معلم متقاعد
07-22-2010, 03:08 PM
قراءة متدرجة في المفهوم: العسر القرائي.. «الدسلكسيا»
فهد حماد التميمي (http://www.almarefh.net/show_content_sub.php?ID=57&rwit=K)
إن البحث في موضوع العسر القرائي يطرح في بداية المسار إشكالية المفهوم، حيث ما زالت الرؤى النظرية في الأدبيات الخاصة بالموضوع موضع جدل ونقاش شديدين فيما يتعلق بالمفهوم والتعريف والتداخلات المطروحة في هذا الشأن.
وفي هذا الإطار نجد إشكالية المفهوم الناظمة لدراسة موضوع العسر القرائي، متداخلة بثلاثة مستويات مفاهيمية متدرجة من العام إلى الخاص: فمستوى عام يدور في فلك مفهوم صعوبة التعلم ضمن نطاق فئات التربية الخاصة، ومستوى وسيط يدور في فلك الصعوبات النوعية ضمن صعوبات التعلم، ومستوى خاص يدور في فلك العسر القرائي كمفهوم مميز بخصائصه ومؤشراته ومظاهره. وسيقوم هذا المقال بقراءة متدرجة لما يلتبس داخل هذه الإشكالية دون إغفال منطق التداخل والترابط بين المستويات الثلاثة.
المستوى العام: صعوبات التعلم
إن العسر القرائي (الدسلكسيا) يندرج تحت منظومة صعوبات التعلم بمفهومها العام، لذا لزم أن يُبدأ الحديث بما يتداخل مع المفهوم العام لصعوبة التعلم من المصطلحات الأكاديمية الأخرى التي تشترك معها في النتائج نفسها أهمها (التأخر الدراسي - بطء التعلم) ؛ وذلك لتتضح الصورة العامة لصعوبة التعلم، ثم بعد ذلك يأتي الحديث عما يمكن أن يتداخل مع عسر القراءة (الدسلكسيا) من صعوبات التعلم الأخرى في المستوى الوسيط.
تعد صعوبة التعلم إحدى فئات التربية الخاصة, أو فئات غير العاديين, بل إنها تعد في الواقع من أكثر هذه الفئات عددًا، وهو الأمر الذي يعكس رداءة الأساليب التشخيصية المستخدمة في سبيل ذلك، حيث يبتعد الكثيرون بها عن طبيعتها التي ينبغي أن ينظر إليها من خلالها، فينظرون إليها على أنها شيء آخر فتصبح النتيجة أن يجدوا أنفسهم أمام فئة من الأفراد لا يعانون حقيقة صعوبة التعلم.
وقد تعرضت صعوبات التعلم في واقع الأمر لكم كبير من الجدل الذي دار بين الكثيرين من المختصين، وذلك لتحديد طبيعة هذا الموضوع على وجه الدقة, ومحاولة تفادي الكثير مما دار من الخلط بينه وبين المفاهيم الأخرى. وقد أدى الجدل الدائر لتحديد طبيعة صعوبات التعلم إلى خلط كبير؛ وذلك لتحديد أفضل الطرق لتعليم أولئك التلاميذ. ونظرًا لأن مجال صعوبات التعلم قد شهد العديد من الممارسات المختلفة التي ظلت موضع تساؤل بين الكثيرين، فقد أضاف ذلك إثارة كبيرة إلى مهمة القيام بتعليم الأطفال ذوي صعوبات التعلم وهو الأمر الذي يمثل في حد ذاته تحديًا كبيرًا بالنسبة لهم.
ومع تطور هذا المجال أصبح هناك اتفاق في وقتنا الحالي حول الأمور المهمة والأساسية التي يتضمنها، فتعمل نتائج البحوث التي تم إجراؤها في هذا المجال على سبيل المثال على مساعدتنا كي نفهم تلك الأسباب التي تكمن خلف صعوبات التعلم وتؤدي إليها، مما يساعدنا بطبيعة الحال في اختيار أفضل اتجاهات العلاج التربوي الخاصة بها.
