زهرة الشمال
06-08-2010, 08:41 PM
العنف ضد الأطفال ذوي الإعاقة: "الاستغلال الجنسي"
عادل ابوبكر الطلحي
تشير بعض الادبيات والمراجع إلى الأساليب المتبعة في معاملة الأشخاص ذوي الإعاقة، كانت تتم بصورة سيئة كالضرب، أو الاحتقار، أو الربط بالسلاسل، أو الحرق، أو السجن، أو التعذيب، وغيرها من أساليب العنف،
وهذه الأساليب في معاملة لم تكن قاصرة علي مجتمع بعينه أو ثقافة بعينها بل كانت منتشرة في كثير من المجتمعات باعتبار قيمة الفرد كانت تتحدد بمقدار صلاحيته لاداء وظيفة ما علي الوجه الاكمال، والإنسان الصالح هو الذي يتمتع بقوي عقلية وجسمية سليمة تؤهله للبقاء.
بدأت أول مظاهر رعاية المعاقين عند القدماء المصريين حيث أكدوا على أهمية العناية بالفرد وأسرته في حالات المرض والعجز كأسلوب يدعم المجتمع، وعُرف علم الأعشاب لعلاج المرضى وأصحاب العاهات، وكان الكهنة يصلون لشفاء هؤلاء العجزة، كما أدت الفلسفة الأخلاقية التي ظهرت في كل من الهند والصين متمثلة في قانون (مانو) وفي الصين في تعاليم (كونفشيوس) إلى اعتناق مفاهيم الفضيلة والأخلاق والسلام كطرق تؤدي إلى المعرفة ومن تم الرحمة بالضعفاء والعناية بالمرضى والمعاقين كأحد مظاهر تلك الفضيلة، ولكن رغم أهمية الحضارة الإغريقية القديمة وما قدمته للمعرفة الإنسانية، من معارف وعلوم إلا إن الطابع العقلي والطبقي والمثالي الذي ساد فلسفاتهم لم يقدم عطاء يذكر لرعاية ذوي العاهات والعناية بالعجزة، "فنظرة أثينا إلى الإعاقة كانت نظرة ازدراء واحتقار، لقد كان سقراط يرى "بأن قيمة كل شئ تقدر بصلاحيته لأداء وظيفته على الشكل الأكمل" ويرى أفلاطون "بأن المعاقين ضرر بالدولة ووجودهم يعيق قيام الدولة بوظيفتها والسماح لهم بالتناسل يؤدي إلى إضعاف الدولة "، كان يخص المعاقين عقليا، كما رفع أفلاطون شعار " العقل السليم في الجسم السليم"، وكان يريد لجمهوريته أن تقوم على أرستقراطية العقل وصحة الجسم، ولذلك فقد دعا إلى نفيهم خارج الدولة وعدم السماح لهم بدخولها حيث لا يبقى في الدولة سوى الأذكياء والقادرين على الإنتاج أو الدفاع أو الحكم ,أما في (إسبرطة) فلم يكن يصلح بين أبنائها الضعيف أو المريض أو ذو العاهة والقانون ينص على التخلص من الأطفال المعاقين عن طريق تعريضهم للبرد القارص أو إلقائهم في نهر ((أورتاس)) حتى يموتوا غرقا، أما في الحضارة الرومانية فلم يكن المعاق بأحسن حالا فقد كان الأب يُعرض عن الابن المصاب بالتشوه أو العجز فيلقي به في الطريق ليصبح من الرقيق أو المهرجين.
ومما لاشك فيه ان الأشخاص ذوي الإعاقة هم اكثر من غيرهم تعرضين للعنف والاستغلال والإساءة حيث تشكل الإعاقة مصدرا جاذبا لتعرضهم لهذا النوع من الممارسات حيث كشفت العديد من الدراسات الاجتماعية الحديثة عن تعرض الأشخاص ذوي الإعاقة لأشكال مختلفة من العنف الجسدي والضغوطات النفسية والتمييز الاجتماعي، مما يضاعف من حجم معوناتهم علي مستويات عدة ويعمق لديهم الشعور بالإحباط والدونية رغم كونهم عنصر اساسي من عناصر المجتمع، ويمتلك الكثير منهم ما يكفي من القدرات للاندماج في الحياة العامة، وتشير احدي الدراسات ان تسبة العنف ضد الأشخاص ذوي الإعاقة تتضاعف مقارنة بالعنف ضد الطبيعيين بنسبة 1: 2 تشير احدي الدراسات في الولايات المتحدة الامريكية في عام 2008 إلى ان 90% من الأشخاص ذوي الإعاقة العقلية لابد وانهم تعرضوا لنوع من الإساءة الجنسية في مرحلة معنية من مراحل حياتهم، ان 80 % من الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية تعرضوا لهذه الإساءة.
إذ يتعرض علي الأقل 20% من الإناث ومن 5% إلى 10% من الذكور في الولايات المتحدة الأمريكية للإساءة الجنسية كل سنة. وعلي الرغم من أن هذه الإحصائيات المرتفعة مزعجة فإن الأشخاص المعاقين عقلياً وغيرهم من ذوي الإعاقات النمائية الأخرى أكثر عرضة للمعاناة من مخاطر الإساءة الجنسية ويتوقع بطبيعة الحال أن تزداد نسب أو معدلات تعرضهم لمختلف صيغ هذه الإساءة مقارنة بغيرهم من الأشخاص العاديين أو مقارنة الأشخاص من ذوي الإعاقات الأخرى. وبالتالي يمكن التأكيد مع سوبسي ودوي، أن الضحايا ذوي القصور في القدرة العقلية أو ذوي الإعاقة العقلية أكثر احتمالاً للتعرض للإساءة بصيغها المختلفة خاصة الإساءة الجنسية.
يشكل غياب القوانين والأنظمة التي تتناول ظاهرة واستغلال للأشخاص ذوي الإعاقة والقيود المفروضة علي هؤلاء المعاقين وأسرهم وغياب الوعي الاجتماعي وعدم معرفة للأشخاص ذوي الإعاقة للوسائل والجهات التي يمكن التي يلجؤا اليها في حال تعرضهم للعنف والاستغلال من الاسباب الرئيسية لعدم القدرة علي كشف مدي استفحال هذه الظاهرة، كذلك تلعب العوامل الثقافية والاجتماعية دورا فاعلا في عدم الكشف عن حالات العنف والتمييز التي يعاني منها الأشخاص ذوي الإعاقة، حيث أشارت بعض الدراسات ان نسبة الكشف عن جرائم العنف ضد الافراد المعاقين في جمهورية العربية المصرية في عام 2007 لا تتعدى 10 % بينما يظل الكثير من هذه الجرائم طي الكتمان داخل المنازل أو داخل دور الرعاية والتأهيل.
بعض الحقائق عن الإعاقة:
*- نحو 10 % من سكان العالم، أو 650 مليون نسمة مصابون بشكل من أشكال الإعاقة.
*- تختلف الاحصائيات التي تحدد رقم الأشخاص ذوي الإعاقة في العالم حسب تعريف الإعاقة فمنظمة الصحة العالمية تعرف الأشخاص ذوي الإعاقة بانهم اؤلئك الذين يعانون من إعاقة حركية أو إعاقة حسية (العمي والصمم) أو إعاقة عقلية وتشير منظمة إلى ان هناك 200 مليون طفل معاق يشكلون 10 % من أطفال العالم الذين يولدون بإعاقة أو يكتسبون الاصابة بالإعاقة قبل عمر 19 عاما.
*- 80 % من الأشخاص ذوي الإعاقة يعيشون في البلدان النامية، استنادا إلى برنامج الامم المتحدة الانمائي
*- حسب تقديرات البنك الدولي، فان نسبة تبلغ 20 % من افقر الناس في العالم من الأشخاص ذوي الإعاقة.
*- النساء والفتيات المعوقات اشد عرضة لسوء معاملة، كشفت دراسة استقصائية محدودة جرت في روسيا والهند 2004، ان جميع النساء والفتيات تقريبا يتعرضن للضرب في المنزل، وان 25 % من النساء اللائي يعانين من تخلف عقلي تعرضن الاغتصاب وان 6 % م النساء تعرضن للعقم قسرا.
*- استنادا إلى منظمة اليونسيف فأن 30 % من أطفال المشردين في الشوارع هم من فئة الأطفال ذوي الإعاقة حيث يتم استغلالهم في التسول والسرقة المنظمة.
*- تبين الدراسات الحقوقية بشأن تشريعات الإعاقة ان 45 بلدا فقط لديها قوانين مكافحة التمييز وغيرها من القوانين الخاصة بالعجز.
*- حددت منظمة العمل العربية بأن هناك 20 مليون من الأشخاص ذوي الإعاقة في الوطن العربي.
*- تشير منظمة الصحة العالمية بأن 98% من الأطفال من ذوي الإعاقة لا يحظون بتعليم رسمي، وتعيش الأغلبية العظمى منهم دون الرعاية الصحية وخدمات التأهيل الملاءمة.
*- كما تشير منظمة الصحة العالمية 50 % من حالات الإعاقة يمكن الوقاية منها.
*- كما تشير منظمة الصحة العالمية الوفيات بين الأطفال ذوي الإعاقة تصل إلى 80%.
*- تم الإبلاغ عن أكثر من 2.9 مليون حالة اعتداء على الأطفال خلال العام الماضي في الولايات المتحدة (حسب اللجنة الوطنية للوقاية من الاعتداء على الأطفال).
المنظور تاريخي للإعاقة يمكننا ان نقسمه إلى خمسة مراحل:
المرحلة الأولى:
أتسمت هذه المرحلة بالقمع والإهمال والنظرة الدونية لتلك الفئة واستمرت حتى القرن الخامس الميلادي.
المرحلة الثانية:
حيث أتسمت بتدخل الخرافات في النظرة للمعاقين أما بأنهم أصحاب كرامات أو كشياطين أو أشرار. وارتباطاً بالتراث الإسلامي ظهرت بعض المؤسسات الدينية لتعديل هذه النظرة لتكون أكثر واقعية لرعاية تلك الفئات.
المرحلة الثالثة:
ظهرت في بدايات القرن السابع عشر الميلادي وارتبطت الرعاية لتلك الفئة بالمستوى الاقتصادي والطبقي في ذلك الوقت.
المرحلة الرابعة:
حيث وارتبطت بعصر التنوير أو النهضة الحديثة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتوالي التشريعات الخاصة برعاية المعاقين اجتماعيا واقتصادياً.
المرحلة الخامسة:
وتعتبر هي مرحلة الانطلاق في رعاية الفئات المعاقة وانعقاد المؤتمر الثاني حول التشريعات المتعلقة بالمعاقين عام 1978م، واعتبار عام 1981 العام الدولي للمعاقين.
