زهرة الشمال
08-02-2010, 01:21 AM
تاملاتي الفكرية كانسان معاق
المهدي مالك
mehdi1983k@gmail.com
مقدمة
يخلد المعاق المغربي اليوم 3 دجنبر يومه العالمي بكل فخر و اعتزاز , هذه المناسبة جعلتني افكر في التطرق الى اهم مراحل مساري الشخصي كمعاق و هدفي من هذا الموضوع هو جعل قارئ هذا الكتاب يكتشف المعانات الحقيقية التي يعيشها المعاق المغربي من خلال تجربتي المتواضعة بحيث انني عرفت مجموعة من المصطلحات السائدة في مجتمعنا الغير الواعي لكن المعاق انسان له عقل و كرامة , يستطيع بدوره ان يساهم في بناء بلده على اسس الديمقراطية و التعدد الثقافي و اللغوي.
و قبل الدخول في صلب هذا الموضوع التعريفي لا بد من الاشارة بانني لا امشي على الاقدام و لا اتكلم و لا آكل لوحدي بل احتاج دائما الى المساعدة.
و ابدا من البداية فولدت في يوم 28 مارس 1983 في مدينة الدار البيضاء و كانت امي الحبيبة قد تزوجت مبكرا من ابي الحبيب و كانت في فترة الحمل تذهب معه الى طبيبة ذات اصول يهودية و اقول ربما فعلت الكثير من الاخطاء القاتلة عن قصد او بدون قصد و شخصيا لست اعادي اليهود لانهم اخواننا في هذا الوطن المتميز بتعدده الثقافي و الديني.
و باختصار شديد امي و ابي تعدبوا كثيرا بحيث كنت ابكي طوال الوقت و كنت لا اجلس و لا ارضع من ثدي امي و كنت دائما مريضا و دائما عند الطبيب كوسطا) المتوفي . ابي كانسان واعي حاول دائما ان يجد حلولا قصد جعلي امشي و اتكلم كايها الناس و ادرك منذ البداية انني انسان بامكانه ان يتعلم القراءة و الكتابة
عكس التخلف بانواعه المختلفة و خصوصا القروي منه و الذي ساتطرق اليه لاحقا في هذا الموضوع الطويل.
و ادا كانت الام هي رمز الحنان و العطف فامي هي رمز التضحية و الرعاية منذ الولادة الى يومنا هذا حيث حملتني على ظهرها منذ الولادة الى حين اصبحت ثقيلا عليها تعطيني الاكل و الشراب منذ ان فتحت عيناي على هذه الدنيا الى اليوم . علمتني "اوال امازيغ" بكل ابعاده اللغوية و التربوية و النضالية فالمرأة الامازيغية ستبقى رمزا للهوية الامازيغية و ستبقى تسمى بتامغارت ؤورغ التي تعلمنا دائما قيم الشرف و العفاف و الدفاع عن مقدساتنا الحقيقية و مهما قلت حول امي الغالية فلن استطيع ان اشكرها على مجهودها الذي جعلني في هذا المستوى و كذلك ابي الذي رباني على القراءة و الصراحة و على احترام تقاليدنا
الخصوصية كمجتمع مسلم و لم يحبسني في البيت بل فتح علي افاق العلم و الفكر و مهما قلت حول ابي الغالي فلن استطيع ان اشكره على اصراره الدائم على جعلي شيئا ذا قيمة في هذه الحياة .
و في مرحلة طفولتي كنت لا اذهب الى المرحاض لوحدي بل بمساعدة امي او احد افراد الاسرة و كنت لا افهم الا لغتي الام فتعلمت العربية و الفرنسية عن طريق التلفزة و خصوصا برامج الاطفال اذ كنت العب مع اختي مريم او مع اخي ياسين الحبيبان و للاشارة فقط فاننا انتقلنا للعيش في مديننة اكادير في صيف سنة 1992 و كان يصادف هذا الانتقال عيد الاضحى المبارك .
في سنة 1994 بدات الترويض الطبي في مستشفى الحسن الثاني و كانت امي تتابع معي حصص الترويض في البيت و للاشارة فقط فانني كنت افعل الترويض قبل هذا التاريخ في مدينة الدار البيضاء.
و كما بدات تقويم النطق مع السيد بعودا الوحيد في مدينة اكادير و كان عمي حماد الموقر ياخذني اليهما و اشكره على ذلك . في سنة 1995 كان ياتي شخص يدعى مصطفى من المستشفى الى البيت قصد الترويض.
