فوزيه الخليوي
06-14-2008, 06:25 PM
شاووش لـ «الحياة»: نتلقى 30 ألف ملف سنوياً وعدد «المدمنين» وصل إلى 42 ألفاً في السعودية ... مدير «مستشفى الأمل»: تزايُد «المدمنات » يوجب إنشاء مراكز لمعالجتهن
جدة - أحمد آل عثمان وأمل باقازي الحياة - 14/06/08//
أكد مدير برنامج الأمل في منطقة مكة المكرمة الدكتور محمد الشاووش، الحاجة إلى إنشاء مركز لعلاج الإدمان لدى الفتيات، مشابهاً للمركز الموجود حالياً، والذي يقتصر عمله على علاج الذكور، وضرورة وضع موازنة خاصة لإنشاء مستشفى يعنى بعلاج السيدات، وتوفير الكوادر النسائية المؤهلة يعملن تحت مضلة برنامج الأمل لعلاج الإدمان.
وكشفت جولة قامت بها «الحياة» في مستشفى الأمل في جدة عما وفّر لهذه الفئة من إمكانات بشرية وطبية لعلاج حالات الإدمان، على رغم عدد المدمنين الذي يفوق سعة الأسرّة في المركز، إذ لا يزيد عددها على 200 سرير، فيما يتجاوز عدد الملفات التي يتلقاها المستشفى 30 ألف ملف سنوياً، من بينها حالات متكررة، وتشمل مدمنين من جدة، والمناطق التابعة لها، والتي تشمل مناطق مكة المكرمة، والمدينة المنورة، والباحة، وعسير، إضافة إلى محافظة الطائف.
ويؤكد القائمون على المستشفى أن السعة الاستيعابية له تعد المشكلة الأكبر التي تنتظر الحلول السريعة، خصوصاً للحالات القادمة من خارج المحافظة، والتي تضطر إلى المراجعة المستمرة لتلقي جلسات العلاج، ولا تحقق عادة نتائج جيدة، إذ تستوجب الحالات المتقدمة في الإدمان البقاء داخل المستشفى لإكمال البرنامج العلاجي المعتمد.
ويحتوي المستشفى على عدد من الوحدات، وزعت وفق حالات الإدمان، إذ يخضع المدمن لبرنامج يبدأ من التحاليل لتحديد كمية المخدر في الدم، وما إذا كان يتوجب بقاؤه في المستشفى أو علاجه من طريق العيادات الخارجية التي تعد البوابة الأولى للعلاج، ومن ثم إخضاعه للبرنامج العلاجي بتنقية الجسم من السموم بالطرق الطبية، حتى اجتياز مرحلة الأعراض، والتي تستغرق عادة نحو أسبوعين، إذا لم تحدث مضاعفات.
وتلي المرحلة السابقة، مرحلة تعديل السلوك، من خلال برامج نفسية تستمر من شهرين إلى ثلاثة أشهر، بعدها تبدأ مرحلة إعادة التأهيل لدمج المدمن في المجتمع والتعليم المهني، وتستغرق من شهرين إلى ثلاثة أشهر أيضاً، تخرج بعدها المتعافي من المستشفى ليستكمل علاجه وسط أفراد أسرته، من خلال مراجعة المستشفى، فيما تتمثل المرحلة الرابعة والأخيرة من العلاج في الرعاية المستمرة لمدة سنتين.
ويتم إلحاق المدمنين المنبوذين من ذويهم ببيت منتصف الطريق، ليقضون فيه تسعة أشهر، حتى يتم تأهيلهم اجتماعياً ومهنياً للخروج إلى المجتمع، إذ تخرّج 61 مريضاً من دورات ألحقوا بها في المعهد المهني خلال الأسبوع الماضي، في إطار التعاون الذي تقدمه المؤسسة العامة للتعليم الفني والمهني مع مستشفيات الأمل، بتوجيه وإشراف من رئيس مجلس التعليم التقني في محافظة جدة الدكتور راشد الزهراني.
وأوضح الدكتور الشاووش لـ «الحياة»، أن مراجعي المستشفى للعلاج تتراوح أعمارهم في العادة بين 25 إلى 35 سنة، وقد مضى على إدمانهم فترات طويلة، ما يعقد ويطيل فترة علاجهم، خلاف من يستدرك نفسه باكراً، وبالتالي لا يستغرق وقتاً طويلاً في العلاج والإقلاع عن تلك السموم.
