الصحفي الطائر
07-28-2010, 09:12 PM
التفكك الأسري.. يهدد تماسك المجتمع
(http://www.aldaawah.com/wp-content/uploads/unewemp.jpg)تحقيق: خالد بن عبدالله الراشد
التفكك الأسري مشكلة كبيرة تواجه المجتمعات المسلمة اليوم، وتفرض تحديات ومخاطر جمة أمام تماسك المجتمع، فمع ارتفاع نسبة الطلاق، والظروف المعيشية الصعبة، وزواج الأم من زوج آخر، وكذلك زواج الأب من زوجة أخرى، وتشتت الأبناء بين الأهل والأقارب.. كل ذلك يجعل الأبناء عرضة للضياع والتشرد والانحراف؛ الأمر الذي يلقي بظلاله على قوة المجتمع، وتماسكه، والترابط الذي يربط بين أفراده. فكيف يمكن الحفاظ على الأسرة المسلمة إذا مات الأب أو الأم، أو حدث الافتراق بين الزوجين؟
في البداية يتحدث سماحة مفتي عام المملكة سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبدالله آل الشيخ قائلاً: إنّ عدوَّ الله إبليس أحبُّ شيء إليه أن ينهدمَ البيت وتتفرّق الأسرة ويتشتّت الشمل، جاء في الصحيح: “إنَّ إبليس يضع عرشَه على الماء، ويبثّ جنودَه، فيأتيه الواحد فيقول: ماذا فعلت؟ قال: ما زلتُ بفلانٍ حتى قطَع رحِمَه، قال: ما عملتَ شيئاً، يوشك أن يصلَ رحِمه، ويأتيه الآخر ويقول: ماذا عملت؟ قال: ما زلت به حتى عقَّ أمَّه وأباه، قال: ما فعلتَ شيئًا، يوشك أن يعود إليهما، ويأتيه الآخر فيقول: ماذا عملت؟ قال: ما زلت بفلان حتى طلَّق امرأته، قال: فيدنيه ويضمُّه ويقول: أنتَ أنتَ أنت”، فرَحاً بالتمزُّق والتفرُّق؛ لأنه يكره الاجتماعَ والتآلف.
تفكير وتأمل
أيها المسلم، حاسِب نفسك، وقِف مع نفسك وقفات، إذا أردتَ الإقدامَ على الطلاق، انظر حالك وحالَ المرأة وحال الأولاد الصغار، ماذا سيكون حالهم؟ سيتشتّتون ويتفرّقون بينك وبين أمّهم، فإما تمسُّكُ الأمّ بهم فيضيعون، وإما تمسُّكُ الأب بهم فيضيعون، وتقسو قلوبهم، ويتفرّق شملهم، ويُحدِث عليهم صدمةً نفسيّة في أحوالهم. فقِف قليلاً وفكِّر، فكِّر وتأمّل قبل أن تقدِم على الطلاق، ما الملجأ وما المخرج؟ واستِخر الله واستشِر، وإياك والطيشَ والغضب، وإياك والحماقةَ، وإياك والتسرُّع، وإياك أن تجعلَ الطلاق على لسانك في كل أحوالك، فينهدِم بيتُك من حيث لا تشعر.
كم نادمٍ يندم ويقول: ما فعلتُ وما أردت، ويندم ولات حينَ مندَم، فلو فكَّر قليلاً وتأمّل لعلم أنه المخطئ والمقصِّر، ولو أنه تأنّى في أموره وتدارك أحوالَه لوُفِّق للصواب.
ولكن ما هو موقف أهلِ المرأة وأهل الزوج؟ هذا أمر لا بدَّ من النظر فيه. فإنّ بعض أهل البيت، بعض أقرباء الزوجة ربما أعانوا ابنتَهم على الشقاق، وأعانوها على إهانةِ الزوج وإذلاله، ووقفوا معها رغمَ أخطائها وتقصيرها، لكن ابنتهم يحبُّونها فيميلون معَها دونَ أن ينبِّهوها وينصحوها ويرشِدوها، وربما تدخَّل الأبوان في حياةِ الزوج، فحاوَلوا التفريقَ بينه وبين امرأته لأمور تافهةٍ وحكايات ووشايات، وأمور لا تتحمّل هذه الأمور.