و في سنة 1996 اسست اول مؤسسة خاصة بالاطفال المعاقين من طرف سيدة فرنسية تدعى السيدة بصي و لها فضل كبير على المعاقين بالمدينة عموما و علي خصوصا و في هذه المناسبة اشكرها جزيل الشكر على عملها الدائم معي.
و كانت هذه السيدة العظيمة تعمل سابقا في مستشفى الحسن الثاني بطب الاطفال . تلك المؤسسة كانت تسمى بالوردة الرملية و كنت اول طفل في تاريخها . ما زلت اتذكر اول يوم دخلت فيه اليها. كنت سعيدا و كان يوم الجمعة 5 رمضان الموافق ل 24 يناير 1996.
و استطيع القول بان هذه المرحلة شكلت بالنسبة لي بداية لتعلم القراءة و هذا الفضل يرجع الى معلمتي الاولى امينة كدالي التي علمتني المبادئ الاولى للقراءة باللغة العربية و اشكرها على ذلك و كما اشكر الاستاذ اكساب الذي يعد اول استاذ لي في اللغة العربية و للاشارة بانني لا اتكلم و بالتالي فطريقة تعليمي هي طريقة خاصة.
و على صعيد الترويض الطبي حققت تقدما نوعيا في فترة ما بحيث كنت امشي 15 مترا لكني اعترف باني فقدت الامل لاسباب كثيرة و منها ما هو ذاتي.
و اكتشفت في هذه المرحلة مجموعة من المشاكل مع بعض المربيات و اعترف بانني كنت طفلا يتعصب كثيرا و هذا يعد شيئا عاديا بالنسبة لاي طفل معاق او عادي لكن بعض المربيات فعلن اشياءا معي لا تتناسب مع هذا الميدان التربوي الهادف الى ترسيخ الاخلاق الحميدة . الانسان احيانا يخطئ و لكن الانسان الذي لم يعترف باخطاءه جبان و انني كانسان فعلت الكثير من الاخطاء في حياتي القصيرة و الذي لا يفعل الاخطاء هو خالق الكون و انبياءه الكرام فقط .
و نعود الى موضوعنا. في صيف سنة 1999 سافرت مع صديقي و معلمي السيد الصمدي الى العاصمة الفرنسية باريس قصد التكوين باحد المراكز الخاصة بالمعاقين . فالسيد الصمدي هو الذي علمني التاريخ الرسمي و تعلمون ماذا اقصد و كما علمني التربية الاسلامية و اشكره على ذلك.
و كما نعلم فالدولة الفرنسية اعطت اهتماما كبيرا لهذه الفئة من مجتمعها الواعي بضرورة ادماج هذه الفئة في المجتمع و في مسارات التنمية البشرية .المعاق هناك يتمتع بكامل حقوقه المتعددة و من بينها الولوجيات التي تعد اساسية في بناء اية ادارة او مستشفى او مكان عام .
و خلاصة القول انني استفدت من هذا السفر المفيد و الرائع في نفس الوقت اذ رجعنا الى الوطن الحبيب مع مشروع عمل خاص بي فحدث امر لم اكن اتوقعه بحيث قررت السيدة بصي اغلاق مؤسسة الوردة الرملية لاسباب مادية بالاساس بحيث ان هذه الاخيرة كانت تعتمد على مداخيل الاباء او بعض المساعدات لا غير. قررت اذن جمعية اباء و اصدقاء الاطفال المعاقين ذهنيا بسوس التي اسست في سنة 1995 من طرف اباء المعاقين و من بينهم ابي الحبيب ان تتحمل هذه المسؤولية الكبيرة فاسست مركز وردة الجنوب بحي الخيام2 .
و رجوعا الى مساري الذي عرف مرحلة حساسة في موسم الخيام الذي اعتبره منعطفا خاصا و خطيرا من مراهقتي القاسية الى مرحلة شبابي الواعي في عدة قضايا كقضية المعاق و القضية الامازيغية . استطيع القول بانني كنت اعاني في ذلك الموسم من عدة مشاكل كبيرة مثل صغر مقر المركز الذي هو عبارة عن دار صغيرة للغاية و هذا المشكل ليس خاصا بي بل هو عام يمس جميع الاطفال و المربيات اضافة الى الصمدي الذي كان مدير المركز٬ يقول لي׃" اصبر يا المهدي" . كذلك معلمتي زهرة التي تستحق كل التكريم و الاحترام على عملها الجبار معي و لا اعني هنا بان الجمعية لم تنجح في ذلك الموسم ولكن نظرا لظروفها المادية لم تجد حلا الا هذه البداية الصعبة بالنسبة للكل.
