المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إدماج مراهقي ذوي الإعاقة في المجتمع ضرورة حتمية


المتفائل
11-28-2009, 01:25 PM
إدماج مراهقي ذوي الإعاقة في المجتمع ضرورة حتمية

د. إبراهيم بن عبدالعزيز المعيقل

حوار ـ أحمد الزهراني:
ترجع كلمة «المراهقة» إلى الفعل «راهق» الذي يعني الاقتراب من الشيء، فراهق الغلام فهو مراهق، أي: قارب الاحتلام، ورهقت الشيء رهقاً، أي: قربت منه. والمعنى هنا يشير إلى الاقتراب من النضج والرشد. والبلوغ أهم علامات المراهقة.
فالبلوغ هو التغير السريع في النضج الجسمي متضمناً التغيرات الهرمونية والجسدية لتأخذ مكانها الأصلي خلال فترة المراهقة المبكرة. لا نستطيع أن نحدد سن معينة للبلوغ للبنيين أو البنات نتيجة الاختلافات والفروق الفردية وعامل الوراثة في هذا الجانب ولكن يمكن أن تحدد بمدى زمني يتراوح بين 10 سنوات و13 سنة لدى البنات و12 سنة و15 سنة لدى البنيين ولا يمكننا أيضاً أن نتنبأ بما ستكون عليه فترة البلوغ بعد عقد من الزمن نتيجة التغير في الخصائص البشرية بشكل عام مع مرور الوقت. فالدراسات توضح أنه في عام 2250 يمكن أن تكون سن البلوغ لدى الفتيات أبكر بكثير مما هي عليه الآن. ففي المجر 1840 كانت الفتيات يبلغن هذه المرحلة في سن «17» أما الآن فالمعدل هو 13 سنة. وهناك العوامل الجينية المرتبطة بالبلوغ، إضافة إلى عوامل التغذية والصحة، ولكن هل تختلف مرحلة المراهقة لدى ذوي الاحتياجات الخاصة عن غيرهم؟ وما هي التغيرات البيولوجية النفسية التي تطرأ عليهم؟
هذه المحاور وغيرها نسلط عليها الضوء عبر هذا الحوار مع الدكتور إبراهيم عبدالعزيز المعيقل المختص بالإعاقة العقلية..

* حدثنا عن مرحلة البلوغ لدى ذوي الإعاقة؟
- إن النمو الفسيولوجي الذي يحدث في مرحلة المراهقة لدى جميع الأفراد وخاصة ذوي الاحتياجات الخاصة يجب أن يستدعي انتباه الأهل والمربين، لما لهذا النمو من انعكاسات عميقة على حياتهم في المستقبل. والواقع أن معظم الأهل والمدرسين يفضلون تجنب الحديث عن مسائل البلوغ والتغيرات الجنسية لدى المراهقين باعتبار أن التحدث فيها لا يخلو من الأخطاء والمحاذير.

* هل يوجد تفاوت لمرحلة البلوغ بين ذوي الإعاقة؟
- حينما نتحدث عن الأفراد الذين لديهم إعاقة فنحن أمام فروق فردية كبيرة فيما يتعلق بمرحلة البلوغ وذلك بسبب اختلاف الإعاقة ودرجتها ولكن في غالب الأمر نجد أن هؤلاء الأفراد يمرون بنفس التغيرات التي يمر بها الأفراد غير المعاقين. فنجد أن مرحلة البلوغ يمكن أن تبدأ مبكراً في عمر عشر سنوات ويمكن أن تتأخر بدايتها حتى سن 13 أو 14 سنة ويمكن أن تنتهي هذه الفترة مبكراً لدى البعض في عمر 13 أو تستمر حتى سن 17 عاماً. هذا المجال الواسع يعتبر طبيعياً متى ما أخذنا في الحسبان الفروق الفردية داخل كل جنس وعوامل أخرى مثل التغذية والوراثة والصحة العامة وغيرها. ومن الأمثلة على ذلك الأفراد المصابين بالتوحد فلقد أظهرت الدراسات أنهم عادة ما يظهر لديهم علامات البلوغ في سن مبكرة عن العاديين قد تصل إلى عمر 6 سنوات ونصف أو 9 سنوات.
وتختلف مرحلة المراهقة من معاق إلى آخر، ومن بيئة إلى أخرى، كما تختلف من مجتمع لديه عادات أو تقاليد أو تكاليف شرعية معينة تبدأ مع حدوث البلوغ، عنها في المجتمع المتحرر من جميع الأخلاقيات. كما أن هناك مجتمعات تتيح للمراهق فرص العمل والنشاط، وفرص إشباع الحاجات والدوافع المختلفة والمقبولة يختلف عن ما هو مقيد ومحدود الفرص. كما أن مرحلة المراهقة لدى الأفراد المعاقين تتأثر بما مروا به من خبرات في مراحل النمو السابقة والكيفية التي من خلالها تم إعدادهم. وهناك أشكال مختلفة للمراهقة، يتطابق فيها الإنسان الذي لديه إعاقة مع من ليس لديه إعاقة، منها: مراهقة سوية خالية من المشكلات والصعوبات، ومراهقة انسحابية، حيث ينسحب المراهق من مجتمع الأسرة، ومن مجتمع الأقران، ويفضل الانعزال والانفراد بنفسه، حيث يتأمل ذاته ومشكلاته، ومراهقة عدوانية، حيث يتسم سلوك المراهق فيها بالعدوان على نفسه وعلى غيره من الناس والأشياء.