تعريف العنف
عرفت معظم القوانين العنف بأنه " كل فعل ظاهر أو مستتر مباشر أو غير مباشر، مادي أو غير مادي، موجه لإلحاق الأذى بالذات أو بالآخر أو جماعة أو ملكية واحد منهم، هذا فعل مخالف للقانون ويعرض مرتكبه للوقوع تحت طائلة القانون لتطبيق العقوبة عليه ".
التعريف الاجتماعي للعنف " هو الانماط السلوكية التي تصدر عن الفرد أو الجماعة، تؤدي إلى تصرفات غير اجتماعية وغير تربوية خطيرة تتعارض مع القوانين والمواثيق.
كما يتم تعريف العنف في معظم الدراسات على انه لا يعني فقط الاعتداء الجسدي أو المعنوي على شخص ذوي الإعاقة بل هو ايضا أشكال السلوك الفردي والاجتماعي المباشر وغير المباشر الذي ينال من الشخص ذوي الإعاقة ويحط من قدره ويمنعه من الحصول على حقوقه الشرعيه بل ويسلبه هذه الحقوق عن طريق إذلاله وإيذائه جسديا ولفظيا.
وطبقا لتعريف الأمم المتحدة فإن العنف ضد الطفل هو "أي فعل أو تهديد بفعل يؤدي إلى إحداث أذى جسدي أو نفسي أو جنسي أو يحد من حرية الطفل بسبب كونه طفلاً تحت الوصاية (الولدان أو أحدهما أو الوصي) أو الدفع به إلى أي من الصور المختلفة للاستغلال".
وعلى هذا فليس المقصود بالعنف هو العنف البدني أي المادي فقط بل يمتد معنى العنف إلى ما هو أشمل وهو العنف النفسي، وهو الأخطر تأثيراً على شخصية ونمو الطفل، حيث تشير نتائج الدراسات المختلفة أن التعرض للعنف في مرحلة الطفولة هو أحد أبرز الأسباب المسئولة عن ظهور الإعاقات النفسية المعرقلة لتطور ونمو الشخصية السوية والمسئول الأول عن ارتفاع المعدلات الدولية للإصابة بالاكتئاب المعرقل للعمل والإنتاج والذي يعد سبباً أساسياً للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية.
وتشير الموسوعة العلمية (universals) أن مفهوم العنف يعني كل فعل يمارس من طرف جماعة أو فرد ضد أفراد آخرين عن طريق التعنيف قولاً أو فعلاً وهو فعل عنيف يجسد القوة المادية أو المعنوية.
وذكر قاموس (Webster) أن من معاني العنف ممارسة القوة الجسدية بغرض الإضرار بالغير، وقد يكون شكل هذا الضرر مادياً أو معنوياً من خلال تعمد الإهانة بالسباب أو التجريح.
وفي ضوء ما سبق يمكن تعريف العنف ضد الأطفال ذوي الإعاقة " بانه كل أشكال سلوك المباشرة أو غير المباشرة اللفظية أو غير اللفظية، الظاهرة أو المستترة، المادية أو المعنوية، السلبية أو غير السلبية، يترتب عليها الحاق الأذى أو ضرر أو إساءة معاملة أو إساءة أطفال ذوي الإعاقة، مما يترتب عليها آثار جسمية أو نفسية أو اجتماعية، وهذه سلوكيات تتعارض مع القيم الدينية والقوانين والمواثيق الوطنية والاقليمية والعالمية ".
ويجسد العنف ضد الأطفال ذوي الإعاقة في مظاهر كثيرة لكن اهمها الاستغلال الجنسي وهذا ما تحاول ورقتنا التسليط ضوء حوله.
لهذا يمكننا الاشارة هنا إلى مصطلح "الاستغلال الجنسيّ" إلى كلّ الأطفال حتى سنّ 18 سنة، وليس لقضايا "سنّ الرشد" المعرّفة محلّيّاً صلة بحقّ الطفل بالحماية.
تتعامل الفقرة 2 من بروتوكول اختياريّ لاتفاقيّة حقوق الطفل مع ثلاثة أشكال للاستغلال الجنسيّ: (1) بيع الأطفال، ويعرّف بأنّه أيّ عمل أو صفقة ينقل بموجبها شخص أو مجموعة من الأشخاص طفلاً إلى مجموعة أخرى مقابل أجر أو أيّ اعتبارات أخرى؛ (2) بغاء الأطفال، وهو استخدام الطفل في النشاطات الجنسيّة مقابل أجر أو أيّ اعتبارات أخرى؛ (3) العمل الإباحيّ للأطفال، وهو أيّ عرض بأيّ وسيلة لطفل يمارس نشاطات جنسيّة حقيقيّة أو محاكاة أو أيّ عرض للأعضاء الجنسيّة للطفل لأغراض جنسيّة بالدرجة الأولى.
أشكال العنف
العنف ضد الأطفال ذوي الإعاقة أشكال وانواع عديدة منها:
اولا: الاعتداء أو الأذى الجسدي:
الاعتداء أو الضرر أو الأذى الجسدي هو اي اعتداء يلحق الأذى بجسم طفل ذوي الإعاقة سواء باستخدام اليد أو بأية وسيلة اخري، ويحدث علي اثر ذلك رضوض أو كسور أو خدوش أو حروق أو جروح وقد يصل الامر إلى الاعتداء الجسدي.
ثانيا: الاعتداء أو الأذى الجنسي:
الاعتداء أو الأذى الجنسي، يقصد به استخدام طفل ذوي الإعاقة لاشباع الرغبات الجنسية لشخص اخر ويبدا الاعتداء الجنسي من التحرش الجنسي إلى ممارسة الجنس بشكل كامل مع طفل ذوي الإعاقة، فعلي سبيل المثال إفساد أخلاق طفل ذي الإعاقة، تهتك الأعضاء الجنسية لديه وغيرها.
ثالثا: الاعتداء أو الأذى العاطفي:
الاعتداء أو الأذى العاطفي هو إلحاق الضرر الاجتماعي والنفسي للطفل ذوي الإعاقة وذلك من خلال مارسة سلوك ضده يشكل تهديدا لصحته النفسية بما يؤدي قصور في نمو الشخصية لديه، واضطراب في علاقاته الاجتماعية بالاخرين.
من أشكال الاعتداء العاطفي حرمان طفل ذوي الإعاقة من الحب والرعاية والحماية والشعور بالامن والامان وحرمانه من حقه في التعليم واللعب، وكذلك من أشكال الاعتداء العاطفي القسوة في المعاملة أو التدليل الزائد والحماية المسرفة.
رابعا: الإهمال:
وهو نمط سلوكي يتصف باخفاق أو فشل أو ضعف في الاسرة أو المدرسة في اشباع كل من الاحتياجات البيولوجية مثل "الاكل أو المشرب أو المأوي أو ملبس" والاحتياجات النفسية مثل "الامن والامان والرعاية".
من أشكال هذا الإهمال: إهمال تقديم الرعاية الصحية للطفل ذوي الإعاقة، عدم الاهتمام بالاحتياجات العلمية والتربوية للطفل ذوي الإعاقة مما يحرمه من حقه في التعليم وحقه في التنشئة الاجتماعية السليمة وكذلك فان عدم الحصول علي التامين الطبي والترفيه يعتبر شكلا من أشكال الإهمال. (4)
العوامل المؤديه للعنف:
إن فهم طبيعة وأسباب العنف ضد الأطفال وتفهم المتغيرات المؤدية إلى ظهور هذه المشكلة في المجتمع يُعد أمرا حتمياً لصياغة مداخل وقاية وعلاج أكثر فعالية في التعامل معها وهذا الأمر كان وما زال يشكل تحدياً كبيراً للمهينين والأكاديميين، وتوضح الدراسات أن تعرض الأطفال للعنف يرتبط بمجموعة من المتغيرات فلا يوجد سبب واحد مباشر لحدوث العنف ضد الأطفال، فحدوثه يرتبط بعوامل متعددة تتفاعل وتعزز بعضها البعض لينتج عنها إساءة معاملة الطفل أو إهماله، فخصائص الوالدين والمستوى الاقتصادي والاجتماعي للأسرة وخصائص الطفل ذاته، وخصائص من يمارس العنف ضد الطفل إذا كان من خارج الأسرة والمحيط البيئي الذي تعيش فيه الأسرة...، كلها تسهم بأوزان نسبية مختلفة في حدوث العنف ضد الأطفال كما أن تعرض الأسرة لبعض المشكلات مثل (البطالة، الفقر، العزلة الاجتماعية...) تؤثر بصورة مباشرة على حدوث العنف ضد الأطفال من خلال تأثيرها السلبي على الصحة النفسية وجودة الحياة النفسية للآباء.
هذا ويمكن تصنيف أسباب العنف ضد الأطفال إلى ما يلي:
1- أسباب ترتبط بالوالدين: هناك العديد من العوامل ترتبط بنقص الخبرات والمهارات الاجتماعية للوالدين في تعاملهم مع أطفالهم ويترتب عليها ظهور مشكله العنف ومنها عدم معرفة الوالدين بطبيعة خصائص المراحل العمرية لنمو الطفل، وفرط التأديب والعقاب الجسدي، وعدم القدرة على ضبط النفس، غياب مهارات التواصل الشخصي مع الآخرين عدم وجود توافق زوجي واستقرار بين الزوجين، جهل الوالدين بأساليب التنشئة الاجتماعية السليمة، ضعف الوازع الديني، عدم القدرة على مواجهة الضغوط الاجتماعية المحيطة...
2- أسباب ترتبط بالطفل: حيث إن صفات بعض الأطفال الجسمية والعقلية والنفسية والاجتماعية قد تزيد أو تنقص من احتمال تعرضهم للعنف سواء من داخل الأسرة أو من خارجها، وذلك في ضوء تفاعل هذه الصفات مع بقية المتغيرات المؤدية لظهور مشكلة العنف ضدهم، فالأطفال الذين يعانون من العزلة الاجتماعية والانطواء يكونون أكثر عرضة للعنف من غيرهم خصوصاً في حالة عدم وجود فهم من الوالدين لطبيعة احتياجات الأطفال الذين يعانون من هذه المشكلة.
3-أسباب ترتبط بالبناء الأسري: ضعف تماسك البناء الأسري وعدم وجود قواعد داخل الأسرة قائمة على الحب والرعاية والاحترام والتقدير، وسيادة الاهتمام بالجوانب المادية على حساب الجوانب الروحية والدينية، وتخلى الأسرة عن دورها في متابعة أبنائها، مما يقلص من سلطة الأسرة وضعف عملية الضبط الاجتماعي، يؤدي هذا إلى تعرض الأطفال داخل الأسرة للإهمال ومع وجود المغريات وعناصر الفساد في المجتمع يزداد احتمال تعرض هؤلاء الأطفال لأشكال شتى من العنف سواء داخل الأسرة أو من خارجها.