و كما كنت اعاني في ذلك الموسم من مشكل كبير الا و هو التخلف القروي الذي جعلني اموت في اليوم مائة مرة ، جعلني اسبح في بحور الاهانات و التحطيم بكل معانيه الرمزية و العملية اذ كان يعتبرني انسانا لا يستحق الاهتمام او الذهاب الى المدرسة لانني مجرد معاق و المعاق في قاموسه الفارغ اصلا لن يستطيع ان يكون شيئا في مستقبله او ان يساهم في بناء بلده و كنت اشعر احيانا كانني في بلد غريب حتى انني في يوم من الايام قررت الانتحار من فوق السطح و كنت يومها في اقصى درجات اليأس و لم افكر في ابواي العزيزان اللذان كانا في الديار المقدسة انذاك قصد اداء فريضة الحج العظيمة و لم افكر في اختي مريم و اخي ياسين بل كنت اعاني لكن بصمت رهيب و صعدت الى السطح و انا ابكي و اقول في نفسي لماذا كل هذا وثم صعد ياسين الذي كان لازال صغيرا فقال لي׃" ما بك يا المهدي ".فقلت له انني اريد الانتحار، فذهب مسرعا .و بينما كنت اقترب من الموت تدخل خالي محمد سريعا و اشكره على هذا العمل الذي لن انساه طوال حياتي .
و في تلك الايام كنت كأنني في كوكب آخر يحكمه التخلف القروي و كان هذا الاخير يستعمل كل الاساليب لتحطيمي امام اسرتي و جعلني افقد الامال في مستقبلي . كان يعمل على استغلال كل الفرص كوقت الغذاء مثلا للكلام الهادف للتحطيم و كسر كرامتي فكنت ادخل الى غرفتي في الليل و اقول في نفسي ׃"ماذا بعد هذا". لم اكن اتخيل انني ساصل يوما من الايام الى هذا المستوى المتواضع من الفكر و هذا التخلف لم يقف عند هذا الحد بل جعلني ابكي دموعا احر من الجمر و خصوصا في وقت الافراح .
و خلاصة القول ان هذا التخلف جعلني اعاني و احلم بالكوابيس في الليل و اما في النهار فاتعصب في مركز الخيام حيث كنت افتعل المشاكل. الا أن معلمتي زهرة و صديقي الصمدي كانا بجانبي و كذلك السيدة بصي التي ساعدتني كثيرا على تجاوز هذه المرحلة الحساسة . في البيت كنت ابكي في قلبي و دائما اتساءل لماذا كل هذا ٬ كان ابي يحاول مساعدتي على تجاوز مشاكلي و السير نحو الامام و كذلك امي و اختي مريم و خالتي بشرى التي كانت تعيش معنا انذاك.
و هكذا كانت مرحلة مراهقتي الحساسة التي علمتني النضال من اجل اتباث الذات بكل ابعادها المختلفة اضافة الى محاربة التخلف القروي بالتي هي احسن.
و الان ندخل الى مرحلة شبابي الواعي و كان ابي الحبيب يشجعني على قراءة الكتب بمختلف المواضيع كالتاريخ و الاسلام و القضية الامازيغية فكنت اذهب الى المركز في حي الداخلة و بهذه المناسبة اشكر كل المربيات اللواتي عملن معي و اخص بالذكر زهرة ماهي و كبيرة ديرفي و نعيمة امكراح و خديجة الشوم التي عملت معي في الترويض الطبي و كما اشكر ادارات المركز السابقة و الادارة الحالية السيد لحسين لوهو و اشكر اعضاء جمعيتنا الموقرة و خصوصا صديقي الاستاذ ازداك الذي يشجعني دائما.
و هناك مرحلة هامة و هي مرحلة الكتابة على الحاسوب و التي تعتبر انتقالا من مرحلة مراهقتي السالفة الذكر الى مرحلة شبابي الواعي بعدة قضايا كقضية المعاق و حقوقه المتعددة و في هذا الاطار بدات مع السيدة بصي كتابة سيرتي الذاتية باللغة الفرنسية و بدات كتابة هذه السيرة على الحاسوب باللغة العربية و كانت تجربة متواضعة و هذا المشروع لم يكتب له النجاح لاسباب داتية تتعلق اساسا باسلوبي في كتابة سيرتي الذاتية.
