زهرة الشمال
04-04-2008, 09:56 AM
"صلاحية الحضانة" تحد من حالات إيذاء الأطفال
تحقيق: هيام المفلح
انضمت هذا الأسبوع الطفلة "شرعة" إلى قافلة الأطفال ضحايا التعذيب والإيذاء الأسري.. "شرعة" ذات السنوات الإحدى عشرة، قيدها والدها بالحبال وضربها وعذبها بحجة تربيتها، ثم تركها معلقة على الباب لمدة ست ساعات حتى فارقت الحياة!
حالات إيذاء الأطفال من قبل ذويهم لم ولن تتوقف.. كل فترة تطالعنا الصحف بحالة تعذيب أو قتل تقشعر لها الأبدان .. فالطفلة غصون - المعذبة من قبل والدها وزوجته حتى ماتت - لم تكن أول قافلة الضحايا.. وبالتأكيد لن تكون شرعة هي آخرها.
فماذا بوسعنا أن نفعل لحماية فلذات أكبادنا والحد من حالات الإيذاء الذي يتعرضون إليه من قبل آبائهم؟..
ماذا بوسعنا أن نفعل حيال الثقة المطلقة التي تمنحها المحاكم في أحكام الحضانة التي تقرّ بموجبها إعطاء الأطفال لآبائهم دون تمحيص بمدى أهلية هذا الأب - أو ذاك - للحضانة؟
"الرياض" تناقش مقترحاً طرحه الباحث القانوني محمد عبد العزيز المحمود يتلخص بضرورة وجود عدد من الباحثين الاجتماعين والمتخصصين بعلم النفس والجريمة في كل محكمة للوقوف على حالة الأب أو الأم الطالب للحضانة ودراسة، حالته من واقع حياته الاجتماعية في "حيّه، وسكنه، وعمله، ومسجده، وعلاقاته الاجتماعية، وصحيفة سوابقه"، ثم بعد التأكد من واقعه يتم كتابة تقريرٍ يرفع لأصحاب الفضيلة القضاة ويكون مستنداً للحكم بالحضانة من عدمها.
المقترح منصوص عليه في النظام
ومن وجهة نظر الباحث ليس في هذا ما يخالف الأنظمة أو التعليمات ؛ بل أن نظام المرافعات الشرعية الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/ 21وتاريخ 1421/5/20ه قد نص في المادة السابعة والثلاثين بعد المائة على أنه : "يجوز لوزير العدل أن يعيّن موظفين يتفرغون لبعض أعمال الخبرة لدى المحاكم"، بل إن النظام نفسه نصّ في المادة السادسة والثلاثين بعد المائة على أن : "تؤلف بقرار من وزير العدل لجنة للخبراء، وتحدد اللائحة التنفيذية اختصاص هذه اللجنة وأسلوب مباشرتها لاختصاصها".
فما المانع إذن - والقول للباحث المحمود - من الاستعانة بموظفين وخبراء للتأكد من صلاحية الأب أو الأم للحضانة من عدمها؟؟.. وكم من امرأةٍ عانت من زوجٍ مدمنٍ أو مريضٍ أو "معتوه" طلبت الخلع منه ثم بدأت معاناتها في طلب النفقة والحضانة، وإقناع القاضي بعدم صلاحية مطلقها للحضانة، ومماطلته في أداء النفقة. ثم هل تستطيع أغلب النساء رفع الدعاوى وفهم إجراءات التقاضي والحضور لجلسات المحاكم؟؟.
وهل تستطيع النساء - المبتليات بأزواجٍ مرضى - وخصوصاً في ظل تعاطي هذه السموم التي تؤثر على العقول، والإدمان على المسكرات والكحول، وفي ظلِّ تلك الضغوطات النفسية التي يعيشها البعض لظروف ماليةٍ أو نفسية أو اجتماعية فيفقدون السيطرة.. ويختّل عندهم التوازن.. هل تستطيع النساء إثبات صلاحية ذلك الأب للحضانة من عدمها؟
وما هي الآلية المتبعة اليوم لدى أصحاب الفضيلة القضاة للتأكد من صلاحية ذلك الأب أو الأم للحضانة؟.. وهل هناك خصوصية لتلك القضايا في الاستعجال في النظر فيها أم لا؟
الباحث المحمود يتفاءل خيراً بعد صدور نظام القضاء الجديد،الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/ 78بتاريخ 1428/9/19ه، والذي خصص لقضايا الأحوال الشخصية من زواجٍ وطلاق وخلع، ونفقةٍ وحضانة، محاكم خاصة هي محاكم الأحوال الشخصية يتفرغ بها عددٌ من القضاة للنظر فقط في تلك القضايا والتركيز فيها بدلاً مما هو معمولٌ به اليوم وفيما مضى من الزمان ؛ إذ ينظر القاضي أنواعاً من القضايا منها الجنائي، ومنها الحقوقي، إضافةً إلى قضايا الأحوال الشخصية.
وإن كنا لنرغب في افتتاح أقسامٍ نسائية في محاكم الأحوال الشخصية يُعيّن فيها خريجات الشريعة والأنظمة، ويكون دورهن في استقبال المرأة المشتكية، وسماع دعواها وتحريرها، ثم عرضها على القاضي ؛ إذ لا يمكن للمرأة - بطبيعتها - أن تفصح عن بعض ما يدور في واقعها من مشاكل، فمشاكل الزوجية وما يدخل في نطاقها من العيوب الخلقية لدى الزوج الموجبة للفسخ، وما يترتب عليها من النفقة، وحضانة الأولاد في حال وجودهم، ومشكلة العضل والمنع من الزواج أو تأخيره بسبب تسلط ذلك "الولي الظالم"؛ قد لا تستطيع المرأة أن تبثّ تفاصيل شكواها تلك. مباشرة أمام رجل غريبٍ عنها.