4- أسباب ترتبط بالبيئة المحلية (المحيط الذي يسكن فيه الطفل): حيث قد ينتشر العنف ضد الأطفال في بعض المجتمعات أكثر من غيرها، فالدولة كاختراع اجتماعي تهدف إلى تنظيم شئون حياة المواطنين وحمايتهم ويمكن أن تكون وسيلة للارتقاء بمستوى معيشتهم كما أنها في نفس الوقت يمكن أن تكون مصدراً للنكوص بالإنسان إلى مرحلة الوحشية. حيث نرى المجتمعات المعاصرة وفي ظل العولمة تتأرجح عبر تدريج في أحد طرفيه مجتمعات عاقلة متحضرة يقل فيها العنف إلى طرف آخر يقل فيه عنصر العقل والتحضر على حساب زيادة مماثلة في معدلات العنف، وهذا ينعكس بالضرورة على أكثر الفئات ضعفاً في المجتمع وتكون على رأسها فئة الأطفال.
حيث إن التطور المتسارع في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والتقدم التقني وعمليات التحديث المتسارعة في كافة المجالات ترتبط بها بالضرورة بعض الظواهر الإجرامية ومنها ما يتمثل في مظاهر شتى من العنف والذي يوجه إلى الفئات الضعيفة في المجتمع، فتطور الحياة المادية في المجتمع سيتبعه تطور في الحياة الاجتماعية، فتتطور سلوكيات المواطنين تطورات شتى سلبا وإيجابا، كما تختفي سلوكيات وتنشأ أخرى لتواكب الحياة الجديدة، وتطور العنف شأنه في ذلك شأن الكثير من السلوكيات، كما تطورت أدواته ودوافعه وأساليبه.
موقف اتفاقيّة حقوق الطفل من العنف ضد الأطفال:
تعتبر الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل الصادرة عام 1989م. واحدة من أكثر الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان شمولاً وتطوراً، ولقد وردت فيها بعض المواد التي تركز مباشرة على موضوع حماية الطفل من العنف وتعتبر هذه المواد ملزمة للدول المصادقة على الاتفاقية ومن بين هذه المواد ما يلي:-
كما ان الاتفاقية تقدّم أعلى معايير الحماية والمساعدة للأطفال في أيّ وثيقة دوليّة. ونهج الاتفاقيّة شامل، وذلك يعني أنّ الحقوق غير قابلة للقسمة ويتعلّق بعضها ببعض وأنّ كلّ الفقرات لها أهمّيّة متساوية. وتتمتّع اتفاقيّة حقوق الطفل بأشمل قبول بين وثائق حقوق الإنسان فقد صدّقت عليها كل بلدان العالم باستثناء اثنين (الولايات المتحدة والصومال). وهي توفّر أشمل إطار لمسؤوليّات الدول الأفرقاء أمام كل الأطفال الموجودين ضمن حدودها: فعندما صدّقت الحكومات الوطنيّة على الاتفاقيّة، ألزمت نفسها بحماية وضمان حقوق كل الأطفال دون تمييز، بما في ذلك حقوق الأطفال والمراهقين اللاجئين والنازحين. وتحدّد اتفاقيّة حقوق الطفل "الطفل" بأنّه كل من لم يبلغ الثامنة عشرة من العمر "ما لم يكن بلوغ سنّ الرشد يتحقّق قبل ذلك بموجب القانون الذي ينطبق على الأطفال". ويوحي مخطّط اتفاقيّة حقوق الطفل بأنّ هذا الاستثناء يجب أن يفسّر بأنّه استثناء يمنح التفويض، أي بعبارة أخرى، يستطيع الأطفال دون الثامنة عشرة من العمر الاستفادة من البلوغ إذا منحهم إياه القانون الوطنيّ فيما يستطيعون في الوقت نفسه المطالبة بالحماية بموجب اتفاقيّة حقوق الطفل. ومن المهمّ على وجه الخصوص عدم إغفال ذلك عندما تبرز قضايا أو مسائل تتعلّق بـ"سنّ التمييز".
تنص مادة 37 من اتفاقية حقوق طفل الصادرة عام 1989، ان الدول الاطراف عليها ان تكفل لاي طفل الا يتعرض للتعذيب أو لغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهنية، كذلك تنص مادة 19 من الاتفاقية حكما أوسع نطاقا حيث تطلب من جميع الدول الاطراف اتخاذ جميع التدابير التشريعية والاجتماعية والنفسية والتعليمية الملائمة لحماية الطفل من كل أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو العقلية أو الإهمال أو المعاملة المنطوية علي إهمال أو إساءة المعاملة أو الاستغلال بما في ذلك الإساءة الجنسية.
كما ان مادة 16 تنص علي:
1- لا يجوز أن يجرى أي تعرض تعسفي أو غير قانوني للطفل في حياته الخاصة أو أسرته أو منزله أو مراسلاته، ولا أي مساس غير قانوني بشرفه أو سمعته.
2- للطفل حق في أن يحميه القانون من مثل هذا التعرض أو المساس.
مادة 19 تشير إلى:
1- تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتعليمية الملائمة لحماية الطفل من كافة أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو العقلية والإهمال أو المعاملة المنطوية على إهمال، وإساءة المعاملة أو الاستغلال بما ذلك الإساءة الجنسية، وهو في رعاية الوالد (الوالدين) أو الوصي القانوني (الأوصياء القانونيين) عليه، أو أي شخص يتعهد برعاية الطفل.
2- ينبغي أن تشمل هذه التدابير الوقائية حسب الاقتضاء، إجراءات فعالة لوضع برامج اجتماعية لتوفير الدعم اللازم للطفل ولأولئك الذين يتعهدون برعايتهم وكذلك للأشكال الأخرى من الوقاية، ولتحديد حالات إساءة معاملة الطفل والإبلاغ عنها والإحالة بشأنها والتحقيق فيها ومعالجتها ومتابعتها وكذلك لتدخل القضاء حسب الاقتضاء.
هذا ولقد نصت الاتفاقية على الالتزام القانوني والأدبي والأخلاقي للدول الأطراف لتنفيذ كافة بنودها، وعلى الدول وضع آليات المراقبة السليمة لضمان حماية الأطفال من شتى أصناف العنف الذي قد يتعرضون له، كما أعطت الاتفاقية كافة مؤسسات منظمة الأمم المتحدة الحق بمراقبة تنفيذ بنود الاتفاقية، وتم ربط بعض المساعدات الدولية التي تقدم للدول بمدى التزامها ببنود الاتفاقية.
ولقد أعطت الاتفاقية الحق للدول بأن يكون لها قوانينها الخاصة على أن تتلاقى مع روح الاتفاقية الدولية وأن لا تتعارض مع بنودها الرئيسية، كما أعطت الدول الحق في التحفظ على البنود غير المتلائمة مع الثقافة أو الديانة أو غيرها في تلك الدول، كما نصت الاتفاقية على أن تقدم الدول تقارير متابعة كل خمس سنوات يتم إعدادها من مصدرين (الأول مصدر حكومي والثاني أهلي منظمات غير حكومية) حول ما تم إنجازه وتحقيقه في توفير الحماية ومجال حقوق الأطفال.
الاستغلال الجنسي ضد الأطفال ذوي الإعاقة:
الاستغلال الجنسي ذوي الإعاقة من الجرائم الأكثر شدة وقسوة في مجال العنف ضد الأطفال ويمكن وصف هذه الظاهرة بحق " بمؤامرة الصمت والسرية " التي تفرض نفسها بدءا من ندرة الحديث عنها، وصولا إلى تكتم كل من المجني عليه والجاني، وكذلك الأسرة في حالة علمها، لأسباب عديدة منتوعة تتعلق بالعجز أو الخوف من العار وتلطيخ السمعة أو الحفاظ علي الصحة النفسية للمجني عليه.
ويعرف الاستغلال الجنسي لجسد لطفل بأنه " اتصال جنسي بين طفل وبالغ من اجل إرضاء رغبات جنسية عند الأخير، مستخدما القوة والسيطرة علي الأولي "اذا حدث في اطار العائلة من طرف أشخاص محرمين علي الطفل يعتبر خرقا للتابو المجتمعي، ويسمي "سفاح القربي" او "قتل الروح" حسب المفاهيم النفسية، وذلك لان المعتدي عادة ما يفترض ان يكون حاميا للطفل، ويعرف سفاح القربي حسب القانون " بأنه ملامسة جنسية مع قاصر أو قاصرة علي يد احد افراد العائلة " ويتم تحديد الاستغلال الجنسي للطفل أو التحرشي به من خلال كشف اعضائه التناسيلة، أو ازالة الملابس عنه بهدف ملامسة أو ملاطفة جسدية خاصة، أو اغتصابه أو هتك عرضه، أو تعريضه لصور أو أفلام إباحية أو إجباره علي التلفظ بألفاظ نابية.
وتشير الدراسات إلى ان هناط طريقتين يلجا اليهما الجاني عند تعامله مع الضحية: الأولى تعتمد علي الإغراء والترغيب، بينما تستند الثانية علي العنف والترهيب، ويحرص الجاني في كلا حالتين علي ان يختلي بالطفل حتي يحقق مبتغاه.
علما بأن معظم المتحرشين جنسيا بالأطفال هم من محيطهم القريب كما توصلت اليه عده دراسات.
نماذج من المجتمعات العربية:
وبالرغم من جدار الصمت الذي يلف هذه ظاهرة هناك دول عربية عديدة أعلنت عن بعض الاحصائيات الخاصة بالاستغلال الجنسي بالطفل ذوي الإعاقة داخل اطار العائلة، علما بان ما يتم الابلاغ عنه إلى السلطات المختصة لا يتجاوز نسبة ضئيلة مقارنة بالحالات الفعلية نتيجة للسرية والصمت التي تحيط بهذا النوع من الاعتداءات، بالتالي لا تعدو ان تكون بمثابة قمة جبل الجليد الذي يلعب دور المؤشر علي مدي انتشار هذه المشكلة.
ان معدل انتشار مشكله العنف ضد الأطفال ذوي الإعاقة في المجتمع يستخدم مصطلحان أساسيان في ذلك وهما مصطلح معدل الانتشار الإحصائي (Prevalence) ومصطلح معدل الحدوث الفعلي (Incidence)، ويشير مصطلح معدل الانتشار عموماً إلى عدد الأفراد الذين تعرضوا على الأقل لفعل إساءة أو إهمال أو صورة من صور العنف الجسدي والنفسي المتعارف عليه خلال حياتهم السابقة، وقد تكون هذه الحالات مسجلة أو غير مسجلة لدى المؤسسات والمنظمات المهتمة برعاية وحماية الأطفال، أما مصطلح معدل الحدوث فيشير إلى عدد الحالات التي تعرضت للعنف والمسجلة بالفعل لدى هيئات ومنظمات رعاية وحماية الطفولة في كل عام، بمعنى أن معدل الحدوث يرتبط بالتقارير المسجلة والمثبتة للحالات التي تعرضت بالفعل لصور من العنف ولا يتضمن بقية الحالات بالمجتمع والتي لا يوجد بشأنها تقارير لدى مؤسسات وقاية وحماية الطفولة.