وقد أضحى مؤكدًا في الوقت الحالي أن السبب الرئيس لصعوبات التعلم إنما يكمن في ذلك الخلل الذي يصيب الجهاز العصبي، ويؤدي بالتالي إلى خلل في الأداء الوظيفي للمخ، أي أن السبب يكون داخليًا وليس خارجيًا حيث لا توجد أسباب خارجية لصعوبات التعلم. ولذلك فإن هذه الحقيقة عادة ما يتم استخدامها في واقع الأمر كمحك لتمييز بين صعوبة التعلم والتأخر الدراسي.
وفي هذا الإطار نجد أن هناك ثلاثة مصطلحات مختلفة تداخلت, وتشابكت فتشابكت معها معارفنا, وتعقدت, فخفيت الحقيقة في غالب الأمر، وهذه المصطلحات هي: (صعوبة التعلم، التأخر الدراسي، بطء التعلم).
وإذا ما كان القاسم المشترك بين هذه المصطلحات أو الأوضاع يتمثل في واقع الأمر في انخفاض التحصيل Underachievement، فإننا نؤكد أن مثل هذا الانخفاض في مستوى التحصيل إنما يختلف في كل حالة عما يرجع إليه الأمر في الحالة أو الحالات الأخرى اختلافًا واضحًا ودالًا، بحيث يمكننا من خلاله أن نحدد تلك الحالة بشكل دقيق لا لبس فيه، ولكن الواقع يشهد أن الكم الأكبر من الكتابات العربية في هذا المضمار قد خلطت بين هذه الأوضاع. ويمكن أن نحدد مفهوم ودلالة صعوبة التعلم كما عرفها كيرك ( Kirk ) بقوله «إن مصطلح الأطفال ذوي الصعوبات الخاصة بالتعلم يعني أولئك الأطفال الذين يعانون من قصور في واحدة أو أكثر من العمليات النفسية الأساسية التي تدخل في فهم أو استخدام اللغة المنطوقة، أو المكتوبة، ويظهر هذا القصور في نقص القدرة على الاستماع أو الكلام،أو القراءة،أو الكتابة، أو التهجئة، أو في أداء العمليات الحسابية. وقد يرجع هذا القصور إلى إعاقة في الإدراك، أو إلى إصابة في المخ، أو إلى الخلل الوظيفي المخي البسيط، أو إلى عسر القراءة أو إلى حبسة الكلام. ولا يشمل الأطفال ذوي صعوبات التعلم الناتجة عن إعاقة بصرية، أو سمعية، أو حركية، أو تخلف عقلي أو اضطراب انفعالي، أو حرمان بيئي وثقافي واقتصادي».
أما التأخر الدراسي فيعد بمنزلة انخفاض تحصيل الطفل في مجال معين من المجالات الدراسية، أو في كل المقررات، أو المجالات الدراسية المقررة عليه. وذلك قياسًا بالمستوى التحصيلي بأقرانه في مثل سنه أو في جماعته الثقافية؛ مما يترتب عليه عدم قدرته على القيام بالمهام الأكاديمية المحددة لسنه وصفه الدراسي.
وقد اصطلح على قياس أو تقدير التأخر الدراسي بقياس النسبة التحصيلية، وهي تلك النسبة التي يتم قياسها عن طريق قسمة العمر العقلي للطفل على عمره التحصيلي، ثم ضرب الناتج في مئة، وعلى هذا الأساس فإن التأخر الدراسي ما هو إلا انخفاض نسبة أو مستوى تحصيل الطفل عن المستوى المتوسط أي العادي وذلك في حدود انحرافين معياريين. وقد يتعلق مثل هذا الانخفاض بمقرر (مجال) دراسي معين أو فئة من المجالات الدراسية ذات الصلة به، حيث ترتبط معه في القدرة اللازمة لذلك والتي قد يعاني الطفل القصور فيها، كأن يتعلق الأمر بالرياضيات أو العلوم أو اللغة مثلًا، وهذا ما يعرف بالتأخر الدراسي النوعي.