وأكد أن شبكات ترويج المخدرات تستهدف صغار السن، وخصوصاً الطلاب الذين يسهل الوصول إليهم، وضمان إدمان أكبر عدد منهم في تجمعاتهم، والحرص على استمرارهم في التعاطي لفترة طويلة، حتى يتأثر الجهاز العصبي في مراحل تطوره لدى صغار السن، والذي يستمر حتى سن الـ 20، ما يؤدي بالتالي إلى صعوبة الانقطاع عن التعاطي. وقال مدير برنامج مستشفى الأمل: «إن سهولة الحصول على المخدر، والتي عادة ما تكون رخيصة الثمن، بعد ضخ شبكات المخدرات كمية كبيرة منها في الأسواق، زاد من حجم المشكلة وأدى إلى تزايد أعداد المدمنين»، مشيراً إلى أن حبوب الكبتاغون والحشيش أكثر تلك المواد المتوافرة.
أطفال مدمنون
وأضاف: «إن المستشفى استقبل حالات لمتعاطين أعمارهم تتراوح بين 11 و12 سنة، ما اعتبره حدثاً «مفاجئاً»، مرجعاً أسباب ظهور هذه الحالات إلى الظروف الأسرية والمشكلات الاجتماعية والتربوية، جراء التفكك الأسري، إما لأن الأب أصبح سجيناً، أو لأن الأبوين منفصلان عن بعضهما. ولفت الشاووش إلى أن الحبوب على رغم اختلاف مسمياتها، إلا أنها ذات مصدر ومفعول واحد، وتعمد الشبكات إلى تغييره، وإطلاق مسميات مختلفة عليها، مثل: «القشطة، واللجة»، بعد تغيير ألوانها وأشكالها، والترويج لكل منها بطريقة مختلفة. واستشهد في هذا الصدد بإحصاءات تشير إلى وجود نحو 42 ألف مدمن، لافتاً إلى أن المريض يبقى في المستشفى لفترة طويلة، وبالتالي فإن حركة دوران السرير بطيئة، هذا خلاف الاسرة المخصصة لإدارة مكافحة المخدرات والإدارات الأخرى التي يتعامل معها المستشفى في المناطق كافة، والتي يبلغ عددها 25 إدارة.
وأوضح أن المستشفى يعمد إلى تقويم الحالة طبياً، وما إذا كانت طارئة أو يمكن إعطاؤها موعداً لاحقاً، مستدركاً: «إن عدم وجود سرير للمريض لا يعني إهماله، بل يخضع لبرنامج الرعاية المستمرة الذي تم تمديده إلى الساعة الثامنة مساءً، ويراجع فيه بشكل يومي من طريق البرنامج النهاري، أما القادم من خارج محافظة جدة فيسعى المستشفى غالباً إلى إلحاقه ببيت منتصف الطريق، أو وضع آلية مناسبة للتعامل مع تلك الحالات، إذا لم يتوفر مكان شاغر. وعن سرية معلومات المرضى، قال الشاووش: «إن معلومات المرضى سرية ولايمكن تسريبها، ولدينا آلية معينة للتعامل مع الجهات الحكومية أو الخاصة التي يتبع لها المدمن، للحفاظ على عمله، وضمان بقائه لتلقي العلاج وإكمال البرنامج، كما أن نظام الزيارة في المستشفى يخضع لإجراءات أمنية مشددة، بعد موافقة الفريق الطبي المعالج، خصوصاً في المراحل الأولى من العلاج، التي تعد المرحلة الأساسية والضرورية لكل مريض، ويخضع الزائرون للتفتيش من قبل وحدة أمن المخدرات، إضافة إلى التنسيق مع الاختصاصيين الاجتماعيين لاعتماد الضوابط للتواصل مع الأسرة».
ولم ينف الشاووش وجود الواسطة في استقبال الحالات، إلا أنه أوضح أن الواسطة ليست لمعرفة أو علاقة شخصية، إنما تفرضها الحالة، وما إذا كانت تحتاج لتدخل سريع، ولدى المتقدم حسن الظن في تقبل المستشفى لتلك الحالة، مشيراً إلى وجوب المساعدة وتقبل الحالة، لأن العامل الإنساني والواجب يحتمان التعامل مع حالات المدمنين، وتقديم العون لها.