وعلى هذا تقاس معدلات الانتشار من التقارير الذاتية للمسوح التي تطبق على عينات من الأطفال والآباء، في حين يحسب معدل الحدوث من التقارير الرسمية المسجلة لدى مؤسسات وجمعيات حماية ورعاية الطفولة.(6)
يعرض تقرير الأمم المتحدة الأخير حول أوضاع الأطفال في العالم المستوى المتدهور عالمياً للأطفال وحجم العنف الموجه ضدهم من خلال أطر اجتماعية مختلفة تشمل: الأسرة، المدارس، مؤسسات الرعاية البديلة ومرافق الاحتجاز، والأماكن التي يعمل بها الأطفال والمجتمعات المحلية.
أشار التقرير أيضاً إلى عمليات الترهيب الشفاهي أو البدني التي يتعرض لها الأطفال من البالغين المحيطين بهم، ومن أخطر ما عرض له التقرير تلك الانتهاكات الجنسية التي يتعرض لها الأطفال، حيث كشف التقرير عن وجود ما يقارب من 150 مليون فتاة تحت سن الثامنة عشر و73 مليون صبي عانوا من علاقات جنسية قسرية أو أي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي أثناء عام 2002م.
نورد هنا بعض الامثلة لدول عربية اعلنت عن الاحصاءات.
1 _ المغرب: تشير الإحصائيات إلى أن عدد حالات تعرض الأطفال للاستغلال الجنسي، خلال السنة 2009، بلغ 306 حالات، بارتفاع 536 في المائة مقارنة مع العامين 2006 و2007. وانتقل عدد الأطفال المعتدى عليهم جنسيا، حسب التقرير الصدر عن جمعية "ماتقيش ولدي" (لا تلمس إبني)، من 20 في العام 2006 إلى 50 في العام 2007، ليصل إلى 306 حالات.
2 _ الجزائر: يتعرض أطفال ذوي الإعاقة إلى عنف جسدي ولفظي ونفسي وخاصة وسط الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و12 سنة، تشير دراسة حديثة اعدتها مديرية المشاريع بقيادة الدرك الوطني مستندة إلى إحصائيات وتحاليل تعكس الوضع السلبي، أحصت مصالح الدرك الوطني لوحدها خلال عام 2008 أكثر من 543 حالة إعتداء جنسي ضد الأطفال معلن عنها مسجلة لدى الفرق الإقليمية.
3 _ لبنان: يعد التحرش الجنسي أكثر الجرائم التي ترتكب ضد القاصرين من لبنان، بنسبة 30% (عام 2002م) ويلي ذلك الاغتصاب.
بعض الجرائم الجنسية التي يرتكبها البالغون بحق الأطفال تقع بين أفراد الأسرة.
كشفت تقارير قوات الأمن الداخلي لعام 2002م عن أن حالات الاغتصاب تمثل 23.6% ضد الأطفال.
4 _ مصر: تشير دراسة عن حوادث الأطفال في مصر أعدتها الدكتورة فاتن عبدالرحمن الطنباري أستاذ الإعلام المساعد في معهد الدراسات العليا للطفولة بجامعة عين شمس إلى ان حوادث الاعتداء الجنسي علي الأطفال تمثل 18% من اجمالي الحوادث المختلفة للطفل وفيما يتعلق بصلة مرتكب الحادث بالطفل الضحية فقد اتضح ان النسبة هي 35% له صلة قرابة بالطفل و65% ليست له صلة بالطفل.
5 _ الاردن: كشف رئيس مركز الطب الشرعي في الأردن الدكتور مؤمن الحديدي أن عدد الاعتداءات الجنسية في الأردن وصل العام الماضي إلى 1300 حالة.
وبحسب المصدر، فإن الدراسات تؤكد أن حالات اغتصاب الأطفال "أكثر انتشارا في الأردن من اغتصاب النساء حيث تسجل سنوياً نحو 700 حالة اعتداء جنسي على الأطفال وتتراوح الاعتداءات ما بين اغتصاب وهتك العرض". وبحسب الأرقام الرسمية في الأردن، فإن عدد حالات الاعتداء الجنسي عام 2006 بحق الأطفال بلغت نحو 736 حالة، أما في عام 2005 فوصلت إلى نحو 683 حالة معظمها وقع على الأطفال الذكور، أما عن الأشخاص الذين يقومون بالاعتداء الجنسي على الأطفال، فإنهم غالباً ما يكونون من أقربائهم، واحتل الآباء المرتبة الأولى، ثم الأمهات والأشقاء فالأقارب، وهم من مختلف الطبقات الاجتماعية
6 _ سوريا: أعدت الهيئة السورية لشؤون الأسرة 2008 تقريراً عرف باسم التقرير الوطني حول سوء معاملة الأطفال في سورية، والذي بين أرقام احصائية وصفها بالتقريبية حول وضع الأطفال في سوريا، وذكر التقرير أن "19.4 % من الأطفال يتعرضون إلى عنف جنسي تبدأ بالإساءة اللفظية وتنتهي بسلوك جنسي صريح مع الطفل إلا انه لم يتم التوصل إلى نسب محددة في هذا الموضوع "، وقال التقرير حينها ان دراسة العنف الجنسي عند الأطفال "تشكل أشكالية كبيرة بسبب العادات الاجتماعية وصعوبة الحصول على المعلومات من الأطفال وغيرها"، كما دعت الدراسة حينا إلى "تأسيس مراكز بحثية متخصصة بظاهرة العنف ضد الأطفال في سوريا".
وسائل الحد من الاستغلال الجنسي:
لا يمكن الحد من ظاهرة الاستغلال الجنسي ضد الأطفال ذوي الإعاقة ما لم يتم التركيز علي مجموعة من التدابير والاجراءات العلمية الهادفة وهي علي عدة مستويات.
اولا: علي مستوي المجتمع.
1 _ التركيز علي تشيجع البرامج والمبادرات التي تحد من ظاهرة العنف والاستغلال، ومن هذه البرامج والمبادرات
* دمج الأشخاص ذوي الإعاقة في برامج الحماية من العنف والاستغلال المقدمة لكافة افراد المجتمع.
* اشراك الأشخاص ذوي الإعاقة في البرامج العلاجية التخصصية لضحايا العنف والاستغلال.
2 _ زيادة الوعي والتركيز علي حملات التوعية بقضايا العنف والاستغلال للأشخاص ذوي الإعاقة والتعريف بالمنظمات والمؤسسات التي تهتم بهذه القضايا وبدورها في حماية الأشخاص ذوي الإعاقة.
3 _ التأكيد علي قيام المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني بكل ما يلزم لمتابعة قضايا العنف والاستغلال الجنسي للحد من انتشارها.
4 _ التركيز علي تدريب الكوادر الحكومية كتوظيف الوزارات والجهات الامنية علي أساليب الكشف عن قضايا العنف واستغلال الجنسي، وتزويدهم بالدورات التدريبية المناسبة.
ثانيا: العاملين مع الأشخاص ذوي الإعاقة:
1 _ يجب ان يدرك العاملين مع الأشخاص ذوي الإعاقة خطورة القيام بأي عمل يؤدي إلى العنف والاستغلال.
2 _ ضرورة تدريب العاملين مع الأشخاص ذوي الإعاقة علي كيفية كشف وتوثيق قضايا العنف والاستغلال والفحوصات الاولية التي يمكن اجراءها للكشف عن هذه الممارسات.
3 _ العنف ضد الأشخاص ذوي الإعاقة في مؤسسات الرعاية والاقامة الدائمة يجب ان يكون دافعا للجهات المعنية لمتابعة هذه المؤسسات.
ثالثا: المجالس والقطاعات والجهات المعنية بشؤون الأشخاص ذوي الإعاقة.
1 _ انشاء اقسام خاصة تهتم بظاهرة العنف والاستغلال ضد الأشخاص ذوي الإعاقة بحيث يقوم برصد هذه الحالات وتوثيقها.
2 _ انشاء خط ساخن لاستقبال شكاوي الأشخاص ذوي الإعاقة أو ذويهم وارشادهم لكيفية التعامل مع هذه ظاهرة.
3 _ عقد الدورات التدريبية للاهالي وللعاملين مع الأشخاص ذوي الإعاقة وتثقيفهم حول ظاهرة العنف والاستغلال.
رابعا: علي مستوي الاسرة.
1 _ يجب ان تخضع لبرامج الارشاد والتوعية التي تتناول كيفية التعامل مع الشخص المعاق.
2 _ الابلاغ فورا عن اي حالة عنف أو استغلال يتعرض لها الشخص المعاق وعدم كتمان هذه الحالة.
3 _ عقد اللقاءات والمحاضرات لتثقيف اولياء الأشخاص ذوي الإعاقة حول قضايا العنف والاستغلال.
خامسا: علي مستوي الشخص ذوي الإعاقة:
1 _ ان يقوم الشخص المعاق الذي يمتلك القدرات العقلية المناسبة بالابلاغ عن حالة العنف أو الاستغلال التي يتعرض لها.
2 _ ان تكون هناك جمعيات تضم أشخاص ذوي الإعاقة لمحاربة هذه الظاهرة.
مراجع:
1 _ الدكتور اشرف عبدالفتاح ابو المجد، العنف ضد الأطفال " الأساليب _ التحديات _ المواجهة " ندوة الاتجاهات الحديثة لوقاية الأطفال من الانحراف، اكاديمية الشرطة، القاهرة، ابريل 2007.
2 _ الدكتورة منيرة عبدالرحمن، ايذاء الأطفال، الرياض 2005.
3 _ الدكتور طارق علي ابو السعود، اكاديمية سعد العبدالله للعلوم الامنية 2008.
4 _ الدكتور مدحت ابو النصر، العنف ضد الأطفال المفهوم والأشكال والعوامل، مجلة خطوة، المجلس العربي للطفولة والتنمية، العدد الثامن والعشرون مايو 2008.
5 _ الدكتور وجدي محمد بركات، إستراتيجية التشبيك كمدخل لتفعيل دور جمعيات رعاية الطفولة
لمواجهة العنف ضد الأطفال في عصر العولمة، مجلة الطفولة، الجمعية البحرينية لتنمية الطفولة، العدد التاسع يناير 2008م
6 _ موقع كن حرا.... احصائيات.
7 _ موقع امان... الأردن: 1300 حالة اعتداء جنسي في عام واحد.
8 _ موقع منتديات طريق سوريا.. تنامي ظاهرة العنف الجنسي ضد الأطفال في سوريا.
9 _ موقع نور... الإعتداءات الجنسية.. الجريمة المسكوت عنها في المجتمع الجزائري.
10 _ موقع نور.. الاعتداءات الجنسية ضد الأطفال بالمغرب.. أرقام وحوداث مقلقة.