كما قد يكون التأخر الدراسي من جهة أخرى تأخرًا عامًا يتعلق بكل المجالات الدراسية أو غالبيتها، ومن ثم فإن هذا النوع من التأخر الدراسي يرتبط في الواقع بإعاقة عقلية أو تأخر عقلي، حيث يحول ذلك دون قدرة الفرد على مسايرة أقرانه أو مضارعتهم في مستوى التحصيل، فينصرف بالتالي عن متابعة الدراسة ذاتها. كما يكون الانخفاض في مستوى تحصيل الطفل المتأخر دراسيًا انخفاضًا شبه ثابت في كل المواقف وفي كل الأوقات.
وبذلك فإن مستوى تحصيل الطفل المتأخر دراسيًا لا يصل إلى المستوى المتوسط، بل إنه عادة ما يستقر في المستوى دون المتوسط سواء كان مثل هذا التأخر عامًا أو نوعيًا.
ويرى البعض أن في هذا الأمر تمييزًا بين الأداء الأكاديمي للطفل المتأخر دراسيًا وقرينه الذي يعاني إحدى صعوبات التعلم أو أكثر ؛ حيث نلاحظ أن الأداء الأكاديمي للطفل في حالة صعوبات التعلم قد يتذبذب في بعض الأحيان بين الارتفاع والانخفاض اعتمادًا على ما قد يتعرض له من مواقف أكاديمية مختلفة، في حين يظل الأداء الأكاديمي للطفل المتأخر دراسيًا منخفضًا أي دون المستوى وذلك طوال الوقت.
ومن جانب آخر فإن التأخر الدراسي قد يكون تأخرًا عامًا في كل المجالات الدراسية أو معظمها، وهو ما يرجع إلى القصور العقلي, وقد يكون تأخرًا خاصًا أو نوعيًا في مجال دراسي بعينه أو ما يرتبط به من مجالات، وهو الأمر الذي يرتبط كما يتضح بعمومية التأخر أو شموله, بينما نجد أننا إذا ما نظرنا إلى التأخر بحسب مدته أو طبيعته فإننا نجد أن التأخر الدراسي وفقًا لذلك قد يكون مزمنًا أي مستمرًا، كما أنه قد يكون مؤقتًا أي عرضيًا بمعنى أنه من المحتمل بالنسبة للطفل أن يكون قد تعرض لموقف معين أو عامل محدد أو مؤثر ما ويكون من شأنه أن يؤدي إلى ذلك, ولكن سرعان ما يتغير الأمر مع تغير الظروف التي يتعرض الطفل لها. وإذا ما نظرنا إلى التأخر الدراسي بحسب مسبباته الأساسية أي الأصل فيه، فإننا نجد أنه إما أن يكون عضويًا أي يرجع إلى وجود اضطرابات عضوية, أو يكون وظيفيًا أي يرجع إلى الخلل في الناحية الوظيفية أو بيئيًا.
وبذلك فإن مثل هذه الأسباب تتعدد بحيث يمكن تصنيفها إجمالًا في العوامل العقلية, أو الجسمية, أو النفسية, أو الاجتماعية, أو المدرسية, أو الأسرية. أما صعوبة التعلم فهي في الواقع إما أن تكون نمائية أو أكاديمية ولكل منها مظاهرها المختلفة، مع العلم بأننا قد لا نستطيع أن نضع خطًا فاصلًا بينهما، وإن كانت جميعها ترجع في الأساس إلى حدوث خلل في الأداء الوظيفي للمخ وهو ما يعرف بالقصور النيورولوجي أو العصبي. نخلص إذن إلى أن الفرق بين صعوبات التعلم والتأخر الدراسي يظهر جليًا في طبيعة الأسباب، ونوعية القصور ومدته، والأداء الأكاديمي ثباته وتذبذبه.
