زهرة الشمال
08-14-2010, 09:39 PM
عندما تصبح الطفولة مجرد بضاعة جنسية!
"كانت كلمة تجارة هي الغالبة على حديثنا اليوم". بهذه العبارة لخصت البرلمانية السويسرية روث- جابي فيرموت أعمال اليوم الثاني من مؤتمر دولي ُعقد يومي الخميس والجمعة في كانتون سولوثورن. أما الحديث الذي قصدته فهو الترويج لصور خليعة للأطفال على شبكة الإنترنت.
"أريدكم أن تقنعوني. أين المشكلة في رجل يجلس في بيته أمام الكمبيوتر ويُركب صوراً خليعة للأطفال؟" كان هذا هو السؤال الأساسي الذي طرحه رئيس لجنة برلمانية قانونية على مكتب المدعي العام البريطاني.
أما مبرر السؤال فكان المقترح الذي طالب به مكتب الأخير عام 1994، ودعا فيه إلى تعديل القانون الجنائي ليشمل بندا يمنع صنع وتركيب صورا خليعة للأطفال حتى إذا لم يتعرضوا لاستغلال جنسي.
أراد اللورد بالسؤال أن يضع إصبعه على لب قضية "شكسبير" التي أثارت الرأي العام البريطاني منذ عام 1992. هل يمكن عقاب رجلا ركب صوراً لابنة زوجته، التي لازالت في طور الطفولة، وأظهرها في أوضاع جنسية مخلة؟
لم ينتهك ماكويل شكسبير، الذي ُقبض عليه بعد أن أبلغت عنه زوجته، طفولة الصغيرة. هذا أمر أثبتته التحقيقات المتواصلة والفحوص النفسية التي أجرتها الشرطة. لكنه دأب على إنتاج تلك الصور لها بصورة متواصلة. ولأنه لم يستغلها جنسيا تبنى محامي الدفاع خطاً واضحاً في المحكمة، مادام الأمر لم يشمل فعلاً أو انتهاكا جنسيا ماديا فأين المشكلة؟ نفس السؤال الذي طرحه رئيس اللجنة البرلمانية. لكن إثارة السؤال في حد ذاته تبرز أن هناك بالفعل مشكلة.
"مجتمع منحرف"
"من التبسيط بمكان أن نعتقد أن المروجين للصور الخليعة للأطفال هم جماعة فريدة شاذة بيننا". شددت الدكتورة إيثل كوايل، أستاذة علم النفس التطبيقي بجامعة كورك بأيرلندا، في محاضرتها "الطفولة، الجنس، والصور الخليعة: ردة الفعل المنحرفة للمجتمع الغربي"، التي ألقتها في اليوم الثاني من مؤتمر سولوثورن.
وفقا لوجهة نظر الدكتور إيثل كويل فإن الاستغلال الجنسي للأطفال والترويج لصورهم الخليعة يُعبر عن تغيير اجتماعي شامل مرت به المجتمعات الغربية:"ألا يبدو من التناقض أن يعمد مجتمعنا إلى الترويج لصورة جنسية مغرية للأطفال من خلال الإعلانات والأفلام السينمائية، وينظر في الوقت ذاته بعين الغضب والرفض لمن يستغلهم جنسيا؟"
بنفس السياق يحمل السؤال الذي طرحه رئيس اللجنة البرلمانية القانونية البريطانية بذور التناقض في ذاته. فهل تتعلق المسألة بصور خليعة لأطفال أم أنها تتصل جوهريا بحد فاصل بين قيم ثابتة؟ ثم هل يمكن القبول بتشويه متعمد لصورة الطفولة تصل إلى حد إمساك طفل رضيع لعضو ذكري والتغاضي عنها بدعوى "أنها لا تشمل انتهاكا ماديا للطفل"؟ كأن المسألة مادية بحتة لا تتعلق بكيان طفولي له حرمته.
صور مركبة رائجة.. وثقافة استهلاك طاغية
يزيد من تعقيد النقاش الدائر أن معظم الصور التي يتم تداولها على الإنترنت مركبة لا تتضمن أطفالا يتم استغلالهم فعليا. أكد على هذا الأمر المفتش البريطاني ستيفان كويك الذي شارك في التحقيق في قضية "شكسبير"، والذي أدار حلقة نقاش في مؤتمر سولوثورن بعنوان "صور خليعة افتراضية للأطفال".
حيث أدت التقنيات الحديثة التي مكنت من صنع صور خليعة للأطفال إلى زيادة مهولة في عددها. قبل ظهور الإنترنت، كان عدد الصور الخليعة للأطفال، التي تصادرها الشرطة في مدينة كبيرة خلال عام واحد، لا يزيد عن 10 إلى 12 صورة. أما اليوم فإن بامكان شخص واحد من مقتني تلك الصور ان يحوز على اكثر من 200.000 صورة!