كما يرى المحمود أن على وزارة العدل الدور الكبير في دراسة مسائل الحضانة وأقوال العلماء فيها، وتحرير تلك المسائل، والنظر في الاجتهادات الفقهية المناسبة لهذا العصر من قبل مجموعة من العلماء المختصين ممن مارسوا العمل القضائي وعايشوا هموم الناس ومشاكلهم، ثم عرض تلك الدراسات وإطلاع قضاة محاكم الأحوال الشخصية عليها ؛ إذ من المعلوم أن القضاة ومع ضغط العمل الحاصل عليهم قد لا يتفرغون للدراسات المتعمقة في بعض المسائل، فلا بد من التعاون الجاد من الجميع للارتقاء بالعمل القضائي وخصوصاً ووزارة العدل تفرّغ العديد من منسوبيها للدراسات والبحوث، ورحم الله الفقيه الحنفي ابن عابدين الذي قال في حاشيته عن موضوع الحضانة ومن يصلح لها : "ينبغي للمفتي أن يكون ذا بصيرة يراعي الأصلح للولد، فإنه قد يكون له قريب مبغض له يتمنى موته، ويكون زوج أمه مشفقًا عليه يعز عليه فراقه، فيريد قريبه أخذه منها ليؤذيه ويؤذيها أو ليأكل من نفقته أو نحو ذلك، وقد يكون له زوجة تؤذيه أضعاف ما يؤذيه زوج أمه الأجنبي، وقد يكون له أولاد يخشى على البنت منهم الفتنة لسكناها معهم فإذا علم المفتي أو القاضي شيئًا من ذلك فلا يحل نزعه من أمه لأن مدار أمر الحضانة على نفع الولد".
وسيلة معينة للقاضي
وقال المحامي حمود الخالدي إن الاستفادة من خبراء وباحثين مختصين لتقرير مدى صلاح أحد الأبوين من الآخر في الحضانة وتقديمه أمام القضاء هي من الوسائل المعينة للقاضي، لاتخاذ الحكم المناسب، غير أنه يرى أن ما يقدم في تقرير هؤلاء المختصين هو غير مُلزم للقاضي وإنما يكون مقوياً ومعززاً للحكم لأحد الطرفين وموجهاً للاختيار الصحيح وصولاً إلى الحكم الصواب وتحقيق وجه العدالة من صدور الحكم بالحضانة، إذ يمكن لفريق المختصين أن يجدوا في أحد الأبوين ما يمكنه أو يمنعه من الحضانة مما يخفى على فضيلة القاضي.
ويوّضح الخالدي أن الحكم بالحضانة لأحد الأبوين يختلف تبعاً لاختلاف حالهما ويراعي الحكم حال صدروه مصلحة الطفل والعلم بصلاح أحد الأبوين أو عدمه أو قدرته على الرعاية من عدمها أو نحو ذلك، والذي يمكن اعتماده من قبل اللجنة المتخصصة في مثل هذا هو قدرة أحد الأبوين على غرس بذور القيم والمُثل العليا والأخلاق الحسنة في الطفل والقدرة على توفير الغذاء الصحي وبيئة المحيط الاجتماعي المناسبة ونحو ذلك مما يكفل بناء الطفل وتنشئته بشكل حسن.وهذا ما قررته اللائحة الأساسية لدور الحضانة الاجتماعية التي صدر بها قرار مجلس الوزراء برقم 156وتاريخ 1395/2/8م وكان من أهم أهداف إنشاء دور الحضانة الاجتماعية هو تقديم الرعاية المناسبة للأطفال ذوي الظروف الخاصة ممن لا تتوافر لهم الرعاية السليمة في الأسرة أو المجتمع الطبيعي، كعدم إمكانية التعرف على والدي الطفل أو أسرته أو وجود والدته في إحدى المؤسسات كالمستشفى أو السجن أو وفاة الأبوين أو التحفظ على الطفل من التشرد نتيجة افتراق الزوجين، حيث ترى الجهة المختصة استحالة قيام الوالدين أو أحدهما بحضانة الطفل ورعايته ويبقى النظر إلى مصلحة "المحضون" موجهاً أساسياً للحكم من قبل فضيلة القاضي تحقيقاً لسلامة "المحضون" وحرصاً على مصلحته وتحقيقاً للعدالة التي ينشدها الجميع من القضاء..
واجب أمني وحقوقي
من منظار علم النفس يرى الدكتور سعد بن عبد الله المشوح أستاذ الصحة النفسية كلية الملك خالد، ومستشفى الملك خالد الجامعي، أنه من الضرورة وجود هيئات استشارية ومتخصصة لمساعده العاملين بفصل المنازعات على تقصي الحقائق.
وقال: إن حضانة الأبناء تعد من أهم واخطر المراحل التربوية التي تؤثر في سلوك الأبناء ونظرتهم للحياة المستقبلة وما يتبع هذه الحضانة من تبعات تربوية أو سلوكية وتكيفيه داخل المنزل أو البيئة الجديدة خلاف ما تعودوا عليه، وكثيرا ما يهمل القائمون على المجال القضائي أو المهتمون بإصدار الإحكام الجزائية، والتي تفصل المنازعات الأسرية، حقوق الأبناء وأهلية الأبوين أو احدهما بالقيام بالحضانة، ومدى توفر الشروط الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والفكرية لمن يقوم بالحضانة، وكذلك مدى وجود سوابق جنائية لأحد الوالدين أو وجود سجل جنائي أو عدائي تجاه المجتمع، لذا يجب - والقول للمشوح - أن يقوم القاضي المختص بشؤون الأسرة أن يحيل القضايا التي تتعلق بأمر الحضانة إلى مختصين في المجال النفسي، وذلك لدراسة وضع الأب أو إلام النفسي والتأكد من السلامة العامة للصحة النفسية والعقلية، وذلك من المنطقي أن يكون سبب الخلاف إما مشكلات في السلوك لأحد الوالدين مثل الضرب أو العنف أو مشكلات نفسية وهو عجز الأب أو الأم للقيام بالدور الأسري ووجود اضطراب نفسي يعيق ذلك الفرد من مواصلة حياته اليومية، فكيف يمكن أن يقوم بتربية وحضانة الأبناء وهو أساسا عاجز على إدارة شؤون حياته؟.