ومن جهة أخرى فإن مصطلح بطء التعلم slow learning يستخدم في الواقع للدلالة على حالة التلميذ بطيء التعلم من ناحية الزمن، أي أنه يشير بذلك إلى سرعة مثل هذا الطفل في فهم وتعلم ما يوكل إليه من مهام أكاديمية مختلفة، قياسًا بما يمكن أن يستغرقه أقرانه في مثل عمره الزمني، وفي جماعته الثقافية، من سرعة فهم وتعلم وأداء نفس المهام الأكاديمية، حيث إن الطفل بطيء التعلم يستغرق تقريبًا ضعف الزمن الذي يستغرقه الطفل العادي في التعلم على الأقل, كما تشير العديد من الملاحظات والممارسات العملية إلى أن مثل هذا الطفل قد يستغرق ثلاثة أضعاف الزمن الذي قد يستغرقه قرينه العادي، في سبيل أداء مهمة أكاديمية معينة؛ أي أن المسألة وفقًا لذلك تتعلق بزمن التعلم والأداء, أي ذلك الزمن الذي يستغرقه الطفل في سبيل القيام بمثل هذا الأمر، وهو ما يدل في الواقع على أن تصنيف وتشخيص بطء التعلم إنما يعتمد في المقام الأول على الناحية الزمنية فيما يتعلق بالجانب الأكاديمي، أي أن الطفل بطيء التعلم بذلك ليس سريع التعلم مطلقًا وهو ما يعني من جانب آخر أن بطء التعلم يقابل سرعة التعلم, كما أنه إذا ما تم تعليم هذا الطفل بطيء التعلم في فصل دراسي عادي فإنه سوف يكون حتمًا من المتأخرين دراسيًا ؛ وذلك لعدم كفاية الزمن اللازم لتعليمه من ناحية, وعدم مراعاة قدراته واستعداداته وإمكاناته من ناحية أخرى.
ولما كانت نسبة ذكاء مثل هذا لطفل تتراوح عادة بين 70-90 فإننا إذا ما قمنا بتعليمه في فصول خاصة بمن هم على شاكلته, وقمنا باستخدام طرق وأساليب تعليمية تناسب قدراته وإمكاناته فإنه سوف يحقق بعض التقدم على أثر ذلك.
فهد حماد التميمي (http://www.almarefh.net/show_content_sub.php?ID=57&rwit=K)
إن البحث في موضوع العسر القرائي يطرح في بداية المسار إشكالية المفهوم، حيث ما زالت الرؤى النظرية في الأدبيات الخاصة بالموضوع موضع جدل ونقاش شديدين فيما يتعلق بالمفهوم والتعريف والتداخلات المطروحة في هذا الشأن.
وفي هذا الإطار نجد إشكالية المفهوم الناظمة لدراسة موضوع العسر القرائي، متداخلة بثلاثة مستويات مفاهيمية متدرجة من العام إلى الخاص: فمستوى عام يدور في فلك مفهوم صعوبة التعلم ضمن نطاق فئات التربية الخاصة، ومستوى وسيط يدور في فلك الصعوبات النوعية ضمن صعوبات التعلم، ومستوى خاص يدور في فلك العسر القرائي كمفهوم مميز بخصائصه ومؤشراته ومظاهره. وسيقوم هذا المقال بقراءة متدرجة لما يلتبس داخل هذه الإشكالية دون إغفال منطق التداخل والترابط بين المستويات الثلاثة.
المستوى العام: صعوبات التعلم
إن العسر القرائي (الدسلكسيا) يندرج تحت منظومة صعوبات التعلم بمفهومها العام، لذا لزم أن يُبدأ الحديث بما يتداخل مع المفهوم العام لصعوبة التعلم من المصطلحات الأكاديمية الأخرى التي تشترك معها في النتائج نفسها أهمها (التأخر الدراسي - بطء التعلم) ؛ وذلك لتتضح الصورة العامة لصعوبة التعلم، ثم بعد ذلك يأتي الحديث عما يمكن أن يتداخل مع عسر القراءة (الدسلكسيا) من صعوبات التعلم الأخرى في المستوى الوسيط.