و بعد ذلك بدات كتابة بعض المقالات في مواضيع متعددة كالتطرف الديني و القضية الامازيغية بطبيعة الحال و في يوم من الايام دخلت الى موقع الحوار المتمدن المعروف على شبكة الانترنيت فرأيت مواضيع مختلفة تهم عالمنا الاسلامي او العربي كما يسمى و قررت نشر مقالي الاول فيه بعنوان" الذكرى الرابعة لانشاء المعهد الملكي للثقافة الامازيغية٬ قراءة في مسار الحركة الثقافية الامازيغية ".و ذلك في يوم 31 اكتوبر 2005 و شكل هذا الحدث بالنسبة لي بداية مساري في النشر على المستوى الدولي لان موقع الحوار المتمدن يبث في كل دول العالم باستثناء بعض الدول الاسلامية كايران و السعودية الشقيقتان .
و كما بدات نشر مقالاتي في بعض جرائدنا الوطنية المهتمة بالمسألة الامازيغية مثل" تاويزا" و" تاسفوت" و في هذه المناسبة اشكر كل من الاستاذ محمد بودهان مدير جريدة تاويزا و الاستاذ حسن ايد بلقاسم مدير المسؤول بجريدة تاسفوت و كما اشكر صديقي الاستاذ محمد حنداين رئيس الكونفدرالية الجمعيات الامازيغية بالجنوب على تشجيعاته عبر البريد الالكتروني ٬ كذلك الاستاذ احمد عصيد العضو في المجلس الاداري للمعهد الملكي الذي شجعني في بداية مساري في النشر.
الخاتمة
و في ختام هذا الموضوع التعريفي باهم مراحل مساري الشخصي اتمنى ان ينجح هذا العمل الفكري في ايصال رسالة مفادها ان المعاق يستطيع ان يكون شيئا ذا قيمة في مجتمعاتنا الاسلامية التي تسعى دائما الى اسباب التقدم و التنمية البشرية و الى تحطيم اصنام التخلف المتعددة .
المهدي مالك
mehdi1983k@gmail.com
مقدمة
يخلد المعاق المغربي اليوم 3 دجنبر يومه العالمي بكل فخر و اعتزاز , هذه المناسبة جعلتني افكر في التطرق الى اهم مراحل مساري الشخصي كمعاق و هدفي من هذا الموضوع هو جعل قارئ هذا الكتاب يكتشف المعانات الحقيقية التي يعيشها المعاق المغربي من خلال تجربتي المتواضعة بحيث انني عرفت مجموعة من المصطلحات السائدة في مجتمعنا الغير الواعي لكن المعاق انسان له عقل و كرامة , يستطيع بدوره ان يساهم في بناء بلده على اسس الديمقراطية و التعدد الثقافي و اللغوي.
و قبل الدخول في صلب هذا الموضوع التعريفي لا بد من الاشارة بانني لا امشي على الاقدام و لا اتكلم و لا آكل لوحدي بل احتاج دائما الى المساعدة.
و ابدا من البداية فولدت في يوم 28 مارس 1983 في مدينة الدار البيضاء و كانت امي الحبيبة قد تزوجت مبكرا من ابي الحبيب و كانت في فترة الحمل تذهب معه الى طبيبة ذات اصول يهودية و اقول ربما فعلت الكثير من الاخطاء القاتلة عن قصد او بدون قصد و شخصيا لست اعادي اليهود لانهم اخواننا في هذا الوطن المتميز بتعدده الثقافي و الديني.
و باختصار شديد امي و ابي تعدبوا كثيرا بحيث كنت ابكي طوال الوقت و كنت لا اجلس و لا ارضع من ثدي امي و كنت دائما مريضا و دائما عند الطبيب كوسطا) المتوفي . ابي كانسان واعي حاول دائما ان يجد حلولا قصد جعلي امشي و اتكلم كايها الناس و ادرك منذ البداية انني انسان بامكانه ان يتعلم القراءة و الكتابة
عكس التخلف بانواعه المختلفة و خصوصا القروي منه و الذي ساتطرق اليه لاحقا في هذا الموضوع الطويل.