إذاً فعلى أهل الزوجة وأهل الزوج أن يكونوا جميعاً عوناً على استمرار هذا العقدِ ودوامه بكلّ ما أمكنهم من وسيلة، إن رأوا من البنتِ خطأً حاولوا تأديبها وتوجيهَها ولفتَ نظرها إلى الأخطاء، وأن الزواج ليس كلّ يوم زوج، وليس المهمّ أن المرأة تُطلَّق وتزوّج، المهمّ أن تنتظِم حياتُها الزوجيّة بدون أيّ بلبلة. ثم أهل الزوج إن رأوا من ابنهم شيئاً من الجفاء وعدم التوازن فلا بدَّ من لفتِ نظره وتبيين الأخطاء حتى تستمرّ الحياة. أما إن كانت الحياة الزوجيّة يتدخّل فيها الأهلون من قبل المرأة والزوج من غير تأمّل ولا روية، فهذا والعياذ بالله سببٌ لهدم البيت وتشتيت الأسرة.
مسؤولية المجتمع:
ويقول د. سعود بن عبدالعزيز الغنيم الاستاذ بكلية أصول الدين بالرياض: الأسرة في الإسلام تتكون بعد إجراء العقد الشرعي للزواج بالصيغة والشروط المعروفة، التي تلزم طرفي الزواج – الزوج والزوجة – بحقوقه على كل منهما ليس هذا مقام بسطها، وذلك العقد وتلك الحقوق في غاية الأهمية لبقاء بناء الأسرة متماسكاً شامخاً، يتربى الأبناء في أكنافه ويستنشقون عبق الهدى الإسلامي منذ نعومة أظفارهم، لينشأ بذلك أبناء أقوياء في دينهم أصحاء في أبدانهم لأنهم قد تمتعوا بكل حاجاتهم الطفولية كاملة من رضاعة وحضانة ورعاية صحية، وهذه من واجبات الأم التي لا يحل لها أن تمتنع عنها لأنفة أو رفاهية إلا لعذر شرعي قال تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233]، وللطفل عليها الحنان ودفع الأذى والنظافة، كما قال تعالى في شأن أخت موسى عليه السلام: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ } [القصص: 12]. لكن عرى ذلك الحصن المكين قد تنفصم لأي سبب من الأسباب فيتم الافتراق بين الزوجين، بين عمودي الأسرة اللذين يحملان سقفها الذي ينعم الأبناء تحت ظله، ويكون ذلك بطلاق أو هجر أو موت، والاقدار كلها بيد رب البريات سبحانه. فبهذا ينكشف أمر الأبناء ذكوراً وإناثاً وتبدو حاجتهم لمن يعولهم – خاصة إذا كانوا قصاراً – لذلك المتأمل في قول رسول الهدى والرحمة – عليه افضل الصلاة والسلام – حيث يقول: “أنا وكافل اليتيم كهاتين” يجد أن ثمة حاجة ملحة للقيام على أمر الصبية الصغار يرعاهم ويتولى شأنهم ويربيهم على هدى القرآن والسنة حتى يجلب لهم جزءاً مما كان يرجوه عائلهم ويعوض بعضاً من حنانه وعطفه وأبوته. ومن مسؤولية مجتمع المسلمين لهم ألا يقعوا فريسة للضياع والفساد والانحراف، وألا يكونوا لقمة سائغة لما ينتج عن متغيرات الداخل والخارج التي زاغت عن سبيل الهدى.
كفالة اليتيم
ومن السبل الناجحة في نظر د. الغنيم لحماية تلك الفئة التي فجعت بأحد أقرب الناس إليها ما يلي:
* الكفالة استجابة لقول رسولنا صلى الله عليه وسلم: “أنا وكافل اليتيم كهاتين”، ومن طلقت أمه – إذا لم يجد عناية من أبيه – أشبه ما يكون باليتيم، فهو محتاج إلى رعاية وحنو وعطف كما سلف ذكره.
