معلم متقاعد
07-01-2010, 03:08 AM
التربية المدرسية أم التربية الأُسرية
ناهده محمد علي
إن التربية الأُسرية تبدأ منذ الولادة حيث يتشكل التكوين البيولوجى والنفسى للطفل , وتتشكل نقاط الضعف والقوة فى جسمه تبعاً للأسباب الوراثية والبيئية وأُسلوب الرعاية الصحية والغذائية والنفسية ثم تتبلور ركائز شخصية الطفل في السنة الرابعة من عمره , ويتطبع على طباع محددة أولية مثل الإحساس بالأمان , حب النظافة وعدم الخوف من الماء الخ ,إلا أنها قابلة للتغيير على مدى السنوات التالية فتصبح معالم الشخصية أكثر وضوحا وألوانها أكثر صخباً فتقوم الأسرة بمهام عسيرة فى تحديد سير شخصية الطفل وسلوكه وذوقه الخاص ومزاجه فهو قد يتجه إتجاها إيجابياً وقد يكون متفوقاً أو ضعيفاً في دراسته معتدلاً وغير متطرفاً فى ميوله غير مشاكس ومسالم فى طباعه وقد يكون العكس , وقد يصعد تارة إلى القمة ثم يهبط تدريجياً أو يتفوق تدريجياً وقد تظهر ميوله نحو العلوم أو نحو الفنون أو الآداب أو يتجه الى حرفة محددة.
إن للأسرة الدور الأهم فى إيجاد هذه الإتجاهات وتلعب الأم دوراً مهما فى زرع الميول والسمات السلوكية لدى الطفل والتى يبقى تاثيرها حتى فترة المراهقة حيث يبدأ المراهق فى النضوج والإنفصال عن الأم , كذلك يلعب الأخوة الأصغر والأكبر دوراً مهماً فى تثبيت بعض الخِصال أو نزعها كالمشاركة الوجدانية وحب التعاون أو العزلة وعدم الإحساس بالطمأنينة , حب العمل والعلم أو إتجاهات العُنف والرغبة في نسيان الذات من خلال المخدرات أو الإنخراط في مجموعات الضياع . ان التناقص التدريجى فى عدد الساعات المقضية فى البيت لا تقلل من أهمية الأسرة لقوة العلاقة والتأثير من قِبل أفراد الاسرة , فالولد يبحث عن النموذج والقدوة فى بداية حياته فيجدها فى والده أو أخيه الأكبر كذلك البنت قد تجد نموذجها فى الأم أو الأخت الكبرى ولذلك فهما ملتزمان بنفس العادات الصحية والغذائية ونفس أُسلوب الملبس وأُسلوب التعامل قبل ان يُكَوِِن أُسلوبه الخاص به وذوقه ومزاجه الخاص , أما إذا لم يجد نموذجه في الوالد أو الوالدة فقد يتجه الى شخصيات فنية أو رياضية لجعلها قدوة ومثل يقتدي بهم متشبهاً فى السلوك وطريقة اللبس وتصفيف الشعر . أما فى العائلة فمن خلال المعايشة اليومية تنمو سمات الشخصية لديه , فقد يتعود على الصدق والأمانة والإخلاص في العلاقات وقد يتعود على عكس ذلك وبمرور السنوات تصبح عدد الساعات المقضية فى البيت أقل من التى يقضيها مع الأقران أو فى المدرسة
ويبدأ دور المدرسة فى التنامي , فالمدرسة كما هو معروف ليست مركزا علمياً فحسب بل هي مركز تربوي يتعلم فيها حُب العلم والعمل والصبر وكيفية تجاوز الصِعاب والمعايشة السلمية مع الأقران , لكن إمكانيات التربية المدرسية نسبية كما هى الأسرية فهى تعتمد على نوع المدرسين ونوع الزملاء فى الصف المدرسي والإدارة , فقد يتواجد الطفل فى مدرسة لا تعتمد الطرق التربوية الصحيحة وغير مؤهلة مهنيا لتكملة دور
الأسرة وقد يتواجد أيضا بين أقران السوء حيث يتعلم السمات المغايرة للسمات التى تعلمها فى الاسرة.
لكن المدرسة بوضعها الصحيح قد تكمل وتصحح الدور الأُسري فى حالة تواجد الطفل فى أُسرة تتميز بضعف الدور التربوي أُو أُسرة ذات دور
سلبي خطر مثل أُسر المجرمين أو اللصوص أو المدمنين , فتحاول المدرسة إذابة الشوائب التى تَعلق في شخصية الطفل وتقويم ما يمكن تقويمه وقد تنجح حسب الأساليب المتبعة وحسب تأهيل المدرسين وتعاون الأقران , لكننا لايمكن أن نجعل دور المدرسة بديلاً لدور الأسرة فللأسرة دور
هام وما يُزرع فيها تثبت جذوره عميقا بسبب الصلة الحميمة التى تربط الفرد بأفراد أُسرته وخاصة الوالدين ولا يمكن للمدرس أن يعوض عن دور الوالدين لكنه يُكمل هذا الدور وأحياناً يصحح الأخطاء التربوية وهو لا يمكنه العمل لوحده إلا بالتعاون مع الأسرة وبدون هذا التعاون تسقط واحدة من أهم أدوات ووسائل المدرسة ألا وهى التعاون الأُسرى المدرسي .