وأضاف أنه قد يكون غافلا لمن يصدر الحكم أن يكون الأب مدمنا للمخدرات أو المسكرات وبالتالي المطالبة بدراسة حالته النفسية والاجتماعية مهم للكشف على القدرة والأهلية للحضانة، مشيراً إلى أنه من خلال الدراسات النفسية والعلمية فإن نسبة عالية من الآباء أو الأمهات والذين يعانون من وجود اضطرابات نفسية وسلوكية يفشلون بقدر كبير في تربية أبنائهم إذا ما واجهوا ضغوط الحياة لوحدهم، كما انه قد يلجأ الأب أو الأم والذي يقوم بدور الحضانة من إيذاء الأبناء عاطفياً أو سلوكياً أو معنوياً أو مادياً وذلك انتقاماً من الأم أو انتقاماً من الأب، وهذا مؤشر خطير يجعل من الأهمية وجود، بل من الواجب الأمني والحقوقي للأطفال ووجود مثل هذه التشريعات والتي تقوم بعملية التقييم، وليس مجرد مرة واحد بل مرات متعددة ومتكررة وزيارات مستمرة لضمان سلامة الأبناء النفسية والتربوية والاجتماعية.
نظام عالمي.. وشائع
من جهتها ترى الأستاذة تغريد بنت ناصر العبد الكريم اخصائية رياض أطفال وعضو برنامج الأمم المتحدة للطفولة، أن وجود مؤسسات "متابعة اتصال" بوزارة الشئون الاجتماعية أو بعض الجهات والهيئات الحكومية والوطنية لمتابعة حالات الأطفال، إلى جانب وجود مختصين في الخدمة الاجتماعية الأسرية والنفسية للحكم على السلامة النفسية والاجتماعية والجنائية لمن يقوم بدور الحضانة لهو أمر مهم ومطبق في الأنظمة العالمية، وهو أيضاً نظام معمول به وشائع الانتشار، فهناك بالمملكة المتحدة قسم خاص بمتابعه الأطفال وقضاياهم الخاصة بجميع أجهزة الدولة، فلابد من وجود مثل هؤلاء المختصين والاستعانة بخبراتهم قبل إصدار، الحكم وذلك لضمان سلامة الأبناء ولإدراك بعض الأمور التي قد تخفى على الجهات الأخرى.
وتضيف أن الطفل يعاني مما يسمى لدى المختصين بعلم النفس "قلق الانفصال"، وقد يستمر هذا القلق لسنوات طويلة وله تأثيرات نفسية واجتماعية وتربوية مريرة، وحيث يمر الطفل بمرحلة تعد هي الأخطر بحياته بعد الانفصال، ومن ثم القيام بالحضانة لأحد الأبوين، لذا يجب على الهيئات التشريعية البحث عن الأساس النفسي والاجتماعي والفكري لمن يقوم بالحضانة، فقد يكون الأب عدوانياً ومن خلال المشاهدات الميدانية للأطفال والذين تعرضوا لانفصال احد الأبوين كثيراً ما يلاحظ اهمال عام بالملبس أو الشكل أو التعليم، وذلك راجع إلى عدم اهتمام من يقوم بالحضانة أو تجاهله لحقوق الأبناء وخصوصاً حينما يكون الحاضن رجلاً، فقد ينشغل بأمور الحياة الأخرى أو يهمل الأبناء أو تلجأ - ما تسمى بزوجة الأب - إلى الإهمال المتعمد أو غير المتعمد لهؤلاء الأطفال.وأشارت إليأن من الأطفال من هم دون سن إدراك حاجاتهم الأساسية ولا يستطيعون المطالبة، وبناء على العمر الزمني لهؤلاء الأطفال والذين يكونون صغيرين نسبيا قد يكون لديهم عدم إدراك أو تشويه لواقعهم وحقوقهم اليومية والأساسية، وحينما ينمو هذا الإدراك يكون عالمهم داخلياً، ويصبح الطفل عرضه للاضطراب النفسي والاجتماعي أكثر من الآخرين.
وقد أثبتت الإحصاءات الموجودة لدى المحاكم المستعجلة، والتي تهتم بفصل القضايا الأسرية والنزاعات للحضانة وبعد مرور الوقت من فترات الحضانة تنازل الأب أو الأب للحضانة للطرف الآخر وذلك لتشرد الأبناء أو للعجز المادي أو وجود اضطرابات سلوكية واجتماعية على من يقوم بالحضانة، لذا يجب أن تسرع عملية الاتصال بالمختصين وسرعة دراسة حالة الأسرة ومن يجب أن يقوم بالحضانة دون تحيز لنوع وجنس الحاضن ومراعاة مصلحة الأبناء في ذلك، كما يجب عدم إهمال هروب الآباء أو ترك أبنائهم وجعل الحضانة وتربية الأبناء على عاتق الأم دون المشاركة التربوية والاقتصادية في ذلك وهذا يدخل ضمن صلاحيات هذه المؤسسات المختصة لدراسة الحالات.
ضرورة يفرضها الواقع
ولأصحاب علم الاجتماع رؤيتهم الواضحة تجاه هذا المقترح، حيث يقول الدكتور عبد العزيز بن عبد الله الدخيل أستاذ الخدمة الاجتماعية المساعد ورئيس الجمعية السعودية للدراسات الاجتماعية أن كثيراً من الدول يوجد بها اخصائيون اجتماعيون ونفسيون في المحاكم، إما لتقدير الحالة النفسية والاجتماعية والعقلية لأطراف القضية، أو لتقديم الخدمات العلاجية أو للوقاية من الوقوع في المشكلات الأسرية والتفكك الأسري الناتج عن الطلاق مثلاً، مؤكداً على أن المتخصصين في العلوم السلوكية هم أقدر الناس على معرفة وتقدير الأبعاد النفسية والاجتماعية للمتحاكمين، ولذلك فهم يساهمون في مساعدة المحكمة والقاضي في إصدار الأحكام بطريقة أكثر عدلاً خصوصاً في زمن كثرت فيه حالات التقاضي وقل فيه عدد القضاة.