* التعليم، وليس المقصود التعليم العام فهذا مكفول لكل أحد ولله الحمد، وإنما المراد تربيته عملياً باصطحابه إلى المساجد بعد أن يحسن طهوره، حيث يتعلم منهج التردد على المساجد لكي يكبر وشأن الطاعة والعبادة في قلبه ليتربى على حب الله ورسوله. قال تعالى: {قٍلً إن كٍنتٍمً تٍحٌبٍَونّ پلَّهّ فّاتَّبٌعٍونٌي يٍحًبٌبًكٍمٍ پلَّهٍ $ّيّغًفٌرً لّكٍمً ذٍنٍوبّكٍمً} [آل عمران: 31]. فإذا تربى على الصلاة والصلاح وجد عنده حارساً قوياً يحميه – بإذن الله – من أثر التغير.
* القرآن حبل الله المتين وصراطه المستقيم، من رزقه حفظه وتدبره فقد عصم بتوفيق الله من الضلال، ويكون الأثر واضحاً والخير كثيراً والنفع عميماً إذا تربى عليه أجيال الأمة في حداثة السن ونعومة الأظفار.
* سيرة المصطفى وسنته صلى الله عليه وسلم فيها الخير العظيم: سمو في الأخلاق ورقي في الطباع وحسن في الهدى، ونجاة في الدنيا وفوز في الآخرة، إذا أخذنا بها ناشئتنا أصبحوا – بإذن الله – على ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
* التوجيه في التعليم إلى ما تميل إليه القدرات، كل بحسب ما يسره الله له حتى لا يجد الفشل التعليمي إليهم سبيلاً، لنبني جيلاً قوياً معتزاً بدينه فخوراً بتاريخه محباً لأمته متفانياً في سبيل الدفاع عنها وعن دينها. والله من وراء القصد.
أعاصير أسرية
ويرى الشيخ إبراهيم بن جاسر الجاسر رئيس المحكمة العامة بالقريات أن الشارع الحكيم الخبير أوثق الروابط الزوجية بتعظيم حق الزوج على زوجته، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: “لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها”، وقال عليه الصلاة والسلام: “إن المرأة إذا صلت فرضها وصامت شهرها وأطاعت زوجها دخلت الجنة”، أو كما قال صلى الله عليه وسلم، كما أنه عظم حق المرأة على زوجها وجعله هو القائم عليها المتولي أمرها، بل جعل الخيّر لأهله من خيار المؤمنين فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “خيركم خيركم لأهله”، بل إن الله تعالى جعل الزوجين بعضهما لباس بعض فقال: {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ } [البقرة: 187]، وكل هذا من أجل تقوية الرابطة بين الزوجين فهما اللبنة الأولى للمجتمع الإسلامي، وهما البنية التحتية له والمنبع الذي ينبثق منه أفراد المجتمع فإذا كانت العلاقة بين الزوجين قوية متوافقة والرابطة متماسكة بينهما كمل بناء المجتمع وصمد أمام الرياح والأعاصير التي تهب على الإسلام والمسلمين من أعدائه لتقتلعه من ثوابته الدينية وأخلاقه الإسلامية والزج به بمستنقعات التحلل والتيارات الفكرية الضالة.
فإذا تفككت الأسرة بطلاق أو موت أو هجر فقد يتصدع هذا البناء وتحدث من المتغيرات الداخلية والخارجية ما تكون سبباً في تشتت الأسرة وقطيعة الرحم والخلافات بينهم التي لربما تحدث بسببها جرائم وتكون هذه الأسرة عرضة لهذه الأعاصير.. ولهذا فالله تعالى حث على المسارعة لبناء ما تفكك من الأسرة سواء بموت أو طلاق وإصلاح ما انقطع بهجر قال تعالى: {فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232]، بل أمر كل رجل بالغ وامرأة بالغة بالمسارعة للزواج فقال – سبحانه -: {وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ [النور: 32]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج”، وقال تعالى عند حدوث تفكك أسري بين الزوجين: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً } [النساء: 35]، فبعد حدوث هذا التفكك أمر الله أن يبعث حكمين ليدرسا حالة الزوجين فإن كان برجوعهما مصلحة واستطاعة على التماسك الأسري فإن الله تعالى سيوفق بينهما وإلا فالفراق لهما خير ليبحث كل واحد منهما عن رابطة أخرى عاجلاً يمكنه بها أن يؤدي وظيفته المناطة بعنقه بداية بنفسه وزوجه وأولاده ثم رحمه وجيرانه ومجتمعه كله.