إن دور الأسرة والمدرسة يتبع طريقا متوازياً لا متقاطعاً والفارق هو أن تأثير الأسرة يبدأ ببداية حياة الطفل وينتهى بنهاية حياته , ويدخل
العمل المدرسي فى فترات محددة تنتهى بعد نهاية سنوات الدراسة ولا أقول أن تأثير المدرسة سينتهى بإنتهاء فترة الدراسة بل قد يستمر بعدها
بكثير حسب قوة هذا التأثير وفترته وحسب الشخصية الفاعلة من قِبل المدرسين والطلاب .
أما دور العائلة فهو أساسي مركزي إذ أن الشخصية الفاعلة وهى على الأغلب الأم هى أقرب الناس للفرد وتتواجد معه لفترات زمنية حياتية طويلة وتربطها بالأولاد روابط بيولوجية وحسية قوية لا يمحوها الزمن ولا يقلل من تأثيرها حتى غياب ألتواجد بل يحمل تأثيرها الفرد معه فى كل
زمان ومكان يتواجد فيه سواء أكانت سلبية أم إيجابية ولدينا شواهد كثيرة حول تأثير سلوك الأم وأُسلوب تفكيرها على الأولاد , فحينما تكون
الأم ذات سلوك عدواني وشرس ولا تمتلك منهجاً تربوياً منطقياً يكون الأولاد عدوانيين أم تشبهاً أو انتقاماً لعذاب الذات من الأم ومن المجتمع
واذا كان العكس فقد تكون الأم ذات مُثل علياً وذات سلوك مسالم ودافيء وتتميز بالأحاسيس الرقيقة تجاه أبنائها أو المحيطين بها فهى تنقل
العدوى الحسية إلى أبنائها وكثيراً ما نلاحظ أن إصابة الوالدين بالإدمان والرغبة فى الجريمة ينتج عنه إكتساب هذه السمات من خلال التعايش
بالوراثة من قِبل الأبناء ويأخذون بممارسة نفس السلوك فى المجتمع وفى الأسرة.
ناهده محمد علي
إن التربية الأُسرية تبدأ منذ الولادة حيث يتشكل التكوين البيولوجى والنفسى للطفل , وتتشكل نقاط الضعف والقوة فى جسمه تبعاً للأسباب الوراثية والبيئية وأُسلوب الرعاية الصحية والغذائية والنفسية ثم تتبلور ركائز شخصية الطفل في السنة الرابعة من عمره , ويتطبع على طباع محددة أولية مثل الإحساس بالأمان , حب النظافة وعدم الخوف من الماء الخ ,إلا أنها قابلة للتغيير على مدى السنوات التالية فتصبح معالم الشخصية أكثر وضوحا وألوانها أكثر صخباً فتقوم الأسرة بمهام عسيرة فى تحديد سير شخصية الطفل وسلوكه وذوقه الخاص ومزاجه فهو قد يتجه إتجاها إيجابياً وقد يكون متفوقاً أو ضعيفاً في دراسته معتدلاً وغير متطرفاً فى ميوله غير مشاكس ومسالم فى طباعه وقد يكون العكس , وقد يصعد تارة إلى القمة ثم يهبط تدريجياً أو يتفوق تدريجياً وقد تظهر ميوله نحو العلوم أو نحو الفنون أو الآداب أو يتجه الى حرفة محددة.
