البدوية
07-22-2010, 12:53 PM
حـــالـــة: رامـي
مقدم الحالــة: مهى دمشقية
ولدي رامي...
بدأت معاناته ومعاناتي في سنته الدراسية الأولى... كان كثير الحركة وقليل التركيز... لكنه طيب القلب، مرح. ومحبوب من الجميع ولكن هذا لم يخفف من المعاناة.
خلال سنته الدراسية الأولى، لم يكن رامي قادراً على تعلم الأغاني التي ينشدها رفاقه. كانت لغته الفرنسية ركيكة كما كتاباته ورسومه. أمّا في الملعب فقد كان رامي فوضوياً مما عرضّه لحوادث كثيرة حتى أصبحنا زواراً دائمين لغرفة الطوارىء.
مرّت السنة الأولى، ولم يتعلم رامي شيئاً. حاولت أن أعوض له في المنزل من خلال تكرار الأغاني له، قراءة القصص قبل النوم أو الإمساك بيده عند كتابة اسمه. مع الإشارة إلى أنّ رامي أيسر.
خلال السنة الثانية، أدركت أن رامي يختلف عن رفاقه. إنه لم يكن قادراً على أن يسرد ما قام به خلال النهار في المدرسة. والحقيقة أن ما أدهشني هو انطباع معلمته عنه التي كانت زميلتي في المدرسة وكنا دائماً نعطي رامي أعذاراً لعدم مقدرته على إتمام عمله، كنا ندعه يتصرف بالطريقة التي يحب... أتت نتائجه في نهاية العام على الشكل التالي: لم يتعلم رامي شيئاً، كتابته ازدادت سوءاً. عندما أبديت استيائي لمعلمته، قالت لي إنه بخير وهو محب ومسلٍ ولا حاجة للقلق.
في بداية السنة الدراسية الثالثة، لم أثق بكل معلمي رامي. عرضته على أخصائي تربوي لتزويدي بتشخيص تربوي عن حالته. أظهر التقرير أن رامي قليل التركيز وبحاجة لتقوية عضلاته الصغيرة. لم أجد الأخصائي المناسب للاهتمام بولدي لذلك قصدت المعلمين ثانية طالبة المساعدة منهم ومبديةًً الاستعداد للمساعدة في البيت. بدأت التمرين مع ولدي رامي ولكنّه رفض الفكرة وبات يتهرب كلما حاولت إعادة الشرح أو تطبيق عمل ما قد قام به في المدرسة. وازدادت معاناة كل منّا على حد سواء. أرهقتني محاولاتي اليائسة، أصبحت تائهةً أقصد أنا ورامي كل أخصائي نطق أو أي طبيب أسمع به.
مرّت السنين، وأصبح رامي في الصف الثالث الإبتدائي. اكتشف رامي صعوباته الحقيقية في الدراسة، كان يكرر كل ما يدرسه في المدرسة مع مدرّس خاص في البيت. كنا نزور المعالج اللغوي ثلاث مرات في الأسبوع وخلال عطلة نهاية الأسبوع. كانت معلمة رامي شديدة الانتقاد وتحاول إستفزاز رامي أمام رفاقه في الصف أو إعادة صياغة سؤال ما! فقد رامي ثقته بنفسه وتعوّد على عادات الأكل السيئة. زاد وزن رامي حوالي 20 كلغ في السنة، ولم تتوقف معاناته عند ذلك!
لم يذهب رامي إلى مركز تأهيل الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة يومياً لتعلّم مهارات الدراسة الصحيحة أو لتكرار دروسه.
بعد سنة، اجتمعت بمعلميه فأشاروا إلى أن مشكلة رامي بيولوجية وأنّه لا يحرز تقدماً بالرّغم من أن ذكاءه كان عالياً. فباتت جميع الفحوصات التي يأخذها رامي طبية بطبيعتها.
زار رامي أخصائيين في الأمراض العصبية، وكانت الفحوصات لامتناهية. حمداً لله، كانت نتائج الفحوصات سلبية ولكن رامي لم يظهر أي تحسّن... أمّا أنا، فلم أيأس...
عندما أصبح رامي في الثانية عشرة من عمره، علمت بوجود أخصائي نفسي جديد. ذهبت ورامي إليه كالعادة بالرّغم من لامبالاة رامي بالأمر. نجح رامي في الإختبار وسمعت لأول مرّة بتشخيص حالة رامي: قلّة تركيز وحركة مفرطة (adhd). وأخيراً، أصبح لحالة رامي تشخيص وعلاج: دواء عرف بالريتالين.
ربطنا جميع آمالنا بهذا الدواء السحري. أصبح رامي يأخذ حوالي 6 حبات في اليوم ليتمكن من التركيز في الصف. بات رامي وكأنه يرى للمرّة الأولى! لم يبال رامي بالعوارض الجانبية للدواء. كان حريصاً على أخذ جميع الحبات في أوقاتها وكان يخاف أن ينسى واحدة. كان يملأ جيوبه، حقيبته المدرسية ومقلمته بالريتالين كي لا ينسى! ظلّ رامي على ذلك الحال لمدة أربع سنوات.