ولهذا أعداء الإسلام لما علموا أنه لا يمكن تغيير عادات المسلمين وأخلاقهم وإبعادهم عن دينهم إلا بخلخلة الركيزة الأولى سعوا جاهدين ببث سمومهم ومحاولة تفكيك الأسر من أجل ألا تقف أمام مخططاتهم صامدة، التي يبثونها من الداخل والخارج وعن طريق وسائل الإعلام والغزو عن طريق الأسواق والموضات والمناسبات حتى وصل غزوهم في الداخل عن طريق كيفية تصاميم البيوت ليتناسب مع عادات أعداء الإسلام وقصدهم ما ينتج عن هذه التصاميم من اختلاط ونزع الحياء من المسلمين، إلى غير ذلك؛ ولهذا يجب على كل واحد خصوصاً العلماء والباحثين والمفكرين والكتاب أن يوضحوا هذه السلبيات، وضرر هذا التفكك على الفرد والمجتمع كل بحسبه، وأن يبينوا فائدة التماسك الأسري، والترابط بين الزوجين وأداء الحقوق بينهما، والمسارعة إلى بناء ما ينفك منها، وإصلاح ما يتصدع، وكل يؤدي وظيفته التي شرعها الله له، والتي فيها صلاح دينه ودنياه ومجتمعه، لتقف في وجه هذه المتغيرات الداخلية والخارجية، التي تعزونا ليل نهار في أسواقنا وفي شوارعنا وفي أعمالنا، حتى في قعر بيوتنا.
أسباب تفكك الأسرة
ويرى الشيخ عبد الباري بن عوض الثبيتي أن الأسرة المسلمة التي قامت على الإيمان بالله، وتمسكت بأخلاق الإسلام، وتعلقت بالمساجد، استطاعت بنور القرآن أن تخرّج للحياة أبطالاً شجعان، وعلماء أفذاذاً، وعباداً زهاداً، وقادة مخلصين، ورجالاً صالحين، ونساء عابدات، كتبوا صفحة تأريخ مجيدة في حياة المسلمين.
وهي اليوم تواجه حملة شرسة لزعزعة أركانها، وإلغاء كيانها، بفكّ رباط الأسرة، وإفساد أخلاق المرأة، ونبذ قيم الأسرة، والدعوة الى العهر والاختلاط والإباحية.
وإذا تحطمت الأسرة، هل يبقى ثمة أمة؟! وإن بقيت، فهل ستكون إلا على هامش الحياة؟!
لقد تفككت عرى الأسرة في بعض بلاد المسلمين نيتجة السقوط في حمأة التقليد الأعمى للغرب، والانسياق وراء كل نحلة ترد منه، فكثرت حالات الطلاق، وتدمرت الحياة، وأضاع المجتمع، وعزف كثير من الشباب عن الزواج، تبع ذلك انطلاق محموم وراء الشهوات البهيمية.
إن الدور القادم – عباد الله – دور خطير ومؤثر، فقد أسهمت التغيرات الاجتماعية في تقليص دور الأسرة، واستولت أجهزة البث الفضائي وغيرها على وقت الأسرة، وأثرت في مسارها، وخلخلت قيمها، ففقدت الأسرة في بعض المواضع تأثيرها، وشيئاً من فاعليتها.
إن هذه الأجهزة وغيرها، زاحمت الأسرة في توجيه الأبناء والبنات، داخل المعقل الحصين بجاذبية مدروسة، وغزو مستور ومكشوف، لتقطع صلتهم بأمتهم، وتضعف عقيدتهم، وتنسف غيرتهم.
لكن المؤلم حقاً أن بعض الأسر قد تخلت عن دورها في مهمة التربية العقدية والفكرية، وأسلمت أولادها لأجهزة البث الفضائي وغيرها، تصنع ما يحلو لها من هدم ومكر.