برامج لتأهيل المدمنين
من جهتها، لفتت الاختصاصية النفسية سميرة خالد الغامدي، إلى وجود برامج تأهيلية للمدنين بعد انتهاء مراحل العلاج الأولية، تشتمل على برامج ترفيهية ورحلات إلى الأماكن المقدسة، تؤمن لهم خلالها الوجبات والسكن في فنادق راقية، للتأقلم مع المجتمع الخارجي، إضافة إلى ما يتوافر لهم داخل المستشفى، من ناد رياضي، ومسابح، ومعامل للرسم والأشغال اليدوية لإبراز مواهبهم، بمساعدة مدربين مؤهلين، مشيرة إلى أن المستشفى شارك بعدد من الأعمال المميزة للمرضى في مناسبات عدة.
وأضافت: «توجد أيضاً برامج لمساعدة المدمنين المتعافين في الالتحاق بمهن ووظائف تؤمن لهم الحياة الكريمة بعد خروجهم إلى المجتمع، وجلسات تأهيلية للأسر للتعامل معهم ومساعدتهم، لضمان عدم عودتهم إلى الإدمان، وتهيئة الأجواء الاجتماعية لجعلهم أعضاء نافعين ومقبولين اجتماعياً.
وطالب الشاووش بمساواة موظفي التشغيل الذاتي في المستشفى بموظفي وزارة الصحة في الزيادات والبدل النفسي الذي أقر من مجلس الوزراء، والذي يصل إلى 30 في المئة من إجمالي الراتب، أو اعتماد مكافأة مقطوعة، خصوصاً وأنهم يتعرضون لمخاطر مهنية عالية، إذ أن عدداً من المدمنين يعانون اضطرابات سلوكية، والبعض منهم اعتاد العنف والإجرام، وتمت إحالتهم إلى المستشفى من طريق الجهات الأمنية، وهم غير متقبلين للعلاج.
وأكد أن الموظفين يتعرضون أحياناً لاعتداءات كبيرة جراء تعاملهم مع تلك الفئة من المدمنين، ما يؤثر سلبياً ونفسياً على أدائهم وعملهم، مستشهداً باستنفار المستشفى قبل أقل من شهر، بعد قيام فريق منه بالذهاب إلى أحد الأحياء، وإحضار 11 مدمناً كانوا يتخذون من الجسور مقراً لسكنهم ونومهم بعد إقناعهم بالعلاج، إلا أنهم قاموا خلال الأسبوع الأول بخلق نوع من الفوضى والتجمهر والخلافات. وقال شاووش: «نعتبر هذه الحوادث تحدياً مع أنفسنا لتغيير هذه الفئة وعلاجها من سموم المخدرات، ومثل هذه الحالات تتكرر، ويتضرر منها العاملون في المستشفى»، مشيراً إلى أن موظفي التشغيل الذاتي يشكلون مانسبته 90 في المئة من العاملين في المستشفى.
وكشف عن تسرب أعداد كبيرة من الكفاءات الوظيفية بعد حصولهم على فرص أفضل خارج المستشفى، إذ قدم 20 موظفاً استقالتهم خلال أسبوع واحد، معتبراً هذا الأمر أحد المشكلات الخطيرة التي يجب على الجهات العليا الالتفات إليها، وإعطاء تلك الفئة من الموظفين الحوافز المادية والضمان الوظيفي لأداء عملهم، خصوصاً وأن عدد العاملين على برنامج التشغيل الذاتي يبلغ 466 موظفاً، فيما لا يزيد عدد موظفي الخدمة المدنية ممن يحصلون على البدلات على 100 موظف فقط. ونفى الشاووش واقعة فقدان ملفات أكثر من 800 مريض من داخل المستشفى، إلا أنه أكد حدوث خطأ من أحد الموظفين أدى إلى فقدان معلومات هؤلاء المرضى، وتم استرجاعها من النسخة الاحتياطية المعدة تحسباً لأي خطأ تقني، وتم اتخاذ الإجراء النظامي بحق الموظف، كما تم اتخاذ إجراء أمني لضمان عدم تكرار مثل هذا الخطأ.