*- ورقة قدمت إلى مؤتمر "واجب المجتمع تجاه الطفل ذي الإعاقة"، المجلس العربي للطفولة والتنمية، (2/2010)
عادل ابوبكر الطلحي
تشير بعض الادبيات والمراجع إلى الأساليب المتبعة في معاملة الأشخاص ذوي الإعاقة، كانت تتم بصورة سيئة كالضرب، أو الاحتقار، أو الربط بالسلاسل، أو الحرق، أو السجن، أو التعذيب، وغيرها من أساليب العنف،
وهذه الأساليب في معاملة لم تكن قاصرة علي مجتمع بعينه أو ثقافة بعينها بل كانت منتشرة في كثير من المجتمعات باعتبار قيمة الفرد كانت تتحدد بمقدار صلاحيته لاداء وظيفة ما علي الوجه الاكمال، والإنسان الصالح هو الذي يتمتع بقوي عقلية وجسمية سليمة تؤهله للبقاء.
بدأت أول مظاهر رعاية المعاقين عند القدماء المصريين حيث أكدوا على أهمية العناية بالفرد وأسرته في حالات المرض والعجز كأسلوب يدعم المجتمع، وعُرف علم الأعشاب لعلاج المرضى وأصحاب العاهات، وكان الكهنة يصلون لشفاء هؤلاء العجزة، كما أدت الفلسفة الأخلاقية التي ظهرت في كل من الهند والصين متمثلة في قانون (مانو) وفي الصين في تعاليم (كونفشيوس) إلى اعتناق مفاهيم الفضيلة والأخلاق والسلام كطرق تؤدي إلى المعرفة ومن تم الرحمة بالضعفاء والعناية بالمرضى والمعاقين كأحد مظاهر تلك الفضيلة، ولكن رغم أهمية الحضارة الإغريقية القديمة وما قدمته للمعرفة الإنسانية، من معارف وعلوم إلا إن الطابع العقلي والطبقي والمثالي الذي ساد فلسفاتهم لم يقدم عطاء يذكر لرعاية ذوي العاهات والعناية بالعجزة، "فنظرة أثينا إلى الإعاقة كانت نظرة ازدراء واحتقار، لقد كان سقراط يرى "بأن قيمة كل شئ تقدر بصلاحيته لأداء وظيفته على الشكل الأكمل" ويرى أفلاطون "بأن المعاقين ضرر بالدولة ووجودهم يعيق قيام الدولة بوظيفتها والسماح لهم بالتناسل يؤدي إلى إضعاف الدولة "، كان يخص المعاقين عقليا، كما رفع أفلاطون شعار " العقل السليم في الجسم السليم"، وكان يريد لجمهوريته أن تقوم على أرستقراطية العقل وصحة الجسم، ولذلك فقد دعا إلى نفيهم خارج الدولة وعدم السماح لهم بدخولها حيث لا يبقى في الدولة سوى الأذكياء والقادرين على الإنتاج أو الدفاع أو الحكم ,أما في (إسبرطة) فلم يكن يصلح بين أبنائها الضعيف أو المريض أو ذو العاهة والقانون ينص على التخلص من الأطفال المعاقين عن طريق تعريضهم للبرد القارص أو إلقائهم في نهر ((أورتاس)) حتى يموتوا غرقا، أما في الحضارة الرومانية فلم يكن المعاق بأحسن حالا فقد كان الأب يُعرض عن الابن المصاب بالتشوه أو العجز فيلقي به في الطريق ليصبح من الرقيق أو المهرجين.
ومما لاشك فيه ان الأشخاص ذوي الإعاقة هم اكثر من غيرهم تعرضين للعنف والاستغلال والإساءة حيث تشكل الإعاقة مصدرا جاذبا لتعرضهم لهذا النوع من الممارسات حيث كشفت العديد من الدراسات الاجتماعية الحديثة عن تعرض الأشخاص ذوي الإعاقة لأشكال مختلفة من العنف الجسدي والضغوطات النفسية والتمييز الاجتماعي، مما يضاعف من حجم معوناتهم علي مستويات عدة ويعمق لديهم الشعور بالإحباط والدونية رغم كونهم عنصر اساسي من عناصر المجتمع، ويمتلك الكثير منهم ما يكفي من القدرات للاندماج في الحياة العامة، وتشير احدي الدراسات ان تسبة العنف ضد الأشخاص ذوي الإعاقة تتضاعف مقارنة بالعنف ضد الطبيعيين بنسبة 1: 2 تشير احدي الدراسات في الولايات المتحدة الامريكية في عام 2008 إلى ان 90% من الأشخاص ذوي الإعاقة العقلية لابد وانهم تعرضوا لنوع من الإساءة الجنسية في مرحلة معنية من مراحل حياتهم، ان 80 % من الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية تعرضوا لهذه الإساءة.
إذ يتعرض علي الأقل 20% من الإناث ومن 5% إلى 10% من الذكور في الولايات المتحدة الأمريكية للإساءة الجنسية كل سنة. وعلي الرغم من أن هذه الإحصائيات المرتفعة مزعجة فإن الأشخاص المعاقين عقلياً وغيرهم من ذوي الإعاقات النمائية الأخرى أكثر عرضة للمعاناة من مخاطر الإساءة الجنسية ويتوقع بطبيعة الحال أن تزداد نسب أو معدلات تعرضهم لمختلف صيغ هذه الإساءة مقارنة بغيرهم من الأشخاص العاديين أو مقارنة الأشخاص من ذوي الإعاقات الأخرى. وبالتالي يمكن التأكيد مع سوبسي ودوي، أن الضحايا ذوي القصور في القدرة العقلية أو ذوي الإعاقة العقلية أكثر احتمالاً للتعرض للإساءة بصيغها المختلفة خاصة الإساءة الجنسية.
يشكل غياب القوانين والأنظمة التي تتناول ظاهرة واستغلال للأشخاص ذوي الإعاقة والقيود المفروضة علي هؤلاء المعاقين وأسرهم وغياب الوعي الاجتماعي وعدم معرفة للأشخاص ذوي الإعاقة للوسائل والجهات التي يمكن التي يلجؤا اليها في حال تعرضهم للعنف والاستغلال من الاسباب الرئيسية لعدم القدرة علي كشف مدي استفحال هذه الظاهرة، كذلك تلعب العوامل الثقافية والاجتماعية دورا فاعلا في عدم الكشف عن حالات العنف والتمييز التي يعاني منها الأشخاص ذوي الإعاقة، حيث أشارت بعض الدراسات ان نسبة الكشف عن جرائم العنف ضد الافراد المعاقين في جمهورية العربية المصرية في عام 2007 لا تتعدى 10 % بينما يظل الكثير من هذه الجرائم طي الكتمان داخل المنازل أو داخل دور الرعاية والتأهيل.
بعض الحقائق عن الإعاقة:
*- نحو 10 % من سكان العالم، أو 650 مليون نسمة مصابون بشكل من أشكال الإعاقة.
*- تختلف الاحصائيات التي تحدد رقم الأشخاص ذوي الإعاقة في العالم حسب تعريف الإعاقة فمنظمة الصحة العالمية تعرف الأشخاص ذوي الإعاقة بانهم اؤلئك الذين يعانون من إعاقة حركية أو إعاقة حسية (العمي والصمم) أو إعاقة عقلية وتشير منظمة إلى ان هناك 200 مليون طفل معاق يشكلون 10 % من أطفال العالم الذين يولدون بإعاقة أو يكتسبون الاصابة بالإعاقة قبل عمر 19 عاما.
*- 80 % من الأشخاص ذوي الإعاقة يعيشون في البلدان النامية، استنادا إلى برنامج الامم المتحدة الانمائي
*- حسب تقديرات البنك الدولي، فان نسبة تبلغ 20 % من افقر الناس في العالم من الأشخاص ذوي الإعاقة.
*- النساء والفتيات المعوقات اشد عرضة لسوء معاملة، كشفت دراسة استقصائية محدودة جرت في روسيا والهند 2004، ان جميع النساء والفتيات تقريبا يتعرضن للضرب في المنزل، وان 25 % من النساء اللائي يعانين من تخلف عقلي تعرضن الاغتصاب وان 6 % م النساء تعرضن للعقم قسرا.
*- استنادا إلى منظمة اليونسيف فأن 30 % من أطفال المشردين في الشوارع هم من فئة الأطفال ذوي الإعاقة حيث يتم استغلالهم في التسول والسرقة المنظمة.
*- تبين الدراسات الحقوقية بشأن تشريعات الإعاقة ان 45 بلدا فقط لديها قوانين مكافحة التمييز وغيرها من القوانين الخاصة بالعجز.
*- حددت منظمة العمل العربية بأن هناك 20 مليون من الأشخاص ذوي الإعاقة في الوطن العربي.
*- تشير منظمة الصحة العالمية بأن 98% من الأطفال من ذوي الإعاقة لا يحظون بتعليم رسمي، وتعيش الأغلبية العظمى منهم دون الرعاية الصحية وخدمات التأهيل الملاءمة.
*- كما تشير منظمة الصحة العالمية 50 % من حالات الإعاقة يمكن الوقاية منها.
*- كما تشير منظمة الصحة العالمية الوفيات بين الأطفال ذوي الإعاقة تصل إلى 80%.
*- تم الإبلاغ عن أكثر من 2.9 مليون حالة اعتداء على الأطفال خلال العام الماضي في الولايات المتحدة (حسب اللجنة الوطنية للوقاية من الاعتداء على الأطفال).
المنظور تاريخي للإعاقة يمكننا ان نقسمه إلى خمسة مراحل:
المرحلة الأولى:
أتسمت هذه المرحلة بالقمع والإهمال والنظرة الدونية لتلك الفئة واستمرت حتى القرن الخامس الميلادي.
المرحلة الثانية:
حيث أتسمت بتدخل الخرافات في النظرة للمعاقين أما بأنهم أصحاب كرامات أو كشياطين أو أشرار. وارتباطاً بالتراث الإسلامي ظهرت بعض المؤسسات الدينية لتعديل هذه النظرة لتكون أكثر واقعية لرعاية تلك الفئات.
المرحلة الثالثة:
ظهرت في بدايات القرن السابع عشر الميلادي وارتبطت الرعاية لتلك الفئة بالمستوى الاقتصادي والطبقي في ذلك الوقت.
المرحلة الرابعة:
حيث وارتبطت بعصر التنوير أو النهضة الحديثة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتوالي التشريعات الخاصة برعاية المعاقين اجتماعيا واقتصادياً.
المرحلة الخامسة:
وتعتبر هي مرحلة الانطلاق في رعاية الفئات المعاقة وانعقاد المؤتمر الثاني حول التشريعات المتعلقة بالمعاقين عام 1978م، واعتبار عام 1981 العام الدولي للمعاقين.
تعريف العنف
عرفت معظم القوانين العنف بأنه " كل فعل ظاهر أو مستتر مباشر أو غير مباشر، مادي أو غير مادي، موجه لإلحاق الأذى بالذات أو بالآخر أو جماعة أو ملكية واحد منهم، هذا فعل مخالف للقانون ويعرض مرتكبه للوقوع تحت طائلة القانون لتطبيق العقوبة عليه ".