الحقوق محفوظة لـ مجلة الدعوة (http://www.aldaawah.com/)
(http://www.aldaawah.com/wp-content/uploads/unewemp.jpg)تحقيق: خالد بن عبدالله الراشد
التفكك الأسري مشكلة كبيرة تواجه المجتمعات المسلمة اليوم، وتفرض تحديات ومخاطر جمة أمام تماسك المجتمع، فمع ارتفاع نسبة الطلاق، والظروف المعيشية الصعبة، وزواج الأم من زوج آخر، وكذلك زواج الأب من زوجة أخرى، وتشتت الأبناء بين الأهل والأقارب.. كل ذلك يجعل الأبناء عرضة للضياع والتشرد والانحراف؛ الأمر الذي يلقي بظلاله على قوة المجتمع، وتماسكه، والترابط الذي يربط بين أفراده. فكيف يمكن الحفاظ على الأسرة المسلمة إذا مات الأب أو الأم، أو حدث الافتراق بين الزوجين؟
في البداية يتحدث سماحة مفتي عام المملكة سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبدالله آل الشيخ قائلاً: إنّ عدوَّ الله إبليس أحبُّ شيء إليه أن ينهدمَ البيت وتتفرّق الأسرة ويتشتّت الشمل، جاء في الصحيح: “إنَّ إبليس يضع عرشَه على الماء، ويبثّ جنودَه، فيأتيه الواحد فيقول: ماذا فعلت؟ قال: ما زلتُ بفلانٍ حتى قطَع رحِمَه، قال: ما عملتَ شيئاً، يوشك أن يصلَ رحِمه، ويأتيه الآخر ويقول: ماذا عملت؟ قال: ما زلت به حتى عقَّ أمَّه وأباه، قال: ما فعلتَ شيئًا، يوشك أن يعود إليهما، ويأتيه الآخر فيقول: ماذا عملت؟ قال: ما زلت بفلان حتى طلَّق امرأته، قال: فيدنيه ويضمُّه ويقول: أنتَ أنتَ أنت”، فرَحاً بالتمزُّق والتفرُّق؛ لأنه يكره الاجتماعَ والتآلف.
تفكير وتأمل
أيها المسلم، حاسِب نفسك، وقِف مع نفسك وقفات، إذا أردتَ الإقدامَ على الطلاق، انظر حالك وحالَ المرأة وحال الأولاد الصغار، ماذا سيكون حالهم؟ سيتشتّتون ويتفرّقون بينك وبين أمّهم، فإما تمسُّكُ الأمّ بهم فيضيعون، وإما تمسُّكُ الأب بهم فيضيعون، وتقسو قلوبهم، ويتفرّق شملهم، ويُحدِث عليهم صدمةً نفسيّة في أحوالهم. فقِف قليلاً وفكِّر، فكِّر وتأمّل قبل أن تقدِم على الطلاق، ما الملجأ وما المخرج؟ واستِخر الله واستشِر، وإياك والطيشَ والغضب، وإياك والحماقةَ، وإياك والتسرُّع، وإياك أن تجعلَ الطلاق على لسانك في كل أحوالك، فينهدِم بيتُك من حيث لا تشعر.
كم نادمٍ يندم ويقول: ما فعلتُ وما أردت، ويندم ولات حينَ مندَم، فلو فكَّر قليلاً وتأمّل لعلم أنه المخطئ والمقصِّر، ولو أنه تأنّى في أموره وتدارك أحوالَه لوُفِّق للصواب.
ولكن ما هو موقف أهلِ المرأة وأهل الزوج؟ هذا أمر لا بدَّ من النظر فيه. فإنّ بعض أهل البيت، بعض أقرباء الزوجة ربما أعانوا ابنتَهم على الشقاق، وأعانوها على إهانةِ الزوج وإذلاله، ووقفوا معها رغمَ أخطائها وتقصيرها، لكن ابنتهم يحبُّونها فيميلون معَها دونَ أن ينبِّهوها وينصحوها ويرشِدوها، وربما تدخَّل الأبوان في حياةِ الزوج، فحاوَلوا التفريقَ بينه وبين امرأته لأمور تافهةٍ وحكايات ووشايات، وأمور لا تتحمّل هذه الأمور.