... الرفقة السيئة والمشكلات الأسرية وراء «إدمان» الشبان
يؤكد (س غ 27 عاماً)، لـ «الحياة» أنه لم يتوقع يوماً أن تدخينه للسجائر سيقوده إلى دخول عالم الإدمان من أوسع أبوابه.
ويقول (س غ) عن تجربته: «بدأت التدخين في سن الـ 16 عاماً، بعد أن أوهمني رفقائي بأنه مظهر يدل على الرجولة، إلا أن تلك الرفقة لم تكتف بذلك، بل أرشدتني إلى نوع من الحبوب وأقنعوني بأن لتناوله تأثيراً سحرياً في استيعاب الدروس أثناء المذاكرة، ومنح النشاط أثناء تأدية الاختبار، ما جعلني أقع في شراك إدمان هذه الحبوب». ويضيف: «بدأت بتناول الحبوب حتى أدمنت عليها، وأسهم في ذلك توافرها وسهولة الحصول عليها، ومع مرور الوقت أصبحت مدمناً للحشيش، ووصلت إلى مرحلة العدوانية مع الأهل والأقارب، حتى خسرت وظيفتي التي حصلت عليها بعد أن فصلت من عملي، وفقدت جميع الروابط الاجتماعية مع كل من حولي، وأصبحت منبوذاً منهم»، مشيراً إلى أنه يتلقى العلاج حالياً، وقد قطع مرحلة جيدة فيه إلا أنه ينتظر تغير نظرة المحيطين به وقبولهم له بينهم. أما الشاب (ع ح 23 عاماً)، فبدأت رحلته مع الإدمان منذ عشر سنوات، من طريق أحد أعمامه الذي كان يتعاطى حبوب «الكبتاغون»، وهو يتلقى العلاج حالياً في مستشفى الأمل. ويقول (ع ح): «إن سهولة الحصول على الحبوب، وتوافرها في الحي الذي يسكنه خارج مدينة جدة، قاده لاحقاً إلى إدمان الحشيش والشراب، حتى وصل إلى إدمان الهيروين، والحصول على الجرعة بالتعاون مع المروجين، بعد أن أصبح يروج المخدرات في مقابل كل جرعة، أو الحصول على مقابل مالي». ويؤكد أنه قطع شوطاً كبيراً في العلاج، ويأمل من المسؤولين إعادته إلى عمله الذي فصل منه، موضحاً أنه يرغب في فتح صفحة جديدة من حياته، بعيداً من سموم المخدرات. وأشاد (ع ح) بالمستوى المتقدم في العلاج داخل مستشفى الأمل، وما وجده من اهتمام من جميع العاملين فيه، والذين تحملوا سلوكياته العدوانية في مراحل العلاج الأولى، حتى وصوله إلى مرحلة التهيئة الاجتماعية والنفسية.
المستشفى يعاني نقصاً كبيراً في عدد الأسرِّة
اعترف مدير مستشفى الأمل بوجود مشكلة كبيرة، وتحتاج إلى حل سريع تجاه إدمان الفتيات، والذي بدأ يتزايد ويظهر على السطح بشكل كبير، لافتاً إلى رفعه اقتراحاً باستئجار مبنى مشابه للمقام حالياً لاستقبال حالات إدمان الفتيات، إلا أنه لم يجد القبول من الجهات المختصة.
وأضاف: «قمنا حالياً بإنشاء عيادة مجهزة بأحدث الأجهزة، وننتظر موافقة الشؤون الصحية، وتوفير الكادر النسائي لافتتاحها، واستقبال الحالات، خصوصاً وأننا نواجه ضغوطاً يومية من قبل فتيات يرغبن في العلاج».
وأشار إلى أن الفتيات المدمنات يضطررن إلى اللجوء إلى مستشفى الصحة النفسية، مع أنه جهة غير متخصصة في علاج الإدمان، إلا أنه استقبل خلال السنوات الثلاث الأخيرة أكثر من 133 حالة، فيما استقبلت وحدة خاصة لعلاج الإدمان في مستشفى الملك فهد 33 حالة، قبل أن تغلق هذه الوحدة بعد سبعة أشهر من بدء العمل فيها، ما يؤكد وجود حالات تحتاج إلى مركز متخصص لاستقبالها وعلاجها.
وأكد الشاووش وجود مشكلة في عدد الأسرة المتوافرة في مستشفيات الأمل، فعلى رغم الحرص على وضع أسرة لاستقبال الحالات الطارئة، إلا أن وجود 200 سرير فقط غير كاف، معتبراً هذا العجز أكبر عقبة أمام السيل الجارف من مشكلات المخدرات.