وأضاف إن حق حضانة الأطفال بين الزوجين عند الطلاق هو أحد تلك الحالات التي يكون للاختصاصين دور هام في تقدير صلاحية كل من الزوجين للحضانة (هذا طبعا في حدود الأحكام الشرعية في حق الحضانة).
ويلفت النظر إلى أننا يجب أن نفرق هنا بين حق الحضانة وصلاحية الحضانة أو صلاحية الأب أو الأم للحضانة، فقد يكون حق الحضانة للأب مثلاً، ولكن ماذا لو أن هذا الأب مدمن مخدرات فهل هو صالح للحضانة؟ أو ماذا لو أن الأم لديها اضطراب نفسي أو عقلي؟ وفي بعض الحالات قد يثبت البحث الاجتماعي والنفسي عدم صلاحية أي من الزوجين للحضانة، كذلك يذكر أنه قد يكون للبيئة التي سيعيش بها الطفل المحتضن دور كبير في صلاحه أو فساده (فالإنسان ابن بيئته)، فماذا لو أن حق الحضانة أعطيت لأم تعيش في بيئة فاسدة؟
وأشار إلى أن الاختصاصيين الاجتماعيين والنفسيين لديهم من العلم والمعرفة والمهارات والقدرات لتقدير ودراسة حالتي كل من الزوجين وتقديم تقرير متكامل للقاضي يساعده ويستعين به بعد الله في إصدار حكم الحضانة، ومن شأن ذلك أن يساعد في حماية الأطفال، وحق علينا في إيجاد بيئة صالحة لتنشئتهم الاجتماعية السليمة، فلا نريد أن تتكرر حادثة الطفلة غصون وغيرها.
وتوافقه في وجهة نظره الدكتورة بنية محمد الرشيد عضو هيئة التدريس بكلية الآداب بجامعة الملك سعود في ضرورة أن يستعين القاضي بموظفين وخبراء في علم النفس والخدمة الاجتماعية في كل محكمة، لأن الطفل في الواقع هو الحلقة الأضعف في عملية الطلاق، حيث يقع تحت تأثير الصراع بين الزوج والزوجة وكلاهما يبحث عن الفوز بحضانته، وبما أن نسب الطلاق لدينا ارتفعت في السنوات الأخيرة فان الخلافات حول الحضانة أصبحت أكثر صعوبة من الطلاق نفسه لأن عاطفتي الأبوة والأمومة تبقى اقوي من الزواج، لهذا تحتاج حضانة الطفل إلى اتفاق بين المطلقين وإلى تقديم مصلحة الأولاد على خلافتهما، وبمساعدة المحكمة يمكن الوصول إلى ما فيه مصلحة الطفل.
وقالت إن الحضانة تعني المحافظة على الطفل وتربيته ورعاية مصلحته، وموضوع أحقية حضانة الأطفال يحتاج إلى تحديد من الأصلح من الأبوين للحضانة والأصلح تحدده سلوكياتهما، ومن هنا تأتي أهمية أن يستعين القاضي بأعوانٍ وخبراء في علم النفس والخدمة الاجتماعية في كل محكمة للوقوف على حالة الأب أو الأم وكتابة تقاريرَ فنية ومهنية تحدد من خلالها صلاحية الأب أو الأم لحضانة الأطفال، حيث يجب أن يطلب القاضي قبل الحكم من (الأخصائي - الأخصائية) الاجتماعية أن يقوم بزيارة للوصي لدراسة الحالة الاجتماعية والبيئية ومن هو الأصلح بين الأبوين لحضانة الأطفال، وبعد ذلك يقوم (الأخصائي - الأخصائية) الاجتماعية بكتابة التقرير للزيارة الميدانية ويقدم إلى القاضي، ومن خلال الزيارة يتم سؤال (الجيران) أو العمل في حالة اتهام الزوج أو الزوجة بسوء أخلاقهما أو الطعن فيها أو بعدم أهليتها للحضانة تنتقل الحضانة للطرف الآخر.
وترى د. الرشيد أنه من الأهمية الإشارة إلى ضرورة مراعاة الجانب النفسي للطفل عند انتقال الحضانة، حيث يجب أن يتم تنفيذ حكم الحضانة بالتدريج مراعاة لمصلحة الطفل وحتى يمكن أن نجنبه أي مشكلات نفسية أو اجتماعية تنتج عن انتقاله من طرف إلى آخر. وتؤيد الدكتورة غادة بنت عبد الرحمن الطريف أستاذ مساعد في علم الاجتماع بكلية الخدمة الاجتماعية ومديرة للخدمات الطبية بجامعة الرياض للبنات وجود لجنة لمتابعة حضانة أحد الزوجين للأطفال في حالات الانفصال بالطلاق أسوة بلجنة الإصلاح الأسري قبل حالات الطلاق. وقالت انه ينبغي قبل الحكم أن تكون هناك لجنة متعاونة مع المحاكم تتكون من المستشارين المتخصصين في علم الاجتماع والجريمة وعلم النفس وذلك لعمل دراسة متعمقة لحالة الشخص الذي سيحتضن الأطفال، وذلك بمعرفة حالته النفسية والتأكد من خلوه من أي أعراض للمرض النفسي، وكذلك دراسة البيئة الاجتماعية التي يعيش بها "مثل طبيعة عمله والساعات التي يقضيها خارج المنزل، ومعرفة مدى صلاحية بيئة الحي الذي يسكن به الحاضن سواء كان الأب أو الأم، ومراجعة صحيفة سوابقه"، وبعد هذه الدراسة المستفيضة ترفع للقاضي للنظر في إعطاء الحكم بالحضانة بناء على تقرير اللجنة، مؤكداً على أننا إذا لم نفعل ذلك ستكثر حالات العنف التي يتعرض لها الأطفال في حالات الطلاق، ولنا أمثلة فيما تطالعنا به الصحف من حالات التعرض للعنف النفسي والجسدي على يد زوج الأم أو زوجة الأب أو الآباء أنفسهم لعدم قدرتهم على تحمل مسئولية الأبناء بمفردهم من حيث الجوانب النفسية أو الاجتماعية والاقتصادية وعدم تهيئة الظروف المناسبة لهم.