التعريف الاجتماعي للعنف " هو الانماط السلوكية التي تصدر عن الفرد أو الجماعة، تؤدي إلى تصرفات غير اجتماعية وغير تربوية خطيرة تتعارض مع القوانين والمواثيق.
كما يتم تعريف العنف في معظم الدراسات على انه لا يعني فقط الاعتداء الجسدي أو المعنوي على شخص ذوي الإعاقة بل هو ايضا أشكال السلوك الفردي والاجتماعي المباشر وغير المباشر الذي ينال من الشخص ذوي الإعاقة ويحط من قدره ويمنعه من الحصول على حقوقه الشرعيه بل ويسلبه هذه الحقوق عن طريق إذلاله وإيذائه جسديا ولفظيا.
وطبقا لتعريف الأمم المتحدة فإن العنف ضد الطفل هو "أي فعل أو تهديد بفعل يؤدي إلى إحداث أذى جسدي أو نفسي أو جنسي أو يحد من حرية الطفل بسبب كونه طفلاً تحت الوصاية (الولدان أو أحدهما أو الوصي) أو الدفع به إلى أي من الصور المختلفة للاستغلال".
وعلى هذا فليس المقصود بالعنف هو العنف البدني أي المادي فقط بل يمتد معنى العنف إلى ما هو أشمل وهو العنف النفسي، وهو الأخطر تأثيراً على شخصية ونمو الطفل، حيث تشير نتائج الدراسات المختلفة أن التعرض للعنف في مرحلة الطفولة هو أحد أبرز الأسباب المسئولة عن ظهور الإعاقات النفسية المعرقلة لتطور ونمو الشخصية السوية والمسئول الأول عن ارتفاع المعدلات الدولية للإصابة بالاكتئاب المعرقل للعمل والإنتاج والذي يعد سبباً أساسياً للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية.
وتشير الموسوعة العلمية (universals) أن مفهوم العنف يعني كل فعل يمارس من طرف جماعة أو فرد ضد أفراد آخرين عن طريق التعنيف قولاً أو فعلاً وهو فعل عنيف يجسد القوة المادية أو المعنوية.
وذكر قاموس (Webster) أن من معاني العنف ممارسة القوة الجسدية بغرض الإضرار بالغير، وقد يكون شكل هذا الضرر مادياً أو معنوياً من خلال تعمد الإهانة بالسباب أو التجريح.
وفي ضوء ما سبق يمكن تعريف العنف ضد الأطفال ذوي الإعاقة " بانه كل أشكال سلوك المباشرة أو غير المباشرة اللفظية أو غير اللفظية، الظاهرة أو المستترة، المادية أو المعنوية، السلبية أو غير السلبية، يترتب عليها الحاق الأذى أو ضرر أو إساءة معاملة أو إساءة أطفال ذوي الإعاقة، مما يترتب عليها آثار جسمية أو نفسية أو اجتماعية، وهذه سلوكيات تتعارض مع القيم الدينية والقوانين والمواثيق الوطنية والاقليمية والعالمية ".
ويجسد العنف ضد الأطفال ذوي الإعاقة في مظاهر كثيرة لكن اهمها الاستغلال الجنسي وهذا ما تحاول ورقتنا التسليط ضوء حوله.
لهذا يمكننا الاشارة هنا إلى مصطلح "الاستغلال الجنسيّ" إلى كلّ الأطفال حتى سنّ 18 سنة، وليس لقضايا "سنّ الرشد" المعرّفة محلّيّاً صلة بحقّ الطفل بالحماية.
تتعامل الفقرة 2 من بروتوكول اختياريّ لاتفاقيّة حقوق الطفل مع ثلاثة أشكال للاستغلال الجنسيّ: (1) بيع الأطفال، ويعرّف بأنّه أيّ عمل أو صفقة ينقل بموجبها شخص أو مجموعة من الأشخاص طفلاً إلى مجموعة أخرى مقابل أجر أو أيّ اعتبارات أخرى؛ (2) بغاء الأطفال، وهو استخدام الطفل في النشاطات الجنسيّة مقابل أجر أو أيّ اعتبارات أخرى؛ (3) العمل الإباحيّ للأطفال، وهو أيّ عرض بأيّ وسيلة لطفل يمارس نشاطات جنسيّة حقيقيّة أو محاكاة أو أيّ عرض للأعضاء الجنسيّة للطفل لأغراض جنسيّة بالدرجة الأولى.
أشكال العنف
العنف ضد الأطفال ذوي الإعاقة أشكال وانواع عديدة منها:
اولا: الاعتداء أو الأذى الجسدي:
الاعتداء أو الضرر أو الأذى الجسدي هو اي اعتداء يلحق الأذى بجسم طفل ذوي الإعاقة سواء باستخدام اليد أو بأية وسيلة اخري، ويحدث علي اثر ذلك رضوض أو كسور أو خدوش أو حروق أو جروح وقد يصل الامر إلى الاعتداء الجسدي.
ثانيا: الاعتداء أو الأذى الجنسي:
الاعتداء أو الأذى الجنسي، يقصد به استخدام طفل ذوي الإعاقة لاشباع الرغبات الجنسية لشخص اخر ويبدا الاعتداء الجنسي من التحرش الجنسي إلى ممارسة الجنس بشكل كامل مع طفل ذوي الإعاقة، فعلي سبيل المثال إفساد أخلاق طفل ذي الإعاقة، تهتك الأعضاء الجنسية لديه وغيرها.
ثالثا: الاعتداء أو الأذى العاطفي:
الاعتداء أو الأذى العاطفي هو إلحاق الضرر الاجتماعي والنفسي للطفل ذوي الإعاقة وذلك من خلال مارسة سلوك ضده يشكل تهديدا لصحته النفسية بما يؤدي قصور في نمو الشخصية لديه، واضطراب في علاقاته الاجتماعية بالاخرين.
من أشكال الاعتداء العاطفي حرمان طفل ذوي الإعاقة من الحب والرعاية والحماية والشعور بالامن والامان وحرمانه من حقه في التعليم واللعب، وكذلك من أشكال الاعتداء العاطفي القسوة في المعاملة أو التدليل الزائد والحماية المسرفة.
رابعا: الإهمال:
وهو نمط سلوكي يتصف باخفاق أو فشل أو ضعف في الاسرة أو المدرسة في اشباع كل من الاحتياجات البيولوجية مثل "الاكل أو المشرب أو المأوي أو ملبس" والاحتياجات النفسية مثل "الامن والامان والرعاية".
من أشكال هذا الإهمال: إهمال تقديم الرعاية الصحية للطفل ذوي الإعاقة، عدم الاهتمام بالاحتياجات العلمية والتربوية للطفل ذوي الإعاقة مما يحرمه من حقه في التعليم وحقه في التنشئة الاجتماعية السليمة وكذلك فان عدم الحصول علي التامين الطبي والترفيه يعتبر شكلا من أشكال الإهمال. (4)
العوامل المؤديه للعنف:
إن فهم طبيعة وأسباب العنف ضد الأطفال وتفهم المتغيرات المؤدية إلى ظهور هذه المشكلة في المجتمع يُعد أمرا حتمياً لصياغة مداخل وقاية وعلاج أكثر فعالية في التعامل معها وهذا الأمر كان وما زال يشكل تحدياً كبيراً للمهينين والأكاديميين، وتوضح الدراسات أن تعرض الأطفال للعنف يرتبط بمجموعة من المتغيرات فلا يوجد سبب واحد مباشر لحدوث العنف ضد الأطفال، فحدوثه يرتبط بعوامل متعددة تتفاعل وتعزز بعضها البعض لينتج عنها إساءة معاملة الطفل أو إهماله، فخصائص الوالدين والمستوى الاقتصادي والاجتماعي للأسرة وخصائص الطفل ذاته، وخصائص من يمارس العنف ضد الطفل إذا كان من خارج الأسرة والمحيط البيئي الذي تعيش فيه الأسرة...، كلها تسهم بأوزان نسبية مختلفة في حدوث العنف ضد الأطفال كما أن تعرض الأسرة لبعض المشكلات مثل (البطالة، الفقر، العزلة الاجتماعية...) تؤثر بصورة مباشرة على حدوث العنف ضد الأطفال من خلال تأثيرها السلبي على الصحة النفسية وجودة الحياة النفسية للآباء.
هذا ويمكن تصنيف أسباب العنف ضد الأطفال إلى ما يلي:
1- أسباب ترتبط بالوالدين: هناك العديد من العوامل ترتبط بنقص الخبرات والمهارات الاجتماعية للوالدين في تعاملهم مع أطفالهم ويترتب عليها ظهور مشكله العنف ومنها عدم معرفة الوالدين بطبيعة خصائص المراحل العمرية لنمو الطفل، وفرط التأديب والعقاب الجسدي، وعدم القدرة على ضبط النفس، غياب مهارات التواصل الشخصي مع الآخرين عدم وجود توافق زوجي واستقرار بين الزوجين، جهل الوالدين بأساليب التنشئة الاجتماعية السليمة، ضعف الوازع الديني، عدم القدرة على مواجهة الضغوط الاجتماعية المحيطة...
2- أسباب ترتبط بالطفل: حيث إن صفات بعض الأطفال الجسمية والعقلية والنفسية والاجتماعية قد تزيد أو تنقص من احتمال تعرضهم للعنف سواء من داخل الأسرة أو من خارجها، وذلك في ضوء تفاعل هذه الصفات مع بقية المتغيرات المؤدية لظهور مشكلة العنف ضدهم، فالأطفال الذين يعانون من العزلة الاجتماعية والانطواء يكونون أكثر عرضة للعنف من غيرهم خصوصاً في حالة عدم وجود فهم من الوالدين لطبيعة احتياجات الأطفال الذين يعانون من هذه المشكلة.
3-أسباب ترتبط بالبناء الأسري: ضعف تماسك البناء الأسري وعدم وجود قواعد داخل الأسرة قائمة على الحب والرعاية والاحترام والتقدير، وسيادة الاهتمام بالجوانب المادية على حساب الجوانب الروحية والدينية، وتخلى الأسرة عن دورها في متابعة أبنائها، مما يقلص من سلطة الأسرة وضعف عملية الضبط الاجتماعي، يؤدي هذا إلى تعرض الأطفال داخل الأسرة للإهمال ومع وجود المغريات وعناصر الفساد في المجتمع يزداد احتمال تعرض هؤلاء الأطفال لأشكال شتى من العنف سواء داخل الأسرة أو من خارجها.
