيف»؟

- لفت انتباهي أن بعض الخطوات الإجرائية الذاتية مثل إعادة تنظيم الصينية التي تقدم من قبل «الخطوط» على متن الطائرة لم تكن تخدم ذوي الإعاقات البصرية، مما جعلني أفكر في وسيلة لاستكشاف عدد المسافرين أصحاب الإعاقات البصرية من خلال الحجوزات لكونهم يطلبون خدمات مسبقة، حيث بلغ عددهم عام 1992 نحو 7 آلاف معاق بصري.

ومن المعروف أن تصميم الأطباق في الوجبات المقدمة خلال الرحلات الجوية عادة لا تتلاءم مع المعاقين بصريا، لكونهم لا يرون بالشكل الصحيح، مما يتسبب ذلك في تناثر الطعام عليهم وتعرضهم إلى مواقف محرجة أمام الآخرين، الأمر الذي جعلني أعمل على تقطيع الطعام وتجهيزه للركاب المعاقين بصريا قبل تقديمه لهم بطريقة تسهل عليهم تناوله.

* كيف استطعت تطبيقها على أرض الواقع؟

- في ذلك الوقت، تواصلت مع الدكتور منصور الحسيني الذي كان يشغل منصب مدير تجهيز الطعام وتبنى الفكرة فورا وأخضعناها إلى دراسات إضافية، حيث اجتمعنا بمجموعة من المكفوفين في معهد «النور» أوائل عام 1992، وذلك ضمن نقاش مفتوح فضلت أن أكون فيه عنصرا محايدا بصرف النظر عن كوني أمر بمرحلة انتقالية جديدة في حياتي، واستطعنا بلورة أنظمة ولوائح خدمة الكفيف المسافر التي من أهمها طريقة تقديم الوجبة الغذائية وفق مواصفات ومعايير معينة، إلى جانب إعداد بطاقات السلامة على «طريقة برايل».

وكنت أمر خلال هذه المرحلة بالخطوات النهائية لوجودي على رأس العمل، بعد أن تفاقمت الإعاقة البصرية إلى درجة أنني بدأت أفقد القدرة على القراءة، مما دفع بي إلى افتقاد مهمة وظيفية تمثل جزءا أساسيا في العمل.

* حقق مشروع «وجبة الراكب الكفيف» جائزة عالمية، كيف تم ذلك؟ وما مدى تأثيره على وجودك في «الخطوط السعودية»؟

- حينما فكرت في المشروع لم يخطر ببالي أن تحصد «الخطوط السعودية» أي جائزة عليه، ولا سيما أنني كنت مؤمنا بما أفعله رغم وجود أفراد كانوا يحبطون أفكاري لكونها تستهدف المعاقين بصريا.

ولأول مرة في تاريخ الطيران التجاري يتم تقديم فكرة ذات طابع مسؤولية اجتماعية، الأمر الذي أدى إلى تغيير منظور فكر الطيران التجاري وتوسيعه ليشمل ذلك الجانب باعتباره استهدف آنذاك 7 آلاف كفيف تم حصرهم بالاعتماد على إحصاءات عدد التذاكر المخفضة للمكفوفين، فضلا عن تصميم خدمة خاصة لهم من المطار إلى المطار بأمن وسلامة وأريحية وتمكينهم من رفع الاعتماد الذاتي لديهم، وذلك عام 1992.

وتزامن حصد «الخطوط الجوية السعودية» لجائزة الشرف الكبرى لخدمات التموين على خلفية إطلاقها مشروع «وجبة الراكب الكفيف» مع طي ملفي الوظيفي من قبل الإدارة بعد تدهور حالتي، وعلى أثر ذلك تسلمت خطابا رسميا بعد نحو شهر من إبعادي عن العمل وجهه لي الكابتن أحمد مطر الذي كان مديرا لـ«الخطوط السعودية» آنذاك أبلغني فيه بالجائزة واكتفى بتوجيه الشكر لي، رغم أنني حاولت بكل جهدي العودة للعمل بعد الجائزة من أجل تقديم أفكار كثيرة لخدمة المعاقين بصريا لكوني صاحب حالة وأمتلك الخبرة الكافية لذلك، فإن محاولاتي باءت بالفشل.