تحقيق: هيام المفلح
انضمت هذا الأسبوع الطفلة "شرعة" إلى قافلة الأطفال ضحايا التعذيب والإيذاء الأسري.. "شرعة" ذات السنوات الإحدى عشرة، قيدها والدها بالحبال وضربها وعذبها بحجة تربيتها، ثم تركها معلقة على الباب لمدة ست ساعات حتى فارقت الحياة!
حالات إيذاء الأطفال من قبل ذويهم لم ولن تتوقف.. كل فترة تطالعنا الصحف بحالة تعذيب أو قتل تقشعر لها الأبدان .. فالطفلة غصون - المعذبة من قبل والدها وزوجته حتى ماتت - لم تكن أول قافلة الضحايا.. وبالتأكيد لن تكون شرعة هي آخرها.
فماذا بوسعنا أن نفعل لحماية فلذات أكبادنا والحد من حالات الإيذاء الذي يتعرضون إليه من قبل آبائهم؟..
ماذا بوسعنا أن نفعل حيال الثقة المطلقة التي تمنحها المحاكم في أحكام الحضانة التي تقرّ بموجبها إعطاء الأطفال لآبائهم دون تمحيص بمدى أهلية هذا الأب - أو ذاك - للحضانة؟
"الرياض" تناقش مقترحاً طرحه الباحث القانوني محمد عبد العزيز المحمود يتلخص بضرورة وجود عدد من الباحثين الاجتماعين والمتخصصين بعلم النفس والجريمة في كل محكمة للوقوف على حالة الأب أو الأم الطالب للحضانة ودراسة، حالته من واقع حياته الاجتماعية في "حيّه، وسكنه، وعمله، ومسجده، وعلاقاته الاجتماعية، وصحيفة سوابقه"، ثم بعد التأكد من واقعه يتم كتابة تقريرٍ يرفع لأصحاب الفضيلة القضاة ويكون مستنداً للحكم بالحضانة من عدمها.
المقترح منصوص عليه في النظام
ومن وجهة نظر الباحث ليس في هذا ما يخالف الأنظمة أو التعليمات ؛ بل أن نظام المرافعات الشرعية الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/ 21وتاريخ 1421/5/20ه قد نص في المادة السابعة والثلاثين بعد المائة على أنه : "يجوز لوزير العدل أن يعيّن موظفين يتفرغون لبعض أعمال الخبرة لدى المحاكم"، بل إن النظام نفسه نصّ في المادة السادسة والثلاثين بعد المائة على أن : "تؤلف بقرار من وزير العدل لجنة للخبراء، وتحدد اللائحة التنفيذية اختصاص هذه اللجنة وأسلوب مباشرتها لاختصاصها".
فما المانع إذن - والقول للباحث المحمود - من الاستعانة بموظفين وخبراء للتأكد من صلاحية الأب أو الأم للحضانة من عدمها؟؟.. وكم من امرأةٍ عانت من زوجٍ مدمنٍ أو مريضٍ أو "معتوه" طلبت الخلع منه ثم بدأت معاناتها في طلب النفقة والحضانة، وإقناع القاضي بعدم صلاحية مطلقها للحضانة، ومماطلته في أداء النفقة. ثم هل تستطيع أغلب النساء رفع الدعاوى وفهم إجراءات التقاضي والحضور لجلسات المحاكم؟؟.
وهل تستطيع النساء - المبتليات بأزواجٍ مرضى - وخصوصاً في ظل تعاطي هذه السموم التي تؤثر على العقول، والإدمان على المسكرات والكحول، وفي ظلِّ تلك الضغوطات النفسية التي يعيشها البعض لظروف ماليةٍ أو نفسية أو اجتماعية فيفقدون السيطرة.. ويختّل عندهم التوازن.. هل تستطيع النساء إثبات صلاحية ذلك الأب للحضانة من عدمها؟
وما هي الآلية المتبعة اليوم لدى أصحاب الفضيلة القضاة للتأكد من صلاحية ذلك الأب أو الأم للحضانة؟.. وهل هناك خصوصية لتلك القضايا في الاستعجال في النظر فيها أم لا؟
الباحث المحمود يتفاءل خيراً بعد صدور نظام القضاء الجديد،الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/ 78بتاريخ 1428/9/19ه، والذي خصص لقضايا الأحوال الشخصية من زواجٍ وطلاق وخلع، ونفقةٍ وحضانة، محاكم خاصة هي محاكم الأحوال الشخصية يتفرغ بها عددٌ من القضاة للنظر فقط في تلك القضايا والتركيز فيها بدلاً مما هو معمولٌ به اليوم وفيما مضى من الزمان ؛ إذ ينظر القاضي أنواعاً من القضايا منها الجنائي، ومنها الحقوقي، إضافةً إلى قضايا الأحوال الشخصية.
وإن كنا لنرغب في افتتاح أقسامٍ نسائية في محاكم الأحوال الشخصية يُعيّن فيها خريجات الشريعة والأنظمة، ويكون دورهن في استقبال المرأة المشتكية، وسماع دعواها وتحريرها، ثم عرضها على القاضي ؛ إذ لا يمكن للمرأة - بطبيعتها - أن تفصح عن بعض ما يدور في واقعها من مشاكل، فمشاكل الزوجية وما يدخل في نطاقها من العيوب الخلقية لدى الزوج الموجبة للفسخ، وما يترتب عليها من النفقة، وحضانة الأولاد في حال وجودهم، ومشكلة العضل والمنع من الزواج أو تأخيره بسبب تسلط ذلك "الولي الظالم"؛ قد لا تستطيع المرأة أن تبثّ تفاصيل شكواها تلك. مباشرة أمام رجل غريبٍ عنها.