4- أسباب ترتبط بالبيئة المحلية (المحيط الذي يسكن فيه الطفل): حيث قد ينتشر العنف ضد الأطفال في بعض المجتمعات أكثر من غيرها، فالدولة كاختراع اجتماعي تهدف إلى تنظيم شئون حياة المواطنين وحمايتهم ويمكن أن تكون وسيلة للارتقاء بمستوى معيشتهم كما أنها في نفس الوقت يمكن أن تكون مصدراً للنكوص بالإنسان إلى مرحلة الوحشية. حيث نرى المجتمعات المعاصرة وفي ظل العولمة تتأرجح عبر تدريج في أحد طرفيه مجتمعات عاقلة متحضرة يقل فيها العنف إلى طرف آخر يقل فيه عنصر العقل والتحضر على حساب زيادة مماثلة في معدلات العنف، وهذا ينعكس بالضرورة على أكثر الفئات ضعفاً في المجتمع وتكون على رأسها فئة الأطفال.
حيث إن التطور المتسارع في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والتقدم التقني وعمليات التحديث المتسارعة في كافة المجالات ترتبط بها بالضرورة بعض الظواهر الإجرامية ومنها ما يتمثل في مظاهر شتى من العنف والذي يوجه إلى الفئات الضعيفة في المجتمع، فتطور الحياة المادية في المجتمع سيتبعه تطور في الحياة الاجتماعية، فتتطور سلوكيات المواطنين تطورات شتى سلبا وإيجابا، كما تختفي سلوكيات وتنشأ أخرى لتواكب الحياة الجديدة، وتطور العنف شأنه في ذلك شأن الكثير من السلوكيات، كما تطورت أدواته ودوافعه وأساليبه.
موقف اتفاقيّة حقوق الطفل من العنف ضد الأطفال:
تعتبر الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل الصادرة عام 1989م. واحدة من أكثر الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان شمولاً وتطوراً، ولقد وردت فيها بعض المواد التي تركز مباشرة على موضوع حماية الطفل من العنف وتعتبر هذه المواد ملزمة للدول المصادقة على الاتفاقية ومن بين هذه المواد ما يلي:-
كما ان الاتفاقية تقدّم أعلى معايير الحماية والمساعدة للأطفال في أيّ وثيقة دوليّة. ونهج الاتفاقيّة شامل، وذلك يعني أنّ الحقوق غير قابلة للقسمة ويتعلّق بعضها ببعض وأنّ كلّ الفقرات لها أهمّيّة متساوية. وتتمتّع اتفاقيّة حقوق الطفل بأشمل قبول بين وثائق حقوق الإنسان فقد صدّقت عليها كل بلدان العالم باستثناء اثنين (الولايات المتحدة والصومال). وهي توفّر أشمل إطار لمسؤوليّات الدول الأفرقاء أمام كل الأطفال الموجودين ضمن حدودها: فعندما صدّقت الحكومات الوطنيّة على الاتفاقيّة، ألزمت نفسها بحماية وضمان حقوق كل الأطفال دون تمييز، بما في ذلك حقوق الأطفال والمراهقين اللاجئين والنازحين. وتحدّد اتفاقيّة حقوق الطفل "الطفل" بأنّه كل من لم يبلغ الثامنة عشرة من العمر "ما لم يكن بلوغ سنّ الرشد يتحقّق قبل ذلك بموجب القانون الذي ينطبق على الأطفال". ويوحي مخطّط اتفاقيّة حقوق الطفل بأنّ هذا الاستثناء يجب أن يفسّر بأنّه استثناء يمنح التفويض، أي بعبارة أخرى، يستطيع الأطفال دون الثامنة عشرة من العمر الاستفادة من البلوغ إذا منحهم إياه القانون الوطنيّ فيما يستطيعون في الوقت نفسه المطالبة بالحماية بموجب اتفاقيّة حقوق الطفل. ومن المهمّ على وجه الخصوص عدم إغفال ذلك عندما تبرز قضايا أو مسائل تتعلّق بـ"سنّ التمييز".
تنص مادة 37 من اتفاقية حقوق طفل الصادرة عام 1989، ان الدول الاطراف عليها ان تكفل لاي طفل الا يتعرض للتعذيب أو لغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهنية، كذلك تنص مادة 19 من الاتفاقية حكما أوسع نطاقا حيث تطلب من جميع الدول الاطراف اتخاذ جميع التدابير التشريعية والاجتماعية والنفسية والتعليمية الملائمة لحماية الطفل من كل أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو العقلية أو الإهمال أو المعاملة المنطوية علي إهمال أو إساءة المعاملة أو الاستغلال بما في ذلك الإساءة الجنسية.
كما ان مادة 16 تنص علي:
1- لا يجوز أن يجرى أي تعرض تعسفي أو غير قانوني للطفل في حياته الخاصة أو أسرته أو منزله أو مراسلاته، ولا أي مساس غير قانوني بشرفه أو سمعته.
2- للطفل حق في أن يحميه القانون من مثل هذا التعرض أو المساس.
مادة 19 تشير إلى:
1- تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتعليمية الملائمة لحماية الطفل من كافة أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو العقلية والإهمال أو المعاملة المنطوية على إهمال، وإساءة المعاملة أو الاستغلال بما ذلك الإساءة الجنسية، وهو في رعاية الوالد (الوالدين) أو الوصي القانوني (الأوصياء القانونيين) عليه، أو أي شخص يتعهد برعاية الطفل.
2- ينبغي أن تشمل هذه التدابير الوقائية حسب الاقتضاء، إجراءات فعالة لوضع برامج اجتماعية لتوفير الدعم اللازم للطفل ولأولئك الذين يتعهدون برعايتهم وكذلك للأشكال الأخرى من الوقاية، ولتحديد حالات إساءة معاملة الطفل والإبلاغ عنها والإحالة بشأنها والتحقيق فيها ومعالجتها ومتابعتها وكذلك لتدخل القضاء حسب الاقتضاء.
هذا ولقد نصت الاتفاقية على الالتزام القانوني والأدبي والأخلاقي للدول الأطراف لتنفيذ كافة بنودها، وعلى الدول وضع آليات المراقبة السليمة لضمان حماية الأطفال من شتى أصناف العنف الذي قد يتعرضون له، كما أعطت الاتفاقية كافة مؤسسات منظمة الأمم المتحدة الحق بمراقبة تنفيذ بنود الاتفاقية، وتم ربط بعض المساعدات الدولية التي تقدم للدول بمدى التزامها ببنود الاتفاقية.
ولقد أعطت الاتفاقية الحق للدول بأن يكون لها قوانينها الخاصة على أن تتلاقى مع روح الاتفاقية الدولية وأن لا تتعارض مع بنودها الرئيسية، كما أعطت الدول الحق في التحفظ على البنود غير المتلائمة مع الثقافة أو الديانة أو غيرها في تلك الدول، كما نصت الاتفاقية على أن تقدم الدول تقارير متابعة كل خمس سنوات يتم إعدادها من مصدرين (الأول مصدر حكومي والثاني أهلي منظمات غير حكومية) حول ما تم إنجازه وتحقيقه في توفير الحماية ومجال حقوق الأطفال.
الاستغلال الجنسي ضد الأطفال ذوي الإعاقة:
الاستغلال الجنسي ذوي الإعاقة من الجرائم الأكثر شدة وقسوة في مجال العنف ضد الأطفال ويمكن وصف هذه الظاهرة بحق " بمؤامرة الصمت والسرية " التي تفرض نفسها بدءا من ندرة الحديث عنها، وصولا إلى تكتم كل من المجني عليه والجاني، وكذلك الأسرة في حالة علمها، لأسباب عديدة منتوعة تتعلق بالعجز أو الخوف من العار وتلطيخ السمعة أو الحفاظ علي الصحة النفسية للمجني عليه.
ويعرف الاستغلال الجنسي لجسد لطفل بأنه " اتصال جنسي بين طفل وبالغ من اجل إرضاء رغبات جنسية عند الأخير، مستخدما القوة والسيطرة علي الأولي "اذا حدث في اطار العائلة من طرف أشخاص محرمين علي الطفل يعتبر خرقا للتابو المجتمعي، ويسمي "سفاح القربي" او "قتل الروح" حسب المفاهيم النفسية، وذلك لان المعتدي عادة ما يفترض ان يكون حاميا للطفل، ويعرف سفاح القربي حسب القانون " بأنه ملامسة جنسية مع قاصر أو قاصرة علي يد احد افراد العائلة " ويتم تحديد الاستغلال الجنسي للطفل أو التحرشي به من خلال كشف اعضائه التناسيلة، أو ازالة الملابس عنه بهدف ملامسة أو ملاطفة جسدية خاصة، أو اغتصابه أو هتك عرضه، أو تعريضه لصور أو أفلام إباحية أو إجباره علي التلفظ بألفاظ نابية.
وتشير الدراسات إلى ان هناط طريقتين يلجا اليهما الجاني عند تعامله مع الضحية: الأولى تعتمد علي الإغراء والترغيب، بينما تستند الثانية علي العنف والترهيب، ويحرص الجاني في كلا حالتين علي ان يختلي بالطفل حتي يحقق مبتغاه.
علما بأن معظم المتحرشين جنسيا بالأطفال هم من محيطهم القريب كما توصلت اليه عده دراسات.
نماذج من المجتمعات العربية:
وبالرغم من جدار الصمت الذي يلف هذه ظاهرة هناك دول عربية عديدة أعلنت عن بعض الاحصائيات الخاصة بالاستغلال الجنسي بالطفل ذوي الإعاقة داخل اطار العائلة، علما بان ما يتم الابلاغ عنه إلى السلطات المختصة لا يتجاوز نسبة ضئيلة مقارنة بالحالات الفعلية نتيجة للسرية والصمت التي تحيط بهذا النوع من الاعتداءات، بالتالي لا تعدو ان تكون بمثابة قمة جبل الجليد الذي يلعب دور المؤشر علي مدي انتشار هذه المشكلة.
ان معدل انتشار مشكله العنف ضد الأطفال ذوي الإعاقة في المجتمع يستخدم مصطلحان أساسيان في ذلك وهما مصطلح معدل الانتشار الإحصائي (Prevalence) ومصطلح معدل الحدوث الفعلي (Incidence)، ويشير مصطلح معدل الانتشار عموماً إلى عدد الأفراد الذين تعرضوا على الأقل لفعل إساءة أو إهمال أو صورة من صور العنف الجسدي والنفسي المتعارف عليه خلال حياتهم السابقة، وقد تكون هذه الحالات مسجلة أو غير مسجلة لدى المؤسسات والمنظمات المهتمة برعاية وحماية الأطفال، أما مصطلح معدل الحدوث فيشير إلى عدد الحالات التي تعرضت للعنف والمسجلة بالفعل لدى هيئات ومنظمات رعاية وحماية الطفولة في كل عام، بمعنى أن معدل الحدوث يرتبط بالتقارير المسجلة والمثبتة للحالات التي تعرضت بالفعل لصور من العنف ولا يتضمن بقية الحالات بالمجتمع والتي لا يوجد بشأنها تقارير لدى مؤسسات وقاية وحماية الطفولة.