ومن المؤسف أن «الخطوط السعودية» في غمرة فوزها بالجائزة غفلت عن الجوانب الإنسانية والاحتياجات الحقيقية للمعاقين بصريا، حتى وإن ترتب عليها إنشاء قسم لخدمة ذوي الاحتياجات الخاصة، إلا أن جانب الشفقة والعاطفة بات يتحكم به، الأمر الذي يجعل الإشكاليات الحقيقية في التعامل مع تلك الفئة قائمة ومستمرة.

* وهل حاولت العمل على تطوير ذلك المشروع بعد إيقافك عن العمل؟

- ما أطمح إليه فعلا هو تطوير «وجبة الراكب الكفيف» إلى مشروع أشمل وأوسع بحيث يكون حلا للعوائق التي تواجه المسافرين بظروفهم المختلفة والخاصة، من التمتع بالوجبات والبرامج الترفيهية والإرشادية داخل كبائن الطائرات، والأهم من ذلك نظم جديدة تحسن من السلامة الجوية عن طريق العناية بالإعاقة من خلال استخدام نظام تباين الألوان وتطوير طرق الكتابات الإرشادية، وإرشادات المسافرين أثناء الكوارث بالاعتماد على الحواس البديلة عن الإبصار، حيث إن حالات الكوارث تعرض جميع المسافرين للإعاقة البصرية بحكم الدخان أو النيران فيضطرون إلى الاعتماد على وسائل أخرى التي يجب على الطائرات أن توفرها، إضافة إلى حالات اختطاف الطائرات وانعدام استكشاف واستطلاع الكبينة أثناء الاختطاف الجوي، وذلك من خلال عين آلية داخل كبائن الطائرات تنقل بالصوت والصورة ما يدور في الكبينة عبر الأقمار الصناعية أو في أي نوع من الإخلال في حالات الكوارث، لا قدر الله، مما يساعد على التعامل مع إنقاذ الركاب بصورة أفضل، وأيضا دراسة ما يدور أو دار في الحوادث ليكون داعما قويا لنظام الصندوق الأسود، وخصوصا أنه أعلن مؤخرا عن انتهاء نظام الصندوق الأسود وذلك لاستحداث نظام جديد يقوم بنقل تسجيلات الطائرات وما يدور فيها خلال الحوادث.

* من المؤكد أن فقدانك بصرك بطريقة مفاجئة كان له تأثير على مسار حياتك بشكل عام، كيف استطعت التغلب على الفروقات بين وضعك قبل وبعد الإعاقة؟

- في بداية الأمر، تزوجت عام 1985 منذ بدء أعراض الإعاقة البصرية بامرأة أميركية ورزقت منها بمولودين هما ثمرة زواجي المستمر حتى الآن، وما زلت أتذكر ليلة خروجي مع زوجتي من قاعة الزواج في جدة، إذ إنني لم أكن أستطيع قيادة السيارة بمفردي، غير أن زوجتي كانت تمسك بمقود المركبة نيابة عني لأكمل القيادة بالدواسات، واستمر بي هذا الحال قرابة عامين.

ومن هنا أيقنت بضرورة النظرة بفكر أكبر وأعم وأشمل حول قيادة المرأة للسيارة ليس للجانب الترفيهي واللحاق بالحضارة العصرية، وإنما الاحتياج الإنساني والاقتصادي يفرض ذلك، وخصوصا أننا أوجدنا حتى الآن ما لا يقل عن مليون مقيم بجميع تكلفتهم الاقتصادية وما يترتب عليه من تسريب للدخل، وذلك نتيجة تغليب الاحتياجات العرفية والاجتماعية على الاحتياج الاقتصادي، إذ لا بد من الموازنة في ذلك الأمر.

* وماذا عن حياتك المهنية؟

- بالنسبة إلى حياتي المهنية، كنت ألاحظ حينها أن خبرتي بدأت تتجه نحو الجمود إلى حد ما باعتباري لن أستطيع العمل على متن الطائرة، مما خلق عندي نوعا من الرتابة أصبحت على أثرها أطالب باستحداث أنظمة تتناسب مع المعاقين بصريا في مجال السفر، إلى جانب أن إعاقتي البصرية كانت عائقا حرمني من المطالبة بترقيات وظيفية، غير أنه في الوقت نفسه بات لدي تحد كبير لكوني سأواجه وضعا جديدا وغريبا.