جدة - أحمد آل عثمان وأمل باقازي الحياة - 14/06/08//
أكد مدير برنامج الأمل في منطقة مكة المكرمة الدكتور محمد الشاووش، الحاجة إلى إنشاء مركز لعلاج الإدمان لدى الفتيات، مشابهاً للمركز الموجود حالياً، والذي يقتصر عمله على علاج الذكور، وضرورة وضع موازنة خاصة لإنشاء مستشفى يعنى بعلاج السيدات، وتوفير الكوادر النسائية المؤهلة يعملن تحت مضلة برنامج الأمل لعلاج الإدمان.
وكشفت جولة قامت بها «الحياة» في مستشفى الأمل في جدة عما وفّر لهذه الفئة من إمكانات بشرية وطبية لعلاج حالات الإدمان، على رغم عدد المدمنين الذي يفوق سعة الأسرّة في المركز، إذ لا يزيد عددها على 200 سرير، فيما يتجاوز عدد الملفات التي يتلقاها المستشفى 30 ألف ملف سنوياً، من بينها حالات متكررة، وتشمل مدمنين من جدة، والمناطق التابعة لها، والتي تشمل مناطق مكة المكرمة، والمدينة المنورة، والباحة، وعسير، إضافة إلى محافظة الطائف.
ويؤكد القائمون على المستشفى أن السعة الاستيعابية له تعد المشكلة الأكبر التي تنتظر الحلول السريعة، خصوصاً للحالات القادمة من خارج المحافظة، والتي تضطر إلى المراجعة المستمرة لتلقي جلسات العلاج، ولا تحقق عادة نتائج جيدة، إذ تستوجب الحالات المتقدمة في الإدمان البقاء داخل المستشفى لإكمال البرنامج العلاجي المعتمد.
ويحتوي المستشفى على عدد من الوحدات، وزعت وفق حالات الإدمان، إذ يخضع المدمن لبرنامج يبدأ من التحاليل لتحديد كمية المخدر في الدم، وما إذا كان يتوجب بقاؤه في المستشفى أو علاجه من طريق العيادات الخارجية التي تعد البوابة الأولى للعلاج، ومن ثم إخضاعه للبرنامج العلاجي بتنقية الجسم من السموم بالطرق الطبية، حتى اجتياز مرحلة الأعراض، والتي تستغرق عادة نحو أسبوعين، إذا لم تحدث مضاعفات.
وتلي المرحلة السابقة، مرحلة تعديل السلوك، من خلال برامج نفسية تستمر من شهرين إلى ثلاثة أشهر، بعدها تبدأ مرحلة إعادة التأهيل لدمج المدمن في المجتمع والتعليم المهني، وتستغرق من شهرين إلى ثلاثة أشهر أيضاً، تخرج بعدها المتعافي من المستشفى ليستكمل علاجه وسط أفراد أسرته، من خلال مراجعة المستشفى، فيما تتمثل المرحلة الرابعة والأخيرة من العلاج في الرعاية المستمرة لمدة سنتين.
ويتم إلحاق المدمنين المنبوذين من ذويهم ببيت منتصف الطريق، ليقضون فيه تسعة أشهر، حتى يتم تأهيلهم اجتماعياً ومهنياً للخروج إلى المجتمع، إذ تخرّج 61 مريضاً من دورات ألحقوا بها في المعهد المهني خلال الأسبوع الماضي، في إطار التعاون الذي تقدمه المؤسسة العامة للتعليم الفني والمهني مع مستشفيات الأمل، بتوجيه وإشراف من رئيس مجلس التعليم التقني في محافظة جدة الدكتور راشد الزهراني.
وأوضح الدكتور الشاووش لـ «الحياة»، أن مراجعي المستشفى للعلاج تتراوح أعمارهم في العادة بين 25 إلى 35 سنة، وقد مضى على إدمانهم فترات طويلة، ما يعقد ويطيل فترة علاجهم، خلاف من يستدرك نفسه باكراً، وبالتالي لا يستغرق وقتاً طويلاً في العلاج والإقلاع عن تلك السموم.