وعلى هذا تقاس معدلات الانتشار من التقارير الذاتية للمسوح التي تطبق على عينات من الأطفال والآباء، في حين يحسب معدل الحدوث من التقارير الرسمية المسجلة لدى مؤسسات وجمعيات حماية ورعاية الطفولة.(6)
يعرض تقرير الأمم المتحدة الأخير حول أوضاع الأطفال في العالم المستوى المتدهور عالمياً للأطفال وحجم العنف الموجه ضدهم من خلال أطر اجتماعية مختلفة تشمل: الأسرة، المدارس، مؤسسات الرعاية البديلة ومرافق الاحتجاز، والأماكن التي يعمل بها الأطفال والمجتمعات المحلية.
أشار التقرير أيضاً إلى عمليات الترهيب الشفاهي أو البدني التي يتعرض لها الأطفال من البالغين المحيطين بهم، ومن أخطر ما عرض له التقرير تلك الانتهاكات الجنسية التي يتعرض لها الأطفال، حيث كشف التقرير عن وجود ما يقارب من 150 مليون فتاة تحت سن الثامنة عشر و73 مليون صبي عانوا من علاقات جنسية قسرية أو أي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي أثناء عام 2002م.
نورد هنا بعض الامثلة لدول عربية اعلنت عن الاحصاءات.
1 _ المغرب: تشير الإحصائيات إلى أن عدد حالات تعرض الأطفال للاستغلال الجنسي، خلال السنة 2009، بلغ 306 حالات، بارتفاع 536 في المائة مقارنة مع العامين 2006 و2007. وانتقل عدد الأطفال المعتدى عليهم جنسيا، حسب التقرير الصدر عن جمعية "ماتقيش ولدي" (لا تلمس إبني)، من 20 في العام 2006 إلى 50 في العام 2007، ليصل إلى 306 حالات.
2 _ الجزائر: يتعرض أطفال ذوي الإعاقة إلى عنف جسدي ولفظي ونفسي وخاصة وسط الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و12 سنة، تشير دراسة حديثة اعدتها مديرية المشاريع بقيادة الدرك الوطني مستندة إلى إحصائيات وتحاليل تعكس الوضع السلبي، أحصت مصالح الدرك الوطني لوحدها خلال عام 2008 أكثر من 543 حالة إعتداء جنسي ضد الأطفال معلن عنها مسجلة لدى الفرق الإقليمية.
3 _ لبنان: يعد التحرش الجنسي أكثر الجرائم التي ترتكب ضد القاصرين من لبنان، بنسبة 30% (عام 2002م) ويلي ذلك الاغتصاب.
بعض الجرائم الجنسية التي يرتكبها البالغون بحق الأطفال تقع بين أفراد الأسرة.
كشفت تقارير قوات الأمن الداخلي لعام 2002م عن أن حالات الاغتصاب تمثل 23.6% ضد الأطفال.
4 _ مصر: تشير دراسة عن حوادث الأطفال في مصر أعدتها الدكتورة فاتن عبدالرحمن الطنباري أستاذ الإعلام المساعد في معهد الدراسات العليا للطفولة بجامعة عين شمس إلى ان حوادث الاعتداء الجنسي علي الأطفال تمثل 18% من اجمالي الحوادث المختلفة للطفل وفيما يتعلق بصلة مرتكب الحادث بالطفل الضحية فقد اتضح ان النسبة هي 35% له صلة قرابة بالطفل و65% ليست له صلة بالطفل.
5 _ الاردن: كشف رئيس مركز الطب الشرعي في الأردن الدكتور مؤمن الحديدي أن عدد الاعتداءات الجنسية في الأردن وصل العام الماضي إلى 1300 حالة.
وبحسب المصدر، فإن الدراسات تؤكد أن حالات اغتصاب الأطفال "أكثر انتشارا في الأردن من اغتصاب النساء حيث تسجل سنوياً نحو 700 حالة اعتداء جنسي على الأطفال وتتراوح الاعتداءات ما بين اغتصاب وهتك العرض". وبحسب الأرقام الرسمية في الأردن، فإن عدد حالات الاعتداء الجنسي عام 2006 بحق الأطفال بلغت نحو 736 حالة، أما في عام 2005 فوصلت إلى نحو 683 حالة معظمها وقع على الأطفال الذكور، أما عن الأشخاص الذين يقومون بالاعتداء الجنسي على الأطفال، فإنهم غالباً ما يكونون من أقربائهم، واحتل الآباء المرتبة الأولى، ثم الأمهات والأشقاء فالأقارب، وهم من مختلف الطبقات الاجتماعية
6 _ سوريا: أعدت الهيئة السورية لشؤون الأسرة 2008 تقريراً عرف باسم التقرير الوطني حول سوء معاملة الأطفال في سورية، والذي بين أرقام احصائية وصفها بالتقريبية حول وضع الأطفال في سوريا، وذكر التقرير أن "19.4 % من الأطفال يتعرضون إلى عنف جنسي تبدأ بالإساءة اللفظية وتنتهي بسلوك جنسي صريح مع الطفل إلا انه لم يتم التوصل إلى نسب محددة في هذا الموضوع "، وقال التقرير حينها ان دراسة العنف الجنسي عند الأطفال "تشكل أشكالية كبيرة بسبب العادات الاجتماعية وصعوبة الحصول على المعلومات من الأطفال وغيرها"، كما دعت الدراسة حينا إلى "تأسيس مراكز بحثية متخصصة بظاهرة العنف ضد الأطفال في سوريا".
وسائل الحد من الاستغلال الجنسي:
لا يمكن الحد من ظاهرة الاستغلال الجنسي ضد الأطفال ذوي الإعاقة ما لم يتم التركيز علي مجموعة من التدابير والاجراءات العلمية الهادفة وهي علي عدة مستويات.
اولا: علي مستوي المجتمع.
1 _ التركيز علي تشيجع البرامج والمبادرات التي تحد من ظاهرة العنف والاستغلال، ومن هذه البرامج والمبادرات
* دمج الأشخاص ذوي الإعاقة في برامج الحماية من العنف والاستغلال المقدمة لكافة افراد المجتمع.
* اشراك الأشخاص ذوي الإعاقة في البرامج العلاجية التخصصية لضحايا العنف والاستغلال.
2 _ زيادة الوعي والتركيز علي حملات التوعية بقضايا العنف والاستغلال للأشخاص ذوي الإعاقة والتعريف بالمنظمات والمؤسسات التي تهتم بهذه القضايا وبدورها في حماية الأشخاص ذوي الإعاقة.
3 _ التأكيد علي قيام المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني بكل ما يلزم لمتابعة قضايا العنف والاستغلال الجنسي للحد من انتشارها.
4 _ التركيز علي تدريب الكوادر الحكومية كتوظيف الوزارات والجهات الامنية علي أساليب الكشف عن قضايا العنف واستغلال الجنسي، وتزويدهم بالدورات التدريبية المناسبة.
ثانيا: العاملين مع الأشخاص ذوي الإعاقة:
1 _ يجب ان يدرك العاملين مع الأشخاص ذوي الإعاقة خطورة القيام بأي عمل يؤدي إلى العنف والاستغلال.
2 _ ضرورة تدريب العاملين مع الأشخاص ذوي الإعاقة علي كيفية كشف وتوثيق قضايا العنف والاستغلال والفحوصات الاولية التي يمكن اجراءها للكشف عن هذه الممارسات.
3 _ العنف ضد الأشخاص ذوي الإعاقة في مؤسسات الرعاية والاقامة الدائمة يجب ان يكون دافعا للجهات المعنية لمتابعة هذه المؤسسات.
ثالثا: المجالس والقطاعات والجهات المعنية بشؤون الأشخاص ذوي الإعاقة.
1 _ انشاء اقسام خاصة تهتم بظاهرة العنف والاستغلال ضد الأشخاص ذوي الإعاقة بحيث يقوم برصد هذه الحالات وتوثيقها.
2 _ انشاء خط ساخن لاستقبال شكاوي الأشخاص ذوي الإعاقة أو ذويهم وارشادهم لكيفية التعامل مع هذه ظاهرة.
3 _ عقد الدورات التدريبية للاهالي وللعاملين مع الأشخاص ذوي الإعاقة وتثقيفهم حول ظاهرة العنف والاستغلال.
رابعا: علي مستوي الاسرة.
1 _ يجب ان تخضع لبرامج الارشاد والتوعية التي تتناول كيفية التعامل مع الشخص المعاق.
2 _ الابلاغ فورا عن اي حالة عنف أو استغلال يتعرض لها الشخص المعاق وعدم كتمان هذه الحالة.
3 _ عقد اللقاءات والمحاضرات لتثقيف اولياء الأشخاص ذوي الإعاقة حول قضايا العنف والاستغلال.
خامسا: علي مستوي الشخص ذوي الإعاقة:
1 _ ان يقوم الشخص المعاق الذي يمتلك القدرات العقلية المناسبة بالابلاغ عن حالة العنف أو الاستغلال التي يتعرض لها.
2 _ ان تكون هناك جمعيات تضم أشخاص ذوي الإعاقة لمحاربة هذه الظاهرة.
مراجع:
1 _ الدكتور اشرف عبدالفتاح ابو المجد، العنف ضد الأطفال " الأساليب _ التحديات _ المواجهة " ندوة الاتجاهات الحديثة لوقاية الأطفال من الانحراف، اكاديمية الشرطة، القاهرة، ابريل 2007.
2 _ الدكتورة منيرة عبدالرحمن، ايذاء الأطفال، الرياض 2005.
3 _ الدكتور طارق علي ابو السعود، اكاديمية سعد العبدالله للعلوم الامنية 2008.
4 _ الدكتور مدحت ابو النصر، العنف ضد الأطفال المفهوم والأشكال والعوامل، مجلة خطوة، المجلس العربي للطفولة والتنمية، العدد الثامن والعشرون مايو 2008.
5 _ الدكتور وجدي محمد بركات، إستراتيجية التشبيك كمدخل لتفعيل دور جمعيات رعاية الطفولة
لمواجهة العنف ضد الأطفال في عصر العولمة، مجلة الطفولة، الجمعية البحرينية لتنمية الطفولة، العدد التاسع يناير 2008م
6 _ موقع كن حرا.... احصائيات.
7 _ موقع امان... الأردن: 1300 حالة اعتداء جنسي في عام واحد.
8 _ موقع منتديات طريق سوريا.. تنامي ظاهرة العنف الجنسي ضد الأطفال في سوريا.
9 _ موقع نور... الإعتداءات الجنسية.. الجريمة المسكوت عنها في المجتمع الجزائري.
10 _ موقع نور.. الاعتداءات الجنسية ضد الأطفال بالمغرب.. أرقام وحوداث مقلقة.
*- ورقة قدمت إلى مؤتمر "واجب المجتمع تجاه الطفل ذي الإعاقة"، المجلس العربي للطفولة والتنمية، (2/2010)