* ما التغيرات التي تطرأ على ذوي الإعاقة في هذه المرحلة؟
- يمكن أن يحدث صراع نفسي لدى المراهق من ذوي الاحتياجات الخاصة ينشأ من التغيرات البيولوجية والنفسية التي تطرأ عليه في هذه المرحلة، فجسدياً يشعر بنمو سريع في أعضاء جسمه قد يسبب له قلقاً وإرباكاً، وينتج عنه إحساسه بالخمول والكسل والتراخي، وقد يعتري المراهق حالات من اليأس والحزن والألم التي لا يعرف لها سبباً، ويبدأ بمحاولة التحرر من سلطة الوالدين ليشعر بالاستقلالية والاعتماد على النفس، وبناء المسؤولية الاجتماعية، وذلك استجابة طبيعية للمرحلة، وهو في الوقت نفسه لا يستطيع أن يبتعد عن الوالدين؛ لأنهم مصدر الأمن والطمأنينة ومنبع الجانب المادي لديه، وهذا التعارض بين الحاجة إلى الاستقلال والتحرر والحاجة إلى الاعتماد على الوالدين، وعدم فهم الأهل لطبيعة المرحلة وكيفية التعامل مع سلوكيات المراهق قد يسبب لهذا الإنسان ما أسماه العالم أريكسون، صاحب نظرية التحليل النفسي الاجتماعي، (الهوية مقابل اضطراب الهوية). إن النسبة الغالبة من الأفراد المصابين بالإعاقة الفكرية هم من الفئة البسيطة والنسبة التي إعاقتها شديدة لا يشكلون إلا نسبة بسيطة. وكذلك نجد قدرة الكفيف على تنمية جوانب قوة كثيرة منها الذاكرة. وفي حالة الأفراد المصابين بالتوحد نجد أن فترة المراهقة وما تحمله من تعقيدات سلوكية ونفسية واجتماعية تعتبر أخف وطأة على هذا الفرد وأسرته من مراحل الطفولة. في الحقيقة هناك اختلاف كبير بين الأفراد الذين لديهم إعاقات فيما يتعلق بجانب التغيرات النفسية والاجتماعية وهذا الاختلاف يحكمه متغيرات كثيرة مثل نوع الإعاقة وشدتها والقدرة العقلية لدى الفرد وكذلك درجة المساندة الاجتماعية ونوع الخدمات المقدمة لهؤلاء الأفراد في سن مبكرة وفي سني المراهقة. ولكن بشكل عام وجدت الدراسات أن الإنسان الذي لديه إعاقة، يمر بتغيرات نفسية كبيرة قد تصل إلى الغضب والإنكار والاضطرابات النفسية مثل القلق أو الانسحاب. ويمكن أن يمارسوا نوعا من العدوان وعادة يكون موجهاً نحو الذات نتيجة الإحباطات المتعددة والاتجاهات السلبية المتبادلة بين هذا الإنسان والمجتمع الذي يعيش فيه.
وفي الجانب الاجتماعي نحتاج أن ندرك أن الوصول إلى درجة اجتماعية طبيعية في جميع الإعاقات يعتبر أمراً صعب المنال. بل وتزيد المشكلة لديهم متى ما وجد لديهم ضعف في الخصائص التواصلية التفاعلية. ولكن الجانب المشرق في ذلك أن هؤلاء الأفراد، بشكل عام، تتحسن لديهم مهاراتهم الاجتماعية كلما تقدموا في السن، ويظهر ذلك جلياً في سني المراهقة. وتبقى حالة الانطواء الاجتماعي محصورة في الدرجات الشديدة من الإعاقة. ومن المشاكل الاجتماعية التي تواجه الأشخاص الذين لديهم إعاقة هي القدرة على كسب الصداقات والقدرة على المحافظة عليها.