كما يرى المحمود أن على وزارة العدل الدور الكبير في دراسة مسائل الحضانة وأقوال العلماء فيها، وتحرير تلك المسائل، والنظر في الاجتهادات الفقهية المناسبة لهذا العصر من قبل مجموعة من العلماء المختصين ممن مارسوا العمل القضائي وعايشوا هموم الناس ومشاكلهم، ثم عرض تلك الدراسات وإطلاع قضاة محاكم الأحوال الشخصية عليها ؛ إذ من المعلوم أن القضاة ومع ضغط العمل الحاصل عليهم قد لا يتفرغون للدراسات المتعمقة في بعض المسائل، فلا بد من التعاون الجاد من الجميع للارتقاء بالعمل القضائي وخصوصاً ووزارة العدل تفرّغ العديد من منسوبيها للدراسات والبحوث، ورحم الله الفقيه الحنفي ابن عابدين الذي قال في حاشيته عن موضوع الحضانة ومن يصلح لها : "ينبغي للمفتي أن يكون ذا بصيرة يراعي الأصلح للولد، فإنه قد يكون له قريب مبغض له يتمنى موته، ويكون زوج أمه مشفقًا عليه يعز عليه فراقه، فيريد قريبه أخذه منها ليؤذيه ويؤذيها أو ليأكل من نفقته أو نحو ذلك، وقد يكون له زوجة تؤذيه أضعاف ما يؤذيه زوج أمه الأجنبي، وقد يكون له أولاد يخشى على البنت منهم الفتنة لسكناها معهم فإذا علم المفتي أو القاضي شيئًا من ذلك فلا يحل نزعه من أمه لأن مدار أمر الحضانة على نفع الولد".
وسيلة معينة للقاضي
وقال المحامي حمود الخالدي إن الاستفادة من خبراء وباحثين مختصين لتقرير مدى صلاح أحد الأبوين من الآخر في الحضانة وتقديمه أمام القضاء هي من الوسائل المعينة للقاضي، لاتخاذ الحكم المناسب، غير أنه يرى أن ما يقدم في تقرير هؤلاء المختصين هو غير مُلزم للقاضي وإنما يكون مقوياً ومعززاً للحكم لأحد الطرفين وموجهاً للاختيار الصحيح وصولاً إلى الحكم الصواب وتحقيق وجه العدالة من صدور الحكم بالحضانة، إذ يمكن لفريق المختصين أن يجدوا في أحد الأبوين ما يمكنه أو يمنعه من الحضانة مما يخفى على فضيلة القاضي.
ويوّضح الخالدي أن الحكم بالحضانة لأحد الأبوين يختلف تبعاً لاختلاف حالهما ويراعي الحكم حال صدروه مصلحة الطفل والعلم بصلاح أحد الأبوين أو عدمه أو قدرته على الرعاية من عدمها أو نحو ذلك، والذي يمكن اعتماده من قبل اللجنة المتخصصة في مثل هذا هو قدرة أحد الأبوين على غرس بذور القيم والمُثل العليا والأخلاق الحسنة في الطفل والقدرة على توفير الغذاء الصحي وبيئة المحيط الاجتماعي المناسبة ونحو ذلك مما يكفل بناء الطفل وتنشئته بشكل حسن.وهذا ما قررته اللائحة الأساسية لدور الحضانة الاجتماعية التي صدر بها قرار مجلس الوزراء برقم 156وتاريخ 1395/2/8م وكان من أهم أهداف إنشاء دور الحضانة الاجتماعية هو تقديم الرعاية المناسبة للأطفال ذوي الظروف الخاصة ممن لا تتوافر لهم الرعاية السليمة في الأسرة أو المجتمع الطبيعي، كعدم إمكانية التعرف على والدي الطفل أو أسرته أو وجود والدته في إحدى المؤسسات كالمستشفى أو السجن أو وفاة الأبوين أو التحفظ على الطفل من التشرد نتيجة افتراق الزوجين، حيث ترى الجهة المختصة استحالة قيام الوالدين أو أحدهما بحضانة الطفل ورعايته ويبقى النظر إلى مصلحة "المحضون" موجهاً أساسياً للحكم من قبل فضيلة القاضي تحقيقاً لسلامة "المحضون" وحرصاً على مصلحته وتحقيقاً للعدالة التي ينشدها الجميع من القضاء..
واجب أمني وحقوقي
من منظار علم النفس يرى الدكتور سعد بن عبد الله المشوح أستاذ الصحة النفسية كلية الملك خالد، ومستشفى الملك خالد الجامعي، أنه من الضرورة وجود هيئات استشارية ومتخصصة لمساعده العاملين بفصل المنازعات على تقصي الحقائق.
وقال: إن حضانة الأبناء تعد من أهم واخطر المراحل التربوية التي تؤثر في سلوك الأبناء ونظرتهم للحياة المستقبلة وما يتبع هذه الحضانة من تبعات تربوية أو سلوكية وتكيفيه داخل المنزل أو البيئة الجديدة خلاف ما تعودوا عليه، وكثيرا ما يهمل القائمون على المجال القضائي أو المهتمون بإصدار الإحكام الجزائية، والتي تفصل المنازعات الأسرية، حقوق الأبناء وأهلية الأبوين أو احدهما بالقيام بالحضانة، ومدى توفر الشروط الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والفكرية لمن يقوم بالحضانة، وكذلك مدى وجود سوابق جنائية لأحد الوالدين أو وجود سجل جنائي أو عدائي تجاه المجتمع، لذا يجب - والقول للمشوح - أن يقوم القاضي المختص بشؤون الأسرة أن يحيل القضايا التي تتعلق بأمر الحضانة إلى مختصين في المجال النفسي، وذلك لدراسة وضع الأب أو إلام النفسي والتأكد من السلامة العامة للصحة النفسية والعقلية، وذلك من المنطقي أن يكون سبب الخلاف إما مشكلات في السلوك لأحد الوالدين مثل الضرب أو العنف أو مشكلات نفسية وهو عجز الأب أو الأم للقيام بالدور الأسري ووجود اضطراب نفسي يعيق ذلك الفرد من مواصلة حياته اليومية، فكيف يمكن أن يقوم بتربية وحضانة الأبناء وهو أساسا عاجز على إدارة شؤون حياته؟.