تعد صعوبة التعلم إحدى فئات التربية الخاصة, أو فئات غير العاديين, بل إنها تعد في الواقع من أكثر هذه الفئات عددًا، وهو الأمر الذي يعكس رداءة الأساليب التشخيصية المستخدمة في سبيل ذلك، حيث يبتعد الكثيرون بها عن طبيعتها التي ينبغي أن ينظر إليها من خلالها، فينظرون إليها على أنها شيء آخر فتصبح النتيجة أن يجدوا أنفسهم أمام فئة من الأفراد لا يعانون حقيقة صعوبة التعلم.
وقد تعرضت صعوبات التعلم في واقع الأمر لكم كبير من الجدل الذي دار بين الكثيرين من المختصين، وذلك لتحديد طبيعة هذا الموضوع على وجه الدقة, ومحاولة تفادي الكثير مما دار من الخلط بينه وبين المفاهيم الأخرى. وقد أدى الجدل الدائر لتحديد طبيعة صعوبات التعلم إلى خلط كبير؛ وذلك لتحديد أفضل الطرق لتعليم أولئك التلاميذ. ونظرًا لأن مجال صعوبات التعلم قد شهد العديد من الممارسات المختلفة التي ظلت موضع تساؤل بين الكثيرين، فقد أضاف ذلك إثارة كبيرة إلى مهمة القيام بتعليم الأطفال ذوي صعوبات التعلم وهو الأمر الذي يمثل في حد ذاته تحديًا كبيرًا بالنسبة لهم.
ومع تطور هذا المجال أصبح هناك اتفاق في وقتنا الحالي حول الأمور المهمة والأساسية التي يتضمنها، فتعمل نتائج البحوث التي تم إجراؤها في هذا المجال على سبيل المثال على مساعدتنا كي نفهم تلك الأسباب التي تكمن خلف صعوبات التعلم وتؤدي إليها، مما يساعدنا بطبيعة الحال في اختيار أفضل اتجاهات العلاج التربوي الخاصة بها.
وقد أضحى مؤكدًا في الوقت الحالي أن السبب الرئيس لصعوبات التعلم إنما يكمن في ذلك الخلل الذي يصيب الجهاز العصبي، ويؤدي بالتالي إلى خلل في الأداء الوظيفي للمخ، أي أن السبب يكون داخليًا وليس خارجيًا حيث لا توجد أسباب خارجية لصعوبات التعلم. ولذلك فإن هذه الحقيقة عادة ما يتم استخدامها في واقع الأمر كمحك لتمييز بين صعوبة التعلم والتأخر الدراسي.
وفي هذا الإطار نجد أن هناك ثلاثة مصطلحات مختلفة تداخلت, وتشابكت فتشابكت معها معارفنا, وتعقدت, فخفيت الحقيقة في غالب الأمر، وهذه المصطلحات هي: (صعوبة التعلم، التأخر الدراسي، بطء التعلم).
وإذا ما كان القاسم المشترك بين هذه المصطلحات أو الأوضاع يتمثل في واقع الأمر في انخفاض التحصيل Underachievement، فإننا نؤكد أن مثل هذا الانخفاض في مستوى التحصيل إنما يختلف في كل حالة عما يرجع إليه الأمر في الحالة أو الحالات الأخرى اختلافًا واضحًا ودالًا، بحيث يمكننا من خلاله أن نحدد تلك الحالة بشكل دقيق لا لبس فيه، ولكن الواقع يشهد أن الكم الأكبر من الكتابات العربية في هذا المضمار قد خلطت بين هذه الأوضاع. ويمكن أن نحدد مفهوم ودلالة صعوبة التعلم كما عرفها كيرك ( Kirk ) بقوله «إن مصطلح الأطفال ذوي الصعوبات الخاصة بالتعلم يعني أولئك الأطفال الذين يعانون من قصور في واحدة أو أكثر من العمليات النفسية الأساسية التي تدخل في فهم أو استخدام اللغة المنطوقة، أو المكتوبة، ويظهر هذا القصور في نقص القدرة على الاستماع أو الكلام،أو القراءة،أو الكتابة، أو التهجئة، أو في أداء العمليات الحسابية. وقد يرجع هذا القصور إلى إعاقة في الإدراك، أو إلى إصابة في المخ، أو إلى الخلل الوظيفي المخي البسيط، أو إلى عسر القراءة أو إلى حبسة الكلام. ولا يشمل الأطفال ذوي صعوبات التعلم الناتجة عن إعاقة بصرية، أو سمعية، أو حركية، أو تخلف عقلي أو اضطراب انفعالي، أو حرمان بيئي وثقافي واقتصادي».