* ما المشاكل التي تواجه ذوي الإعاقة في هذه المرحلة؟
- في الوطن العربي بشكل عام تكمن المشكلة التي تواجه المراهقين ذوي الإعاقات بشكل عام وأسرهم في نقص مصادر خدمات المساندة في المجتمع سواء في المستشفيات أو في المدارس أو المتخصصين وكذلك الكتب المتخصصة أو باقي مؤسسات الرعاية الاجتماعية المتخصصة بتقديم الدعم الأسري المعلوماتي أو التدريبي. وهذا يؤدي بلا شك إلى خطورة بالغة سواء على الفرد المعاق أو أسرته. وتكمن هذه الخطورة في كثرة الضغوط النفسية والإحباطات. كما أن هؤلاء الأفراد عرضة للتحرش والإساءة الجنسية نتيجة افتقارهم للوعي الاجتماعي وعدم قدرتهم على تقدير خطورة ما يتعرضون له أو التعرف على مضمون ما يطلب منهم ولنا في حادثة الدمام الأسبوع الماضي خير مثال في هذا الخصوص. ففي الولايات المتحدة أظهرت الدراسات أن 80% من الفتيات المراهقات و50% من الفتيان المصابين بالتوحد تعرضوا أو يتعرضون للتحرش الجنسي. إنها مسؤولية الآباء والمعلمين في تدريس وتعليم هؤلاء الأفراد حول التربية الجنسية. فالبرامج التعليمية يجب أن تراعي الجانب التوعوي بهذه القضية وتدريب الطفل والمراهق الذي لديه إعاقة حول هذه المواضيع. ويجب أن نشير هنا إلى جانب مهم وهو قدرة هؤلاء الأفراد على الحصول على حياة مستقلة في مرحلة الرشد هذا الجانب يبقى من الجوانب المهملة حقيقة في عملية تعليم هذه الفئة خلال المراحل العمرية السابقة لهذه المرحلة. وتبرز الحاجة لهذا الإعداد في مرحلة المراهقة ولكن يفاجأ المجتمع بأن هذه الفئة غير قادرة على العمل أو على الحصول على حياة مستقلة كباقي الأقران وهذا في الحقيقة يعود إلى الإعداد الغير جيد ومن مراحل مبكرة فالطريق لحياة الراشدين الطبيعية، حتى مع وجود إعاقة، يجب أن يبدأ في سني الطفولة وليس في مرحلة المراهقة. ومن هنا نجد أن المراهق الذي لديه إعاقة ينتهي من المدرسة إلى الجلوس في المنزل بمشاركة ضئيلة جداً في مجتمعه وبلا عمل يكفل له حياة مناسبة.

* الإعداد والتأهيل كيف يتم في هذه المرحلة؟
- دائماً الإعداد الجيد يحتاج إلى تخطيط جيد. وفي مجال التربية الخاصة هناك طريق واضح لهذا الإعداد السليم ولكن يحتاج إلى تضافر جهود عديدة في هذا المجال سواء على صعيد أسرة الفرد والفرد نفسه أو على المستوى المؤسساتي الحكومي منه والخاص أيضا فالجميع عليه أدوار وواجبات يحتاج أن يؤديها لكي نضمن بإذن الله تأهيل هؤلاء الأفراد بالشكل السليم. وأول جوانب الإعداد هو توفر القانون الذي يحمي هؤلاء الأفراد ويضمن حصولهم على حقوقهم. وقد سعت ولله الحمد حكومتنا الرشيدة وأصدرت قانوناً خاصاً بحقوق الفرد المعاق وإنشاء مجلس أعلى متخصص بالإعاقة والذي نأمل أن يتم استكمال أعماله قريباً. ومن أجل الانتقال السليم والصحي من حياة الطفولة والمدرسة إلى حياة البالغين والعمل هناك ما يسمى بخطط الانتقال الفردي والتي تركز على إعداد الفرد المعاق من خلال خطة مكتوبة تتضمن أهداف في مجالات الحياة العامة والاستقلال الشخصي والعمل بأجر والتفاعل المجتمعي والقدرة على استغلال وقت الفراغ بالشكل السليم. يبدأ هذا المخطط في مرحلة المراهقة وأثناء وجود الفرد في التعليم المتوسط أو الثانوي ويشترك في هذه الخطة كل من معلم التربية الخاصة والشخص نفسه الذي لديه إعاقة وأسرته وكل من يمكنه المساعدة في هذا الجانب سواء من داخل المدرسة أو خارجها. كما نؤكد على أهمية توفير فرص التأهيل المهني وفرص التعليم الجامعي وفرص المشاركة المجتمعية والتي تعتبر مسؤولية مجتمعية رسمية تحتاج إلى التوعية والمطالبة بها.

د. إبراهيم بن عبدالعزيز المعيقل
دكتوراه في الفلسفة في التربية
تخصص تربية خاصة
تعليم وتأهيل ذوي الإعاقة العقلية