وأضاف أنه قد يكون غافلا لمن يصدر الحكم أن يكون الأب مدمنا للمخدرات أو المسكرات وبالتالي المطالبة بدراسة حالته النفسية والاجتماعية مهم للكشف على القدرة والأهلية للحضانة، مشيراً إلى أنه من خلال الدراسات النفسية والعلمية فإن نسبة عالية من الآباء أو الأمهات والذين يعانون من وجود اضطرابات نفسية وسلوكية يفشلون بقدر كبير في تربية أبنائهم إذا ما واجهوا ضغوط الحياة لوحدهم، كما انه قد يلجأ الأب أو الأم والذي يقوم بدور الحضانة من إيذاء الأبناء عاطفياً أو سلوكياً أو معنوياً أو مادياً وذلك انتقاماً من الأم أو انتقاماً من الأب، وهذا مؤشر خطير يجعل من الأهمية وجود، بل من الواجب الأمني والحقوقي للأطفال ووجود مثل هذه التشريعات والتي تقوم بعملية التقييم، وليس مجرد مرة واحد بل مرات متعددة ومتكررة وزيارات مستمرة لضمان سلامة الأبناء النفسية والتربوية والاجتماعية.
نظام عالمي.. وشائع
من جهتها ترى الأستاذة تغريد بنت ناصر العبد الكريم اخصائية رياض أطفال وعضو برنامج الأمم المتحدة للطفولة، أن وجود مؤسسات "متابعة اتصال" بوزارة الشئون الاجتماعية أو بعض الجهات والهيئات الحكومية والوطنية لمتابعة حالات الأطفال، إلى جانب وجود مختصين في الخدمة الاجتماعية الأسرية والنفسية للحكم على السلامة النفسية والاجتماعية والجنائية لمن يقوم بدور الحضانة لهو أمر مهم ومطبق في الأنظمة العالمية، وهو أيضاً نظام معمول به وشائع الانتشار، فهناك بالمملكة المتحدة قسم خاص بمتابعه الأطفال وقضاياهم الخاصة بجميع أجهزة الدولة، فلابد من وجود مثل هؤلاء المختصين والاستعانة بخبراتهم قبل إصدار، الحكم وذلك لضمان سلامة الأبناء ولإدراك بعض الأمور التي قد تخفى على الجهات الأخرى.
وتضيف أن الطفل يعاني مما يسمى لدى المختصين بعلم النفس "قلق الانفصال"، وقد يستمر هذا القلق لسنوات طويلة وله تأثيرات نفسية واجتماعية وتربوية مريرة، وحيث يمر الطفل بمرحلة تعد هي الأخطر بحياته بعد الانفصال، ومن ثم القيام بالحضانة لأحد الأبوين، لذا يجب على الهيئات التشريعية البحث عن الأساس النفسي والاجتماعي والفكري لمن يقوم بالحضانة، فقد يكون الأب عدوانياً ومن خلال المشاهدات الميدانية للأطفال والذين تعرضوا لانفصال احد الأبوين كثيراً ما يلاحظ اهمال عام بالملبس أو الشكل أو التعليم، وذلك راجع إلى عدم اهتمام من يقوم بالحضانة أو تجاهله لحقوق الأبناء وخصوصاً حينما يكون الحاضن رجلاً، فقد ينشغل بأمور الحياة الأخرى أو يهمل الأبناء أو تلجأ - ما تسمى بزوجة الأب - إلى الإهمال المتعمد أو غير المتعمد لهؤلاء الأطفال.وأشارت إليأن من الأطفال من هم دون سن إدراك حاجاتهم الأساسية ولا يستطيعون المطالبة، وبناء على العمر الزمني لهؤلاء الأطفال والذين يكونون صغيرين نسبيا قد يكون لديهم عدم إدراك أو تشويه لواقعهم وحقوقهم اليومية والأساسية، وحينما ينمو هذا الإدراك يكون عالمهم داخلياً، ويصبح الطفل عرضه للاضطراب النفسي والاجتماعي أكثر من الآخرين.
وقد أثبتت الإحصاءات الموجودة لدى المحاكم المستعجلة، والتي تهتم بفصل القضايا الأسرية والنزاعات للحضانة وبعد مرور الوقت من فترات الحضانة تنازل الأب أو الأب للحضانة للطرف الآخر وذلك لتشرد الأبناء أو للعجز المادي أو وجود اضطرابات سلوكية واجتماعية على من يقوم بالحضانة، لذا يجب أن تسرع عملية الاتصال بالمختصين وسرعة دراسة حالة الأسرة ومن يجب أن يقوم بالحضانة دون تحيز لنوع وجنس الحاضن ومراعاة مصلحة الأبناء في ذلك، كما يجب عدم إهمال هروب الآباء أو ترك أبنائهم وجعل الحضانة وتربية الأبناء على عاتق الأم دون المشاركة التربوية والاقتصادية في ذلك وهذا يدخل ضمن صلاحيات هذه المؤسسات المختصة لدراسة الحالات.
ضرورة يفرضها الواقع
ولأصحاب علم الاجتماع رؤيتهم الواضحة تجاه هذا المقترح، حيث يقول الدكتور عبد العزيز بن عبد الله الدخيل أستاذ الخدمة الاجتماعية المساعد ورئيس الجمعية السعودية للدراسات الاجتماعية أن كثيراً من الدول يوجد بها اخصائيون اجتماعيون ونفسيون في المحاكم، إما لتقدير الحالة النفسية والاجتماعية والعقلية لأطراف القضية، أو لتقديم الخدمات العلاجية أو للوقاية من الوقوع في المشكلات الأسرية والتفكك الأسري الناتج عن الطلاق مثلاً، مؤكداً على أن المتخصصين في العلوم السلوكية هم أقدر الناس على معرفة وتقدير الأبعاد النفسية والاجتماعية للمتحاكمين، ولذلك فهم يساهمون في مساعدة المحكمة والقاضي في إصدار الأحكام بطريقة أكثر عدلاً خصوصاً في زمن كثرت فيه حالات التقاضي وقل فيه عدد القضاة.