إذاً فعلى أهل الزوجة وأهل الزوج أن يكونوا جميعاً عوناً على استمرار هذا العقدِ ودوامه بكلّ ما أمكنهم من وسيلة، إن رأوا من البنتِ خطأً حاولوا تأديبها وتوجيهَها ولفتَ نظرها إلى الأخطاء، وأن الزواج ليس كلّ يوم زوج، وليس المهمّ أن المرأة تُطلَّق وتزوّج، المهمّ أن تنتظِم حياتُها الزوجيّة بدون أيّ بلبلة. ثم أهل الزوج إن رأوا من ابنهم شيئاً من الجفاء وعدم التوازن فلا بدَّ من لفتِ نظره وتبيين الأخطاء حتى تستمرّ الحياة. أما إن كانت الحياة الزوجيّة يتدخّل فيها الأهلون من قبل المرأة والزوج من غير تأمّل ولا روية، فهذا والعياذ بالله سببٌ لهدم البيت وتشتيت الأسرة.
مسؤولية المجتمع:
ويقول د. سعود بن عبدالعزيز الغنيم الاستاذ بكلية أصول الدين بالرياض: الأسرة في الإسلام تتكون بعد إجراء العقد الشرعي للزواج بالصيغة والشروط المعروفة، التي تلزم طرفي الزواج – الزوج والزوجة – بحقوقه على كل منهما ليس هذا مقام بسطها، وذلك العقد وتلك الحقوق في غاية الأهمية لبقاء بناء الأسرة متماسكاً شامخاً، يتربى الأبناء في أكنافه ويستنشقون عبق الهدى الإسلامي منذ نعومة أظفارهم، لينشأ بذلك أبناء أقوياء في دينهم أصحاء في أبدانهم لأنهم قد تمتعوا بكل حاجاتهم الطفولية كاملة من رضاعة وحضانة ورعاية صحية، وهذه من واجبات الأم التي لا يحل لها أن تمتنع عنها لأنفة أو رفاهية إلا لعذر شرعي قال تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233]، وللطفل عليها الحنان ودفع الأذى والنظافة، كما قال تعالى في شأن أخت موسى عليه السلام: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ } [القصص: 12]. لكن عرى ذلك الحصن المكين قد تنفصم لأي سبب من الأسباب فيتم الافتراق بين الزوجين، بين عمودي الأسرة اللذين يحملان سقفها الذي ينعم الأبناء تحت ظله، ويكون ذلك بطلاق أو هجر أو موت، والاقدار كلها بيد رب البريات سبحانه. فبهذا ينكشف أمر الأبناء ذكوراً وإناثاً وتبدو حاجتهم لمن يعولهم – خاصة إذا كانوا قصاراً – لذلك المتأمل في قول رسول الهدى والرحمة – عليه افضل الصلاة والسلام – حيث يقول: “أنا وكافل اليتيم كهاتين” يجد أن ثمة حاجة ملحة للقيام على أمر الصبية الصغار يرعاهم ويتولى شأنهم ويربيهم على هدى القرآن والسنة حتى يجلب لهم جزءاً مما كان يرجوه عائلهم ويعوض بعضاً من حنانه وعطفه وأبوته. ومن مسؤولية مجتمع المسلمين لهم ألا يقعوا فريسة للضياع والفساد والانحراف، وألا يكونوا لقمة سائغة لما ينتج عن متغيرات الداخل والخارج التي زاغت عن سبيل الهدى.
كفالة اليتيم
ومن السبل الناجحة في نظر د. الغنيم لحماية تلك الفئة التي فجعت بأحد أقرب الناس إليها ما يلي:
* الكفالة استجابة لقول رسولنا صلى الله عليه وسلم: “أنا وكافل اليتيم كهاتين”، ومن طلقت أمه – إذا لم يجد عناية من أبيه – أشبه ما يكون باليتيم، فهو محتاج إلى رعاية وحنو وعطف كما سلف ذكره.