وخلال السنوات الأربع التي عملت فيها كمدرب طهاة بدأت تظهر لدي أعراض الإعاقة بشكل واضح، متضمنة صعوبة التعرف على وجوه الآخرين إلا عن قرب، وعدم القدرة على الرؤية داخل الطائرة أو في الظلام بكفاءة عالية، ورغم ذلك لم أبلغ أحدا بتلك الأعراض إلى أن زرت إسبانيا بصفة شخصية وتأكدت أنني أعاني من حالة خلقية تؤدي إلى العمى تدريجيا.

ومن هنا بدأت مطالباتي ببعض الحقوق، خصوصا بعد أن عرفت مدى حالتي الصحية وما تتطلبه من أجهزة بصرية تحل لي بعض المشكلات، غير أن تلك الأجهزة كانت مكلفة ومن المعروف أن التأمين الطبي التجاري لا يستوعب الأدوات المساعدة والتقنيات.

* كيف علمت إدارتك بإعاقتك البصرية بعد ذلك؟

- أبلغت المسؤولين بحالتي وفق النظام، إلا أن تلك الإجراءات الذاتية كانت لها جملة من الآثار السلبية حينما علموا بما لدي من عجز بصري قابل للتدهور، حيث صدرت توصية من اللجنة المسؤولة آنذاك تقول فيها «عاجز عن العمل قطعيا ونهائيا ويعامل حسب النظام».

وفي غضون 48 ساعة من صدور تلك التوصية أصبحت بلا عمل، وحاولت إيقاف القرار لكونه صدر في ذروة علمي بمجال التدريب الجوي، إلا أنني فوجئت بعد ذلك بصدور قرار طي ملفي الوظيفي.

* وما هو تأثير هذا القرار على حياتك الأسرية؟

- في اليوم الذي أوقفت عن العمل فيه رزقت بمولود بعد انتظار دام سبع سنوات، حيث ذهبت بزوجتي إلى المستشفى ولكن فوجئت بأنني لم أعد أمتلك تأمينا طبيا، فضلا عن أن المولود كان يعاني من مشكلات في القلب، غير أنني استطعت الحصول على أمر ملكي بعلاجه في الخارج دون أن تتحمل «الخطوط السعودية» مسؤولية أي شيء مطلقا.

ومن المفارقات العجيبة أن إيقافي عن العمل كان يوافق اليوم العالمي للعصا البيضاء في الولايات المتحدة الأميركية الذي يستهدف المعاقين بصريا، في ذلك اليوم أحلت إلى التقاعد المبكر ولم أتجاوز الخامسة والثلاثين من عمري، مما أدى إلى انخفاض دخلي المادي في غضون 48 ساعة إلى ثلث الراتب الأساسي، أي بنسبة 75 في المائة، رغم أن العاجز طبيا في حاجة إلى خدمات كثيرة من المفترض أن تراعيها المنشأة عند إقصائه عن عمله.

* ذكرت أنك حاولت مرارا العودة إلى العمل في «الخطوط الجوية السعودية» بعد صدور قرار إيقافك عن العمل وإحالتك إلى التقاعد المبكر، كم استمرت تلك المحاولات؟ وما هي نتائجها؟

- بعد إيقافي عن العمل بنحو شهر واحد حققت «الخطوط السعودية» جائزتها على مشروع «وجبة الراكب الكفيف»، فواصلت محاولاتي للعودة على مدى أربع سنوات متواصلة، إلا أنني حينما فقدت الأمل تركت المشروع خلفي بعد أن تأكدت من أن المشكلة تكمن في وعي المجتمع بأكمله، وبدأت في التوجه نحو مشروع يخدم فئة المعاقين بصريا وهو إنشاء جمعية «إبصار» الخيرية.

ومن المؤسف أن الكثير من الناس لم يستوعب حجم صعوبة تنازلي عن مهنتي كمدرب طهاة جويين محترف، والآن أكملت ما يقارب 15 عاما منذ تركي العمل في «الخطوط السعودية».

* 13 عاما قضيتها ما بين مضيف جوي ومدرب للطهاة في «الخطوط السعودية»، ما هو أثر تلك التجربة على حياتك؟

- خرجت في السنتين الأوليين بخبرة عالية، حيث إنني كنت أطير بمعدل ثلاث رحلات شهرية إلى نيويورك، وتدربت في جزئية معينة تمرست عليها وبدأت أحتك بشكل عالمي، مما أدى إلى تنامي خبراتي المختلفة حول الآخرين.