و ادا كانت الام هي رمز الحنان و العطف فامي هي رمز التضحية و الرعاية منذ الولادة الى يومنا هذا حيث حملتني على ظهرها منذ الولادة الى حين اصبحت ثقيلا عليها تعطيني الاكل و الشراب منذ ان فتحت عيناي على هذه الدنيا الى اليوم . علمتني "اوال امازيغ" بكل ابعاده اللغوية و التربوية و النضالية فالمرأة الامازيغية ستبقى رمزا للهوية الامازيغية و ستبقى تسمى بتامغارت ؤورغ التي تعلمنا دائما قيم الشرف و العفاف و الدفاع عن مقدساتنا الحقيقية و مهما قلت حول امي الغالية فلن استطيع ان اشكرها على مجهودها الذي جعلني في هذا المستوى و كذلك ابي الذي رباني على القراءة و الصراحة و على احترام تقاليدنا
الخصوصية كمجتمع مسلم و لم يحبسني في البيت بل فتح علي افاق العلم و الفكر و مهما قلت حول ابي الغالي فلن استطيع ان اشكره على اصراره الدائم على جعلي شيئا ذا قيمة في هذه الحياة .
و في مرحلة طفولتي كنت لا اذهب الى المرحاض لوحدي بل بمساعدة امي او احد افراد الاسرة و كنت لا افهم الا لغتي الام فتعلمت العربية و الفرنسية عن طريق التلفزة و خصوصا برامج الاطفال اذ كنت العب مع اختي مريم او مع اخي ياسين الحبيبان و للاشارة فقط فاننا انتقلنا للعيش في مديننة اكادير في صيف سنة 1992 و كان يصادف هذا الانتقال عيد الاضحى المبارك .
في سنة 1994 بدات الترويض الطبي في مستشفى الحسن الثاني و كانت امي تتابع معي حصص الترويض في البيت و للاشارة فقط فانني كنت افعل الترويض قبل هذا التاريخ في مدينة الدار البيضاء.
و كما بدات تقويم النطق مع السيد بعودا الوحيد في مدينة اكادير و كان عمي حماد الموقر ياخذني اليهما و اشكره على ذلك . في سنة 1995 كان ياتي شخص يدعى مصطفى من المستشفى الى البيت قصد الترويض.
و في سنة 1996 اسست اول مؤسسة خاصة بالاطفال المعاقين من طرف سيدة فرنسية تدعى السيدة بصي و لها فضل كبير على المعاقين بالمدينة عموما و علي خصوصا و في هذه المناسبة اشكرها جزيل الشكر على عملها الدائم معي.
و كانت هذه السيدة العظيمة تعمل سابقا في مستشفى الحسن الثاني بطب الاطفال . تلك المؤسسة كانت تسمى بالوردة الرملية و كنت اول طفل في تاريخها . ما زلت اتذكر اول يوم دخلت فيه اليها. كنت سعيدا و كان يوم الجمعة 5 رمضان الموافق ل 24 يناير 1996.
و استطيع القول بان هذه المرحلة شكلت بالنسبة لي بداية لتعلم القراءة و هذا الفضل يرجع الى معلمتي الاولى امينة كدالي التي علمتني المبادئ الاولى للقراءة باللغة العربية و اشكرها على ذلك و كما اشكر الاستاذ اكساب الذي يعد اول استاذ لي في اللغة العربية و للاشارة بانني لا اتكلم و بالتالي فطريقة تعليمي هي طريقة خاصة.
و على صعيد الترويض الطبي حققت تقدما نوعيا في فترة ما بحيث كنت امشي 15 مترا لكني اعترف باني فقدت الامل لاسباب كثيرة و منها ما هو ذاتي.
و اكتشفت في هذه المرحلة مجموعة من المشاكل مع بعض المربيات و اعترف بانني كنت طفلا يتعصب كثيرا و هذا يعد شيئا عاديا بالنسبة لاي طفل معاق او عادي لكن بعض المربيات فعلن اشياءا معي لا تتناسب مع هذا الميدان التربوي الهادف الى ترسيخ الاخلاق الحميدة . الانسان احيانا يخطئ و لكن الانسان الذي لم يعترف باخطاءه جبان و انني كانسان فعلت الكثير من الاخطاء في حياتي القصيرة و الذي لا يفعل الاخطاء هو خالق الكون و انبياءه الكرام فقط .