وبسبب تلك المقدرة والإقبال الواضح على تلك الصور، اصبح بالإمكان شراء وبيع تلك الصور ببطاقات الائتمان البنكية عبر مواقع إنترنت سرية. لا تبدو الدكتورة كويل مندهشة من ذلك الإقبال. ففي دوامة تجارة الجنس "الشرعي" أصبح من الصعب إرضاء المستهلك من كثرة المعروض عليه:"وصل الأمر أن البعض يشتكي من صعوبة استثارتهم، حتى أنهم لجاءوا إلى خلق مشاهد جنسية مع موتي!"
ولأن المسألة تتعلق بإنتاجٍ واستهلاك سريع، اصبح من الضروري البحث عن أي طريقة للاستثارة السريعة. كانت الصور الخليعة للأطفال إحداها:"أصبحت صور الأطفال الجنسية تُقيم وُتثمن طبقا لمدى ندرتها وقسوتها". فكلما أزداد مقدار الوحشية في التعامل مع الطفل في الصورة كلما أزداد ثمنها. فالعبرة في النهاية، في مدى قدرة الصورة على خلق الاستثارة.
نصر قانوني ... ونكسة مقابلة
"يبدو التناقض القائم في مجتمعنا واضحا مع اقتناعنا بفكرة أن صور الاستغلال الجنسي هي أقل ضررا من فعل الاستغلال نفسه" تقول الدكتورة كويل. لكن، لأن صناعة الصور الخليعة للأطفال، بغض النظر عن طبيعتها، تساهم في خلق بيئة تشجع فعليا على الاعتداء على الأطفال جنسيا، كان من اللازم حظرها قانونا.
بهذا المنطق تمّكن مكتب المدعي العام عام 1994 من إقناع البرلمان البريطاني بتعديل القانون العقابي القائم، وإدراج بند يحظر حيازة صور الأطفال الممركبة.
مقابل هذا النصر القانوني لجهود دعاة حماية الطفولة، وجهت المحكمة الدستورية الأمريكية لطمة معاكسة قوية في شهر أبريل من العام الجاري. فقد أصدرت قرارا يلغي حظرا فدراليا يعود تاريخه إلى عام 1996على صناعة صور الأطفال الخليعة المركبة. لماذا؟ بررت المحكمة قرارها قائلة:"إن القانون الفدرالي تمت صياغته بصورة عامة لن تؤدي فقط إلى منع صور قد تسئ إلى الأطفال بل إلى كبت أراء سياسية وإبداعية شرعية"!
إلهام مانع - سولوثورن
"كانت كلمة تجارة هي الغالبة على حديثنا اليوم". بهذه العبارة لخصت البرلمانية السويسرية روث- جابي فيرموت أعمال اليوم الثاني من مؤتمر دولي ُعقد يومي الخميس والجمعة في كانتون سولوثورن. أما الحديث الذي قصدته فهو الترويج لصور خليعة للأطفال على شبكة الإنترنت.
"أريدكم أن تقنعوني. أين المشكلة في رجل يجلس في بيته أمام الكمبيوتر ويُركب صوراً خليعة للأطفال؟" كان هذا هو السؤال الأساسي الذي طرحه رئيس لجنة برلمانية قانونية على مكتب المدعي العام البريطاني.
أما مبرر السؤال فكان المقترح الذي طالب به مكتب الأخير عام 1994، ودعا فيه إلى تعديل القانون الجنائي ليشمل بندا يمنع صنع وتركيب صورا خليعة للأطفال حتى إذا لم يتعرضوا لاستغلال جنسي.
أراد اللورد بالسؤال أن يضع إصبعه على لب قضية "شكسبير" التي أثارت الرأي العام البريطاني منذ عام 1992. هل يمكن عقاب رجلا ركب صوراً لابنة زوجته، التي لازالت في طور الطفولة، وأظهرها في أوضاع جنسية مخلة؟
لم ينتهك ماكويل شكسبير، الذي ُقبض عليه بعد أن أبلغت عنه زوجته، طفولة الصغيرة. هذا أمر أثبتته التحقيقات المتواصلة والفحوص النفسية التي أجرتها الشرطة. لكنه دأب على إنتاج تلك الصور لها بصورة متواصلة. ولأنه لم يستغلها جنسيا تبنى محامي الدفاع خطاً واضحاً في المحكمة، مادام الأمر لم يشمل فعلاً أو انتهاكا جنسيا ماديا فأين المشكلة؟ نفس السؤال الذي طرحه رئيس اللجنة البرلمانية. لكن إثارة السؤال في حد ذاته تبرز أن هناك بالفعل مشكلة.
"مجتمع منحرف"
"من التبسيط بمكان أن نعتقد أن المروجين للصور الخليعة للأطفال هم جماعة فريدة شاذة بيننا". شددت الدكتورة إيثل كوايل، أستاذة علم النفس التطبيقي بجامعة كورك بأيرلندا، في محاضرتها "الطفولة، الجنس، والصور الخليعة: ردة الفعل المنحرفة للمجتمع الغربي"، التي ألقتها في اليوم الثاني من مؤتمر سولوثورن.