أما التأخر الدراسي فيعد بمنزلة انخفاض تحصيل الطفل في مجال معين من المجالات الدراسية، أو في كل المقررات، أو المجالات الدراسية المقررة عليه. وذلك قياسًا بالمستوى التحصيلي بأقرانه في مثل سنه أو في جماعته الثقافية؛ مما يترتب عليه عدم قدرته على القيام بالمهام الأكاديمية المحددة لسنه وصفه الدراسي.
وقد اصطلح على قياس أو تقدير التأخر الدراسي بقياس النسبة التحصيلية، وهي تلك النسبة التي يتم قياسها عن طريق قسمة العمر العقلي للطفل على عمره التحصيلي، ثم ضرب الناتج في مئة، وعلى هذا الأساس فإن التأخر الدراسي ما هو إلا انخفاض نسبة أو مستوى تحصيل الطفل عن المستوى المتوسط أي العادي وذلك في حدود انحرافين معياريين. وقد يتعلق مثل هذا الانخفاض بمقرر (مجال) دراسي معين أو فئة من المجالات الدراسية ذات الصلة به، حيث ترتبط معه في القدرة اللازمة لذلك والتي قد يعاني الطفل القصور فيها، كأن يتعلق الأمر بالرياضيات أو العلوم أو اللغة مثلًا، وهذا ما يعرف بالتأخر الدراسي النوعي.
كما قد يكون التأخر الدراسي من جهة أخرى تأخرًا عامًا يتعلق بكل المجالات الدراسية أو غالبيتها، ومن ثم فإن هذا النوع من التأخر الدراسي يرتبط في الواقع بإعاقة عقلية أو تأخر عقلي، حيث يحول ذلك دون قدرة الفرد على مسايرة أقرانه أو مضارعتهم في مستوى التحصيل، فينصرف بالتالي عن متابعة الدراسة ذاتها. كما يكون الانخفاض في مستوى تحصيل الطفل المتأخر دراسيًا انخفاضًا شبه ثابت في كل المواقف وفي كل الأوقات.
وبذلك فإن مستوى تحصيل الطفل المتأخر دراسيًا لا يصل إلى المستوى المتوسط، بل إنه عادة ما يستقر في المستوى دون المتوسط سواء كان مثل هذا التأخر عامًا أو نوعيًا.
ويرى البعض أن في هذا الأمر تمييزًا بين الأداء الأكاديمي للطفل المتأخر دراسيًا وقرينه الذي يعاني إحدى صعوبات التعلم أو أكثر ؛ حيث نلاحظ أن الأداء الأكاديمي للطفل في حالة صعوبات التعلم قد يتذبذب في بعض الأحيان بين الارتفاع والانخفاض اعتمادًا على ما قد يتعرض له من مواقف أكاديمية مختلفة، في حين يظل الأداء الأكاديمي للطفل المتأخر دراسيًا منخفضًا أي دون المستوى وذلك طوال الوقت.
