المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مأزم الفقد وآليات مواجهته


الصحفي الطائر
05-04-2010, 04:48 PM
مأزم الفقد وآليات مواجهته

د. عدوية السوالمة

تعتبر أزمة فقد الأعزاء من أصعب الظواهر النفسية دراسة . فهي ظاهرة تستنفر لدى الفرد جميع آلياته الدفاعية النفسية في محاولة منها لكف اجتياح قلق الفقد لأناه وتدميرها والذي قد يصل أحيانا إلى درجة اصدار أوامر لاواعية للجسد للتوقف عن أداء وظائفه .
فهي حادثة صدمية مجهدة لااستثناء فيها لأي فرد يواجهها , تدفعه باستمرار نحو بذل مجهودات مضنية من أجل إعادة بناء هيكلة جديدة للواقع الذي فرض تبدلاته . بحيث تعكس هذه المجهودات محاولة الاستجابة لمتطلبات التوافق مع الواقع الجديد.
وتسير هذه العملية وفق المراحل التالية :
1. مرحلة الارتباك
2. مرحلة الحنين والبحث عن الميت
3. مرحلة التشويش واليأس
4. وأخيرا مرحلة اعادة التنظيم
وقد تحدث (Bowilby ) عن خدر ( فقد حس أو لامبالاة ) في المرحلة الأولى تعكس حالة انكار أو ألم تبدأ عند موت الشخص العزيز .
وبالنسبة لفرويد( freud ) فإن الحزن يأتي كرد فعل على فقد شخص محبوب , وينطوي على شعور بالألم , وفقد الاهتمام بالعالم الخارجي طالما أنه لايسترجع الشخص الميت , وفقد القدرة على اتخاذ موضوع جديد للحب , الأمر الذي يمكن أن يعني استبدال الشخص موضوع الحزن والابتعاد نفسه عن كل جهد نشط لايرتبط بأفكار حول الميت . ومن اليسير أن نرى أن هذا الكف , وهذا الانغلاق في الأنا هو التعبير عن تكريس كامل للحزن , الأمر الذي لايترك شيئاً للإهتمامات الأخرى .
والنتيجة السوية هو أن يسود اذعان مؤقت للواقع . ويتم تنفيذ هذه المهمة شيئاً فشيئاً , بحيث يستغرق ذلك وقتاً طويلاً وطاقة انفعالية كبيرة , بينما يبقى وجود الموضوع المفقود مستمراً في الذهن . أما لماذا لابد أن تكون هذه العملية التي تنفذ أمر الواقع شيئاً فشيئاً _ وهي عملية ذات طابع توفيقي _ مؤلمة إلى حد غير عادي , فهذا أمر ليس من السهل على الاطلاق تفسيره بلغة الاقتصاديات العقلية .
أثر المرحلة العمرية في كيفية الاستجابة للفقد و ادراكه :
يلعب هذا المتغير دوراً هاماً في تحديد نوع ومدى حدة الاستجابة لمأزم الفقد. فقد بينت دراسة صادرة عن ( اليونيسيف ) أن الأطفال يستجيبون لفقد أفراد من الأسرة بالموت بردود فعل حزن عادية , والتي تتمثل بالقلق والذكريات المتجسدة , وصعوبات النوم , والحزن والتلهف والغضب , والمبالغة في الأفعال , و الشعور بالذنب , وتوبيخ الذات , والخجل ,ومشكلات المدرسة , والشكاوى الجسدية .
وغالباً ما يكون الأطفال الأكبر سناً , وأطفال مرحلة ما قبل المدرسة أكثر تردداً في قبول الأمر الواقع المتمثل بوفاة والده / والدته , وغير مستعدين لأن يتقبلوا بسهولة علاقات جديدة .
وفي حالة إنفصال صغار الأطفال عن مانحي الرعاية الأوليين , فإنهم يصبحون قلقين جداً بسبب إحساسهم أنهم فقدوا الدرع الذي يحميهم . ويبدون مشوشين غير منظمين في عادات أكلهم ونومهم ولعبهم وعلاقاتهم بالناس . ويحتاجون إلى بعض الوقت لكي يعتادوا على الطرق التي يستجيب بها مانح الرعاية الجديد لحاجاتهم .
وغالباً مايشعر الأطفال الأكبر سناً وأطفال مرحلة ما قبل المدرسة بوحدة عميقة , ويقلقون ازاء فكرة من سيتولى العناية بهم في الوقت الراهن ومستقبلاً . ويطيلون التفكير بالأحداث التي أدت إلى الانفصال , وكثيراً ما يتخيلون وقوع أشياء سيئة للأشخاص الذين يعتنون بهم أثناء غيابهم . وقد يشعر أطفال مرحلة ما قبل المدرسة بالذنب لاختفائهم , ويلومون أنفسهم بأنهم السبب في ذلك. لذا نلاحظ مدى أهمية أن يحصلوا على التفهم والمساعدة وإلا سيكونون عرضة لتطوير الاكتئاب واضطراب القلق أومشكلات سلوكية حادة مع مرور الوقت .