* التعليم، وليس المقصود التعليم العام فهذا مكفول لكل أحد ولله الحمد، وإنما المراد تربيته عملياً باصطحابه إلى المساجد بعد أن يحسن طهوره، حيث يتعلم منهج التردد على المساجد لكي يكبر وشأن الطاعة والعبادة في قلبه ليتربى على حب الله ورسوله. قال تعالى: {قٍلً إن كٍنتٍمً تٍحٌبٍَونّ پلَّهّ فّاتَّبٌعٍونٌي يٍحًبٌبًكٍمٍ پلَّهٍ $ّيّغًفٌرً لّكٍمً ذٍنٍوبّكٍمً} [آل عمران: 31]. فإذا تربى على الصلاة والصلاح وجد عنده حارساً قوياً يحميه – بإذن الله – من أثر التغير.
* القرآن حبل الله المتين وصراطه المستقيم، من رزقه حفظه وتدبره فقد عصم بتوفيق الله من الضلال، ويكون الأثر واضحاً والخير كثيراً والنفع عميماً إذا تربى عليه أجيال الأمة في حداثة السن ونعومة الأظفار.
* سيرة المصطفى وسنته صلى الله عليه وسلم فيها الخير العظيم: سمو في الأخلاق ورقي في الطباع وحسن في الهدى، ونجاة في الدنيا وفوز في الآخرة، إذا أخذنا بها ناشئتنا أصبحوا – بإذن الله – على ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
* التوجيه في التعليم إلى ما تميل إليه القدرات، كل بحسب ما يسره الله له حتى لا يجد الفشل التعليمي إليهم سبيلاً، لنبني جيلاً قوياً معتزاً بدينه فخوراً بتاريخه محباً لأمته متفانياً في سبيل الدفاع عنها وعن دينها. والله من وراء القصد.
أعاصير أسرية
ويرى الشيخ إبراهيم بن جاسر الجاسر رئيس المحكمة العامة بالقريات أن الشارع الحكيم الخبير أوثق الروابط الزوجية بتعظيم حق الزوج على زوجته، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: “لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها”، وقال عليه الصلاة والسلام: “إن المرأة إذا صلت فرضها وصامت شهرها وأطاعت زوجها دخلت الجنة”، أو كما قال صلى الله عليه وسلم، كما أنه عظم حق المرأة على زوجها وجعله هو القائم عليها المتولي أمرها، بل جعل الخيّر لأهله من خيار المؤمنين فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “خيركم خيركم لأهله”، بل إن الله تعالى جعل الزوجين بعضهما لباس بعض فقال: {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ } [البقرة: 187]، وكل هذا من أجل تقوية الرابطة بين الزوجين فهما اللبنة الأولى للمجتمع الإسلامي، وهما البنية التحتية له والمنبع الذي ينبثق منه أفراد المجتمع فإذا كانت العلاقة بين الزوجين قوية متوافقة والرابطة متماسكة بينهما كمل بناء المجتمع وصمد أمام الرياح والأعاصير التي تهب على الإسلام والمسلمين من أعدائه لتقتلعه من ثوابته الدينية وأخلاقه الإسلامية والزج به بمستنقعات التحلل والتيارات الفكرية الضالة.
فإذا تفككت الأسرة بطلاق أو موت أو هجر فقد يتصدع هذا البناء وتحدث من المتغيرات الداخلية والخارجية ما تكون سبباً في تشتت الأسرة وقطيعة الرحم والخلافات بينهم التي لربما تحدث بسببها جرائم وتكون هذه الأسرة عرضة لهذه الأعاصير.. ولهذا فالله تعالى حث على المسارعة لبناء ما تفكك من الأسرة سواء بموت أو طلاق وإصلاح ما انقطع بهجر قال تعالى: {فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232]، بل أمر كل رجل بالغ وامرأة بالغة بالمسارعة للزواج فقال – سبحانه -: {وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ [النور: 32]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج”، وقال تعالى عند حدوث تفكك أسري بين الزوجين: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً } [النساء: 35]، فبعد حدوث هذا التفكك أمر الله أن يبعث حكمين ليدرسا حالة الزوجين فإن كان برجوعهما مصلحة واستطاعة على التماسك الأسري فإن الله تعالى سيوفق بينهما وإلا فالفراق لهما خير ليبحث كل واحد منهما عن رابطة أخرى عاجلاً يمكنه بها أن يؤدي وظيفته المناطة بعنقه بداية بنفسه وزوجه وأولاده ثم رحمه وجيرانه ومجتمعه كله.