لم ندرك أن هذه الحبوب لن تعوّض تلك السنوات حين كان رامي مهمّشاً في المدرسة ولم يحاول أحد إقامة أي تعديلات ملائمة له. اتهمه الجميع بعدم التركيز واللامبالاة. تجاهلوا جميع الجهود التي كان رامي يقوم بها واكتفوا بالتركيز على علامته التي لم تكن مشرّفة!
لم تتحسن ثقة رامي بنفسه وكان رافضاً للعلاج النفسي الحركي الذي كان يخضع له. بعد سنة تقريباً، رفض رامي العلاج نهائياً. كان من الواضح أن العلاج لم يفده لأنه جاء متأخراً.
كان رامي بحاجة للتعديلات الأكاديمية عندما كان في الصف الإبتدائي الأول. أمّا في الصف السابع، فقد كان من الصعب على رامي أن يتغيّر أو يتعلّم طرقاً جديدة. كان رامي بحاجة لتعلّم الأسس منذ البداية!
وصل رامي إلى الصف التاسع وخلال هذه السنة كان رامي بحاجة لأن يخضع لإمتحانات البريفيه. اكتشفت أن ولدي غير قادر على حفظ كتب كاملة وأنّه بحاجة للمساعدة خلال الامتحان خاصة عندما تكون الأسئلة غير واضحة. عندها قررت مقابلة وزير التربية لشرح حالة ولدي. أخذت تقارير الأطباء إلى المقابلة. شعرت بالامتنان عندما أكدّ الوزير وعده بأن يرسل معلماً لقراءة الأسئلة لرامي خلال فترة الامتحانات. لكن الوزير لم يف بوعده فترك رامي وحيداً يطلب المساعدة من أي شخص قابله... ونجح!
اليوم، رامي هو طالب في الجامعة اللبنانية الأميركية يعاني في دراسته كالعادة. يرسب في كل نشاط يتطلّب إنصاتاً وتركيزاً... لم يعد رامي يتناول الريتالين لأنه أدرك أن آثاره لن تجعله ذكياً كما كان يعتقد عندما بدأ بتناولها!
والآن، لرامي أحلام ومشاريع كبيرة... يريد رامي أن يصبح مليونيراً أو رئيساً للوزراء... وقد قابل أخيراً صديقه المستقبلي... ربما أرادت الحياة أن تدفع له بالمقابل وأن تبتسم له مجدداً بعد كل هذه المعاناة؟
مقدم الحالــة: مهى دمشقية
ولدي رامي...
بدأت معاناته ومعاناتي في سنته الدراسية الأولى... كان كثير الحركة وقليل التركيز... لكنه طيب القلب، مرح. ومحبوب من الجميع ولكن هذا لم يخفف من المعاناة.
خلال سنته الدراسية الأولى، لم يكن رامي قادراً على تعلم الأغاني التي ينشدها رفاقه. كانت لغته الفرنسية ركيكة كما كتاباته ورسومه. أمّا في الملعب فقد كان رامي فوضوياً مما عرضّه لحوادث كثيرة حتى أصبحنا زواراً دائمين لغرفة الطوارىء.
مرّت السنة الأولى، ولم يتعلم رامي شيئاً. حاولت أن أعوض له في المنزل من خلال تكرار الأغاني له، قراءة القصص قبل النوم أو الإمساك بيده عند كتابة اسمه. مع الإشارة إلى أنّ رامي أيسر.
خلال السنة الثانية، أدركت أن رامي يختلف عن رفاقه. إنه لم يكن قادراً على أن يسرد ما قام به خلال النهار في المدرسة. والحقيقة أن ما أدهشني هو انطباع معلمته عنه التي كانت زميلتي في المدرسة وكنا دائماً نعطي رامي أعذاراً لعدم مقدرته على إتمام عمله، كنا ندعه يتصرف بالطريقة التي يحب... أتت نتائجه في نهاية العام على الشكل التالي: لم يتعلم رامي شيئاً، كتابته ازدادت سوءاً. عندما أبديت استيائي لمعلمته، قالت لي إنه بخير وهو محب ومسلٍ ولا حاجة للقلق.
في بداية السنة الدراسية الثالثة، لم أثق بكل معلمي رامي. عرضته على أخصائي تربوي لتزويدي بتشخيص تربوي عن حالته. أظهر التقرير أن رامي قليل التركيز وبحاجة لتقوية عضلاته الصغيرة. لم أجد الأخصائي المناسب للاهتمام بولدي لذلك قصدت المعلمين ثانية طالبة المساعدة منهم ومبديةًً الاستعداد للمساعدة في البيت. بدأت التمرين مع ولدي رامي ولكنّه رفض الفكرة وبات يتهرب كلما حاولت إعادة الشرح أو تطبيق عمل ما قد قام به في المدرسة. وازدادت معاناة كل منّا على حد سواء. أرهقتني محاولاتي اليائسة، أصبحت تائهةً أقصد أنا ورامي كل أخصائي نطق أو أي طبيب أسمع به.