كما استطعت من خلال رحلاتي قبل الإعاقة تنمية قدرات أخرى كالموسيقى والفنون وغيرها، حيث إنني كنت أعيش في مجتمع فني مفتوح، فضلا عن وجود تبادل ثقافي ثري إلى درجة أن بعض الناس أسلموا على يدي.

وفي الوقت نفسه كنت دائما أحرص على أن أكون سفيرا لبلدي بين المجتمع الأميركي من دون تكليف رسمي من أحد، وهذه المنافسة جعلتني في مكان كنت أفتخر فيه لكوني بدأت أتعرف على المجتمعات المتقدمة، إضافة إلى كمية الإثراء الثقافي من السفر بحكم عملي كمضيف جوي، كل ذلك صنع لي قوة في داخلي.

وما حصلت عليه من مكانة نتيجة عملي ولدت لدي صعوبة في التنازل عنها، حيث إن خروجي من الطائرة يعني لي الهبوط من السحاب، ومن حلم يقظة إلى واقع مشكلة الإبصار.

وبحكم عملي داخل الدرجة الأولى فقط صنع لي هذا نوعا من الجذب ولفت الانتباه، ولا سيما أن موقعي في الطائرة كان مقتصرا على شريحة معينة من المجتمع، سواء رجال أعمال أو نخبة، فساعات السفر الطويلة تتيح مجالا لفتح الحوارات مع تلك الشرائح.

* بشكل عام، ما هي أبرز الصعوبات التي يواجهها أصحاب الإعاقة البصرية في السعودية؟

- الأفراد الذين يصابون بإعاقة بصرية وهم على رأس العمل، في حاجة إلى إعادة تأهيل وتوفير التقنيات المساندة وتقديم الإرشادات النفسية والاجتماعية، وذلك تفاديا للتعرض إلى انعكاسات سلبية تدخلهم في مرحلة الإحباط.

وفي أواخر عملي بـ«الخطوط السعودية» استطعت التوصل إلى بعض المطالبات التي طالب بها مجموعة من المكفوفين التابعين لمعهد «النور» فيما يخص السفر، الذين كانوا يفضلون السفر بالطائرة دون إبلاغ «الخطوط» بإعاقتهم، وذلك لتركهم يتصرفون بطريقة طبيعية في ظل نقص الوعي حول كيفية التعامل مع فاقد البصر.

ومن المؤسف فعلا أن موظف «الخطوط» في حال استقباله كفيفا، فإنه يسلمه إلى أحد عمال النظافة الذي يقوم بدوره بالتحكم في حركته على متن الطائرة، مما يشعر الكفيف بأنه سجين لا يستطيع حتى القيام من مقعده.

بالإضافة إلى أن فاقد البصر هو آخر شخص يصعد على متن الطائرة أثناء سفره والأخير أيضا عند مغادرته لها، إلا أنه من غير المنطقي أن يكون صاحب الإعاقة بعيدا عن مخرج الطوارئ، حيث إنه في حال حدوث أي مشكلة فإن أصحاب الإعاقات سيعوقون حركة الإخلاء التي لا بد أن تتم في غضون 90 ثانية فقط، لذلك من الواجب على الجهات المعنية إزالة جميع العوائق أمام تلك الفئة في كل مكان.

كما أنه لا بد من تخصيص شعار يتم وضعه على أمتعة الكفيف كي يسهل الوصول إليها من قبل العمال القائمين على خدمة المكفوفين المسافرين.

ومن السلبيات التي لا بد من التنبه لها، منع بعض الطائرات إدخال عصي المكفوفين باعتبارها تصنف من ضمن الآلات الحادة، إلا أنها تساعدهم على الحركة.

وبشكل عام، فإن المعاقين بصريا في حاجة إلى دمج سليم لهم في المجتمع، حيث إنهم يرفضون استثناءهم من صفوف الأسوياء في القطاعات كافة، وتقديم الخدمات لهم بالشكل المطلوب أيضا.

* وماذا عن تأهيل الأماكن والمرافق العامة كي تتلاءم مع ذوي الإعاقات البصرية؟

- من المفترض الاهتمام بتحسين جودة أمور كثيرة في الأماكن والمرافق العامة التي من شأنها أن تساعد الكفيف على التعايش مع إعاقته، من بينها رداءة الجانب الصوتي في إعلانات تلك الأماكن وعدم الاهتمام بكتابة اللوحات الموجودة فيها، إضافة إلى أن غالبية المحلات العامة والمرافق يتم تزيين أرضياتها بالرخام، الذي يعد مادة مشعة تصدر منها انعكاسات تؤثر على حدة الرؤية وتنقص منها، حيث إن نسبة الإبصار لدى الشخص السليم تنخفض قليلا إذا ما وجد في مثل تلك الأماكن، وبالتالي فإنها تؤثر سلبا على ضعاف البصر.

