البدوية
01-02-2010, 11:56 AM
المرأة المعاقة: صورة جسدية أم جمال روحي!
د.فتحي عبد الرحمن الضبع
لاشك في أن هناك علاقة وثيقة بين الصحة النفسية والصحة الجسمية،بحيث يمكن أن تفهم هذه العلاقة في شكل تأثير وتأثر متبادل بينهما، وتتجلي تلك العلاقة فيما يسمي بالمرض النفسجسمي أو ما يطلق عليه اصطلاحاً المرض السيكوسوماتي Psychosomatic ، وهو مرض عضوي جسمي في المقام الأول لكنه يرجع في أسبابه إلى عوامل نفسية ومواقف انفعالية، ولذلك فإن الفرد في المواقف الصادمة إذا لم يتحكم في انفعالاته بشكل ملائم مُرْضِي، ويعبر عنها في شكل مقبول متزن، فإن الجسم سوف يتولي التعبير عنها بما يستهلكه ويستنزفه من لحم ودم، ومن أمثلة الأمراض السيكوسوماتية: الأمراض الجلدية، والارتفاع المفاجئ في ضغط الدم، وتصلب الشرايين، والأزمات القلبية، والقولون العصبي، وفقدان الشهية العصبي..الخ.
ومن جانب آخر، إن صورة الجسد لها أهمية كبيرة في تحقيق النمو السوي لدى الفرد، وذلك من منطلق العلاقة الوثيقة بين الصحة النفسية، والصحة البدنية للفرد، فهناك عوامل تحدد سمات شخصية الفرد، ومنها على سبيل المثال: البناء الجسمى، والمظهر العام للجسم، إلى جانب الكفاية العقلية، والجوانب الانفعالية؛ حيث يؤثر المظهر العام للجسم على مفهوم الفرد عن ذاته، وعلى أساليب سلوكه نحو الآخرين، وهذا بدوره يؤثر على توافقه مع بيئته، كما يحدد التكوين الجسمى للفرد أشكال السلوك المختلفة، وما يتوقعه الفرد من نفسه، وما يتوقعه الآخرون منه. وهذا يعني أن الصورة الجسدية تلعب دوراً كبيراً في تحديد مفهوم الفرد عن ذاته الجسمية كأحد الأبعاد الرئيسة لمفهوم الذات عموماً.
وقد أشار علماء النفس إلى أنه من خصائص الإنسان أن تكون لديه فكرة عن ذاته الجسمية، أو صورة ذهنية عن جسمه وشكله وهيئته، ووظيفة هذه الفكرة أو الصورة أن الفرد يجمع كل خبراته الداخلية والخارجية على ضوئها، وعندما تحدث تغيرات جسمية بالزيادة أو بالنقصان فإنها تؤدي إلى تغير أساسي في فكرة الشخص عن ذاته الجسمية، وعادة ما يتعذر على الفرد أن يتكيف مع جسمه الجديد.
وإذا كانت الصورة الجسدية لها آثار بالغة في التكوين النفسي والاجتماعي للجنسين على حد سواء؛ فإن هذا التأثير قد ينسحب وربما بشكل أكبر على الأنثى، وتأثر الأنثي المعاقة بذلك أشد، وخاصة إذا كانت إعاقتها من الإعاقات الظاهرة كالإعاقة الحركية، وذلك لأن الإعاقة الحركية تشوه صورة الجسم، ولعل هذا يساهم في إثارة مشاعر الإحباط، والأسى، والقلق، وانخفاض مفهوم الذات لديها، مما يجعلها تتمركز حول ذاتها، وتخجل من الظهور أمام الآخرين في المواقف الاجتماعية المختلفة.