ولهذا أعداء الإسلام لما علموا أنه لا يمكن تغيير عادات المسلمين وأخلاقهم وإبعادهم عن دينهم إلا بخلخلة الركيزة الأولى سعوا جاهدين ببث سمومهم ومحاولة تفكيك الأسر من أجل ألا تقف أمام مخططاتهم صامدة، التي يبثونها من الداخل والخارج وعن طريق وسائل الإعلام والغزو عن طريق الأسواق والموضات والمناسبات حتى وصل غزوهم في الداخل عن طريق كيفية تصاميم البيوت ليتناسب مع عادات أعداء الإسلام وقصدهم ما ينتج عن هذه التصاميم من اختلاط ونزع الحياء من المسلمين، إلى غير ذلك؛ ولهذا يجب على كل واحد خصوصاً العلماء والباحثين والمفكرين والكتاب أن يوضحوا هذه السلبيات، وضرر هذا التفكك على الفرد والمجتمع كل بحسبه، وأن يبينوا فائدة التماسك الأسري، والترابط بين الزوجين وأداء الحقوق بينهما، والمسارعة إلى بناء ما ينفك منها، وإصلاح ما يتصدع، وكل يؤدي وظيفته التي شرعها الله له، والتي فيها صلاح دينه ودنياه ومجتمعه، لتقف في وجه هذه المتغيرات الداخلية والخارجية، التي تعزونا ليل نهار في أسواقنا وفي شوارعنا وفي أعمالنا، حتى في قعر بيوتنا.
أسباب تفكك الأسرة
ويرى الشيخ عبد الباري بن عوض الثبيتي أن الأسرة المسلمة التي قامت على الإيمان بالله، وتمسكت بأخلاق الإسلام، وتعلقت بالمساجد، استطاعت بنور القرآن أن تخرّج للحياة أبطالاً شجعان، وعلماء أفذاذاً، وعباداً زهاداً، وقادة مخلصين، ورجالاً صالحين، ونساء عابدات، كتبوا صفحة تأريخ مجيدة في حياة المسلمين.
وهي اليوم تواجه حملة شرسة لزعزعة أركانها، وإلغاء كيانها، بفكّ رباط الأسرة، وإفساد أخلاق المرأة، ونبذ قيم الأسرة، والدعوة الى العهر والاختلاط والإباحية.
وإذا تحطمت الأسرة، هل يبقى ثمة أمة؟! وإن بقيت، فهل ستكون إلا على هامش الحياة؟!
لقد تفككت عرى الأسرة في بعض بلاد المسلمين نيتجة السقوط في حمأة التقليد الأعمى للغرب، والانسياق وراء كل نحلة ترد منه، فكثرت حالات الطلاق، وتدمرت الحياة، وأضاع المجتمع، وعزف كثير من الشباب عن الزواج، تبع ذلك انطلاق محموم وراء الشهوات البهيمية.
إن الدور القادم – عباد الله – دور خطير ومؤثر، فقد أسهمت التغيرات الاجتماعية في تقليص دور الأسرة، واستولت أجهزة البث الفضائي وغيرها على وقت الأسرة، وأثرت في مسارها، وخلخلت قيمها، ففقدت الأسرة في بعض المواضع تأثيرها، وشيئاً من فاعليتها.
إن هذه الأجهزة وغيرها، زاحمت الأسرة في توجيه الأبناء والبنات، داخل المعقل الحصين بجاذبية مدروسة، وغزو مستور ومكشوف، لتقطع صلتهم بأمتهم، وتضعف عقيدتهم، وتنسف غيرتهم.
لكن المؤلم حقاً أن بعض الأسر قد تخلت عن دورها في مهمة التربية العقدية والفكرية، وأسلمت أولادها لأجهزة البث الفضائي وغيرها، تصنع ما يحلو لها من هدم ومكر.
الحقوق محفوظة لـ مجلة الدعوة (http://www.aldaawah.com/)