وبحسب الإحصاءات، فإن نحو 30 في المائة من سكان السعودية مصابون بداء السكري، ومن المؤكد علميا أن ما بين 2 إلى 3 في المائة منهم يصابون بالعمى، وهناك أيضا الذين يعيشون الأعراض المبدئية من تشويش للرؤية وعدم وضوحها قبل أن يفقدوا بصرهم بالكامل، الأمر الذي يحتم ضرورة الاعتماد على التسهيلات والعلوم الحديثة في إنشاء الأماكن والمرافق العامة.

* هل ترى وجود مراعاة من قبل الأنظمة واللوائح الموضوعة في مختلف قطاعات الدولة لأصحاب الإعاقات البصرية؟

- إن الأنظمة واللوائح في العمل بجميع القطاعات، سواء حكومية أو خاصة، تستوعب المعاق الذي فقد بصره منذ بداية حياته، إلا أنها لا تستوعب المبصر حينما يفقد بصره وهو على رأس العمل، وإنما يصنف كعاجز عن العمل، وذلك يعتبر تناقضا كبيرا.

حتى أنظمة مكتب العمل والعمال لم تراع الحفاظ على تسريب العاملين الذين يتسربون على خلفية أمراضهم والمشكلات الصحية والإعاقات التي يتعرضون لها بشكل مفاجئ، رغم أنهم قد يكونون أصحاب خبرات قوية، غير أن الأنظمة لا تراعي ذلك.

* ما هو تقييمك لمستوى الإعاقة البصرية بالسعودية في ظل غياب الإحصاءات والبحث العلمي الدقيق حول ذلك؟

- بشكل عام، للبحث عن إحصاءات رقمية حول الإعاقات البصرية، فإن المراجع الأقرب للواقع توجد في منظمة الصحة العالمية أو الوكالة الدولية لمكافحة العمى أو المكتب الإقليمي لشرق المتوسط، غير أن واقع الحال دون أي مسح علمي يقول إن الرقم المعلن هو 159 ألف كفيف في السعودية.

ولكنني أكاد أجزم بأن إجمالي المعاقين بصريا في السعودية ما بين مكفوفين وضعاف بصر ومن يعاني من عيوب انكسارية قد لا يحصلون على الخدمة لبعد قراهم وسكنهم عن مواقع خدمة طب العيون، يفوق المليون، وذلك على أساس وجود 30 في المائة من السكان مصابين بداء السكري، فضلا عن أن ما يقارب 66 في المائة من سكان المملكة تحت سن 60 سنة يعانون من ضعف البصر نتيجة الشيخوخة وكبر السن، في حين أن أقل من نصف في المائة فوق سن 60 عاما مصابون بشيخوخة العين ولا يجدون الخدمة في الوقت المناسب، لتكون نسبة حدة الإبصار لديهم ذات فاعلية عالية من أجل توظيفها في حياتهم اليومية، إلى جانب أن نسبة زواج الأقارب ما زالت كثيرة مما ينتج عنه أمراض وراثية في العين، ويمثلون على الحد الأدنى ما لا يقل عن 2 في المائة من سكان السعودية، إضافة إلى أن حوادث الطرق والسير تؤدي إلى الإعاقات البصرية، فضلا عن العيوب الخلقية التي قد يصاب بها المواليد منذ الولادة.

ولن أبالغ إذا ما قلت بأن مستوى الخدمات المقدمة لذوي الإعاقات البصرية في السعودية مساو لمستوى كرة القدم لدينا مقارنة بالدول الأوروبية المتقدمة.

كما أن هناك تفاوتا في التنسيق والتعامل بين الجهات التي تخدم المعاقين بصريا، فهي تحتاج إلى المزيد من التواصل والتعامل للعمل بانسجام بهدف تقليص الفجوة ما بين وزارات الشؤون الاجتماعية والتربية والتعليم والصحة والجهات الخدمية الأخرى، والأمل معقود على اللجنة الوطنية لمكافحة العمى التي تضم جميع القطاعات الحكومية التي يحتاج الكفيف إلى أي خدمة من خدماتها.