و نعود الى موضوعنا. في صيف سنة 1999 سافرت مع صديقي و معلمي السيد الصمدي الى العاصمة الفرنسية باريس قصد التكوين باحد المراكز الخاصة بالمعاقين . فالسيد الصمدي هو الذي علمني التاريخ الرسمي و تعلمون ماذا اقصد و كما علمني التربية الاسلامية و اشكره على ذلك.
و كما نعلم فالدولة الفرنسية اعطت اهتماما كبيرا لهذه الفئة من مجتمعها الواعي بضرورة ادماج هذه الفئة في المجتمع و في مسارات التنمية البشرية .المعاق هناك يتمتع بكامل حقوقه المتعددة و من بينها الولوجيات التي تعد اساسية في بناء اية ادارة او مستشفى او مكان عام .
و خلاصة القول انني استفدت من هذا السفر المفيد و الرائع في نفس الوقت اذ رجعنا الى الوطن الحبيب مع مشروع عمل خاص بي فحدث امر لم اكن اتوقعه بحيث قررت السيدة بصي اغلاق مؤسسة الوردة الرملية لاسباب مادية بالاساس بحيث ان هذه الاخيرة كانت تعتمد على مداخيل الاباء او بعض المساعدات لا غير. قررت اذن جمعية اباء و اصدقاء الاطفال المعاقين ذهنيا بسوس التي اسست في سنة 1995 من طرف اباء المعاقين و من بينهم ابي الحبيب ان تتحمل هذه المسؤولية الكبيرة فاسست مركز وردة الجنوب بحي الخيام2 .
و رجوعا الى مساري الذي عرف مرحلة حساسة في موسم الخيام الذي اعتبره منعطفا خاصا و خطيرا من مراهقتي القاسية الى مرحلة شبابي الواعي في عدة قضايا كقضية المعاق و القضية الامازيغية . استطيع القول بانني كنت اعاني في ذلك الموسم من عدة مشاكل كبيرة مثل صغر مقر المركز الذي هو عبارة عن دار صغيرة للغاية و هذا المشكل ليس خاصا بي بل هو عام يمس جميع الاطفال و المربيات اضافة الى الصمدي الذي كان مدير المركز٬ يقول لي׃" اصبر يا المهدي" . كذلك معلمتي زهرة التي تستحق كل التكريم و الاحترام على عملها الجبار معي و لا اعني هنا بان الجمعية لم تنجح في ذلك الموسم ولكن نظرا لظروفها المادية لم تجد حلا الا هذه البداية الصعبة بالنسبة للكل.
و كما كنت اعاني في ذلك الموسم من مشكل كبير الا و هو التخلف القروي الذي جعلني اموت في اليوم مائة مرة ، جعلني اسبح في بحور الاهانات و التحطيم بكل معانيه الرمزية و العملية اذ كان يعتبرني انسانا لا يستحق الاهتمام او الذهاب الى المدرسة لانني مجرد معاق و المعاق في قاموسه الفارغ اصلا لن يستطيع ان يكون شيئا في مستقبله او ان يساهم في بناء بلده و كنت اشعر احيانا كانني في بلد غريب حتى انني في يوم من الايام قررت الانتحار من فوق السطح و كنت يومها في اقصى درجات اليأس و لم افكر في ابواي العزيزان اللذان كانا في الديار المقدسة انذاك قصد اداء فريضة الحج العظيمة و لم افكر في اختي مريم و اخي ياسين بل كنت اعاني لكن بصمت رهيب و صعدت الى السطح و انا ابكي و اقول في نفسي لماذا كل هذا وثم صعد ياسين الذي كان لازال صغيرا فقال لي׃" ما بك يا المهدي ".فقلت له انني اريد الانتحار، فذهب مسرعا .و بينما كنت اقترب من الموت تدخل خالي محمد سريعا و اشكره على هذا العمل الذي لن انساه طوال حياتي .
و في تلك الايام كنت كأنني في كوكب آخر يحكمه التخلف القروي و كان هذا الاخير يستعمل كل الاساليب لتحطيمي امام اسرتي و جعلني افقد الامال في مستقبلي . كان يعمل على استغلال كل الفرص كوقت الغذاء مثلا للكلام الهادف للتحطيم و كسر كرامتي فكنت ادخل الى غرفتي في الليل و اقول في نفسي ׃"ماذا بعد هذا". لم اكن اتخيل انني ساصل يوما من الايام الى هذا المستوى المتواضع من الفكر و هذا التخلف لم يقف عند هذا الحد بل جعلني ابكي دموعا احر من الجمر و خصوصا في وقت الافراح .