ومن جانب آخر فإن التأخر الدراسي قد يكون تأخرًا عامًا في كل المجالات الدراسية أو معظمها، وهو ما يرجع إلى القصور العقلي, وقد يكون تأخرًا خاصًا أو نوعيًا في مجال دراسي بعينه أو ما يرتبط به من مجالات، وهو الأمر الذي يرتبط كما يتضح بعمومية التأخر أو شموله, بينما نجد أننا إذا ما نظرنا إلى التأخر بحسب مدته أو طبيعته فإننا نجد أن التأخر الدراسي وفقًا لذلك قد يكون مزمنًا أي مستمرًا، كما أنه قد يكون مؤقتًا أي عرضيًا بمعنى أنه من المحتمل بالنسبة للطفل أن يكون قد تعرض لموقف معين أو عامل محدد أو مؤثر ما ويكون من شأنه أن يؤدي إلى ذلك, ولكن سرعان ما يتغير الأمر مع تغير الظروف التي يتعرض الطفل لها. وإذا ما نظرنا إلى التأخر الدراسي بحسب مسبباته الأساسية أي الأصل فيه، فإننا نجد أنه إما أن يكون عضويًا أي يرجع إلى وجود اضطرابات عضوية, أو يكون وظيفيًا أي يرجع إلى الخلل في الناحية الوظيفية أو بيئيًا.
وبذلك فإن مثل هذه الأسباب تتعدد بحيث يمكن تصنيفها إجمالًا في العوامل العقلية, أو الجسمية, أو النفسية, أو الاجتماعية, أو المدرسية, أو الأسرية. أما صعوبة التعلم فهي في الواقع إما أن تكون نمائية أو أكاديمية ولكل منها مظاهرها المختلفة، مع العلم بأننا قد لا نستطيع أن نضع خطًا فاصلًا بينهما، وإن كانت جميعها ترجع في الأساس إلى حدوث خلل في الأداء الوظيفي للمخ وهو ما يعرف بالقصور النيورولوجي أو العصبي. نخلص إذن إلى أن الفرق بين صعوبات التعلم والتأخر الدراسي يظهر جليًا في طبيعة الأسباب، ونوعية القصور ومدته، والأداء الأكاديمي ثباته وتذبذبه.
ومن جهة أخرى فإن مصطلح بطء التعلم slow learning يستخدم في الواقع للدلالة على حالة التلميذ بطيء التعلم من ناحية الزمن، أي أنه يشير بذلك إلى سرعة مثل هذا الطفل في فهم وتعلم ما يوكل إليه من مهام أكاديمية مختلفة، قياسًا بما يمكن أن يستغرقه أقرانه في مثل عمره الزمني، وفي جماعته الثقافية، من سرعة فهم وتعلم وأداء نفس المهام الأكاديمية، حيث إن الطفل بطيء التعلم يستغرق تقريبًا ضعف الزمن الذي يستغرقه الطفل العادي في التعلم على الأقل, كما تشير العديد من الملاحظات والممارسات العملية إلى أن مثل هذا الطفل قد يستغرق ثلاثة أضعاف الزمن الذي قد يستغرقه قرينه العادي، في سبيل أداء مهمة أكاديمية معينة؛ أي أن المسألة وفقًا لذلك تتعلق بزمن التعلم والأداء, أي ذلك الزمن الذي يستغرقه الطفل في سبيل القيام بمثل هذا الأمر، وهو ما يدل في الواقع على أن تصنيف وتشخيص بطء التعلم إنما يعتمد في المقام الأول على الناحية الزمنية فيما يتعلق بالجانب الأكاديمي، أي أن الطفل بطيء التعلم بذلك ليس سريع التعلم مطلقًا وهو ما يعني من جانب آخر أن بطء التعلم يقابل سرعة التعلم, كما أنه إذا ما تم تعليم هذا الطفل بطيء التعلم في فصل دراسي عادي فإنه سوف يكون حتمًا من المتأخرين دراسيًا ؛ وذلك لعدم كفاية الزمن اللازم لتعليمه من ناحية, وعدم مراعاة قدراته واستعداداته وإمكاناته من ناحية أخرى.
ولما كانت نسبة ذكاء مثل هذا لطفل تتراوح عادة بين 70-90 فإننا إذا ما قمنا بتعليمه في فصول خاصة بمن هم على شاكلته, وقمنا باستخدام طرق وأساليب تعليمية تناسب قدراته وإمكاناته فإنه سوف يحقق بعض التقدم على أثر ذلك.