وأضاف إن حق حضانة الأطفال بين الزوجين عند الطلاق هو أحد تلك الحالات التي يكون للاختصاصين دور هام في تقدير صلاحية كل من الزوجين للحضانة (هذا طبعا في حدود الأحكام الشرعية في حق الحضانة).
ويلفت النظر إلى أننا يجب أن نفرق هنا بين حق الحضانة وصلاحية الحضانة أو صلاحية الأب أو الأم للحضانة، فقد يكون حق الحضانة للأب مثلاً، ولكن ماذا لو أن هذا الأب مدمن مخدرات فهل هو صالح للحضانة؟ أو ماذا لو أن الأم لديها اضطراب نفسي أو عقلي؟ وفي بعض الحالات قد يثبت البحث الاجتماعي والنفسي عدم صلاحية أي من الزوجين للحضانة، كذلك يذكر أنه قد يكون للبيئة التي سيعيش بها الطفل المحتضن دور كبير في صلاحه أو فساده (فالإنسان ابن بيئته)، فماذا لو أن حق الحضانة أعطيت لأم تعيش في بيئة فاسدة؟
وأشار إلى أن الاختصاصيين الاجتماعيين والنفسيين لديهم من العلم والمعرفة والمهارات والقدرات لتقدير ودراسة حالتي كل من الزوجين وتقديم تقرير متكامل للقاضي يساعده ويستعين به بعد الله في إصدار حكم الحضانة، ومن شأن ذلك أن يساعد في حماية الأطفال، وحق علينا في إيجاد بيئة صالحة لتنشئتهم الاجتماعية السليمة، فلا نريد أن تتكرر حادثة الطفلة غصون وغيرها.
وتوافقه في وجهة نظره الدكتورة بنية محمد الرشيد عضو هيئة التدريس بكلية الآداب بجامعة الملك سعود في ضرورة أن يستعين القاضي بموظفين وخبراء في علم النفس والخدمة الاجتماعية في كل محكمة، لأن الطفل في الواقع هو الحلقة الأضعف في عملية الطلاق، حيث يقع تحت تأثير الصراع بين الزوج والزوجة وكلاهما يبحث عن الفوز بحضانته، وبما أن نسب الطلاق لدينا ارتفعت في السنوات الأخيرة فان الخلافات حول الحضانة أصبحت أكثر صعوبة من الطلاق نفسه لأن عاطفتي الأبوة والأمومة تبقى اقوي من الزواج، لهذا تحتاج حضانة الطفل إلى اتفاق بين المطلقين وإلى تقديم مصلحة الأولاد على خلافتهما، وبمساعدة المحكمة يمكن الوصول إلى ما فيه مصلحة الطفل.
وقالت إن الحضانة تعني المحافظة على الطفل وتربيته ورعاية مصلحته، وموضوع أحقية حضانة الأطفال يحتاج إلى تحديد من الأصلح من الأبوين للحضانة والأصلح تحدده سلوكياتهما، ومن هنا تأتي أهمية أن يستعين القاضي بأعوانٍ وخبراء في علم النفس والخدمة الاجتماعية في كل محكمة للوقوف على حالة الأب أو الأم وكتابة تقاريرَ فنية ومهنية تحدد من خلالها صلاحية الأب أو الأم لحضانة الأطفال، حيث يجب أن يطلب القاضي قبل الحكم من (الأخصائي - الأخصائية) الاجتماعية أن يقوم بزيارة للوصي لدراسة الحالة الاجتماعية والبيئية ومن هو الأصلح بين الأبوين لحضانة الأطفال، وبعد ذلك يقوم (الأخصائي - الأخصائية) الاجتماعية بكتابة التقرير للزيارة الميدانية ويقدم إلى القاضي، ومن خلال الزيارة يتم سؤال (الجيران) أو العمل في حالة اتهام الزوج أو الزوجة بسوء أخلاقهما أو الطعن فيها أو بعدم أهليتها للحضانة تنتقل الحضانة للطرف الآخر.
وترى د. الرشيد أنه من الأهمية الإشارة إلى ضرورة مراعاة الجانب النفسي للطفل عند انتقال الحضانة، حيث يجب أن يتم تنفيذ حكم الحضانة بالتدريج مراعاة لمصلحة الطفل وحتى يمكن أن نجنبه أي مشكلات نفسية أو اجتماعية تنتج عن انتقاله من طرف إلى آخر. وتؤيد الدكتورة غادة بنت عبد الرحمن الطريف أستاذ مساعد في علم الاجتماع بكلية الخدمة الاجتماعية ومديرة للخدمات الطبية بجامعة الرياض للبنات وجود لجنة لمتابعة حضانة أحد الزوجين للأطفال في حالات الانفصال بالطلاق أسوة بلجنة الإصلاح الأسري قبل حالات الطلاق. وقالت انه ينبغي قبل الحكم أن تكون هناك لجنة متعاونة مع المحاكم تتكون من المستشارين المتخصصين في علم الاجتماع والجريمة وعلم النفس وذلك لعمل دراسة متعمقة لحالة الشخص الذي سيحتضن الأطفال، وذلك بمعرفة حالته النفسية والتأكد من خلوه من أي أعراض للمرض النفسي، وكذلك دراسة البيئة الاجتماعية التي يعيش بها "مثل طبيعة عمله والساعات التي يقضيها خارج المنزل، ومعرفة مدى صلاحية بيئة الحي الذي يسكن به الحاضن سواء كان الأب أو الأم، ومراجعة صحيفة سوابقه"، وبعد هذه الدراسة المستفيضة ترفع للقاضي للنظر في إعطاء الحكم بالحضانة بناء على تقرير اللجنة، مؤكداً على أننا إذا لم نفعل ذلك ستكثر حالات العنف التي يتعرض لها الأطفال في حالات الطلاق، ولنا أمثلة فيما تطالعنا به الصحف من حالات التعرض للعنف النفسي والجسدي على يد زوج الأم أو زوجة الأب أو الآباء أنفسهم لعدم قدرتهم على تحمل مسئولية الأبناء بمفردهم من حيث الجوانب النفسية أو الاجتماعية والاقتصادية وعدم تهيئة الظروف المناسبة لهم.