ويمكن تفسير ذلك في ضوء أن الأنثى تعول على مظهرها وشكلها الخارجي دوراً كبيراً في جاذبيتها وقبولها لدى الآخرين.وهذا يفسر لنا اهتمام المرأة بشكلها ومظهرها الخارجي.خاصة وأن هناك نمطاً من الرجال يفضلون الجمال الحسي في المرأة من حيث الشكل والمظهر والهيئة. وهذا يرتبط بما يطلبه الرجل ويبتغيه في المرأة من حيث هي اشتهاء واستهلاك جسدي خالص، ينغلق فيه المستهلك على حواسه دون وعي بالآخر بما هو قيمة في ذاته. وهذا يفصح عن علاقة نفعية خالصة مدفوعة بدوافع شهوانية تلبي الرغبة الجسدية فقط، وهذا يتنافي مع آداب تلك العلاقة الشرعية وما تنطوي عليه من جانب إنساني خالص؛ إنها علاقة موصولة تستهدف الديمومة والاستمرار، ويكون أساسها الوفاء، والرحمة، والمودة وتتضمن الأنس والمؤانسة بمعنى أن يأنس كل طرف للآخر؛ فالزواج ليس عشقاً لمفاتن الأنثى، وإنما هو إقامة بيت على المودة والرحمة والسكينة ووفق تعاليم الله ومقاصد شريعته. وأن المعيار الذي يضمن تحقيق ذلك لا يكون أبداً معياراً حسياً جسدياً، فالإنسان ليس بكمال الأجسام، وإنما بكمال الأخلاق والدين وحسن المعاشرة، وجمال الروح، وأن تشوه الجسد ليس بعاهة تحط من قدر الإنسان وقيمته؛ فالعاهة المشينة هى تلك العاهة التى تصيب الفرد فى دينه وخلقه، وما على الفرد إلا أن يقارن بين تشوه الوجه والجسد مثلاً، وتشوه الدين والضمير والأخلاق.إن تلك المقارنة لتحمل على الرضا بسلامة ذى العاهة الجسدية من الإصابة بعاهة النفس.
ومن واقع الحياة هناك أمثلة لكثير من الزيجات التى نجحت وأثمرت، واتسمت بالاستقرار والتفاهم والرضا المتبادل، وكان أحد أطرافها من ذوى الحاجات الخاصة، وما أكثر الزيجات التى فشلت وانهارت، وتركت أسوأ الأثر على حياة أطرافها، وكان فيها الزوجان من ذوي المظهر الجسمي الحسن؛ لأنه لم يتوافر لها حسن المعاشرة ،وتوافق الأزواج والرغبة المتبادلة فى الحرص على إنجاحها وحمايتها من الانهيار. إن قمة السعادة الحقيقية بين الرجل والمرأة لا تتحقق أبداً بما يملكه كل منهما من مقومات جسمية، بل تكمن في حالة الرضا والإرضاء بينهما، بمعنى أن يَرْضي كل صاحب بصاحبه ويُرْضِيه، فالسعادة في أحد معانيها حالة زوجين صغيرين يعيشان في كوخ صغير، رزقهما قليل، لكنه لا ينقطع، رَضِيَ بها، ورَضِيَتْ به.
ومن ثم، فالعبرة هنا ليست بالجمال الجسمي، فالجسم ما هو إلا مظهر خارجي وقناع زائف قد لا يعبر في أحيان كثيرة عن كنه الشخصية وحقيقتها، وهو جمال وقتي يرتبط بعوامل الصحة والمرض، ونوع الغذاء، والتقدم في العمر، أما جمال الروح فهو أسمي وأبقي. وقد ورد في هذا المعني ما خاطب به علي الجارم – أديب مصري – ابنته ناصحاً لها:
يا ابْنَتِي إِنْ أرَدْتِ آيَةَ حُسْنٍ *** وجمَالاً يُزيِّنُ جِسْمَاً وعَـقْلا
فانْبِذِي عادة التـبَرُّج نـبْذاً *** فجمالُ النفوسِ أسمَى وأعلَى
يصنع الصانعون ورداً ولكن *** وردة الرَّوْضِ لا تُضَارَعُ شَكْلا
زِينَةُ الوجه أن ترى العينُ فيه *** شرفاً يَسْحَرُ العُيُونَ ونُبْلا
واجعلي شِيمَةَ الحياءِ خِمَاراً *** فهو بالغَادةِ الكريمة أوْلَى
والبسي من عفافِ نفسك ثوباً *** كلُّ ثَوْبٍ سِوَاه يَفْنَى ويَبْلَى
وانظري في الضميرِ إِنْ شئْتِ *** مِرْآَةً ففيه تبدو النفوسُ وتُجَلَّى
ذاك نُصْحِي إلى فتاتي وسؤْلِي *** وابنتي لا تَرُدُّ للأبِ سُـؤْلا
د.فتحي عبد الرحمن الضبع
لاشك في أن هناك علاقة وثيقة بين الصحة النفسية والصحة الجسمية،بحيث يمكن أن تفهم هذه العلاقة في شكل تأثير وتأثر متبادل بينهما، وتتجلي تلك العلاقة فيما يسمي بالمرض النفسجسمي أو ما يطلق عليه اصطلاحاً المرض السيكوسوماتي Psychosomatic ، وهو مرض عضوي جسمي في المقام الأول لكنه يرجع في أسبابه إلى عوامل نفسية ومواقف انفعالية، ولذلك فإن الفرد في المواقف الصادمة إذا لم يتحكم في انفعالاته بشكل ملائم مُرْضِي، ويعبر عنها في شكل مقبول متزن، فإن الجسم سوف يتولي التعبير عنها بما يستهلكه ويستنزفه من لحم ودم، ومن أمثلة الأمراض السيكوسوماتية: الأمراض الجلدية، والارتفاع المفاجئ في ضغط الدم، وتصلب الشرايين، والأزمات القلبية، والقولون العصبي، وفقدان الشهية العصبي..الخ.