وفقا لوجهة نظر الدكتور إيثل كويل فإن الاستغلال الجنسي للأطفال والترويج لصورهم الخليعة يُعبر عن تغيير اجتماعي شامل مرت به المجتمعات الغربية:"ألا يبدو من التناقض أن يعمد مجتمعنا إلى الترويج لصورة جنسية مغرية للأطفال من خلال الإعلانات والأفلام السينمائية، وينظر في الوقت ذاته بعين الغضب والرفض لمن يستغلهم جنسيا؟"
بنفس السياق يحمل السؤال الذي طرحه رئيس اللجنة البرلمانية القانونية البريطانية بذور التناقض في ذاته. فهل تتعلق المسألة بصور خليعة لأطفال أم أنها تتصل جوهريا بحد فاصل بين قيم ثابتة؟ ثم هل يمكن القبول بتشويه متعمد لصورة الطفولة تصل إلى حد إمساك طفل رضيع لعضو ذكري والتغاضي عنها بدعوى "أنها لا تشمل انتهاكا ماديا للطفل"؟ كأن المسألة مادية بحتة لا تتعلق بكيان طفولي له حرمته.
صور مركبة رائجة.. وثقافة استهلاك طاغية
يزيد من تعقيد النقاش الدائر أن معظم الصور التي يتم تداولها على الإنترنت مركبة لا تتضمن أطفالا يتم استغلالهم فعليا. أكد على هذا الأمر المفتش البريطاني ستيفان كويك الذي شارك في التحقيق في قضية "شكسبير"، والذي أدار حلقة نقاش في مؤتمر سولوثورن بعنوان "صور خليعة افتراضية للأطفال".
حيث أدت التقنيات الحديثة التي مكنت من صنع صور خليعة للأطفال إلى زيادة مهولة في عددها. قبل ظهور الإنترنت، كان عدد الصور الخليعة للأطفال، التي تصادرها الشرطة في مدينة كبيرة خلال عام واحد، لا يزيد عن 10 إلى 12 صورة. أما اليوم فإن بامكان شخص واحد من مقتني تلك الصور ان يحوز على اكثر من 200.000 صورة!
وبسبب تلك المقدرة والإقبال الواضح على تلك الصور، اصبح بالإمكان شراء وبيع تلك الصور ببطاقات الائتمان البنكية عبر مواقع إنترنت سرية. لا تبدو الدكتورة كويل مندهشة من ذلك الإقبال. ففي دوامة تجارة الجنس "الشرعي" أصبح من الصعب إرضاء المستهلك من كثرة المعروض عليه:"وصل الأمر أن البعض يشتكي من صعوبة استثارتهم، حتى أنهم لجاءوا إلى خلق مشاهد جنسية مع موتي!"
ولأن المسألة تتعلق بإنتاجٍ واستهلاك سريع، اصبح من الضروري البحث عن أي طريقة للاستثارة السريعة. كانت الصور الخليعة للأطفال إحداها:"أصبحت صور الأطفال الجنسية تُقيم وُتثمن طبقا لمدى ندرتها وقسوتها". فكلما أزداد مقدار الوحشية في التعامل مع الطفل في الصورة كلما أزداد ثمنها. فالعبرة في النهاية، في مدى قدرة الصورة على خلق الاستثارة.
نصر قانوني ... ونكسة مقابلة
"يبدو التناقض القائم في مجتمعنا واضحا مع اقتناعنا بفكرة أن صور الاستغلال الجنسي هي أقل ضررا من فعل الاستغلال نفسه" تقول الدكتورة كويل. لكن، لأن صناعة الصور الخليعة للأطفال، بغض النظر عن طبيعتها، تساهم في خلق بيئة تشجع فعليا على الاعتداء على الأطفال جنسيا، كان من اللازم حظرها قانونا.
بهذا المنطق تمّكن مكتب المدعي العام عام 1994 من إقناع البرلمان البريطاني بتعديل القانون العقابي القائم، وإدراج بند يحظر حيازة صور الأطفال الممركبة.
مقابل هذا النصر القانوني لجهود دعاة حماية الطفولة، وجهت المحكمة الدستورية الأمريكية لطمة معاكسة قوية في شهر أبريل من العام الجاري. فقد أصدرت قرارا يلغي حظرا فدراليا يعود تاريخه إلى عام 1996على صناعة صور الأطفال الخليعة المركبة. لماذا؟ بررت المحكمة قرارها قائلة:"إن القانون الفدرالي تمت صياغته بصورة عامة لن تؤدي فقط إلى منع صور قد تسئ إلى الأطفال بل إلى كبت أراء سياسية وإبداعية شرعية"!
إلهام مانع - سولوثورن