وأكد أن شبكات ترويج المخدرات تستهدف صغار السن، وخصوصاً الطلاب الذين يسهل الوصول إليهم، وضمان إدمان أكبر عدد منهم في تجمعاتهم، والحرص على استمرارهم في التعاطي لفترة طويلة، حتى يتأثر الجهاز العصبي في مراحل تطوره لدى صغار السن، والذي يستمر حتى سن الـ 20، ما يؤدي بالتالي إلى صعوبة الانقطاع عن التعاطي. وقال مدير برنامج مستشفى الأمل: «إن سهولة الحصول على المخدر، والتي عادة ما تكون رخيصة الثمن، بعد ضخ شبكات المخدرات كمية كبيرة منها في الأسواق، زاد من حجم المشكلة وأدى إلى تزايد أعداد المدمنين»، مشيراً إلى أن حبوب الكبتاغون والحشيش أكثر تلك المواد المتوافرة.
أطفال مدمنون
وأضاف: «إن المستشفى استقبل حالات لمتعاطين أعمارهم تتراوح بين 11 و12 سنة، ما اعتبره حدثاً «مفاجئاً»، مرجعاً أسباب ظهور هذه الحالات إلى الظروف الأسرية والمشكلات الاجتماعية والتربوية، جراء التفكك الأسري، إما لأن الأب أصبح سجيناً، أو لأن الأبوين منفصلان عن بعضهما. ولفت الشاووش إلى أن الحبوب على رغم اختلاف مسمياتها، إلا أنها ذات مصدر ومفعول واحد، وتعمد الشبكات إلى تغييره، وإطلاق مسميات مختلفة عليها، مثل: «القشطة، واللجة»، بعد تغيير ألوانها وأشكالها، والترويج لكل منها بطريقة مختلفة. واستشهد في هذا الصدد بإحصاءات تشير إلى وجود نحو 42 ألف مدمن، لافتاً إلى أن المريض يبقى في المستشفى لفترة طويلة، وبالتالي فإن حركة دوران السرير بطيئة، هذا خلاف الاسرة المخصصة لإدارة مكافحة المخدرات والإدارات الأخرى التي يتعامل معها المستشفى في المناطق كافة، والتي يبلغ عددها 25 إدارة.
وأوضح أن المستشفى يعمد إلى تقويم الحالة طبياً، وما إذا كانت طارئة أو يمكن إعطاؤها موعداً لاحقاً، مستدركاً: «إن عدم وجود سرير للمريض لا يعني إهماله، بل يخضع لبرنامج الرعاية المستمرة الذي تم تمديده إلى الساعة الثامنة مساءً، ويراجع فيه بشكل يومي من طريق البرنامج النهاري، أما القادم من خارج محافظة جدة فيسعى المستشفى غالباً إلى إلحاقه ببيت منتصف الطريق، أو وضع آلية مناسبة للتعامل مع تلك الحالات، إذا لم يتوفر مكان شاغر. وعن سرية معلومات المرضى، قال الشاووش: «إن معلومات المرضى سرية ولايمكن تسريبها، ولدينا آلية معينة للتعامل مع الجهات الحكومية أو الخاصة التي يتبع لها المدمن، للحفاظ على عمله، وضمان بقائه لتلقي العلاج وإكمال البرنامج، كما أن نظام الزيارة في المستشفى يخضع لإجراءات أمنية مشددة، بعد موافقة الفريق الطبي المعالج، خصوصاً في المراحل الأولى من العلاج، التي تعد المرحلة الأساسية والضرورية لكل مريض، ويخضع الزائرون للتفتيش من قبل وحدة أمن المخدرات، إضافة إلى التنسيق مع الاختصاصيين الاجتماعيين لاعتماد الضوابط للتواصل مع الأسرة».
ولم ينف الشاووش وجود الواسطة في استقبال الحالات، إلا أنه أوضح أن الواسطة ليست لمعرفة أو علاقة شخصية، إنما تفرضها الحالة، وما إذا كانت تحتاج لتدخل سريع، ولدى المتقدم حسن الظن في تقبل المستشفى لتلك الحالة، مشيراً إلى وجوب المساعدة وتقبل الحالة، لأن العامل الإنساني والواجب يحتمان التعامل مع حالات المدمنين، وتقديم العون لها.