مرّت السنين، وأصبح رامي في الصف الثالث الإبتدائي. اكتشف رامي صعوباته الحقيقية في الدراسة، كان يكرر كل ما يدرسه في المدرسة مع مدرّس خاص في البيت. كنا نزور المعالج اللغوي ثلاث مرات في الأسبوع وخلال عطلة نهاية الأسبوع. كانت معلمة رامي شديدة الانتقاد وتحاول إستفزاز رامي أمام رفاقه في الصف أو إعادة صياغة سؤال ما! فقد رامي ثقته بنفسه وتعوّد على عادات الأكل السيئة. زاد وزن رامي حوالي 20 كلغ في السنة، ولم تتوقف معاناته عند ذلك!
لم يذهب رامي إلى مركز تأهيل الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة يومياً لتعلّم مهارات الدراسة الصحيحة أو لتكرار دروسه.
بعد سنة، اجتمعت بمعلميه فأشاروا إلى أن مشكلة رامي بيولوجية وأنّه لا يحرز تقدماً بالرّغم من أن ذكاءه كان عالياً. فباتت جميع الفحوصات التي يأخذها رامي طبية بطبيعتها.
زار رامي أخصائيين في الأمراض العصبية، وكانت الفحوصات لامتناهية. حمداً لله، كانت نتائج الفحوصات سلبية ولكن رامي لم يظهر أي تحسّن... أمّا أنا، فلم أيأس...
عندما أصبح رامي في الثانية عشرة من عمره، علمت بوجود أخصائي نفسي جديد. ذهبت ورامي إليه كالعادة بالرّغم من لامبالاة رامي بالأمر. نجح رامي في الإختبار وسمعت لأول مرّة بتشخيص حالة رامي: قلّة تركيز وحركة مفرطة (adhd). وأخيراً، أصبح لحالة رامي تشخيص وعلاج: دواء عرف بالريتالين.
ربطنا جميع آمالنا بهذا الدواء السحري. أصبح رامي يأخذ حوالي 6 حبات في اليوم ليتمكن من التركيز في الصف. بات رامي وكأنه يرى للمرّة الأولى! لم يبال رامي بالعوارض الجانبية للدواء. كان حريصاً على أخذ جميع الحبات في أوقاتها وكان يخاف أن ينسى واحدة. كان يملأ جيوبه، حقيبته المدرسية ومقلمته بالريتالين كي لا ينسى! ظلّ رامي على ذلك الحال لمدة أربع سنوات.
لم ندرك أن هذه الحبوب لن تعوّض تلك السنوات حين كان رامي مهمّشاً في المدرسة ولم يحاول أحد إقامة أي تعديلات ملائمة له. اتهمه الجميع بعدم التركيز واللامبالاة. تجاهلوا جميع الجهود التي كان رامي يقوم بها واكتفوا بالتركيز على علامته التي لم تكن مشرّفة!
لم تتحسن ثقة رامي بنفسه وكان رافضاً للعلاج النفسي الحركي الذي كان يخضع له. بعد سنة تقريباً، رفض رامي العلاج نهائياً. كان من الواضح أن العلاج لم يفده لأنه جاء متأخراً.
كان رامي بحاجة للتعديلات الأكاديمية عندما كان في الصف الإبتدائي الأول. أمّا في الصف السابع، فقد كان من الصعب على رامي أن يتغيّر أو يتعلّم طرقاً جديدة. كان رامي بحاجة لتعلّم الأسس منذ البداية!
وصل رامي إلى الصف التاسع وخلال هذه السنة كان رامي بحاجة لأن يخضع لإمتحانات البريفيه. اكتشفت أن ولدي غير قادر على حفظ كتب كاملة وأنّه بحاجة للمساعدة خلال الامتحان خاصة عندما تكون الأسئلة غير واضحة. عندها قررت مقابلة وزير التربية لشرح حالة ولدي. أخذت تقارير الأطباء إلى المقابلة. شعرت بالامتنان عندما أكدّ الوزير وعده بأن يرسل معلماً لقراءة الأسئلة لرامي خلال فترة الامتحانات. لكن الوزير لم يف بوعده فترك رامي وحيداً يطلب المساعدة من أي شخص قابله... ونجح!
اليوم، رامي هو طالب في الجامعة اللبنانية الأميركية يعاني في دراسته كالعادة. يرسب في كل نشاط يتطلّب إنصاتاً وتركيزاً... لم يعد رامي يتناول الريتالين لأنه أدرك أن آثاره لن تجعله ذكياً كما كان يعتقد عندما بدأ بتناولها!
والآن، لرامي أحلام ومشاريع كبيرة... يريد رامي أن يصبح مليونيراً أو رئيساً للوزراء... وقد قابل أخيراً صديقه المستقبلي... ربما أرادت الحياة أن تدفع له بالمقابل وأن تبتسم له مجدداً بعد كل هذه المعاناة؟