ومن جانب آخر، إن صورة الجسد لها أهمية كبيرة في تحقيق النمو السوي لدى الفرد، وذلك من منطلق العلاقة الوثيقة بين الصحة النفسية، والصحة البدنية للفرد، فهناك عوامل تحدد سمات شخصية الفرد، ومنها على سبيل المثال: البناء الجسمى، والمظهر العام للجسم، إلى جانب الكفاية العقلية، والجوانب الانفعالية؛ حيث يؤثر المظهر العام للجسم على مفهوم الفرد عن ذاته، وعلى أساليب سلوكه نحو الآخرين، وهذا بدوره يؤثر على توافقه مع بيئته، كما يحدد التكوين الجسمى للفرد أشكال السلوك المختلفة، وما يتوقعه الفرد من نفسه، وما يتوقعه الآخرون منه. وهذا يعني أن الصورة الجسدية تلعب دوراً كبيراً في تحديد مفهوم الفرد عن ذاته الجسمية كأحد الأبعاد الرئيسة لمفهوم الذات عموماً.
وقد أشار علماء النفس إلى أنه من خصائص الإنسان أن تكون لديه فكرة عن ذاته الجسمية، أو صورة ذهنية عن جسمه وشكله وهيئته، ووظيفة هذه الفكرة أو الصورة أن الفرد يجمع كل خبراته الداخلية والخارجية على ضوئها، وعندما تحدث تغيرات جسمية بالزيادة أو بالنقصان فإنها تؤدي إلى تغير أساسي في فكرة الشخص عن ذاته الجسمية، وعادة ما يتعذر على الفرد أن يتكيف مع جسمه الجديد.
وإذا كانت الصورة الجسدية لها آثار بالغة في التكوين النفسي والاجتماعي للجنسين على حد سواء؛ فإن هذا التأثير قد ينسحب وربما بشكل أكبر على الأنثى، وتأثر الأنثي المعاقة بذلك أشد، وخاصة إذا كانت إعاقتها من الإعاقات الظاهرة كالإعاقة الحركية، وذلك لأن الإعاقة الحركية تشوه صورة الجسم، ولعل هذا يساهم في إثارة مشاعر الإحباط، والأسى، والقلق، وانخفاض مفهوم الذات لديها، مما يجعلها تتمركز حول ذاتها، وتخجل من الظهور أمام الآخرين في المواقف الاجتماعية المختلفة.