إن للأسرة الدور الأهم فى إيجاد هذه الإتجاهات وتلعب الأم دوراً مهما فى زرع الميول والسمات السلوكية لدى الطفل والتى يبقى تاثيرها حتى فترة المراهقة حيث يبدأ المراهق فى النضوج والإنفصال عن الأم , كذلك يلعب الأخوة الأصغر والأكبر دوراً مهماً فى تثبيت بعض الخِصال أو نزعها كالمشاركة الوجدانية وحب التعاون أو العزلة وعدم الإحساس بالطمأنينة , حب العمل والعلم أو إتجاهات العُنف والرغبة في نسيان الذات من خلال المخدرات أو الإنخراط في مجموعات الضياع . ان التناقص التدريجى فى عدد الساعات المقضية فى البيت لا تقلل من أهمية الأسرة لقوة العلاقة والتأثير من قِبل أفراد الاسرة , فالولد يبحث عن النموذج والقدوة فى بداية حياته فيجدها فى والده أو أخيه الأكبر كذلك البنت قد تجد نموذجها فى الأم أو الأخت الكبرى ولذلك فهما ملتزمان بنفس العادات الصحية والغذائية ونفس أُسلوب الملبس وأُسلوب التعامل قبل ان يُكَوِِن أُسلوبه الخاص به وذوقه ومزاجه الخاص , أما إذا لم يجد نموذجه في الوالد أو الوالدة فقد يتجه الى شخصيات فنية أو رياضية لجعلها قدوة ومثل يقتدي بهم متشبهاً فى السلوك وطريقة اللبس وتصفيف الشعر . أما فى العائلة فمن خلال المعايشة اليومية تنمو سمات الشخصية لديه , فقد يتعود على الصدق والأمانة والإخلاص في العلاقات وقد يتعود على عكس ذلك وبمرور السنوات تصبح عدد الساعات المقضية فى البيت أقل من التى يقضيها مع الأقران أو فى المدرسة
ويبدأ دور المدرسة فى التنامي , فالمدرسة كما هو معروف ليست مركزا علمياً فحسب بل هي مركز تربوي يتعلم فيها حُب العلم والعمل والصبر وكيفية تجاوز الصِعاب والمعايشة السلمية مع الأقران , لكن إمكانيات التربية المدرسية نسبية كما هى الأسرية فهى تعتمد على نوع المدرسين ونوع الزملاء فى الصف المدرسي والإدارة , فقد يتواجد الطفل فى مدرسة لا تعتمد الطرق التربوية الصحيحة وغير مؤهلة مهنيا لتكملة دور
الأسرة وقد يتواجد أيضا بين أقران السوء حيث يتعلم السمات المغايرة للسمات التى تعلمها فى الاسرة.
لكن المدرسة بوضعها الصحيح قد تكمل وتصحح الدور الأُسري فى حالة تواجد الطفل فى أُسرة تتميز بضعف الدور التربوي أُو أُسرة ذات دور
سلبي خطر مثل أُسر المجرمين أو اللصوص أو المدمنين , فتحاول المدرسة إذابة الشوائب التى تَعلق في شخصية الطفل وتقويم ما يمكن تقويمه وقد تنجح حسب الأساليب المتبعة وحسب تأهيل المدرسين وتعاون الأقران , لكننا لايمكن أن نجعل دور المدرسة بديلاً لدور الأسرة فللأسرة دور
هام وما يُزرع فيها تثبت جذوره عميقا بسبب الصلة الحميمة التى تربط الفرد بأفراد أُسرته وخاصة الوالدين ولا يمكن للمدرس أن يعوض عن دور الوالدين لكنه يُكمل هذا الدور وأحياناً يصحح الأخطاء التربوية وهو لا يمكنه العمل لوحده إلا بالتعاون مع الأسرة وبدون هذا التعاون تسقط واحدة من أهم أدوات ووسائل المدرسة ألا وهى التعاون الأُسرى المدرسي .
إن دور الأسرة والمدرسة يتبع طريقا متوازياً لا متقاطعاً والفارق هو أن تأثير الأسرة يبدأ ببداية حياة الطفل وينتهى بنهاية حياته , ويدخل
العمل المدرسي فى فترات محددة تنتهى بعد نهاية سنوات الدراسة ولا أقول أن تأثير المدرسة سينتهى بإنتهاء فترة الدراسة بل قد يستمر بعدها
بكثير حسب قوة هذا التأثير وفترته وحسب الشخصية الفاعلة من قِبل المدرسين والطلاب .
أما دور العائلة فهو أساسي مركزي إذ أن الشخصية الفاعلة وهى على الأغلب الأم هى أقرب الناس للفرد وتتواجد معه لفترات زمنية حياتية طويلة وتربطها بالأولاد روابط بيولوجية وحسية قوية لا يمحوها الزمن ولا يقلل من تأثيرها حتى غياب ألتواجد بل يحمل تأثيرها الفرد معه فى كل
زمان ومكان يتواجد فيه سواء أكانت سلبية أم إيجابية ولدينا شواهد كثيرة حول تأثير سلوك الأم وأُسلوب تفكيرها على الأولاد , فحينما تكون
الأم ذات سلوك عدواني وشرس ولا تمتلك منهجاً تربوياً منطقياً يكون الأولاد عدوانيين أم تشبهاً أو انتقاماً لعذاب الذات من الأم ومن المجتمع
واذا كان العكس فقد تكون الأم ذات مُثل علياً وذات سلوك مسالم ودافيء وتتميز بالأحاسيس الرقيقة تجاه أبنائها أو المحيطين بها فهى تنقل
العدوى الحسية إلى أبنائها وكثيراً ما نلاحظ أن إصابة الوالدين بالإدمان والرغبة فى الجريمة ينتج عنه إكتساب هذه السمات من خلال التعايش
بالوراثة من قِبل الأبناء ويأخذون بممارسة نفس السلوك فى المجتمع وفى الأسرة.