برامج لتأهيل المدمنين
من جهتها، لفتت الاختصاصية النفسية سميرة خالد الغامدي، إلى وجود برامج تأهيلية للمدنين بعد انتهاء مراحل العلاج الأولية، تشتمل على برامج ترفيهية ورحلات إلى الأماكن المقدسة، تؤمن لهم خلالها الوجبات والسكن في فنادق راقية، للتأقلم مع المجتمع الخارجي، إضافة إلى ما يتوافر لهم داخل المستشفى، من ناد رياضي، ومسابح، ومعامل للرسم والأشغال اليدوية لإبراز مواهبهم، بمساعدة مدربين مؤهلين، مشيرة إلى أن المستشفى شارك بعدد من الأعمال المميزة للمرضى في مناسبات عدة.
وأضافت: «توجد أيضاً برامج لمساعدة المدمنين المتعافين في الالتحاق بمهن ووظائف تؤمن لهم الحياة الكريمة بعد خروجهم إلى المجتمع، وجلسات تأهيلية للأسر للتعامل معهم ومساعدتهم، لضمان عدم عودتهم إلى الإدمان، وتهيئة الأجواء الاجتماعية لجعلهم أعضاء نافعين ومقبولين اجتماعياً.
وطالب الشاووش بمساواة موظفي التشغيل الذاتي في المستشفى بموظفي وزارة الصحة في الزيادات والبدل النفسي الذي أقر من مجلس الوزراء، والذي يصل إلى 30 في المئة من إجمالي الراتب، أو اعتماد مكافأة مقطوعة، خصوصاً وأنهم يتعرضون لمخاطر مهنية عالية، إذ أن عدداً من المدمنين يعانون اضطرابات سلوكية، والبعض منهم اعتاد العنف والإجرام، وتمت إحالتهم إلى المستشفى من طريق الجهات الأمنية، وهم غير متقبلين للعلاج.
وأكد أن الموظفين يتعرضون أحياناً لاعتداءات كبيرة جراء تعاملهم مع تلك الفئة من المدمنين، ما يؤثر سلبياً ونفسياً على أدائهم وعملهم، مستشهداً باستنفار المستشفى قبل أقل من شهر، بعد قيام فريق منه بالذهاب إلى أحد الأحياء، وإحضار 11 مدمناً كانوا يتخذون من الجسور مقراً لسكنهم ونومهم بعد إقناعهم بالعلاج، إلا أنهم قاموا خلال الأسبوع الأول بخلق نوع من الفوضى والتجمهر والخلافات. وقال شاووش: «نعتبر هذه الحوادث تحدياً مع أنفسنا لتغيير هذه الفئة وعلاجها من سموم المخدرات، ومثل هذه الحالات تتكرر، ويتضرر منها العاملون في المستشفى»، مشيراً إلى أن موظفي التشغيل الذاتي يشكلون مانسبته 90 في المئة من العاملين في المستشفى.
وكشف عن تسرب أعداد كبيرة من الكفاءات الوظيفية بعد حصولهم على فرص أفضل خارج المستشفى، إذ قدم 20 موظفاً استقالتهم خلال أسبوع واحد، معتبراً هذا الأمر أحد المشكلات الخطيرة التي يجب على الجهات العليا الالتفات إليها، وإعطاء تلك الفئة من الموظفين الحوافز المادية والضمان الوظيفي لأداء عملهم، خصوصاً وأن عدد العاملين على برنامج التشغيل الذاتي يبلغ 466 موظفاً، فيما لا يزيد عدد موظفي الخدمة المدنية ممن يحصلون على البدلات على 100 موظف فقط. ونفى الشاووش واقعة فقدان ملفات أكثر من 800 مريض من داخل المستشفى، إلا أنه أكد حدوث خطأ من أحد الموظفين أدى إلى فقدان معلومات هؤلاء المرضى، وتم استرجاعها من النسخة الاحتياطية المعدة تحسباً لأي خطأ تقني، وتم اتخاذ الإجراء النظامي بحق الموظف، كما تم اتخاذ إجراء أمني لضمان عدم تكرار مثل هذا الخطأ.
... الرفقة السيئة والمشكلات الأسرية وراء «إدمان» الشبان
يؤكد (س غ 27 عاماً)، لـ «الحياة» أنه لم يتوقع يوماً أن تدخينه للسجائر سيقوده إلى دخول عالم الإدمان من أوسع أبوابه.