ويمكن تفسير ذلك في ضوء أن الأنثى تعول على مظهرها وشكلها الخارجي دوراً كبيراً في جاذبيتها وقبولها لدى الآخرين.وهذا يفسر لنا اهتمام المرأة بشكلها ومظهرها الخارجي.خاصة وأن هناك نمطاً من الرجال يفضلون الجمال الحسي في المرأة من حيث الشكل والمظهر والهيئة. وهذا يرتبط بما يطلبه الرجل ويبتغيه في المرأة من حيث هي اشتهاء واستهلاك جسدي خالص، ينغلق فيه المستهلك على حواسه دون وعي بالآخر بما هو قيمة في ذاته. وهذا يفصح عن علاقة نفعية خالصة مدفوعة بدوافع شهوانية تلبي الرغبة الجسدية فقط، وهذا يتنافي مع آداب تلك العلاقة الشرعية وما تنطوي عليه من جانب إنساني خالص؛ إنها علاقة موصولة تستهدف الديمومة والاستمرار، ويكون أساسها الوفاء، والرحمة، والمودة وتتضمن الأنس والمؤانسة بمعنى أن يأنس كل طرف للآخر؛ فالزواج ليس عشقاً لمفاتن الأنثى، وإنما هو إقامة بيت على المودة والرحمة والسكينة ووفق تعاليم الله ومقاصد شريعته. وأن المعيار الذي يضمن تحقيق ذلك لا يكون أبداً معياراً حسياً جسدياً، فالإنسان ليس بكمال الأجسام، وإنما بكمال الأخلاق والدين وحسن المعاشرة، وجمال الروح، وأن تشوه الجسد ليس بعاهة تحط من قدر الإنسان وقيمته؛ فالعاهة المشينة هى تلك العاهة التى تصيب الفرد فى دينه وخلقه، وما على الفرد إلا أن يقارن بين تشوه الوجه والجسد مثلاً، وتشوه الدين والضمير والأخلاق.إن تلك المقارنة لتحمل على الرضا بسلامة ذى العاهة الجسدية من الإصابة بعاهة النفس.
ومن واقع الحياة هناك أمثلة لكثير من الزيجات التى نجحت وأثمرت، واتسمت بالاستقرار والتفاهم والرضا المتبادل، وكان أحد أطرافها من ذوى الحاجات الخاصة، وما أكثر الزيجات التى فشلت وانهارت، وتركت أسوأ الأثر على حياة أطرافها، وكان فيها الزوجان من ذوي المظهر الجسمي الحسن؛ لأنه لم يتوافر لها حسن المعاشرة ،وتوافق الأزواج والرغبة المتبادلة فى الحرص على إنجاحها وحمايتها من الانهيار. إن قمة السعادة الحقيقية بين الرجل والمرأة لا تتحقق أبداً بما يملكه كل منهما من مقومات جسمية، بل تكمن في حالة الرضا والإرضاء بينهما، بمعنى أن يَرْضي كل صاحب بصاحبه ويُرْضِيه، فالسعادة في أحد معانيها حالة زوجين صغيرين يعيشان في كوخ صغير، رزقهما قليل، لكنه لا ينقطع، رَضِيَ بها، ورَضِيَتْ به.
ومن ثم، فالعبرة هنا ليست بالجمال الجسمي، فالجسم ما هو إلا مظهر خارجي وقناع زائف قد لا يعبر في أحيان كثيرة عن كنه الشخصية وحقيقتها، وهو جمال وقتي يرتبط بعوامل الصحة والمرض، ونوع الغذاء، والتقدم في العمر، أما جمال الروح فهو أسمي وأبقي. وقد ورد في هذا المعني ما خاطب به علي الجارم – أديب مصري – ابنته ناصحاً لها:
يا ابْنَتِي إِنْ أرَدْتِ آيَةَ حُسْنٍ *** وجمَالاً يُزيِّنُ جِسْمَاً وعَـقْلا
فانْبِذِي عادة التـبَرُّج نـبْذاً *** فجمالُ النفوسِ أسمَى وأعلَى
يصنع الصانعون ورداً ولكن *** وردة الرَّوْضِ لا تُضَارَعُ شَكْلا
زِينَةُ الوجه أن ترى العينُ فيه *** شرفاً يَسْحَرُ العُيُونَ ونُبْلا
واجعلي شِيمَةَ الحياءِ خِمَاراً *** فهو بالغَادةِ الكريمة أوْلَى
والبسي من عفافِ نفسك ثوباً *** كلُّ ثَوْبٍ سِوَاه يَفْنَى ويَبْلَى
وانظري في الضميرِ إِنْ شئْتِ *** مِرْآَةً ففيه تبدو النفوسُ وتُجَلَّى
ذاك نُصْحِي إلى فتاتي وسؤْلِي *** وابنتي لا تَرُدُّ للأبِ سُـؤْلا