و خلاصة القول ان هذا التخلف جعلني اعاني و احلم بالكوابيس في الليل و اما في النهار فاتعصب في مركز الخيام حيث كنت افتعل المشاكل. الا أن معلمتي زهرة و صديقي الصمدي كانا بجانبي و كذلك السيدة بصي التي ساعدتني كثيرا على تجاوز هذه المرحلة الحساسة . في البيت كنت ابكي في قلبي و دائما اتساءل لماذا كل هذا ٬ كان ابي يحاول مساعدتي على تجاوز مشاكلي و السير نحو الامام و كذلك امي و اختي مريم و خالتي بشرى التي كانت تعيش معنا انذاك.
و هكذا كانت مرحلة مراهقتي الحساسة التي علمتني النضال من اجل اتباث الذات بكل ابعادها المختلفة اضافة الى محاربة التخلف القروي بالتي هي احسن.
و الان ندخل الى مرحلة شبابي الواعي و كان ابي الحبيب يشجعني على قراءة الكتب بمختلف المواضيع كالتاريخ و الاسلام و القضية الامازيغية فكنت اذهب الى المركز في حي الداخلة و بهذه المناسبة اشكر كل المربيات اللواتي عملن معي و اخص بالذكر زهرة ماهي و كبيرة ديرفي و نعيمة امكراح و خديجة الشوم التي عملت معي في الترويض الطبي و كما اشكر ادارات المركز السابقة و الادارة الحالية السيد لحسين لوهو و اشكر اعضاء جمعيتنا الموقرة و خصوصا صديقي الاستاذ ازداك الذي يشجعني دائما.
و هناك مرحلة هامة و هي مرحلة الكتابة على الحاسوب و التي تعتبر انتقالا من مرحلة مراهقتي السالفة الذكر الى مرحلة شبابي الواعي بعدة قضايا كقضية المعاق و حقوقه المتعددة و في هذا الاطار بدات مع السيدة بصي كتابة سيرتي الذاتية باللغة الفرنسية و بدات كتابة هذه السيرة على الحاسوب باللغة العربية و كانت تجربة متواضعة و هذا المشروع لم يكتب له النجاح لاسباب داتية تتعلق اساسا باسلوبي في كتابة سيرتي الذاتية.
و بعد ذلك بدات كتابة بعض المقالات في مواضيع متعددة كالتطرف الديني و القضية الامازيغية بطبيعة الحال و في يوم من الايام دخلت الى موقع الحوار المتمدن المعروف على شبكة الانترنيت فرأيت مواضيع مختلفة تهم عالمنا الاسلامي او العربي كما يسمى و قررت نشر مقالي الاول فيه بعنوان" الذكرى الرابعة لانشاء المعهد الملكي للثقافة الامازيغية٬ قراءة في مسار الحركة الثقافية الامازيغية ".و ذلك في يوم 31 اكتوبر 2005 و شكل هذا الحدث بالنسبة لي بداية مساري في النشر على المستوى الدولي لان موقع الحوار المتمدن يبث في كل دول العالم باستثناء بعض الدول الاسلامية كايران و السعودية الشقيقتان .
و كما بدات نشر مقالاتي في بعض جرائدنا الوطنية المهتمة بالمسألة الامازيغية مثل" تاويزا" و" تاسفوت" و في هذه المناسبة اشكر كل من الاستاذ محمد بودهان مدير جريدة تاويزا و الاستاذ حسن ايد بلقاسم مدير المسؤول بجريدة تاسفوت و كما اشكر صديقي الاستاذ محمد حنداين رئيس الكونفدرالية الجمعيات الامازيغية بالجنوب على تشجيعاته عبر البريد الالكتروني ٬ كذلك الاستاذ احمد عصيد العضو في المجلس الاداري للمعهد الملكي الذي شجعني في بداية مساري في النشر.
الخاتمة
و في ختام هذا الموضوع التعريفي باهم مراحل مساري الشخصي اتمنى ان ينجح هذا العمل الفكري في ايصال رسالة مفادها ان المعاق يستطيع ان يكون شيئا ذا قيمة في مجتمعاتنا الاسلامية التي تسعى دائما الى اسباب التقدم و التنمية البشرية و الى تحطيم اصنام التخلف المتعددة .