ويقول (س غ) عن تجربته: «بدأت التدخين في سن الـ 16 عاماً، بعد أن أوهمني رفقائي بأنه مظهر يدل على الرجولة، إلا أن تلك الرفقة لم تكتف بذلك، بل أرشدتني إلى نوع من الحبوب وأقنعوني بأن لتناوله تأثيراً سحرياً في استيعاب الدروس أثناء المذاكرة، ومنح النشاط أثناء تأدية الاختبار، ما جعلني أقع في شراك إدمان هذه الحبوب». ويضيف: «بدأت بتناول الحبوب حتى أدمنت عليها، وأسهم في ذلك توافرها وسهولة الحصول عليها، ومع مرور الوقت أصبحت مدمناً للحشيش، ووصلت إلى مرحلة العدوانية مع الأهل والأقارب، حتى خسرت وظيفتي التي حصلت عليها بعد أن فصلت من عملي، وفقدت جميع الروابط الاجتماعية مع كل من حولي، وأصبحت منبوذاً منهم»، مشيراً إلى أنه يتلقى العلاج حالياً، وقد قطع مرحلة جيدة فيه إلا أنه ينتظر تغير نظرة المحيطين به وقبولهم له بينهم. أما الشاب (ع ح 23 عاماً)، فبدأت رحلته مع الإدمان منذ عشر سنوات، من طريق أحد أعمامه الذي كان يتعاطى حبوب «الكبتاغون»، وهو يتلقى العلاج حالياً في مستشفى الأمل. ويقول (ع ح): «إن سهولة الحصول على الحبوب، وتوافرها في الحي الذي يسكنه خارج مدينة جدة، قاده لاحقاً إلى إدمان الحشيش والشراب، حتى وصل إلى إدمان الهيروين، والحصول على الجرعة بالتعاون مع المروجين، بعد أن أصبح يروج المخدرات في مقابل كل جرعة، أو الحصول على مقابل مالي». ويؤكد أنه قطع شوطاً كبيراً في العلاج، ويأمل من المسؤولين إعادته إلى عمله الذي فصل منه، موضحاً أنه يرغب في فتح صفحة جديدة من حياته، بعيداً من سموم المخدرات. وأشاد (ع ح) بالمستوى المتقدم في العلاج داخل مستشفى الأمل، وما وجده من اهتمام من جميع العاملين فيه، والذين تحملوا سلوكياته العدوانية في مراحل العلاج الأولى، حتى وصوله إلى مرحلة التهيئة الاجتماعية والنفسية.
المستشفى يعاني نقصاً كبيراً في عدد الأسرِّة
اعترف مدير مستشفى الأمل بوجود مشكلة كبيرة، وتحتاج إلى حل سريع تجاه إدمان الفتيات، والذي بدأ يتزايد ويظهر على السطح بشكل كبير، لافتاً إلى رفعه اقتراحاً باستئجار مبنى مشابه للمقام حالياً لاستقبال حالات إدمان الفتيات، إلا أنه لم يجد القبول من الجهات المختصة.
وأضاف: «قمنا حالياً بإنشاء عيادة مجهزة بأحدث الأجهزة، وننتظر موافقة الشؤون الصحية، وتوفير الكادر النسائي لافتتاحها، واستقبال الحالات، خصوصاً وأننا نواجه ضغوطاً يومية من قبل فتيات يرغبن في العلاج».
وأشار إلى أن الفتيات المدمنات يضطررن إلى اللجوء إلى مستشفى الصحة النفسية، مع أنه جهة غير متخصصة في علاج الإدمان، إلا أنه استقبل خلال السنوات الثلاث الأخيرة أكثر من 133 حالة، فيما استقبلت وحدة خاصة لعلاج الإدمان في مستشفى الملك فهد 33 حالة، قبل أن تغلق هذه الوحدة بعد سبعة أشهر من بدء العمل فيها، ما يؤكد وجود حالات تحتاج إلى مركز متخصص لاستقبالها وعلاجها.
وأكد الشاووش وجود مشكلة في عدد الأسرة المتوافرة في مستشفيات الأمل، فعلى رغم الحرص على وضع أسرة لاستقبال الحالات الطارئة، إلا أن وجود 200 سرير فقط غير كاف، معتبراً هذا العجز أكبر عقبة أمام السيل الجارف من مشكلات المخدرات.