اما فيما يتعلق بدور المرحلة العمرية في ادراك مفهوم الموت فتشير مقصود إلى وجود فروقات بين الشرائح العمرية على النحو التالي :
1. الأطفال من ( 3 - 5 ) سنوات :
إن الأطفال في هذا العمر لايفرقون بين مفهوم الموت ومفهوم الافتراق . إذ أنهم يظنون بأن الميت سوف يرجع في يوم ما , وقد ينسون لفترة ما خبر الموت ولكن سرعان ما يبدأون في التساؤل عن وقت رجوع الميت .
إن الأطفال في الرابعة أو الخامسة قد يفهمون في بعض الحالات أن الموت لايمكن عكسه . لكنهم غالباً ما يظنون بأن الميت يعيش في مكان أو عالم آخر مثل ( الجنة أو السماء ) .

2. الأطفال من ( 6 - 12 ) سنة :
إن الأطفال في هذا العمر قادرون على فهم الموت وبأن الميت لن يعود . لكنهم يريدون أن يعرفوا تفاصيل عن الموت مثل كيف ومتى توفي الأب ؟ ومن كان معه ؟ والمكان الذي يوجد فيه الجثمان .
3. المراهقون من ( 13 - 16 ) سنة :
المراهقون في هذه المرحلة العمرية يفهمون أبعاد ونتائج موت الوالد , لذلك فإنهم أكثر عرضة للألم والأذى من الأطفال الصغار . إذ أنهم يضطرون بعد الوفاة لتحمل دور الراشدين .

ترجع أهمية دراسة الفقد لكونها مفتاح فهم القلق إذ يعمل على حرف التطور عن مساره السليم إلى مسار ربما يبتعد عن الحدود الملائمة . فالشخصية تتقدم نحو النضج عبر سلسلة من المراحل في طريق وحيدة . ومن ثم عزيت أشكال اضطراب الشخصية المختلفة إلى توقف حدث عند مرحلة أو أخرى من تلك المراحل .
ومن الممكن أن يكون مثل هذا التوقف كاملاً لحد كبير أو قليل . وغالباً ما يفترض أن هذا التوقف جزئي فقط . وفي تلك الحالة يفهم النمو باعتباره متواصلاً بشكل واضح كاف , ما عدا في حالات التوتر والكرب يكون هذا التطور عرضة للإخفاق ويتفق حينئذ بأن الشخصية تنكص أو تتراجع إلى مرحلة من مراحل النمو يحدث عندها التوقف الجزئي أو التثبيت .
ويعتقد ( أبراهام ) بأن كل شكل من أشكال اضطراب الشخصية والعصاب والذهان يمكن تتبع آثاره عند حد تثبيت معين كان قد حدث في مرحلة أو أخرى من مراحل النمو .ونلاحظ أنه من هذا النموذج قد تم اشتقاق مصطلح ناضج , وغير ناضج للشخصيات السليمة والمضطربة على التوالي .

المراجع :
بولبي , جون (1991 ) سيكولوجيه الانفصال , دراسة نقدية لأثر الفراق على الأطفال . ترجمة عبد الهادي عبد الرحمن . دار الطليعة بيروت
فرويد , سيغموند (1981) أفكار لأزمنة الحرب والموت . ترجمة سمير كرم , دار الطليعة بيروت – الطبعة الثانية .
مقصود , منى سليم (1992 ) أساليب مساعدة الأطفال والمراهقين المتأثرين بالأزمة والحرب . دليل الوالدين والمدرسين . ترجمة رائدة خان , جامعة كولومبيا نيويورك – الطبعة الثانية – طبعت باشراف الجمعية الكويتية لتقدم الطفولة
يونيسيف ( 1995 ) مساعدة الطفل الذي يعاني من الصدمة النفسية . مكتب اليونسيف الاقليمي في الشرق الاوسط وشمال افريقيا – طباعة مؤسسة الصحيفة الاردنية الرأي – الأردن .